fbpx

عن جمهور كرة القدم وعن التعصب والشغف والحب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يقول بوبي شارلتون، نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي في الستينات، إن الفضائل والمشاعر التي توحد الإنسانية في كرة القدم، هي ما يجعلها الرياضة الوحيدة التي من الواجب اختراعها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يقول بوبي شارلتون، نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي في الستينات، إن الفضائل والمشاعر التي توحد الإنسانية في كرة القدم، هي ما يجعلها الرياضة الوحيدة التي من الواجب اختراعها.

لم يقصد شارلتون بكلامه ممارسي هذه اللعبة من هواة أو محترفين فقط، بل الجمهور، والمشجعين على وجه التحديد. هؤلاء الذين يداومون على الذهاب إلى الملاعب في عطلة الأسبوع، حاملين الرايات والزمامير والطبول. يطلون وجوههم بألوان فريقهم، يرددون الأناشيد والهتافات، يتخلون عن الراحة أمام التلفزيون من أجل أن يكون كل واحد منهم هو اللاعب رقم 12، وغالباً كي يكونوا هم الحكم الذي يصدر الأوامر الصائبة.

هؤلاء في معظم دول العالم يشكلون أكبر تجمعات بشرية. نادي ريال مدريد وحده لديه 450 مليون مشجع حول العالم. أما مانشستر يونايتد فلديه شعبية أوسع مع أكثر من 660 مليون مشجع في مختلف القارات. واليوم، إذا نظرنا إلى ملعب نادي برشلونة “الكامب نو” في إحدى أمسيات السبت أو الأحد، فسنجد أن الذين يحتلون المقاعد أتوا من اليابان وأيضاً السياح الصينيون الجدد، والأغنياء الروس والعائلات الخليجية وأعداد كبيرة من شبان المغرب والجزائر، إضافة إلى مشاهير الفن والسياسة.

حب وتعصب ولحظات فرح

كل هؤلاء.. ما الذي يجمعهم؟ العاطفة وحب الفريق. إذا سألت أي مشجع، مهما كانت جنسيته، لماذا تشجع هذا الفريق، فلن يكون لديه إلا جواب واحد: لأني أحبه. الحب والعاطفة هما كل التشجيع. هذا ما نتعلمه من جمهور ليفربول وأغنيتهم الشهيرة: “لن تسير وحدك أبداً” (You’ll Never Walk Alone).

وإذا كنت مواطناً لندنياً، لا يكفي انحيازك لمدينتك كي تحب نادياً بعينه، ففي لندن وحدها أكثر من عشرة أندية، ولكل منها جمهورها المتعصب الوفي. يمكنك أن تجد كتالونيين يشجعون اسبانيول ضد برشلونة تحديداً. يمكنك أن ترى مواطنين من أي دولة في العالم يمنحون هذا الحب للفريق البرازيلي وحده، وبعضنا لا يحب سوى إيطاليا.

كل هؤلاء.. ما الذي يجمعهم؟ العاطفة وحب الفريق. إذا سألت أي مشجع، مهما كانت جنسيته، لماذا تشجع هذا الفريق، فلن يكون لديه إلا جواب واحد: لأني أحبه.

لكن في أحيان كثيرة، التشجيع هو انتماء أيضاً. في العام 2013، ولأول مرة منذ طرد “طالبان” من العاصمة كابول، اجتمع الجمهور الأفغاني لتشجيع منتخبه الوطني في مباراة بمواجهة باكستان. الإستاد المتواضع بالكاد يتسع لستة آلاف شخص، ومع ذلك فإن بهجة الانتصار 3-0 على الجارة اللدودة، أحيت في هذا البلد مشاعر نادرة بالروح الوطنية وبلحظات من الفرح والسلام والحياة العادية.

غالباً ما كانت كرة القدم التي تجمع الناس هي المدخل للخروج من مشاعر الحرب، أو للتخفيف من العداوة بين الشعوب. المباراة الأولى التي جمعت إيران وأميركا في كأس العالم 1998، شهدت مصافحة نادرة بين الإيرانيين وأبناء “الشيطان الأكبر”. تبادلا السلام والوقوف بوقار أمام النشيدين الوطنيين والتقاط الصور التذكارية، فيما كان الجمهور يصفق طويلاً.

