fbpx

عن حياتي المزدوجة: حريّة في بيروت وصمت وحشمة في القرية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

هذا النص بمثابة بلاغ عن أسطورة تدعى “الحرية” نظن أننا حصلنا عليها فور ابتعادنا من القرى ولجوئنا إلى المدينة، أسطورة سرعان ما تسقط ما إن نرجع إلى قرانا أو حين يأتي أحدهم للزيارة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أجلس على الحافة قرب مقهى “دانكن دونتس” في الحمراء. تمر فتاة لم تتجاوز العشرين بعد. أعرفها جيداً،  لكنها بدت مختلفة. خلعت حجابها وفردت شعرها الطويل وارتدت فستاناً خفيفاً. بدت كفراشة. شعرت أنها مرتاحة بعد صيف طويل لم تغادر فيه غرفتها في الجنوب.

 ” كتير طالعة حلوة يا ياسمين! مبين عنا؟

خلال يومين رح انتقل عبيروت بس بعد عم جهز حالي كيف خبر أهلي.

طيب وكيف اقتنعوا بموضوع خلع الحجاب؟

ماعرفوا اني شلتو. رح ابقى متخبية لحد ما سافر. بشلحه ببيروت وبلبسه بالضيعة”.

النص التالي يختزل الكثير من الذي في داخلي. أريد قول ما أخفيه هنا في أحد شوارع بيروت القديمة. أملأ كأس النبيذ الأبيض، أجلس أفكر على إحدى الشرفات في منزل صديقتي. كيف سأبدأ؟ أسأل نفسي، ثم أبدأ رسالة  اعترافي هذه رغم أنني أعرف أن أحداً منهم لا يقرأ كتاباتي ليعرف ما أخفيه.

في منتصف عام 2020 قررت حزم أمتعتي والانتقال إلى بيروت. حرب ضروس وقعت في المنزل. لم يكن حدثاً عابراً ليتقبله الأخ الأكبر. ساعات من الصراخ عبر الهاتف هزّت جدار برلين وغرفتي في الجنوب. للمرة الأولى أرفع صوتي وأجرؤ على الرد عليه. لا أخفي هلعي من صوته المرتفع، من نبرته الحادة لكن هذه المرة كان علي ألا أُهزم. بيروت الحلم المؤجل فكان علي أن أفعل شيئاً حيال رغبتي هذه، وهذا ما حدث فعلاً. 

علي أن أعترف بأنه لولا وجوده خارج البلاد  في تلك الفترة، لما كنت سأحلم بتخطي جسر الأولي حتى. رسالة صوتية امتدت إلى أربع دقائق وأنا أبرر حلمي ورغبتي بتكوين نفسي وممارسة مهنتي في الصحافة في المدينة لعدم توفر الفرص في القرية، كان جوابه مختصراً “حلمك فرشة ببيروت؟”… مع حظر أي رسالة جديدة كان أرسلها، خرجت من المنزل مع أمتعة كثيرة وقبلة من أمي.  

 ارتديت فستاناً أبيض قصيراً، اصطحبت صديقي الذي كان يسكن في المنزل المجاور في “كزدورة صغيرة” في شارع الحمراء، ثم اكتشفت “الحافة”، على تلك الحافة رقصت  للمرة الأولى ثم بعدها بسنة بكيت خائفة عندما وصلني خبر عودة أخي من الخارج.

مر عامان منذ المرة الأولى التي قلت “لا” فيها، هنا في بيروت فعلت ما يحلو لي، كسرت قواعد كثيرة تعد أمور عادية في بيوت أخرى، شتمت النظام بصوت عالٍ في  شارع الحمراء، كتبت كثيراً ضد النظام، جاهرت بعدم انتمائي “للحزب”، شربت كثيراً، وأخي الذي يشرب أيضاً، لم يعرف بالأمر، وهذا أفضل. رقصت للمرة الأولى مع أصدقائي وصديقاتي تحت الأضواء في ليالي بيروت الطويلة وذهبت إلى الشاطئ، ارتديت المايوه وعرضت جسدي للشمس، لم يمت أحد، ولم تنفجر المدينة، كل ما حدث أنني استمتعت وفعلت ما أريد حقاً.

في الأسبوع الأول بعد انتقالي الى بيروت لم أغادر المنزل. زميلاتي في السكن كن يسخرن مني: “شو من الحبس للحبس جيتي لتقعدي بالبيت؟”.

