fbpx

عن “طارق رمضان”، الداعيةُ العصري المحاصر بتهم التحرّش ..

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يمكن الحديث عن الإسلام الفرانكوفوني من دون التوقف عند شخصيات مثل طارق رمضان. صورته وصوته اللذان شغلا منابر المسلمين في أوروبا، أصبحا اليوم محطّ تساؤل ومثار جدل وانقسامٍ كبير بعد الاتهامات التي وجّهتها الناشطة النسوية،

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يمكن الحديث عن الإسلام الفرانكوفوني من دون التوقف عند شخصيات مثل طارق رمضان. صورته وصوته اللذان شغلا منابر المسلمين في أوروبا، أصبحا اليوم محطّ تساؤل ومثار جدل وانقسامٍ كبير بعد الاتهامات التي وجّهتها الناشطة النسوية، المرتدة عن السلفية، هند عياري لرمضان باغتصابها والإعتداء جنسياً عليها وعلى نساء أخريات. تقول عياري إن هناك نساء “يلجمهنّ الخوف من الفضيحة بقدر ما تمنعهنّ شبكات الإخوان المسلمين من مواجهة الرجل بشجاعة” حسب تصريحها أمام محكمة “روان” (Rouen) في شمال فرنسا حيث رفعت دعوى ضد رمضان الشهر الماضي.
صعود نجم طارق رمضان
البروفيسور، المحاضر، الداعية، الباحث الإسلامي..ألقاب عديدة ارتبطت باسم طارق رمضان ورافقته في مساراته المهنية ، لكنّ مسيرة هذا الرجل ربما كانت لتكون عادية جدا لولا تلك التركيبة العائلية الرمزية، إذ شاءت الصدف أن يكون رمضان حفيد حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) ونجل سعيد رمضان (مؤسس أول مركز اسلامي في أوروبا). ساهمت تلك الخلفية في انخراط رمضان في خطاب هدف نحو عصرنة الدين في أوروبا عبر خطاب ذكي جذب مجموعة من المفكرين المحسوبين على اليسار “المناهض للعولمة” (gauche altermondialiste) والمعادي للإستعمار (anticolonialiste).
اكتسبت شخصية طارق رمضان حضوراً ورصيداً كبيراً لدى الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا بشكل عام ودول الفرانكفونية بشكل خاص (في سويسرا حيث يقيم،عدا عن فرنسا وبلحيكا)،  فأصبح في فترة قصيرة جدا صوت الشباب المغاربي الخارج من دوامة القيود الدينية والرافض في آن للذوبان الكامل في “أوروبا الكاثوليكية والملحدة”.
ولنجاحات رمضان في اختراق الساحة الأوروبية عوامل عديدة ليس أولها طلاقته في التحدث باللغات الثلاث: العربية، الفرنسية والإنكليزية، وليس آخرها شخصيته المحببة واتزانه وأناقته في اللباس وكيفية اختياره للكلمات. وساهمت عوامل أخرى منها إقامته الدائمة في جينيف وسهولة تنقله للعمل في جامعات أوكسفورد، فرايبورغ، بروكسل وستراسبورغ. وصعوده حصل في أواخر التسعينيات حيث أجاد استغلال خطاب “الحرب على الإرهاب” لخلق مساحة واضحة بين الإسلام “الذي يقتل” و”الإسلام الضحية” كما قال ذات محاضرة بعد هجمات سبتمبر/ايلول في اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا في البورجيه (Le Bourget).
شكّل بحث الدكتوراة الذي عمل عليه رمضان سنة ١٩٩٠ فاتحة مبكرة للجدل الذي سيثار لاحقاً عن “الباحث الإسلامي ذو الوجهين” حسب تعبير الصحافي في “لوبوان” الفرنسية ايان هارميل الذي أصدر كتاباً على شكل تحقيق يتناول حياة طارق رمضان وشبكاته في العالم وأسرار تلك القوة التي يمتلكها والتي ساعدته في تكوين صورة “الستار” لدى مختلف الأجيال الاسلامية في أوروبا.
