fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

عن مجزرة الساحل السوري التي تأجّلت 3 أشهر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا كان الخطاب الرسمي يواصل تغذية الحقد والتفرقة، فإن الجرحى من هذا الشعب لن يروا في الآخر سوى تجسيد للطغيان نفسه. حين يُستخدم الخطاب التحريضي من أعلى مستويات السلطة، فإنه يعمق الانقسام ويزيد من حدة الاحتقان، ما يجعل من الصعب على أي طرف تجاوز إرث النظام القمعي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

المجزرة التي خشينا حصولها في 8 كانون الأول/ ديسمبر، حين سقوط نظام الأسد، والتي هلّلنا لأنها لم تحدث، وقعت بالفعل، لكن بعدما أُجلت ثلاثة أشهر فقط. واليوم، راح ضحيتها نحو 800 مدني وأكثر من 300 عنصر من الأمن العام، والرقم قابل للزيادة في ظل صعوبة الوصول إلى كلّ الضحايا.

يصعب اختصار ما حدث، لكن يمكن القول إن فلول نظام الأسد جرّت الحقد الطائفي إلى عقر مسقط رأس الأسد وتركته ينتقم من السكان، ولم يكن صعباً أن تنصاع فصائل متطرفة كثيرة محسوبة على الإدارة الجديدة إلى هذه “الوليمة”، التي تأخّرت ثلاثة أشهر.

يبدو الحديث عن سوريا اليوم أصعب من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب المجازر المروّعة التي حصلت وستحصل، لكن أيضاً لأننا نرى بأم أعيننا محاولات إعادة إنتاج نظام الأسد واستنساخ روايته. يزيد الأمر مأساوية أن العجز بات واقعاً، إذ نشاهد أهلنا وأصدقاءنا يستنجدون ونحن على المقلب الآخر نتساءل مَن ينهي هذه المجزرة؟

منذ معركة ردع العدوان، وبرغم الفرحة العارمة التي رافقت سقوط النظام، ظل القلق من شبح الحرب الأهلية وحمام الدم حاضراً. كنا نظن، أو ربما نأمل، بأنه بعد مرور ثلاثة أشهر، أصبحنا أقرب إلى الاستقرار وأبعد عن خطر المجازر، لكن سرعان ما اكتشفنا أننا كنا واهمين، أو ربما مجرد حالمين. 

ما يحدث اليوم ليس سوى امتداد لتاريخ الأسد الدموي، وليس حدثاً منفصلاً عنه، بل هو استمرار لنمط القمع والعنف الذي طبع حكمه لعقود. الفرق الوحيد أن الدولة الجديدة كان بإمكانها تفادي هذه المجزرة، أو على الأقل احتواءها قبل أن تتفاقم، لكنها لم تفعل، سواء بسبب العجز أو التجاهل.

الأكيد أن سوريا بعد يوم 8 آذار/ مارس ليست كما سوريا قبله، تماماً كما ليست قبل 8 كانون الأول/ ديسمبر. فالتجييش الأهلي مرعب، والأخطر من ذلك هو تبرير الظلم الحاضر بالظلم الماضي، وكأن المأساة لا يمكن أن تنتهي بل تعيد إنتاج نفسها بلا توقّف.

أولئك الذين ذاقوا القهر على يد الأسد يبيحون اليوم قهر غيرهم، محوّلين انتقامهم إلى حلقة مفرغة من الظلم، تكاد تشعرك بالعجز التام. ووسط هذا العنف الأعمى، يكشف استهداف شخصيات مثل المعتقل السابق عمر الشغري، الذي نذر حياته لكشف انتهاكات نظام الأسد منذ أن كان طفلاً، واعتُقل وعُذّب، عن حقيقة مريرة: حتى رموز الصمود، وفي حال اعترفت بالمجازر ضد الطائفة العلوية، لا تُستثنى من هذا الدمار الأخلاقي الذي يبتلع الجميع.