 ارتديت فستاناً أبيض قصيراً، اصطحبت صديقي الذي كان يسكن في المنزل المجاور في “كزدورة صغيرة” في شارع الحمراء، ثم اكتشفت “الحافة”، على تلك الحافة رقصت  للمرة الأولى ثم بعدها بسنة بكيت خائفة عندما وصلني خبر عودة أخي من الخارج. في ذاك الشارع ارتدت أماكن السهر للمرة الأولى، وكان “زكريا” مكاني المفضل الذي أُقفل بسبب الأزمة، ورقصت على أنغام “تسكر تبكي زي العيل” لمريم صالح، لا شيء يشبه الرقص بحُرية. اليوم ما زلت أرقص لكنني خائفة من اللحظة التي سيسقط عني القناع، يدخل أخي المكان، المكان الذي صنعت منه مساحة آمنة حيث أشعر وأقول وأبدو كما يحلو لي. هذا النص بمثابة بلاغ عن أسطورة تدعى “الحرية” نظن أننا حصلنا عليها فور ابتعادنا من القرى ولجوئنا إلى المدينة، أسطورة سرعان ما تسقط ما إن نرجع إلى قرانا أو حين يأتي أحدهم للزيارة. بعد عامين يبدو كل شيء مختلفاً، لكنني ما زلت خائفة من أن أقف وأواجه وأقول أنا هنا وهذه أنا وهذه حياتي التي ترفضونها، فقدت أماني مرة أخرى، وما من طريقة لأحصل عليه سوى بمغادرة هذه البلاد التي تلفظنا الواحد تلو الآخر.

ان تكوني صحافية مستقلة يعني أن عليك الكتابة كثيراً لتجميع مبلغ يكفي لدفع إيجار المنزل وأكلك وشربك وفاتورتي الكهرباء والمياه والمولد الكهربائي، لا سيما أننا نعيش في دولة نفطية كلبنان تنعم بـ16 نهر اً معظمها غير صالح للاستخدام. أحارب شهرياً خطر العودة إلى منزل العائلة، هذا يعني الكثير، العودة إلى الوراء تحت سلطة  النظام الأبوي. لست وحدي المهددة بخطر العودة أو خطر الحرمان من الحرية المقنعة، وربما المعاقبة على اللحظات التي عشناها أحراراً.  ميرا، التي تسكن على بعد أميال من الحمراء، تخرج من الضاحية تخلع حجابها ثم ترتديه مجدداً قبل صعودها “فان رقم 4” للعودة إلى منزل الشيخ، وسنا ما زالت تخفي أنها ترتاد قسم المسرح في الجامعة اللبنانية لا علم النفس. أما زينب التي التقيتها ذات مرة مصادفة في أحد مقاهي بيروت، فهي تخفي أنها تستمع للموسيقى، حدثتني حينها عن حفلة “أدونيس” التي فاتها أن تحضرها بسبب بقاء والدها في المنزل، زينب التي تعيش حريتها سراً فقط حين يغادر أبوها إلى سوريا. 

أستقل الحافلة في نهاية الأسبوع، ألبس فستاناً لا يُغضب العائلة، أُبقي هاتفي صامتاً، مثلي، أدخل المنزل الذي كنت أحب، أقبلهم جميعاً ثم أجلس بصمت. ما من شيء لأشاركه مع سكان ذلك المنزل، هناك في جنوب البلاد، أختلق شخصية جديدة، لكنني أصمت كي لا أبالغ، أتركهم مع فكرتهم بأن اضطراباتي النفسية جعلت مني فتاة تكره الكلام. أما أنا فلدي الكثير لأقوله لكني خائفة. ماذا لو عرفوا؟ ماذا لو تقابلنا في إحدى السهرات، وكنت ألبس فستاناً يغضبه وأحمل كأساً يحمل هو أيضاً واحداً مثله مع فارق أنه رجل وأنني امرأة. تعرف أمي أن أخي يشرب الكحول لكنها لن تتقبل فكرة أنني أفعل ذلك أيضاً، ستنهار، وهو  بالطبع سيحسب نفسه منتصراً بقوله “بيروت بتنزع”. أما أنا فأقول بيروت لا تبدل جلدنا، بيروت تخرجنا إلى الوضوح، أنا أشق طريقي إلى مستقبل لم يرض الأخ الأكبر عنه يوماً، لطالما كان يفضل أن أنهي دراستي كاختصاصية تغذية بدلاً من أصبح صحافية.