في أطروحته التي حملت عنوان “الإصلاح في الإسلام : من الأفغاني إلى حسن البنا”، يعمد رمضان إلى طمس هوية جدّه المحافظة ويقدّمه كمتنوّر أسّس لتيار إصلاحي في الإسلام. الأمر الذي أغضب رئيسة اللجنة الفاحصة شارل جينيكان، التي كانت مخوّلة متابعة أطروحة رمضان، وأدّى إلى استقالته مع عضويين آخرين رافضين منحه لقب الدكتوراة متهمين اياه ب “التحريف واستخدام البروباغاندا الدينية بغطاء علمي”. لكنّ رمضان، الموعود آنذاك بمنصب مدير الأبحاث الإسلامية في جامعة فرايبورغ الكاثوليكية، نجح في الحصول على شهادة الدكتوراة ليتبعها لاحقا بدخوله جامعة أوكسفورد العريقة، وبقدرته على التأثير بأبحاث شباب يبحثون في قضايا الإسلام الاجتماعي والإسلام السياسي عدا عن متابعته أبحاثاً في مجال علم النفس وارتباطاته الدينية كترؤسه اللجنة الفاحصة لمناقشة أطروحة فاني بوير-موتي التي تناولت تفسير الأحلام في العقيدة الإسلامية.
في بريطانيا، أعجب الذين لم يقرأوا ويتابعوا طارق رمضان عن كثب بمواقفه، إذ أصبح الرجل المتحدث المفضّل عند حكومة سكوتلاند يارد في كل قضية تعنى بالإسلام السياسي وشؤون الإرهاب، حتى تمت تسميته،  من قبل الحكومة العمالية التي رأسها طوني بلير سنة ٢٠٠٥، مستشارا للأسئلة التي تعنى بالتطرف الديني. فبلغته الانكليزية المتمكنة، وخطابه الرصين الهادئ، ولباسه الأنيق الجذاّب، استطاع رمضان لفت أنظار كبار المعلقين الانكليز في الصحف والمنابر التلفزيونية، فرحّبت به ال “بي بي سي” ولحقت بها “الغارديان” ليصبح المعلّق رقم ١ في أوروبا عن كل ما يمتّ للإسلام والمسلمين بصلة.

تاريخ طويل في الإسلام
لعائلة رمضان ماض ٍوحاضر ٍفي الإسلام من التأسيس إلى التنظيم والممارسة وصولا إلى نشر الدعوة. البداية كانت مع “رسالة نحو النور” ومطالب حسن البنا (جد طارق رمضان) الخمسين، تلك القواعد التي لم تمسّها جماعة الإخوان المسلمين إطلاقا في الوقت الذي كانت تقدّم فيه نفسها كتيار إصلاحي يسعى نحو الإنخراط الكامل في الحياة السياسية. سنة ١٩٥٨، أقدم سعيد رمضان (والد طارق وصهر البنا) على تأسيس أول مركز إسلامي في أوروبا عرف باسم ال CIG (المركز الإسلامي في جينيف) بعد لجوئه إلى سويسرا هرباً من نظام جمال عبد الناصر، كان سبقها مرور جهادي في الأراضي الفلسطينية منعاً لقيام دولة إسرائيل.
قبل خروجه من مصر، تأثّر رمضان بسيد قطب ودروسه وخطبه وعمل على تشكيل نواة ل “الجماعة” تسعى إلى نشر الدعوة في سائر أنحاء “الأمة”. تلقى سعيد رمضان دعماً من قطر التي اشترت له قصرا، والأردن التي اختارته ناطقا باسمها في الأمم المتحدة في بداية الستينات والمملكة العربية السعودية التي خصصت له راتبا ماليا (١٢ ألف فرنك سويسري شهرياً) لكنّ رمضان سرعان ما وجد نفسه وحيداً في منتصف الستينات – بعد نشر تقرير سري للمخابرات السويسرية يتهمّ الداعية الإسلامي بالعمالة للانجليز والأمركيين – حتى وفاته سنة ١٩٩٥ تاركا إدارة المركز الإسلامي في جنيف لإبنه الأكبر هاني.
لم يكن هاني رمضان بعيداً عن الخط الذي أسسه جده حسن البنا، ومشى على النهج الذي سار به والده ساعياً لتوحيد “الإخوان” في كل أوروبا، حاملاً خطاباً هو الأكثر راديكالية في العائلة بحيث يبرّر تعدد الزوجات ورجم النساء الزانيات ويرى في النساء غير المحجبات “كافرات”، وقد شبّههن مؤخرا في إحدى الندوات في بلجيكا ب “قطعة ال ٢ يورو”، ما جعل السلطات الفرنسية تتخذ قراراً بمنعه من دخول أراضيها في نيسان/أبريل الماضي.