وسط هذا الدمار كله، يبرز سوريون لا يريدون الموت أو الانتقام حتى ولو كانوا جماعات مبعثرة لا ثقل لها، أولئك الذين يختارون حماية الحياة بدلاً من تأجيج العنف.

 هناك من أخفى الهاربين من الأمن العام، ومن فتح بيته للعائلات العلوية المهددة، وهناك من خاطر بحياته لإنقاذ آخرين، سواء كانوا من عناصر الأمن أو من المدنيين المحاصرين في الاشتباكات. 

خلال الأيام الثلاثة الماضية، سُجّلت مواقف نادرة من الشجاعة والإنسانية، لكنها ضاعت وسط ضجيج الدم والانتقام.

أما إنكار المجزرة، فلا يقتصر على كونه تهرباً من الحقيقة، بل هو محاولة لاحتكار رواية المظلومية، وإعادة رسم خطوط الخير والشر وفق ميزان القوى الجديد.

بعض أبناء الثورة يقللون من جديّة المذبحة ليس لأنهم يجهلونها، بل لأن الاعتراف بها يهدد امتيازهم في امتلاك سردية الثورة. المعادلة باتت واضحة: “نحن الثورة”، نحن وحدنا من عرف الظلم، نحن وحدنا من يحق له كتابة التاريخ لأننا “أسقطنا الأسد”. وهكذا، يُعاد إنتاج الظلم مرة أخرى، ولكن بأيدٍ جديدة، وباسم قضية كانت تهدف في الأصل إلى إنهائه.

كل ما يحصل اليوم هو انفجار لعدالة مؤجّلة، تأخّرت حتى تحوّلت إلى نار تحت الرماد. أحمد الشرع، في سعيه لإعادة سوريا إلى الخارطة الدولية، اختار أن يوجه أنظاره إلى الخارج، ظناً منه أن رفع العقوبات واستعادة المكانة الإقليمية والدولية هما الأولوية القصوى. لكنه في خضم ذلك، تجاهل الجراح المفتوحة، والدماء التي لم تجف، والغضب الذي ظل يتراكم لسنوات من دون تفريغ أو إنصاف.

خلال ثلاثة أشهر فقط، حاول الشرع بناء سوريا جديدة، لكنه استعجل البناء فوق أرض مهشّمة. أطلق حواراً وطنياً، أنشأ لجنة تحضيرية للدستور، وحلّ الجيش ليعيد تشكيله من فصائل متفرقة، لكنه لم يضع أي أسس حقيقية للمصالحة الوطنية. 

هل يدرك أحمد الشرع أن السلم الأهلي ليس مجرد شعار نرفعه أمام الإعلام الغربي، بل هو عملية معقّدة تحتاج إلى مواجهة الماضي، محاسبة المجرمين، وتضميد الجراح! 

اليوم، سوريا التي بناها بسرعة تتهاوى أمام أول اختبار حقيقي، لأن العدل الذي تم تجاهله لا يموت، بل يعود ليطالب بحقه ولو كان ذلك على شكل فوضى وانفجار ومجازر.

على سبيل المثال، كان واضحاً منذ البداية أن منطقة الساحل من أكثر المناطق حساسية وتعقيداً، ومع ذلك لم تُتخذ أي خطوات جادة لإنشاء قوات أمنية محايدة قادرة على حماية جميع السكان، بمن فيهم الفئات التي كانت مستهدفة سابقاً.

 لم يُجرَ تفكيك الميليشيات أو ضبط انتشار السلاح، بل على العكس، تحولت فصائل عُرفت بانتهاكاتها وجرائمها مثل “الحمزات” و”العمشات” المتورطتين في تجارة المخدرات والبشر، إلى جزء من السلطة الجديدة، التي بات اسمها “دولة”!

في ظل هذا الواقع، لم يكن من المستغرب أن ينفجر العنف مجدداً، فما حدث لم يكن انتقالاً إلى مرحلة جديدة، بل إعادة تدوير للفوضى تحت أسماء مختلفة.