أكتب هنا بحرية بفضل النكران الذي يعيشونه، هم لا يقرأون ما أكتب وهذه رفاهية حصلت عليها لأعبر عن ذاتي أكثر وأكثر.

كبرت أنا وكبر أخي الذي يحبني كما يحلو له، ويتقبلني بالصورة التي رسمها في رأسه، عاد إلى البلاد وأنا في أسوأ مرحلة في رحلتي مع اضطراب ثنائي القطب، وجدني فتاة مكتئبة، وانا لخوفي من العواقب أردت أن أترك صورتي تلك ثابتة لديه، ثم أعود إلى المدينة وأعود إلى نفسي، إلى حريتي، تلك الحرية التي تتبدد بمجرد وصولي إلى موقف الحافلات في صيدا.

أعرف جيداً الرسائل التي سأتلقاها بعد نشر هذه المدونة “هيدي حقوق النساء يلي بدك تطالبي فيها؟”، لم يكن الأمر بالنسبة إلي مرتبطاً بفستان أردت ارتداءه، بل كانت قضية خوف وأنا أخرج من منزلي وأتخيل رد فعل شخص يظن أنه يملك سلطة على جسدي. لم يتعلق الأمر بمشاركتي في الثورة في 2019 وخروجي إلى الشارع مع الآلاف، بل كان خروجي من المنزل بمفردي رغماً عن الجميع لأصرخ وأرفض كل ما يحدث لي وللجميع.  

لطالما آمنت بأنه إذا أردنا أن نعرف ميولنا وشخصيتنا وهويتنا وهواياتنا علينا أن ننفصل عن المكان الذي يسقط علينا صفاته وعاداته وقيمه، ففور انسلاخك عنه ستكون شخصيتك ونفسك، بالطبع ستكون هناك سقطات، ربما وقعها سيكون أخف وطأة من الجلوس في غرفة  لا تشبهك الصور المعلقة على جدرانها، مع أناس يسقطون ذكوريتهم عليك. إنها محاولتي الأولى لمتابة ما أخفيه عنهم… أريدهم أن يقرأوا وأخاف في آنٍ واحد، حتى  ذلك الحين أنا هنا أكتب ما يحلو لي وأرتدي ما أحب وأشرب كاساً باردة، وأرسل مدونتي هذه للنشر أو للعقاب.

28.11.2022
زمن القراءة: 6 minutes

هذا النص بمثابة بلاغ عن أسطورة تدعى “الحرية” نظن أننا حصلنا عليها فور ابتعادنا من القرى ولجوئنا إلى المدينة، أسطورة سرعان ما تسقط ما إن نرجع إلى قرانا أو حين يأتي أحدهم للزيارة.

أجلس على الحافة قرب مقهى “دانكن دونتس” في الحمراء. تمر فتاة لم تتجاوز العشرين بعد. أعرفها جيداً،  لكنها بدت مختلفة. خلعت حجابها وفردت شعرها الطويل وارتدت فستاناً خفيفاً. بدت كفراشة. شعرت أنها مرتاحة بعد صيف طويل لم تغادر فيه غرفتها في الجنوب.

 ” كتير طالعة حلوة يا ياسمين! مبين عنا؟

خلال يومين رح انتقل عبيروت بس بعد عم جهز حالي كيف خبر أهلي.

طيب وكيف اقتنعوا بموضوع خلع الحجاب؟

ماعرفوا اني شلتو. رح ابقى متخبية لحد ما سافر. بشلحه ببيروت وبلبسه بالضيعة”.

النص التالي يختزل الكثير من الذي في داخلي. أريد قول ما أخفيه هنا في أحد شوارع بيروت القديمة. أملأ كأس النبيذ الأبيض، أجلس أفكر على إحدى الشرفات في منزل صديقتي. كيف سأبدأ؟ أسأل نفسي، ثم أبدأ رسالة  اعترافي هذه رغم أنني أعرف أن أحداً منهم لا يقرأ كتاباتي ليعرف ما أخفيه.

في منتصف عام 2020 قررت حزم أمتعتي والانتقال إلى بيروت. حرب ضروس وقعت في المنزل. لم يكن حدثاً عابراً ليتقبله الأخ الأكبر. ساعات من الصراخ عبر الهاتف هزّت جدار برلين وغرفتي في الجنوب. للمرة الأولى أرفع صوتي وأجرؤ على الرد عليه. لا أخفي هلعي من صوته المرتفع، من نبرته الحادة لكن هذه المرة كان علي ألا أُهزم. بيروت الحلم المؤجل فكان علي أن أفعل شيئاً حيال رغبتي هذه، وهذا ما حدث فعلاً. 