وحده طارق رمضان نأى بنفسه عن اعتماد لهجةٍ قاسية في سوقه ل “الدين الحنيف”، وذهب إلى صياغة خطاب براغماتي توجّه فيه إلى المسلمين في أوروبا باعتبارهم سكاناً أوروبيين، عليهم ما على غير المسلمين من واجبات ولهم ما لغيرهم من حقوق فكرية وعقائدية وسياسية.
أصبح طارق رمضان ملهماً لجيل الهجرة الثاني من المغاربيين وأمسى صوته صوت الضواحي في فرنسا وبلجيكا وسويسرا.
على أنّ ما يضمره رمضان في العلن يحكيه في الخفاء أو بلغة الترميز التي يجيدها ببراعة، كأن يدين اعتداءات تولوز ومونتوبان صباحاً ويرسم بورتريه محمد مراح “الشاب الضحية الذي لا يمكن أن نرمي الذنب عليه” على موقعه على الإنترنت مساء.كأن يقول بأولوية العلم على النصوص الدينية في كتابه “المسلمون في العلمانية” (١٩٩٤) ثم يعود للقول بأنّ “بعض ما في البيولوجيا لا يتطابق مع الإسلام”. وتجلت براغماتية رمضان وازدواجية خطابه في تهربه من إدانة رجم الزانيات واعتباره الأمر “غير مقبول” لكن مع وقف (Moratoire) لا يخطّىء النص الديني الواضح.
طارق رمضان و”اليسار-الإسلامي”
في خطاب رمضان الذي يتراءى لطيف ٍواسعٍ من اليساريين كلغة تحديثية – قوامها رفض العنف وتلزيم النص قيوداً زمنية – زعم بقدرة الإسلام الدائمة على اجتراح الحلول، لذلك نسمعه يكرّر شعار الجماعة “الإسلام هو الحل” لكنّه يستطرد فورا “لكن عن أيّ إسلام نتحدث ؟”. هذا الخطاب في حتمية العودة للإسلام، عارضه باحثون إسلاميون مجتهدون مثل عبد النور أبيدار وعبد الوهاب مداب، ساهم في تشظي الموقف اليساري من طارق رمضان.
وجد يساريو “مناهضة العولمة” و”الأنتي-كولونيالية” في خطاب رمضان ما يمكن البناء عليه لتأسيس ما اصطلح “إسلام فرنسي” لا يتنافى مع العلمانية ولا يخل ّبمبادئ الجمهورية. نتذكر النداء الشهير الذي أطلقه ادغار موران، آلان غريش، صونيا دايان ورفائيل ليوجيه في “لوموند” في بداية الألفية الجديدة، والذي حمل رسالة واضحة تدعو إلى “احتضان هذا الصوت الإسلامي الذي يمكننا من فتح حوار أشمل مع شباب الضواحي المسلمين”.
بدأت علاقة رمضان باليسار الفرنسي سنة ١٩٩٦ عندما رفض شارل باسكوا، وزير الداخلية اليميني حين كانت فرنسا تغلي بالمظاهرات المطلبية، منحه تصريحا بدخول الأراضي الفرنسية. كان باسكوا في عيون اليساريين رمزاً للشرّ وكانت معاييرهم تستند إلى دعم كل ما يرفضه ورفض كل ما يدعمه. وعليه تحرك اليسار الأنتي-كولونيالي والمناهض للعولمة لاحتضان رمضان الذي عرف كيف يحاكي هذا اليسار.
فهم رمضان مبكراً أنّ هذا اليسار يشعر بالذنب والإدانة الذاتية إزاء فكرة “الجزائر الفرنسية” والماضي الإستعماري لفرنسا، فجمع حوله عشرات المفكرين اليساريين الذين دافعوا عنه، آخرهم رئيس تحرير موقع ميديابارت ايدي بلينيل الذي يخوض معركة إعلامية مع شارلي ايبدو ومدير تحريرها وخلفهما رئيس الحكومة الأسبق مانويل فالس على خلفية الكاريكاتور الذي نشرته شارلي عن رمضان واتهام بلينيل الصحيفة الساخرة بتأجيج الكراهية ضد المسلمين.