هل تم إشراك الضحايا في عملية التوثيق والاستماع إلى شهاداتهم؟ هل عُيِّن مسؤولون مؤهلون للتعامل مع هذا الإرث الثقيل من الظلم، أم أننا أمام مشهد يعيد إنتاج العقلية ذاتها التي بررت الجرائم في الماضي؟

 خذوا مثالاً عائشة الدبس، رئيسة مكتب شؤون المرأة في الإدارة الجديدة، التي بدأت مشوارها بإظهار ذكوريتها الفجة، ثم أتبعته بتغريدة تكشف عن عقلية انتقائية في إدانة الجرائم، قائلة: “للمرهفين على مواقع التواصل… تذكروا فظاعة وبشاعة مجزرة بشار الكيماوية”. وكأن الظلم يُوزن بميزان الانتماء السياسي، وكأن الضحايا درجات، بعضهم يستحق التعاطف، وآخرون مجرد أرقام في صراع جديد.

فإذا كانت شخصية مسؤولة في الدولة كعائشة الدبس غير قادرة على ضبط خطابها التحريضي، فكيف يتوقع أحمد الشرع من مقاتليه، الذين يحملون في صدورهم مرارات القهر والظلم والنزوح والطائفية، أن يقفوا أمام شخص علوي ويعتبرونه ليس أسدياً؟

إذا كان الخطاب الرسمي يواصل تغذية الحقد والتفرقة، فإن الجرحى من هذا الشعب لن يروا في الآخر سوى تجسيد للطغيان نفسه. حين يُستخدم الخطاب التحريضي من أعلى مستويات السلطة، فإنه يعمق الانقسام ويزيد من حدة الاحتقان، ما يجعل من الصعب على أي طرف تجاوز إرث النظام القمعي.

من يُقتَل اليوم هم السوريون، من رجال الأمن والمدنيين والأطفال والنساء، في معركة يصعب استيعابها بسهولة، فهي ليست مجرد مواجهة عابرة، بل حصيلة خمسة عقود من حكم الأسد، ومن ترسيخ التطرف والجهل والقمع.

لكن السؤال الأهم: هل ستكون هذه المجزرة نموذجاً لما ستؤول إليه سوريا القادمة؟ وهل يمكن أن تصبح، في أفضل السيناريوهات، نقطة انعطاف تدفع نحو إعادة التفكير بمسار الأحداث؟

نجيب جورج عوض - باحث سوري | 21.03.2025

هيئة تحرير الشام، الطائفية، و”ميتريكس” سوريا الموازية

في سوريا الحالية الواقعية، لا يوجد خيار ولا كبسولتان ولا حتى مورفيوس: إما أن تنصاع لحقيقة هيمنة ميتريكس سوريا الافتراضية الموازية الذي أحضرته الهيئة معها من تجربة إدلب، أو عليك أن تتحول إلى ضحية وهدف مشروعين أمام خالقي الميتريكس وحراسه في سبيل ترسيخ وتحقيق هيمنة الميتريكس المذكور على الواقع.
10.03.2025
زمن القراءة: 5 minutes

إذا كان الخطاب الرسمي يواصل تغذية الحقد والتفرقة، فإن الجرحى من هذا الشعب لن يروا في الآخر سوى تجسيد للطغيان نفسه. حين يُستخدم الخطاب التحريضي من أعلى مستويات السلطة، فإنه يعمق الانقسام ويزيد من حدة الاحتقان، ما يجعل من الصعب على أي طرف تجاوز إرث النظام القمعي.

المجزرة التي خشينا حصولها في 8 كانون الأول/ ديسمبر، حين سقوط نظام الأسد، والتي هلّلنا لأنها لم تحدث، وقعت بالفعل، لكن بعدما أُجلت ثلاثة أشهر فقط. واليوم، راح ضحيتها نحو 800 مدني وأكثر من 300 عنصر من الأمن العام، والرقم قابل للزيادة في ظل صعوبة الوصول إلى كلّ الضحايا.