علي أن أعترف بأنه لولا وجوده خارج البلاد  في تلك الفترة، لما كنت سأحلم بتخطي جسر الأولي حتى. رسالة صوتية امتدت إلى أربع دقائق وأنا أبرر حلمي ورغبتي بتكوين نفسي وممارسة مهنتي في الصحافة في المدينة لعدم توفر الفرص في القرية، كان جوابه مختصراً “حلمك فرشة ببيروت؟”… مع حظر أي رسالة جديدة كان أرسلها، خرجت من المنزل مع أمتعة كثيرة وقبلة من أمي.  

 ارتديت فستاناً أبيض قصيراً، اصطحبت صديقي الذي كان يسكن في المنزل المجاور في “كزدورة صغيرة” في شارع الحمراء، ثم اكتشفت “الحافة”، على تلك الحافة رقصت  للمرة الأولى ثم بعدها بسنة بكيت خائفة عندما وصلني خبر عودة أخي من الخارج.

مر عامان منذ المرة الأولى التي قلت “لا” فيها، هنا في بيروت فعلت ما يحلو لي، كسرت قواعد كثيرة تعد أمور عادية في بيوت أخرى، شتمت النظام بصوت عالٍ في  شارع الحمراء، كتبت كثيراً ضد النظام، جاهرت بعدم انتمائي “للحزب”، شربت كثيراً، وأخي الذي يشرب أيضاً، لم يعرف بالأمر، وهذا أفضل. رقصت للمرة الأولى مع أصدقائي وصديقاتي تحت الأضواء في ليالي بيروت الطويلة وذهبت إلى الشاطئ، ارتديت المايوه وعرضت جسدي للشمس، لم يمت أحد، ولم تنفجر المدينة، كل ما حدث أنني استمتعت وفعلت ما أريد حقاً.

في الأسبوع الأول بعد انتقالي الى بيروت لم أغادر المنزل. زميلاتي في السكن كن يسخرن مني: “شو من الحبس للحبس جيتي لتقعدي بالبيت؟”.

 ارتديت فستاناً أبيض قصيراً، اصطحبت صديقي الذي كان يسكن في المنزل المجاور في “كزدورة صغيرة” في شارع الحمراء، ثم اكتشفت “الحافة”، على تلك الحافة رقصت  للمرة الأولى ثم بعدها بسنة بكيت خائفة عندما وصلني خبر عودة أخي من الخارج. في ذاك الشارع ارتدت أماكن السهر للمرة الأولى، وكان “زكريا” مكاني المفضل الذي أُقفل بسبب الأزمة، ورقصت على أنغام “تسكر تبكي زي العيل” لمريم صالح، لا شيء يشبه الرقص بحُرية. اليوم ما زلت أرقص لكنني خائفة من اللحظة التي سيسقط عني القناع، يدخل أخي المكان، المكان الذي صنعت منه مساحة آمنة حيث أشعر وأقول وأبدو كما يحلو لي. هذا النص بمثابة بلاغ عن أسطورة تدعى “الحرية” نظن أننا حصلنا عليها فور ابتعادنا من القرى ولجوئنا إلى المدينة، أسطورة سرعان ما تسقط ما إن نرجع إلى قرانا أو حين يأتي أحدهم للزيارة. بعد عامين يبدو كل شيء مختلفاً، لكنني ما زلت خائفة من أن أقف وأواجه وأقول أنا هنا وهذه أنا وهذه حياتي التي ترفضونها، فقدت أماني مرة أخرى، وما من طريقة لأحصل عليه سوى بمغادرة هذه البلاد التي تلفظنا الواحد تلو الآخر.

ان تكوني صحافية مستقلة يعني أن عليك الكتابة كثيراً لتجميع مبلغ يكفي لدفع إيجار المنزل وأكلك وشربك وفاتورتي الكهرباء والمياه والمولد الكهربائي، لا سيما أننا نعيش في دولة نفطية كلبنان تنعم بـ16 نهر اً معظمها غير صالح للاستخدام. أحارب شهرياً خطر العودة إلى منزل العائلة، هذا يعني الكثير، العودة إلى الوراء تحت سلطة  النظام الأبوي. لست وحدي المهددة بخطر العودة أو خطر الحرمان من الحرية المقنعة، وربما المعاقبة على اللحظات التي عشناها أحراراً.  ميرا، التي تسكن على بعد أميال من الحمراء، تخرج من الضاحية تخلع حجابها ثم ترتديه مجدداً قبل صعودها “فان رقم 4” للعودة إلى منزل الشيخ، وسنا ما زالت تخفي أنها ترتاد قسم المسرح في الجامعة اللبنانية لا علم النفس. أما زينب التي التقيتها ذات مرة مصادفة في أحد مقاهي بيروت، فهي تخفي أنها تستمع للموسيقى، حدثتني حينها عن حفلة “أدونيس” التي فاتها أن تحضرها بسبب بقاء والدها في المنزل، زينب التي تعيش حريتها سراً فقط حين يغادر أبوها إلى سوريا. 