بعد الحرب العالمية الثانية، كان من علامات عودة الحياة إلى أوروبا، انتشار ملاعب كرة القدم، واستفاقة الأندية وتكاثرها، واستئناف اللعب في المدن وعبر البلاد، وانتظام البطولات الوطنية، كذلك تنظيم المنافسات القارّية بوصفها مناسبات للقاء الشعوب الأوروبية وتعارفها مجدداً وبث روح التسامح، أو “الروح الرياضية” في ما بينها.

مسرح الأهواء العامة
البلدان المهزومان في الحرب، إيطاليا وألمانيا، صارتا موطنين لكرة القدم، كونها البديل التعويضيّ عن السياسة من ناحية، وعن الهزيمة العسكرية من ناحية أخرى. لكن الأهم أن كرة القدم باتت في أوروبا، وخصوصاً في إيطاليا وألمانيا التعبير المشهدي عن إعادة بناء المجتمع والدولة وانضباط الحياة العامة، وبث روح الانتماء للمدينة الواحدة ومن ثم للبلد الواحد. كانت بلسماً للروح الجريحة.
دوماً بدت كرة القدم أكثر من رياضة، فهي أولاً مدرّجات الجماهير، حيث فيها يتم “تصريف” العنف العمومي، وفق قواعد السيطرة والرقابة، المفروضة قانوناً على سلوك الجمهور. عنف رمزي وغرائز مشحونة ومكبوتة تنسرب وتنطلق وفق طقوس التشجيع والمنافسة، والتقلب بين الاحتفال بالانتصارات ورفع الكؤوس أحياناً، وبين تقبل الهزائم واعتيادها أحياناً كثيرة. بهذا المعنى، كانت كرة القدم ولا تزال، مسرح الأهواء العامة، وملاعبها مرآة لنجاحات المدن والبلدان، كما لاضطراباتها ونزاعاتها السياسية.

نادراً، ما كانت شعوب أوروبا تلتقي، حين كانت مقسومة بين كتلتين شرقية شيوعية وغربية رأسمالية. كان الجدار الحديدي والحدود المغلقة في عهود الحرب الباردة هما الحقيقة المؤلمة في القارة.. لكن المناسبات الكروية، بوصفها أيضاً مناسبة للاستعراض الأيديولوجي، أتاحت أكثر من غيرها للقاءات جماهيرية واسعة في أرض الملعب. في هامبورغ عام 1974، كان اللقاء الأول بين منتخب ألمانيا الشرقية ومنتخب ألمانيا الغربية. سلطات ألمانيا الشرقية سمحت فقط لألفين من المشجعين السفر برفقة فريقهم. قبل ذلك، في العام 1954، أقيمت البطولة في سويسرا المحايدة، وكانت فرق أروربا الشرقية المتأهلة تضم تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، بالإضافة إلى هنغاريا (المجر) أهم منتخب “شيوعي” آنذاك. هذا ما أتاح لآلاف “الشرقيين” السفر للتواجد في الملاعب السويسرية جنباً إلى جنب مع الجمهور الآتي من أنحاء العالم. وحتى بعد تلك البطولة، قام الفريق الهنغاري في العام نفسه برحلة إلى بريطانيا ليلاعب منتخبي اسكتلندا وإنكلترا.   

تاريخ “المونديال” برهن أن كرة القدم ليست مناسبة للنزال والنزاع، ولا لاستئناف الحروب والصراعات، وجمهور كرة القدم برهن كثيراً أن حماسته وتشجيعه وهوسه ولحظات جنونه ليس فيها ضغائن وأحقاد، فهو هنا من أجل تلك العاطفة والحب، من أجل “الكرنفال” و”الاحتفال” و”اللهو” و”اللعب” و”الرياضة”.

أرض ما بعد القومية

وإذا كانت الملاعب الأوروبية سابقاً، مرتعاً لاستعراض العصبيات الوطنية والمناطقية وللمشاعر العنصرية، فإنها اليوم أرض لما بعد القومية وللعولمة. فعدا اللاعبين متعددي الجنسيات والأصول، فإن الجمهور والمشجعين ليسوا هم من في الملعب، بل جمهور تلفزيوني فضائي، نجدهم في كل دول وعواصم العالم.