يعود الإنقسام اليساري حول سؤال الإسلام والمسلمين في فرنسا إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي مع نجاح الثورة الإيرانية واحتلال السوفيات لأفغانستان ونمو الموجات الإسلامية في أوروبا التي ترافقت مع ارتفاع أعداد المهاجرين المغاربيين إلى فرنسا. تخوّفت حكومة موروا الإشتراكية سنة ٨٢ من تزايد مطالب المسلمين في مجالات العمل كدعوة مجموعة من العمال الجزائريين إلى إتاحة الصلاة في صالة خاصة في إحدى المعامل ما لاقى رفضاً مباشراً من وزير الداخلية غاستون ديفير الذي كان يبدي تخوفاً من تأثير الخمينية الصاعدة بعد نجاح الثورة في إيران، رغم معرفته بانحسار المسلمين الشيعة في فرنسا، كانسحاب لبدء انتصارات المسلمين في هذا القرن المليء بالخيبات. انقسم اليساريون إلى قسمين: الأول يرى في العمالة المسلمة ضحية نظام اجتماعي غير عادل، والثاني يهتم بشكل مباشر بالسؤال عن الإندماج والعلمانية.
شكّلت سنة ٢٠٠٣ نقطة مفصلية في بلورة مواقف المعسكرين اليساريين من طارق رمضان بعد إتهامه لعشرات المفكرين اليهود بدعم اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والتلطي خلف خطاب المحافظين الجدد في “الحرب على الإرهاب”، فاحتضنه النائب الإشتراكي باسكال بونيفاس الذي ترك الحزب بسبب تماهيه مع المواقف الإسرائيلية. وقد برز آنذاك في سولفيرينو (شارع باريسي يضم مكاتب الحزب الاشتراكي) تيار يخوض معركة شرسة ضد “مناهضي العولمة” ( Attac)كان عماده ثلاثة أسماء: مانويل فالس، فانسان بييون، وجان-لوك ميلانشون.
واذا كان جزء من اليسار قد وجد في مسلمي فرنسا “الطبقة” لتواجه النيوليبرالية والرأسمالية، فإنّ جزءاً آخر تقبّل هفوات رمضان في مسار فهم مبسّط يرتكز إلى “النسبية الثقافية” فيتم استيعاب خطاب رمضان المتمايز  في بيئته ظاهريا والمتقاطع مع عمق التيار الإسلامي الحداثي كمحاولة لاستيعاب المسلمين جميعا في أوروبا.
هل انتهى طارق رمضان ؟
في آخر تحديث لقضية طارق رمضان، بعد الاتهام الذي وجهت له هند عياري من على صفحات
« La tribune de Genève »، عاد اسم ماجدة برنوسي للرواج مجدداً في فرنسا. المرأة الأربعينية التي التقت برمضان بعد العودة من الحج سنة ٢٠٠٩ ودأبت على اللقاء به مراراً لتتهمه سنة ٢٠١٤ بالكذب عليها وخيانتها، كاشفة في كتاب “سفر في المياه المضطربة مع طارق رمضان”، لم ينشر كاملاً، عن أسرار “الرجل ذو الوجهين” الذي “لم تره يؤدي فريضة الصلاة طيلة عامين” وإن سألته عن الطعام ما إذا كان حلالاً كان يرد “هذا مجرد تفصيل”، والذي كان يتكتم بشكل كبير عن حياته الزوجية. وتخلص برنوسي “الإسلام عند طارق رمضان هو مجرد بيزنس مربح”.
حيرة كبيرة تحيط بمئات المفكرين الذين آمنوا بإسلام طارق رمضان العصري، وآلاف الطلاب الذين حضروه في الجامعات، وملايين المسلمين الذين أصبحوا يرون وجوههم في وجهه وصوتهم في صوته. حبر كثير سيسيل، وأسماء ضحايا جدد ستخرج إلى العلن، قد يكون طارق رمضان على رأس هذه اللائحة.
