fbpx

عن عرب ولبنانيين خيّبهم خطاب نصرالله  

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تكرار دعوة “حزب الله”، وبالتالي لبنان، للانضمام إلى الحرب هو تكرار مأساوي ودموي لمعادلة كان اختبرها اللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون في العقدين السابع والثامن من القرن الفائت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أبدى عدد من الكتاب والمعلقين العرب، وتحديداً من الأردن وفلسطين، خيبتهم من خطاب أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخير، معتبرين أن نصرالله “خيب الآمال العربية” عبر تفضيله “الغموض البناء” على الانضمام الصريح والواضح الى جبهة الحرب على غزة، وأنه لم يستجب لمعادلة “وحدة الساحات” التي كان هو نفسه قد أرساها!

والحال أنه لا بد من نقاش لبناني مع هذه الأصوات، على رغم أنه من المرجح أن عدم إعلان أمين عام الحزب الانضمام الكامل إلى الحرب، لم يأت كاستجابة لحاجة لبنانية، إنما لحسابات إيرانية، ناهيك بأن لبنان ما زال مرشحاً، وبقوة، لأن يكون “الساحة الثانية” لآلة الحرب الإسرائيلية، كما أعلن نصرالله في الخطاب نفسه.

طبعاً، افتقرت الأصوات، غير اللبنانية، التي خيب خطاب نصرالله أملها بأن يكون لبنان جزءاً من الحرب، إلى حساسية أخلاقية تحصنها من الدعوة الى دفع الكارثة عن لبنان! هي تعلم أن ثمن انضمام الحزب إلى الحرب، سيكون دماراً هائلاً سبق أن اختبر لبنان بعضاً منه في العام 2006، واللبنانيون، ومن بينهم بيئة “حزب الله”، خلّف خطاب نصرالله لديهم ارتياحاً، وإن كان حذراً، جراء ما اعتبروه تجنيبهم الكارثة، في ظل كارثة موازية يعيشونها وتتمثل بانهيار الأنظمة المالية والاقتصادية والصحية التي يعيشونها. 

المعلقون العرب ممن هالهم “حياد” نصرالله، لا يعنيهم هذا الجانب من المأساة في لبنان، على رغم أنه يعنيهم في بلادهم. لم يطلبوا من الأردن أن ينضم إلى الحرب، وجل ما طلبوه من السلطة الفلسطينية في رام الله، وقف التطبيع وقطع العلاقات والسماح بالتظاهر.

ضعف الحساسية يمتد إلى أبعد من ذلك، فتكرار دعوة “حزب الله”، وبالتالي لبنان، للانضمام إلى الحرب هو تكرار مأساوي ودموي لمعادلة كان اختبرها اللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون في العقدين السابع والثامن من القرن الفائت، حين طرد الأردن منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان في أعقاب “أيلول الأسود”، الذي يطلق عليه أردنيون آخرون “أيلول الأبيض”، وما نجم عن ذلك من صدوع عميقة بين اللبنانيين والفلسطينيين، ما زالت آثارها إلى اليوم. 

المعلقون العرب ممن هالهم “حياد” نصرالله، لا يعنيهم هذا الجانب من المأساة في لبنان، على رغم أنه يعنيهم في بلادهم.

وها نحن نشهد بعد مرور أكثر من خمسة عقود على ذلك، من يدعو إلى تحويل لبنان إلى ساحة، بينما لم يسبق له أن “أبدى” كرماً مماثلاً حيال القضية الفلسطينية في بلده. حرب أهلية امتدت لأكثر من 15 عاماً كانت، بأحد وجوهها، ثمناً لـ”وحدة الساحات” بنسختها الأولى.  

وأصحاب مقولة “الخطاب المخيب للآمال” هؤلاء، سبق لهم أن عابوا على نصرالله قتاله في سوريا إلى جانب نظامها، وهم إذ يطلبون من السلاح نفسه القتال في لبنان، يعولون بالنتيجة على انتصار في لبنان يوازي ويكمل “الانتصار في سوريا”، فالمعركة “واحدة” كما قال السيد أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، و”وحدة الساحات” تشمل بين ما تشمل حماية النظام في سوريا. وبهذا المعنى، يوافق العاتبون على نصرالله (وكثيرون منهم إخوان مسلمون، والغريب أكثر أن من بينهم معارضين سوريين) على أن حماية النظام في سوريا هي معركة موازية للمعركة التي تخوضها “حماس” مع إسرائيل في غزة! 