صحيح أن تاريخ الملاعب مليء بحوادث الشغب والصدامات، لكن آخر مأساة عنف حقيقية شهدها العالم كانت في ملعب هيسل البلجيكي عام 1985، والتي راح ضحيتها أكثر من 39 قتيلاً. منذ ذلك الحين، يمكن القول أن روح التسامح هي السائدة والغالبة بين جمهور المشجعين. ومن يعرف تاريخ اللعبة، يدرك ما هو التنافس التاريخي والخصومة الشديدة بين ريال مدريد وبرشلونة، لكنه يتذكر كيف وقف جمهور الريال مصفقاً لدييغو مارادونا لاعب برشلونة عام 1985، بعد هدفه الرائع في مرمى النادي الملكي. المشهد ذاته تكرر عام 2005، مع اللاعب البرشلوني رونالدينيو. أغلب الملاعب تخلت عن الفصل الصارم بين الجماهير المتخاصمة. في مونديال البرازيل 2014، داخل الملعب كما بالميادين والشوارع، كان الجمهور الألماني يهلل فرحاً من دون وجل في الوقت الذي كانت فيه الأمة البرازيلية كلها غارقة في الدموع.

تاريخ “المونديال” برهن أن كرة القدم ليست مناسبة للنزال والنزاع، ولا لاستئناف الحروب والصراعات، وجمهور كرة القدم برهن كثيراً أن حماسته وتشجيعه وهوسه ولحظات جنونه ليس فيها ضغائن وأحقاد، فهو هنا من أجل تلك العاطفة والحب، من أجل “الكرنفال” و”الاحتفال” و”اللهو” و”اللعب” و”الرياضة”.

المونديال مناسبة لتظهر فيها بلدان العالم كيف “تصنع” أجسام مواطنيها وتصونها وتطلب لها اللياقة وتضمن لها الصحة والعافية. ومناسبة لتظهر تلك الفضائل والمشاعر التي توحد الإنسانية.

 

18.06.2018
زمن القراءة: 5 minutes

يقول بوبي شارلتون، نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي في الستينات، إن الفضائل والمشاعر التي توحد الإنسانية في كرة القدم، هي ما يجعلها الرياضة الوحيدة التي من الواجب اختراعها.

يقول بوبي شارلتون، نجم مانشستر يونايتد والمنتخب الإنجليزي في الستينات، إن الفضائل والمشاعر التي توحد الإنسانية في كرة القدم، هي ما يجعلها الرياضة الوحيدة التي من الواجب اختراعها.

لم يقصد شارلتون بكلامه ممارسي هذه اللعبة من هواة أو محترفين فقط، بل الجمهور، والمشجعين على وجه التحديد. هؤلاء الذين يداومون على الذهاب إلى الملاعب في عطلة الأسبوع، حاملين الرايات والزمامير والطبول. يطلون وجوههم بألوان فريقهم، يرددون الأناشيد والهتافات، يتخلون عن الراحة أمام التلفزيون من أجل أن يكون كل واحد منهم هو اللاعب رقم 12، وغالباً كي يكونوا هم الحكم الذي يصدر الأوامر الصائبة.

هؤلاء في معظم دول العالم يشكلون أكبر تجمعات بشرية. نادي ريال مدريد وحده لديه 450 مليون مشجع حول العالم. أما مانشستر يونايتد فلديه شعبية أوسع مع أكثر من 660 مليون مشجع في مختلف القارات. واليوم، إذا نظرنا إلى ملعب نادي برشلونة “الكامب نو” في إحدى أمسيات السبت أو الأحد، فسنجد أن الذين يحتلون المقاعد أتوا من اليابان وأيضاً السياح الصينيون الجدد، والأغنياء الروس والعائلات الخليجية وأعداد كبيرة من شبان المغرب والجزائر، إضافة إلى مشاهير الفن والسياسة.