[video_player link=”https://www.youtube.com/watch?v=IUs3xfoNd0Q&feature=youtu.be”][/video_player]

27.11.2017
زمن القراءة: 8 minutes

لا يمكن الحديث عن الإسلام الفرانكوفوني من دون التوقف عند شخصيات مثل طارق رمضان. صورته وصوته اللذان شغلا منابر المسلمين في أوروبا، أصبحا اليوم محطّ تساؤل ومثار جدل وانقسامٍ كبير بعد الاتهامات التي وجّهتها الناشطة النسوية،

لا يمكن الحديث عن الإسلام الفرانكوفوني من دون التوقف عند شخصيات مثل طارق رمضان. صورته وصوته اللذان شغلا منابر المسلمين في أوروبا، أصبحا اليوم محطّ تساؤل ومثار جدل وانقسامٍ كبير بعد الاتهامات التي وجّهتها الناشطة النسوية، المرتدة عن السلفية، هند عياري لرمضان باغتصابها والإعتداء جنسياً عليها وعلى نساء أخريات. تقول عياري إن هناك نساء “يلجمهنّ الخوف من الفضيحة بقدر ما تمنعهنّ شبكات الإخوان المسلمين من مواجهة الرجل بشجاعة” حسب تصريحها أمام محكمة “روان” (Rouen) في شمال فرنسا حيث رفعت دعوى ضد رمضان الشهر الماضي.
صعود نجم طارق رمضان
البروفيسور، المحاضر، الداعية، الباحث الإسلامي..ألقاب عديدة ارتبطت باسم طارق رمضان ورافقته في مساراته المهنية ، لكنّ مسيرة هذا الرجل ربما كانت لتكون عادية جدا لولا تلك التركيبة العائلية الرمزية، إذ شاءت الصدف أن يكون رمضان حفيد حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) ونجل سعيد رمضان (مؤسس أول مركز اسلامي في أوروبا). ساهمت تلك الخلفية في انخراط رمضان في خطاب هدف نحو عصرنة الدين في أوروبا عبر خطاب ذكي جذب مجموعة من المفكرين المحسوبين على اليسار “المناهض للعولمة” (gauche altermondialiste) والمعادي للإستعمار (anticolonialiste).
اكتسبت شخصية طارق رمضان حضوراً ورصيداً كبيراً لدى الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا بشكل عام ودول الفرانكفونية بشكل خاص (في سويسرا حيث يقيم،عدا عن فرنسا وبلحيكا)،  فأصبح في فترة قصيرة جدا صوت الشباب المغاربي الخارج من دوامة القيود الدينية والرافض في آن للذوبان الكامل في “أوروبا الكاثوليكية والملحدة”.
ولنجاحات رمضان في اختراق الساحة الأوروبية عوامل عديدة ليس أولها طلاقته في التحدث باللغات الثلاث: العربية، الفرنسية والإنكليزية، وليس آخرها شخصيته المحببة واتزانه وأناقته في اللباس وكيفية اختياره للكلمات. وساهمت عوامل أخرى منها إقامته الدائمة في جينيف وسهولة تنقله للعمل في جامعات أوكسفورد، فرايبورغ، بروكسل وستراسبورغ. وصعوده حصل في أواخر التسعينيات حيث أجاد استغلال خطاب “الحرب على الإرهاب” لخلق مساحة واضحة بين الإسلام “الذي يقتل” و”الإسلام الضحية” كما قال ذات محاضرة بعد هجمات سبتمبر/ايلول في اللقاء السنوي لمسلمي فرنسا في البورجيه (Le Bourget).
شكّل بحث الدكتوراة الذي عمل عليه رمضان سنة ١٩٩٠ فاتحة مبكرة للجدل الذي سيثار لاحقاً عن “الباحث الإسلامي ذو الوجهين” حسب تعبير الصحافي في “لوبوان” الفرنسية ايان هارميل الذي أصدر كتاباً على شكل تحقيق يتناول حياة طارق رمضان وشبكاته في العالم وأسرار تلك القوة التي يمتلكها والتي ساعدته في تكوين صورة “الستار” لدى مختلف الأجيال الاسلامية في أوروبا.