نعم، ثمة انعطافة مأساوية خلفتها الحرب على غزة، فقد مثلت هذه الحرب الصفعة الأخيرة لاصطفافات “الربيع العربي”. الإخوان المسلمون في طريقهم للعودة إلى دمشق، أما السوريون من بينهم، فلن يعودوا لأن نظام البعث لن يقبل بعودتهم، وهذا على كل حال نقاش آخر. 

ثم إن عبارة “الانضمام إلى الحرب” تبدو في خطب المعلقين والكتاب المذكورين ومقالاتهم، منزوعة من سياقها التدميري والكارثي. الحرب بالنسبة إليهم عبارة في خطاب، طالما أنهم بعيدون عن نتائجها، وليست قتلى ودماراً وعجزاً عن استقبال الجرحى، ونزوحاً مستحيلاً في ظل استعصاء العلاقات المذهبية بين الجماعات اللبنانية. “ادخل الحرب يا سيد”! هل من انعدام للحساسية يفوق هذه الدعوة؟ هي جرأة تبلغ الوقاحة أحياناً حين تصدر من معلق مقيم في لندن مثل عبد الباري عطوان، وهي عبثية حين تصدر عن إخواني مقيم في الدوحة. وللمناسبة، هي مفهومة حين تصدر عن مستغيث في غزة.

أما ذروة العبثية والعدمية، فهي القرينة اللبنانية لهذه الدعوات، فقد أخذ خصوم لبنانيين لـ”حزب الله” على نصرالله “تردده وتراجعه”، وأعابوا عليه عدم إعلانه الحرب. هؤلاء هم أنفسهم كانوا يعدون العدة لخطاب “سيادي” يعتبرون فيه أن الحزب أخذ لبنان رهينة.

الحزب، في حال لم يدخل الحرب، وهذا احتمال ليس راجحاً، فإنه يفعل ذلك وفق حسابات غير لبنانية، ولكن ما الخطأ إذا استفاد لبنان من لحظة غير لبنانية تجنّبه الحرب؟ لا يبدو أن هناك مكاناً للعقل في ذروة الاحتقان المذهبي اللبناني، والأخطر من ذلك أن بعضاً من خصوم الحزب اللبنانيين، خيبهم خطاب نصرالله، لأنه قد يجنب لبنان دماراً يعتقدونه ضرورياً للقضاء على خصمهم.   

05.11.2023
زمن القراءة: 4 minutes

تكرار دعوة “حزب الله”، وبالتالي لبنان، للانضمام إلى الحرب هو تكرار مأساوي ودموي لمعادلة كان اختبرها اللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون في العقدين السابع والثامن من القرن الفائت.

أبدى عدد من الكتاب والمعلقين العرب، وتحديداً من الأردن وفلسطين، خيبتهم من خطاب أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخير، معتبرين أن نصرالله “خيب الآمال العربية” عبر تفضيله “الغموض البناء” على الانضمام الصريح والواضح الى جبهة الحرب على غزة، وأنه لم يستجب لمعادلة “وحدة الساحات” التي كان هو نفسه قد أرساها!

والحال أنه لا بد من نقاش لبناني مع هذه الأصوات، على رغم أنه من المرجح أن عدم إعلان أمين عام الحزب الانضمام الكامل إلى الحرب، لم يأت كاستجابة لحاجة لبنانية، إنما لحسابات إيرانية، ناهيك بأن لبنان ما زال مرشحاً، وبقوة، لأن يكون “الساحة الثانية” لآلة الحرب الإسرائيلية، كما أعلن نصرالله في الخطاب نفسه.

طبعاً، افتقرت الأصوات، غير اللبنانية، التي خيب خطاب نصرالله أملها بأن يكون لبنان جزءاً من الحرب، إلى حساسية أخلاقية تحصنها من الدعوة الى دفع الكارثة عن لبنان! هي تعلم أن ثمن انضمام الحزب إلى الحرب، سيكون دماراً هائلاً سبق أن اختبر لبنان بعضاً منه في العام 2006، واللبنانيون، ومن بينهم بيئة “حزب الله”، خلّف خطاب نصرالله لديهم ارتياحاً، وإن كان حذراً، جراء ما اعتبروه تجنيبهم الكارثة، في ظل كارثة موازية يعيشونها وتتمثل بانهيار الأنظمة المالية والاقتصادية والصحية التي يعيشونها. 

المعلقون العرب ممن هالهم “حياد” نصرالله، لا يعنيهم هذا الجانب من المأساة في لبنان، على رغم أنه يعنيهم في بلادهم. لم يطلبوا من الأردن أن ينضم إلى الحرب، وجل ما طلبوه من السلطة الفلسطينية في رام الله، وقف التطبيع وقطع العلاقات والسماح بالتظاهر.