يصعب اختصار ما حدث، لكن يمكن القول إن فلول نظام الأسد جرّت الحقد الطائفي إلى عقر مسقط رأس الأسد وتركته ينتقم من السكان، ولم يكن صعباً أن تنصاع فصائل متطرفة كثيرة محسوبة على الإدارة الجديدة إلى هذه “الوليمة”، التي تأخّرت ثلاثة أشهر.

يبدو الحديث عن سوريا اليوم أصعب من أي وقت مضى، ليس فقط بسبب المجازر المروّعة التي حصلت وستحصل، لكن أيضاً لأننا نرى بأم أعيننا محاولات إعادة إنتاج نظام الأسد واستنساخ روايته. يزيد الأمر مأساوية أن العجز بات واقعاً، إذ نشاهد أهلنا وأصدقاءنا يستنجدون ونحن على المقلب الآخر نتساءل مَن ينهي هذه المجزرة؟

منذ معركة ردع العدوان، وبرغم الفرحة العارمة التي رافقت سقوط النظام، ظل القلق من شبح الحرب الأهلية وحمام الدم حاضراً. كنا نظن، أو ربما نأمل، بأنه بعد مرور ثلاثة أشهر، أصبحنا أقرب إلى الاستقرار وأبعد عن خطر المجازر، لكن سرعان ما اكتشفنا أننا كنا واهمين، أو ربما مجرد حالمين. 

ما يحدث اليوم ليس سوى امتداد لتاريخ الأسد الدموي، وليس حدثاً منفصلاً عنه، بل هو استمرار لنمط القمع والعنف الذي طبع حكمه لعقود. الفرق الوحيد أن الدولة الجديدة كان بإمكانها تفادي هذه المجزرة، أو على الأقل احتواءها قبل أن تتفاقم، لكنها لم تفعل، سواء بسبب العجز أو التجاهل.

الأكيد أن سوريا بعد يوم 8 آذار/ مارس ليست كما سوريا قبله، تماماً كما ليست قبل 8 كانون الأول/ ديسمبر. فالتجييش الأهلي مرعب، والأخطر من ذلك هو تبرير الظلم الحاضر بالظلم الماضي، وكأن المأساة لا يمكن أن تنتهي بل تعيد إنتاج نفسها بلا توقّف.

أولئك الذين ذاقوا القهر على يد الأسد يبيحون اليوم قهر غيرهم، محوّلين انتقامهم إلى حلقة مفرغة من الظلم، تكاد تشعرك بالعجز التام. ووسط هذا العنف الأعمى، يكشف استهداف شخصيات مثل المعتقل السابق عمر الشغري، الذي نذر حياته لكشف انتهاكات نظام الأسد منذ أن كان طفلاً، واعتُقل وعُذّب، عن حقيقة مريرة: حتى رموز الصمود، وفي حال اعترفت بالمجازر ضد الطائفة العلوية، لا تُستثنى من هذا الدمار الأخلاقي الذي يبتلع الجميع.

وسط هذا الدمار كله، يبرز سوريون لا يريدون الموت أو الانتقام حتى ولو كانوا جماعات مبعثرة لا ثقل لها، أولئك الذين يختارون حماية الحياة بدلاً من تأجيج العنف.

 هناك من أخفى الهاربين من الأمن العام، ومن فتح بيته للعائلات العلوية المهددة، وهناك من خاطر بحياته لإنقاذ آخرين، سواء كانوا من عناصر الأمن أو من المدنيين المحاصرين في الاشتباكات. 

خلال الأيام الثلاثة الماضية، سُجّلت مواقف نادرة من الشجاعة والإنسانية، لكنها ضاعت وسط ضجيج الدم والانتقام.

أما إنكار المجزرة، فلا يقتصر على كونه تهرباً من الحقيقة، بل هو محاولة لاحتكار رواية المظلومية، وإعادة رسم خطوط الخير والشر وفق ميزان القوى الجديد.