في أطروحته التي حملت عنوان “الإصلاح في الإسلام : من الأفغاني إلى حسن البنا”، يعمد رمضان إلى طمس هوية جدّه المحافظة ويقدّمه كمتنوّر أسّس لتيار إصلاحي في الإسلام. الأمر الذي أغضب رئيسة اللجنة الفاحصة شارل جينيكان، التي كانت مخوّلة متابعة أطروحة رمضان، وأدّى إلى استقالته مع عضويين آخرين رافضين منحه لقب الدكتوراة متهمين اياه ب “التحريف واستخدام البروباغاندا الدينية بغطاء علمي”. لكنّ رمضان، الموعود آنذاك بمنصب مدير الأبحاث الإسلامية في جامعة فرايبورغ الكاثوليكية، نجح في الحصول على شهادة الدكتوراة ليتبعها لاحقا بدخوله جامعة أوكسفورد العريقة، وبقدرته على التأثير بأبحاث شباب يبحثون في قضايا الإسلام الاجتماعي والإسلام السياسي عدا عن متابعته أبحاثاً في مجال علم النفس وارتباطاته الدينية كترؤسه اللجنة الفاحصة لمناقشة أطروحة فاني بوير-موتي التي تناولت تفسير الأحلام في العقيدة الإسلامية.
في بريطانيا، أعجب الذين لم يقرأوا ويتابعوا طارق رمضان عن كثب بمواقفه، إذ أصبح الرجل المتحدث المفضّل عند حكومة سكوتلاند يارد في كل قضية تعنى بالإسلام السياسي وشؤون الإرهاب، حتى تمت تسميته،  من قبل الحكومة العمالية التي رأسها طوني بلير سنة ٢٠٠٥، مستشارا للأسئلة التي تعنى بالتطرف الديني. فبلغته الانكليزية المتمكنة، وخطابه الرصين الهادئ، ولباسه الأنيق الجذاّب، استطاع رمضان لفت أنظار كبار المعلقين الانكليز في الصحف والمنابر التلفزيونية، فرحّبت به ال “بي بي سي” ولحقت بها “الغارديان” ليصبح المعلّق رقم ١ في أوروبا عن كل ما يمتّ للإسلام والمسلمين بصلة.

تاريخ طويل في الإسلام
لعائلة رمضان ماض ٍوحاضر ٍفي الإسلام من التأسيس إلى التنظيم والممارسة وصولا إلى نشر الدعوة. البداية كانت مع “رسالة نحو النور” ومطالب حسن البنا (جد طارق رمضان) الخمسين، تلك القواعد التي لم تمسّها جماعة الإخوان المسلمين إطلاقا في الوقت الذي كانت تقدّم فيه نفسها كتيار إصلاحي يسعى نحو الإنخراط الكامل في الحياة السياسية. سنة ١٩٥٨، أقدم سعيد رمضان (والد طارق وصهر البنا) على تأسيس أول مركز إسلامي في أوروبا عرف باسم ال CIG (المركز الإسلامي في جينيف) بعد لجوئه إلى سويسرا هرباً من نظام جمال عبد الناصر، كان سبقها مرور جهادي في الأراضي الفلسطينية منعاً لقيام دولة إسرائيل.
قبل خروجه من مصر، تأثّر رمضان بسيد قطب ودروسه وخطبه وعمل على تشكيل نواة ل “الجماعة” تسعى إلى نشر الدعوة في سائر أنحاء “الأمة”. تلقى سعيد رمضان دعماً من قطر التي اشترت له قصرا، والأردن التي اختارته ناطقا باسمها في الأمم المتحدة في بداية الستينات والمملكة العربية السعودية التي خصصت له راتبا ماليا (١٢ ألف فرنك سويسري شهرياً) لكنّ رمضان سرعان ما وجد نفسه وحيداً في منتصف الستينات – بعد نشر تقرير سري للمخابرات السويسرية يتهمّ الداعية الإسلامي بالعمالة للانجليز والأمركيين – حتى وفاته سنة ١٩٩٥ تاركا إدارة المركز الإسلامي في جنيف لإبنه الأكبر هاني.
لم يكن هاني رمضان بعيداً عن الخط الذي أسسه جده حسن البنا، ومشى على النهج الذي سار به والده ساعياً لتوحيد “الإخوان” في كل أوروبا، حاملاً خطاباً هو الأكثر راديكالية في العائلة بحيث يبرّر تعدد الزوجات ورجم النساء الزانيات ويرى في النساء غير المحجبات “كافرات”، وقد شبّههن مؤخرا في إحدى الندوات في بلجيكا ب “قطعة ال ٢ يورو”، ما جعل السلطات الفرنسية تتخذ قراراً بمنعه من دخول أراضيها في نيسان/أبريل الماضي.
