ما تعيشه سوريا اليوم هو حالة معقدة من التعافي المأمول، ولكن تعترضها عقبات واقعية تكاد تجعل المستقبل حلماً بعيد المنال. بلد أنهكته الحرب، تمزقت بنيته التحتية، وتفكك مجتمعه إلى فئات متناحرة؛ وبين أمل المضطهدين باستعادة حقوقهم وخوف الموالين السابقين للنظام من الانتقام، تسود حالة من الفوضى السياسية والاجتماعية.
التدمير الذي طال سوريا ليس مجرد دمار مادي في البنى التحتية، بل يمتد إلى النسيج الاجتماعي والثقافي. الجوع والفقر والبطالة هي نتائج طبيعية لسنوات من سوء الإدارة، والتعليم السيئ، وانتشار الأمية. يُضاف إلى ذلك تمدد الأفكار المتطرفة التي غذّتها جهات متعددة: الميليشيات الموالية للنظام، “تنظيم داعش”، و”القاعدة”، وصولاً إلى النزعات القومية في شمال شرق البلاد.
وسط هذه التحديات، يظهر جلياً أن أي محاولة لإعادة بناء سوريا يجب أن تبدأ بمواجهة هذه الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، قبل الحديث عن أي استحقاقات سياسية بعيدة المدى.
يتجلى الوهم الزمني للإصلاح السياسي في الحديث عن مؤتمر وطني سوري خلال أشهر قليلة لتشكيل حكومة انتقالية، ووضع دستور، والتمهيد لانتخابات ديمقراطية، يبدو بعيداً عن الواقع. في دولة غابت فيها الأنشطة المدنية والسياسية لعقود، من الصعب تصور أن مؤتمراً كهذا يمكن أن يحقق تمثيلاً حقيقياً لشعب يعاني من الانقسامات الفكرية والجغرافية.
من هنا، فإن التسرع في عقد مؤتمر وطني دون تمهيد مسبق، قد يؤدي إلى نتائج عكسية. لهذا لا بد من مرحلة انتقالية طويلة تتضمن إطلاق الفضاء السياسي والمدني وفتح المجال للأحزاب السياسية، ومنح وسائل الإعلام حرية حقيقية.
وإجراء مشاورات وطنية واسعة عبر تنظيم ندوات وحوارات بين مختلف الفئات السورية، بالإضافة الى تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة مرتكبي الجرائم وإنصاف الضحايا لضمان المصالحة الوطنية.
وقد تكون تجربة جنوب إفريقيا بعد نظام الفصل العنصري ملهمة، حيث سبقت الانتخابات عملية طويلة من المصالحات الوطنية والحوار المجتمعي. في المقابل، تجربة العراق بعد الغزو الأميركي تبرز مخاطر التسرع في صياغة الدستور دون معالجة القضايا الأمنية والاجتماعية، مما أدى إلى استمرار الصراعات الطائفية.
مما يؤكد ضرورة مرور سوريا في مرحلة انتقالية، وفي ذات الوقت يمكن تجنب الفراغ الدستوري والقانوني، عبر العودة إلى دستور 1950 كإطار مؤقت، مع تشكيل حكومة انتقالية تجمع بين التكنوقراط وشخصيات وطنية تمثل مختلف الأطياف السياسية. ولضمان رقابة فعالة، يمكن إنشاء مجلس ثوري يضم خبراء سوريين في الداخل والخارج.
هذه المرحلة تحتاج إلى دعم عربي وإقليمي متوازن وغير مشروط سياسياً. يجب أن تكون سوريا قادرة على اتخاذ قراراتها السيادية دون ضغوط خارجية.
وبطبيعة الحال لن تكون عملية تشكيل الدولة السورية الحديثة قصيرة الأمد. قد تحتاج فكرة المؤتمر الوطني السوري إلى عامين على الأقل من التمهيد السياسي والاجتماعي. ولكن، كما قال غاندي: “السرعة لا تعني شيئاً إذا كانت في الاتجاه الخاطئ”.
سوريا بحاجة إلى خطوات بطيئة ولكن ثابتة نحو إعادة بناء مجتمعها ودولتها، بحيث يصبح المستقبل مشتركاً لكل أبنائها، بعيداً عن إرث الحرب والانقسامات.
إقرأوا أيضاً: