لا نصاب سياسي في لبنان يمكن أن يسأل حركة حماس عن إطلاقها صواريخاً من الأراضي اللبنانية!، فالحركة، أصدرت بياناً من لبنان أعلنت فيه عن إطلاقها الصواريخ. والحركة سبق أن عقدت مؤتمراً صحفياً في بيروت، وهو ما لم تفعله في رام الله والضفة الغربية، ناهيك طبعاً عن أي من دول الجوار الفلسطيني مثل الأردن ومصر… وحتى سوريا.
لبنان على حدود “عدو” نابه أزرق، وفي نفس الوقت غارق في أزمة اقتصادية انعكست على كل جوانب الحياة فيه، وهو المشحون عاطفياً إلى جانب الضحية الفلسطينية في غزة، لا يملك إلا الفراغ ليواجه به احتمالات زجه بمواجهة يحسم الجميع أن نتائجها ستكون كارثية على جميع المستويات. وقرار المشاركة في الحرب يقتضي نقاشا على الأقل، وتفكيراً باحتمالاتها.
والمرء اذ يرصد القابلية الإسرائيلية للقتل الجماعي في غزة، وضعف الحساسية العالمية حيال الضحية، يستعيد الوظيفة الحقيقية للفراغ اللبناني. فقرار انضمام لبنان إلى المواجهة لا أثر فيه لأي دور لبناني. ما تقدم عليه “حماس” على الحدود اللبنانية يكشف هذه الحقيقة، وفي وقت يجري فيه حزب الله حسابات المواجهات وفق معادلة الانقسام اللبناني على سلاحه، تتقدم “حماس” عليه بوصفها أقل ارتباطاً بهذه الحسابات.
لبنان بلا رئيس للجمهورية، وبحكومة تصريف أعمال رئيسها ضعيف ومحاصر بمعادلة الصمت مقابل الفساد، وأجهزة عسكرية وأمنية مقطوع عنها التمويل منذ سنوات! اذاً هو مجرد ساحة، القرار فيها لإيران، لكنه ينتظر حرباً لا تقوى دول على التعامل مع الخراب الذي يمكن أن تجره.
قرار انضمام لبنان إلى المواجهة لا أثر فيه لأي دور لبناني. ما تقدم عليه “حماس” على الحدود اللبنانية يكشف هذه الحقيقة.
لا بأس، فربما قضى القرار الإيراني بأن فتح جبهة جنوب لبنان لن يساعد “المحور” على إعاقة الاندفاعة الأميركية والإسرائيلية، لا سيما وأن مأزقاً بدأ يلوح أمام نتانياهو ويتمثل بسؤال ما بعد غزو غزة، وأن فتح جبهات جديدة قد يوفر له فرصة انضمام الولايات المتحدة مباشرة إلى الحرب. علماً أن نتائج الغزو البري بدأت تشكل له عبئاً، وتطرح تساؤلات عن الأثمان التي سيدفعها، والتي من المرجح أن تكون كبيرة.
لكن هذا لا يحررنا من السؤال اللبناني، فإسرائيل “جارة” شرسة ودموية، وهذا الفراغ سيرشحنا إلى مزيد من احتمالات الموت. هذا بالإضافة إلى أننا وسط انهيار سيجعل من الإغاثة مستحيلة.
هنا علينا أن نعود مجدداً إلى أصل الفراغ، وإلى سؤال صار يجب أن نطرحه على أنفسنا أكثر من أي وقت سابق: هل يستحق لبنان أن يكون بلداً طالما أننا في لحظة على هذه الدرجة من الخطورة وعلى مسافة صفر من الموت، عاجزين عن إنتاج نصاب سياسي يتعامل مع احتمالات على هذه الدرجة من الخطورة!
علينا أن نجعل السؤال فلسطينياً أيضاً، ففلسطينيو لبنان لا ينقصهم محن كي يضاف إلى محنهم مزيداً من التوتر في علاقتهم مع البلد الذي يستضيفهم. علماً أن فتح الجبهة الجنوبية سيكون جزءاً من الحساب الإيراني في حال صدر القرار، وليس جزءاً من الحسابات الفلسطينية، أو حتى الحمساوية. هل نذكر ما جرته تجربة “فتح لاند” على اللبنانيين والفلسطينيين؟ وهل نجحت هذه التجربة في تحرير شبر واحد من الأراضي الفلسطينية؟
قصر المواجهة على اشتباكات محدودة على الحدود، سيكون لزج “حماس” فيها، ارتدادات على الفلسطينيين في لبنان أولاً، وسيوظف في خدمة من لا تقوى الحركة على رد طلبه، في وقت بدا أن حزب الله يوازن مشاركاته على الحدود وفق منطق ما زال محتكماً إلى بعض المعادلات الداخلية.
شهية بنيامين نتانياهو الانتقامية والمزخمة بدعم أميركي تقتضي تجنيب الضحية الفلسطينية احتمالات الانقسام على المظلومية الواضحة والجلية. ومرة أخرى لا بد من الانتباه إلى مأزق بدأ يقلق السلطة في إسرائيل، ويتمثل بسؤال ما بعد غزة. هذا وحده كافياً للحرص على حصر المواجهة هناك، هذا إذا كانت حسابات “حماس” محض فلسطينية.
أما لبنان، فالدرس كبير هذه المرة، فقد ظهرت الوظيفة الجلية للفراغ وتتمثل في أن لبنان مجرد ساحة.