حب وتعصب ولحظات فرح

كل هؤلاء.. ما الذي يجمعهم؟ العاطفة وحب الفريق. إذا سألت أي مشجع، مهما كانت جنسيته، لماذا تشجع هذا الفريق، فلن يكون لديه إلا جواب واحد: لأني أحبه. الحب والعاطفة هما كل التشجيع. هذا ما نتعلمه من جمهور ليفربول وأغنيتهم الشهيرة: “لن تسير وحدك أبداً” (You’ll Never Walk Alone).

وإذا كنت مواطناً لندنياً، لا يكفي انحيازك لمدينتك كي تحب نادياً بعينه، ففي لندن وحدها أكثر من عشرة أندية، ولكل منها جمهورها المتعصب الوفي. يمكنك أن تجد كتالونيين يشجعون اسبانيول ضد برشلونة تحديداً. يمكنك أن ترى مواطنين من أي دولة في العالم يمنحون هذا الحب للفريق البرازيلي وحده، وبعضنا لا يحب سوى إيطاليا.

كل هؤلاء.. ما الذي يجمعهم؟ العاطفة وحب الفريق. إذا سألت أي مشجع، مهما كانت جنسيته، لماذا تشجع هذا الفريق، فلن يكون لديه إلا جواب واحد: لأني أحبه.

لكن في أحيان كثيرة، التشجيع هو انتماء أيضاً. في العام 2013، ولأول مرة منذ طرد “طالبان” من العاصمة كابول، اجتمع الجمهور الأفغاني لتشجيع منتخبه الوطني في مباراة بمواجهة باكستان. الإستاد المتواضع بالكاد يتسع لستة آلاف شخص، ومع ذلك فإن بهجة الانتصار 3-0 على الجارة اللدودة، أحيت في هذا البلد مشاعر نادرة بالروح الوطنية وبلحظات من الفرح والسلام والحياة العادية.

غالباً ما كانت كرة القدم التي تجمع الناس هي المدخل للخروج من مشاعر الحرب، أو للتخفيف من العداوة بين الشعوب. المباراة الأولى التي جمعت إيران وأميركا في كأس العالم 1998، شهدت مصافحة نادرة بين الإيرانيين وأبناء “الشيطان الأكبر”. تبادلا السلام والوقوف بوقار أمام النشيدين الوطنيين والتقاط الصور التذكارية، فيما كان الجمهور يصفق طويلاً.

بعد الحرب العالمية الثانية، كان من علامات عودة الحياة إلى أوروبا، انتشار ملاعب كرة القدم، واستفاقة الأندية وتكاثرها، واستئناف اللعب في المدن وعبر البلاد، وانتظام البطولات الوطنية، كذلك تنظيم المنافسات القارّية بوصفها مناسبات للقاء الشعوب الأوروبية وتعارفها مجدداً وبث روح التسامح، أو “الروح الرياضية” في ما بينها.

مسرح الأهواء العامة
البلدان المهزومان في الحرب، إيطاليا وألمانيا، صارتا موطنين لكرة القدم، كونها البديل التعويضيّ عن السياسة من ناحية، وعن الهزيمة العسكرية من ناحية أخرى. لكن الأهم أن كرة القدم باتت في أوروبا، وخصوصاً في إيطاليا وألمانيا التعبير المشهدي عن إعادة بناء المجتمع والدولة وانضباط الحياة العامة، وبث روح الانتماء للمدينة الواحدة ومن ثم للبلد الواحد. كانت بلسماً للروح الجريحة.
دوماً بدت كرة القدم أكثر من رياضة، فهي أولاً مدرّجات الجماهير، حيث فيها يتم “تصريف” العنف العمومي، وفق قواعد السيطرة والرقابة، المفروضة قانوناً على سلوك الجمهور. عنف رمزي وغرائز مشحونة ومكبوتة تنسرب وتنطلق وفق طقوس التشجيع والمنافسة، والتقلب بين الاحتفال بالانتصارات ورفع الكؤوس أحياناً، وبين تقبل الهزائم واعتيادها أحياناً كثيرة. بهذا المعنى، كانت كرة القدم ولا تزال، مسرح الأهواء العامة، وملاعبها مرآة لنجاحات المدن والبلدان، كما لاضطراباتها ونزاعاتها السياسية.