أستقل الحافلة في نهاية الأسبوع، ألبس فستاناً لا يُغضب العائلة، أُبقي هاتفي صامتاً، مثلي، أدخل المنزل الذي كنت أحب، أقبلهم جميعاً ثم أجلس بصمت. ما من شيء لأشاركه مع سكان ذلك المنزل، هناك في جنوب البلاد، أختلق شخصية جديدة، لكنني أصمت كي لا أبالغ، أتركهم مع فكرتهم بأن اضطراباتي النفسية جعلت مني فتاة تكره الكلام. أما أنا فلدي الكثير لأقوله لكني خائفة. ماذا لو عرفوا؟ ماذا لو تقابلنا في إحدى السهرات، وكنت ألبس فستاناً يغضبه وأحمل كأساً يحمل هو أيضاً واحداً مثله مع فارق أنه رجل وأنني امرأة. تعرف أمي أن أخي يشرب الكحول لكنها لن تتقبل فكرة أنني أفعل ذلك أيضاً، ستنهار، وهو  بالطبع سيحسب نفسه منتصراً بقوله “بيروت بتنزع”. أما أنا فأقول بيروت لا تبدل جلدنا، بيروت تخرجنا إلى الوضوح، أنا أشق طريقي إلى مستقبل لم يرض الأخ الأكبر عنه يوماً، لطالما كان يفضل أن أنهي دراستي كاختصاصية تغذية بدلاً من أصبح صحافية.

أكتب هنا بحرية بفضل النكران الذي يعيشونه، هم لا يقرأون ما أكتب وهذه رفاهية حصلت عليها لأعبر عن ذاتي أكثر وأكثر.

كبرت أنا وكبر أخي الذي يحبني كما يحلو له، ويتقبلني بالصورة التي رسمها في رأسه، عاد إلى البلاد وأنا في أسوأ مرحلة في رحلتي مع اضطراب ثنائي القطب، وجدني فتاة مكتئبة، وانا لخوفي من العواقب أردت أن أترك صورتي تلك ثابتة لديه، ثم أعود إلى المدينة وأعود إلى نفسي، إلى حريتي، تلك الحرية التي تتبدد بمجرد وصولي إلى موقف الحافلات في صيدا.

أعرف جيداً الرسائل التي سأتلقاها بعد نشر هذه المدونة “هيدي حقوق النساء يلي بدك تطالبي فيها؟”، لم يكن الأمر بالنسبة إلي مرتبطاً بفستان أردت ارتداءه، بل كانت قضية خوف وأنا أخرج من منزلي وأتخيل رد فعل شخص يظن أنه يملك سلطة على جسدي. لم يتعلق الأمر بمشاركتي في الثورة في 2019 وخروجي إلى الشارع مع الآلاف، بل كان خروجي من المنزل بمفردي رغماً عن الجميع لأصرخ وأرفض كل ما يحدث لي وللجميع.  

لطالما آمنت بأنه إذا أردنا أن نعرف ميولنا وشخصيتنا وهويتنا وهواياتنا علينا أن ننفصل عن المكان الذي يسقط علينا صفاته وعاداته وقيمه، ففور انسلاخك عنه ستكون شخصيتك ونفسك، بالطبع ستكون هناك سقطات، ربما وقعها سيكون أخف وطأة من الجلوس في غرفة  لا تشبهك الصور المعلقة على جدرانها، مع أناس يسقطون ذكوريتهم عليك. إنها محاولتي الأولى لمتابة ما أخفيه عنهم… أريدهم أن يقرأوا وأخاف في آنٍ واحد، حتى  ذلك الحين أنا هنا أكتب ما يحلو لي وأرتدي ما أحب وأشرب كاساً باردة، وأرسل مدونتي هذه للنشر أو للعقاب.