وحده طارق رمضان نأى بنفسه عن اعتماد لهجةٍ قاسية في سوقه ل “الدين الحنيف”، وذهب إلى صياغة خطاب براغماتي توجّه فيه إلى المسلمين في أوروبا باعتبارهم سكاناً أوروبيين، عليهم ما على غير المسلمين من واجبات ولهم ما لغيرهم من حقوق فكرية وعقائدية وسياسية.
أصبح طارق رمضان ملهماً لجيل الهجرة الثاني من المغاربيين وأمسى صوته صوت الضواحي في فرنسا وبلجيكا وسويسرا.
على أنّ ما يضمره رمضان في العلن يحكيه في الخفاء أو بلغة الترميز التي يجيدها ببراعة، كأن يدين اعتداءات تولوز ومونتوبان صباحاً ويرسم بورتريه محمد مراح “الشاب الضحية الذي لا يمكن أن نرمي الذنب عليه” على موقعه على الإنترنت مساء.كأن يقول بأولوية العلم على النصوص الدينية في كتابه “المسلمون في العلمانية” (١٩٩٤) ثم يعود للقول بأنّ “بعض ما في البيولوجيا لا يتطابق مع الإسلام”. وتجلت براغماتية رمضان وازدواجية خطابه في تهربه من إدانة رجم الزانيات واعتباره الأمر “غير مقبول” لكن مع وقف (Moratoire) لا يخطّىء النص الديني الواضح.
طارق رمضان و”اليسار-الإسلامي”
في خطاب رمضان الذي يتراءى لطيف ٍواسعٍ من اليساريين كلغة تحديثية – قوامها رفض العنف وتلزيم النص قيوداً زمنية – زعم بقدرة الإسلام الدائمة على اجتراح الحلول، لذلك نسمعه يكرّر شعار الجماعة “الإسلام هو الحل” لكنّه يستطرد فورا “لكن عن أيّ إسلام نتحدث ؟”. هذا الخطاب في حتمية العودة للإسلام، عارضه باحثون إسلاميون مجتهدون مثل عبد النور أبيدار وعبد الوهاب مداب، ساهم في تشظي الموقف اليساري من طارق رمضان.
وجد يساريو “مناهضة العولمة” و”الأنتي-كولونيالية” في خطاب رمضان ما يمكن البناء عليه لتأسيس ما اصطلح “إسلام فرنسي” لا يتنافى مع العلمانية ولا يخل ّبمبادئ الجمهورية. نتذكر النداء الشهير الذي أطلقه ادغار موران، آلان غريش، صونيا دايان ورفائيل ليوجيه في “لوموند” في بداية الألفية الجديدة، والذي حمل رسالة واضحة تدعو إلى “احتضان هذا الصوت الإسلامي الذي يمكننا من فتح حوار أشمل مع شباب الضواحي المسلمين”.
بدأت علاقة رمضان باليسار الفرنسي سنة ١٩٩٦ عندما رفض شارل باسكوا، وزير الداخلية اليميني حين كانت فرنسا تغلي بالمظاهرات المطلبية، منحه تصريحا بدخول الأراضي الفرنسية. كان باسكوا في عيون اليساريين رمزاً للشرّ وكانت معاييرهم تستند إلى دعم كل ما يرفضه ورفض كل ما يدعمه. وعليه تحرك اليسار الأنتي-كولونيالي والمناهض للعولمة لاحتضان رمضان الذي عرف كيف يحاكي هذا اليسار.
فهم رمضان مبكراً أنّ هذا اليسار يشعر بالذنب والإدانة الذاتية إزاء فكرة “الجزائر الفرنسية” والماضي الإستعماري لفرنسا، فجمع حوله عشرات المفكرين اليساريين الذين دافعوا عنه، آخرهم رئيس تحرير موقع ميديابارت ايدي بلينيل الذي يخوض معركة إعلامية مع شارلي ايبدو ومدير تحريرها وخلفهما رئيس الحكومة الأسبق مانويل فالس على خلفية الكاريكاتور الذي نشرته شارلي عن رمضان واتهام بلينيل الصحيفة الساخرة بتأجيج الكراهية ضد المسلمين.