ضعف الحساسية يمتد إلى أبعد من ذلك، فتكرار دعوة “حزب الله”، وبالتالي لبنان، للانضمام إلى الحرب هو تكرار مأساوي ودموي لمعادلة كان اختبرها اللبنانيون والفلسطينيون والأردنيون في العقدين السابع والثامن من القرن الفائت، حين طرد الأردن منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان في أعقاب “أيلول الأسود”، الذي يطلق عليه أردنيون آخرون “أيلول الأبيض”، وما نجم عن ذلك من صدوع عميقة بين اللبنانيين والفلسطينيين، ما زالت آثارها إلى اليوم. 

المعلقون العرب ممن هالهم “حياد” نصرالله، لا يعنيهم هذا الجانب من المأساة في لبنان، على رغم أنه يعنيهم في بلادهم.

وها نحن نشهد بعد مرور أكثر من خمسة عقود على ذلك، من يدعو إلى تحويل لبنان إلى ساحة، بينما لم يسبق له أن “أبدى” كرماً مماثلاً حيال القضية الفلسطينية في بلده. حرب أهلية امتدت لأكثر من 15 عاماً كانت، بأحد وجوهها، ثمناً لـ”وحدة الساحات” بنسختها الأولى.  

وأصحاب مقولة “الخطاب المخيب للآمال” هؤلاء، سبق لهم أن عابوا على نصرالله قتاله في سوريا إلى جانب نظامها، وهم إذ يطلبون من السلاح نفسه القتال في لبنان، يعولون بالنتيجة على انتصار في لبنان يوازي ويكمل “الانتصار في سوريا”، فالمعركة “واحدة” كما قال السيد أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، و”وحدة الساحات” تشمل بين ما تشمل حماية النظام في سوريا. وبهذا المعنى، يوافق العاتبون على نصرالله (وكثيرون منهم إخوان مسلمون، والغريب أكثر أن من بينهم معارضين سوريين) على أن حماية النظام في سوريا هي معركة موازية للمعركة التي تخوضها “حماس” مع إسرائيل في غزة! 

نعم، ثمة انعطافة مأساوية خلفتها الحرب على غزة، فقد مثلت هذه الحرب الصفعة الأخيرة لاصطفافات “الربيع العربي”. الإخوان المسلمون في طريقهم للعودة إلى دمشق، أما السوريون من بينهم، فلن يعودوا لأن نظام البعث لن يقبل بعودتهم، وهذا على كل حال نقاش آخر. 

ثم إن عبارة “الانضمام إلى الحرب” تبدو في خطب المعلقين والكتاب المذكورين ومقالاتهم، منزوعة من سياقها التدميري والكارثي. الحرب بالنسبة إليهم عبارة في خطاب، طالما أنهم بعيدون عن نتائجها، وليست قتلى ودماراً وعجزاً عن استقبال الجرحى، ونزوحاً مستحيلاً في ظل استعصاء العلاقات المذهبية بين الجماعات اللبنانية. “ادخل الحرب يا سيد”! هل من انعدام للحساسية يفوق هذه الدعوة؟ هي جرأة تبلغ الوقاحة أحياناً حين تصدر من معلق مقيم في لندن مثل عبد الباري عطوان، وهي عبثية حين تصدر عن إخواني مقيم في الدوحة. وللمناسبة، هي مفهومة حين تصدر عن مستغيث في غزة.

أما ذروة العبثية والعدمية، فهي القرينة اللبنانية لهذه الدعوات، فقد أخذ خصوم لبنانيين لـ”حزب الله” على نصرالله “تردده وتراجعه”، وأعابوا عليه عدم إعلانه الحرب. هؤلاء هم أنفسهم كانوا يعدون العدة لخطاب “سيادي” يعتبرون فيه أن الحزب أخذ لبنان رهينة.

الحزب، في حال لم يدخل الحرب، وهذا احتمال ليس راجحاً، فإنه يفعل ذلك وفق حسابات غير لبنانية، ولكن ما الخطأ إذا استفاد لبنان من لحظة غير لبنانية تجنّبه الحرب؟ لا يبدو أن هناك مكاناً للعقل في ذروة الاحتقان المذهبي اللبناني، والأخطر من ذلك أن بعضاً من خصوم الحزب اللبنانيين، خيبهم خطاب نصرالله، لأنه قد يجنب لبنان دماراً يعتقدونه ضرورياً للقضاء على خصمهم.