نادراً، ما كانت شعوب أوروبا تلتقي، حين كانت مقسومة بين كتلتين شرقية شيوعية وغربية رأسمالية. كان الجدار الحديدي والحدود المغلقة في عهود الحرب الباردة هما الحقيقة المؤلمة في القارة.. لكن المناسبات الكروية، بوصفها أيضاً مناسبة للاستعراض الأيديولوجي، أتاحت أكثر من غيرها للقاءات جماهيرية واسعة في أرض الملعب. في هامبورغ عام 1974، كان اللقاء الأول بين منتخب ألمانيا الشرقية ومنتخب ألمانيا الغربية. سلطات ألمانيا الشرقية سمحت فقط لألفين من المشجعين السفر برفقة فريقهم. قبل ذلك، في العام 1954، أقيمت البطولة في سويسرا المحايدة، وكانت فرق أروربا الشرقية المتأهلة تضم تشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا، بالإضافة إلى هنغاريا (المجر) أهم منتخب “شيوعي” آنذاك. هذا ما أتاح لآلاف “الشرقيين” السفر للتواجد في الملاعب السويسرية جنباً إلى جنب مع الجمهور الآتي من أنحاء العالم. وحتى بعد تلك البطولة، قام الفريق الهنغاري في العام نفسه برحلة إلى بريطانيا ليلاعب منتخبي اسكتلندا وإنكلترا.   

تاريخ “المونديال” برهن أن كرة القدم ليست مناسبة للنزال والنزاع، ولا لاستئناف الحروب والصراعات، وجمهور كرة القدم برهن كثيراً أن حماسته وتشجيعه وهوسه ولحظات جنونه ليس فيها ضغائن وأحقاد، فهو هنا من أجل تلك العاطفة والحب، من أجل “الكرنفال” و”الاحتفال” و”اللهو” و”اللعب” و”الرياضة”.

أرض ما بعد القومية

وإذا كانت الملاعب الأوروبية سابقاً، مرتعاً لاستعراض العصبيات الوطنية والمناطقية وللمشاعر العنصرية، فإنها اليوم أرض لما بعد القومية وللعولمة. فعدا اللاعبين متعددي الجنسيات والأصول، فإن الجمهور والمشجعين ليسوا هم من في الملعب، بل جمهور تلفزيوني فضائي، نجدهم في كل دول وعواصم العالم.

صحيح أن تاريخ الملاعب مليء بحوادث الشغب والصدامات، لكن آخر مأساة عنف حقيقية شهدها العالم كانت في ملعب هيسل البلجيكي عام 1985، والتي راح ضحيتها أكثر من 39 قتيلاً. منذ ذلك الحين، يمكن القول أن روح التسامح هي السائدة والغالبة بين جمهور المشجعين. ومن يعرف تاريخ اللعبة، يدرك ما هو التنافس التاريخي والخصومة الشديدة بين ريال مدريد وبرشلونة، لكنه يتذكر كيف وقف جمهور الريال مصفقاً لدييغو مارادونا لاعب برشلونة عام 1985، بعد هدفه الرائع في مرمى النادي الملكي. المشهد ذاته تكرر عام 2005، مع اللاعب البرشلوني رونالدينيو. أغلب الملاعب تخلت عن الفصل الصارم بين الجماهير المتخاصمة. في مونديال البرازيل 2014، داخل الملعب كما بالميادين والشوارع، كان الجمهور الألماني يهلل فرحاً من دون وجل في الوقت الذي كانت فيه الأمة البرازيلية كلها غارقة في الدموع.

تاريخ “المونديال” برهن أن كرة القدم ليست مناسبة للنزال والنزاع، ولا لاستئناف الحروب والصراعات، وجمهور كرة القدم برهن كثيراً أن حماسته وتشجيعه وهوسه ولحظات جنونه ليس فيها ضغائن وأحقاد، فهو هنا من أجل تلك العاطفة والحب، من أجل “الكرنفال” و”الاحتفال” و”اللهو” و”اللعب” و”الرياضة”.

المونديال مناسبة لتظهر فيها بلدان العالم كيف “تصنع” أجسام مواطنيها وتصونها وتطلب لها اللياقة وتضمن لها الصحة والعافية. ومناسبة لتظهر تلك الفضائل والمشاعر التي توحد الإنسانية.