يعود الإنقسام اليساري حول سؤال الإسلام والمسلمين في فرنسا إلى نهاية السبعينات من القرن الماضي مع نجاح الثورة الإيرانية واحتلال السوفيات لأفغانستان ونمو الموجات الإسلامية في أوروبا التي ترافقت مع ارتفاع أعداد المهاجرين المغاربيين إلى فرنسا. تخوّفت حكومة موروا الإشتراكية سنة ٨٢ من تزايد مطالب المسلمين في مجالات العمل كدعوة مجموعة من العمال الجزائريين إلى إتاحة الصلاة في صالة خاصة في إحدى المعامل ما لاقى رفضاً مباشراً من وزير الداخلية غاستون ديفير الذي كان يبدي تخوفاً من تأثير الخمينية الصاعدة بعد نجاح الثورة في إيران، رغم معرفته بانحسار المسلمين الشيعة في فرنسا، كانسحاب لبدء انتصارات المسلمين في هذا القرن المليء بالخيبات. انقسم اليساريون إلى قسمين: الأول يرى في العمالة المسلمة ضحية نظام اجتماعي غير عادل، والثاني يهتم بشكل مباشر بالسؤال عن الإندماج والعلمانية.
شكّلت سنة ٢٠٠٣ نقطة مفصلية في بلورة مواقف المعسكرين اليساريين من طارق رمضان بعد إتهامه لعشرات المفكرين اليهود بدعم اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والتلطي خلف خطاب المحافظين الجدد في “الحرب على الإرهاب”، فاحتضنه النائب الإشتراكي باسكال بونيفاس الذي ترك الحزب بسبب تماهيه مع المواقف الإسرائيلية. وقد برز آنذاك في سولفيرينو (شارع باريسي يضم مكاتب الحزب الاشتراكي) تيار يخوض معركة شرسة ضد “مناهضي العولمة” ( Attac)كان عماده ثلاثة أسماء: مانويل فالس، فانسان بييون، وجان-لوك ميلانشون.
واذا كان جزء من اليسار قد وجد في مسلمي فرنسا “الطبقة” لتواجه النيوليبرالية والرأسمالية، فإنّ جزءاً آخر تقبّل هفوات رمضان في مسار فهم مبسّط يرتكز إلى “النسبية الثقافية” فيتم استيعاب خطاب رمضان المتمايز  في بيئته ظاهريا والمتقاطع مع عمق التيار الإسلامي الحداثي كمحاولة لاستيعاب المسلمين جميعا في أوروبا.
هل انتهى طارق رمضان ؟
في آخر تحديث لقضية طارق رمضان، بعد الاتهام الذي وجهت له هند عياري من على صفحات
« La tribune de Genève »، عاد اسم ماجدة برنوسي للرواج مجدداً في فرنسا. المرأة الأربعينية التي التقت برمضان بعد العودة من الحج سنة ٢٠٠٩ ودأبت على اللقاء به مراراً لتتهمه سنة ٢٠١٤ بالكذب عليها وخيانتها، كاشفة في كتاب “سفر في المياه المضطربة مع طارق رمضان”، لم ينشر كاملاً، عن أسرار “الرجل ذو الوجهين” الذي “لم تره يؤدي فريضة الصلاة طيلة عامين” وإن سألته عن الطعام ما إذا كان حلالاً كان يرد “هذا مجرد تفصيل”، والذي كان يتكتم بشكل كبير عن حياته الزوجية. وتخلص برنوسي “الإسلام عند طارق رمضان هو مجرد بيزنس مربح”.
حيرة كبيرة تحيط بمئات المفكرين الذين آمنوا بإسلام طارق رمضان العصري، وآلاف الطلاب الذين حضروه في الجامعات، وملايين المسلمين الذين أصبحوا يرون وجوههم في وجهه وصوتهم في صوته. حبر كثير سيسيل، وأسماء ضحايا جدد ستخرج إلى العلن، قد يكون طارق رمضان على رأس هذه اللائحة.
[video_player link=”https://www.youtube.com/watch?v=IUs3xfoNd0Q&feature=youtu.be”][/video_player]