بعض أبناء الثورة يقللون من جديّة المذبحة ليس لأنهم يجهلونها، بل لأن الاعتراف بها يهدد امتيازهم في امتلاك سردية الثورة. المعادلة باتت واضحة: “نحن الثورة”، نحن وحدنا من عرف الظلم، نحن وحدنا من يحق له كتابة التاريخ لأننا “أسقطنا الأسد”. وهكذا، يُعاد إنتاج الظلم مرة أخرى، ولكن بأيدٍ جديدة، وباسم قضية كانت تهدف في الأصل إلى إنهائه.

كل ما يحصل اليوم هو انفجار لعدالة مؤجّلة، تأخّرت حتى تحوّلت إلى نار تحت الرماد. أحمد الشرع، في سعيه لإعادة سوريا إلى الخارطة الدولية، اختار أن يوجه أنظاره إلى الخارج، ظناً منه أن رفع العقوبات واستعادة المكانة الإقليمية والدولية هما الأولوية القصوى. لكنه في خضم ذلك، تجاهل الجراح المفتوحة، والدماء التي لم تجف، والغضب الذي ظل يتراكم لسنوات من دون تفريغ أو إنصاف.

خلال ثلاثة أشهر فقط، حاول الشرع بناء سوريا جديدة، لكنه استعجل البناء فوق أرض مهشّمة. أطلق حواراً وطنياً، أنشأ لجنة تحضيرية للدستور، وحلّ الجيش ليعيد تشكيله من فصائل متفرقة، لكنه لم يضع أي أسس حقيقية للمصالحة الوطنية. 

هل يدرك أحمد الشرع أن السلم الأهلي ليس مجرد شعار نرفعه أمام الإعلام الغربي، بل هو عملية معقّدة تحتاج إلى مواجهة الماضي، محاسبة المجرمين، وتضميد الجراح! 

اليوم، سوريا التي بناها بسرعة تتهاوى أمام أول اختبار حقيقي، لأن العدل الذي تم تجاهله لا يموت، بل يعود ليطالب بحقه ولو كان ذلك على شكل فوضى وانفجار ومجازر.

على سبيل المثال، كان واضحاً منذ البداية أن منطقة الساحل من أكثر المناطق حساسية وتعقيداً، ومع ذلك لم تُتخذ أي خطوات جادة لإنشاء قوات أمنية محايدة قادرة على حماية جميع السكان، بمن فيهم الفئات التي كانت مستهدفة سابقاً.

 لم يُجرَ تفكيك الميليشيات أو ضبط انتشار السلاح، بل على العكس، تحولت فصائل عُرفت بانتهاكاتها وجرائمها مثل “الحمزات” و”العمشات” المتورطتين في تجارة المخدرات والبشر، إلى جزء من السلطة الجديدة، التي بات اسمها “دولة”!

في ظل هذا الواقع، لم يكن من المستغرب أن ينفجر العنف مجدداً، فما حدث لم يكن انتقالاً إلى مرحلة جديدة، بل إعادة تدوير للفوضى تحت أسماء مختلفة.

هل تم إشراك الضحايا في عملية التوثيق والاستماع إلى شهاداتهم؟ هل عُيِّن مسؤولون مؤهلون للتعامل مع هذا الإرث الثقيل من الظلم، أم أننا أمام مشهد يعيد إنتاج العقلية ذاتها التي بررت الجرائم في الماضي؟

 خذوا مثالاً عائشة الدبس، رئيسة مكتب شؤون المرأة في الإدارة الجديدة، التي بدأت مشوارها بإظهار ذكوريتها الفجة، ثم أتبعته بتغريدة تكشف عن عقلية انتقائية في إدانة الجرائم، قائلة: “للمرهفين على مواقع التواصل… تذكروا فظاعة وبشاعة مجزرة بشار الكيماوية”. وكأن الظلم يُوزن بميزان الانتماء السياسي، وكأن الضحايا درجات، بعضهم يستحق التعاطف، وآخرون مجرد أرقام في صراع جديد.

فإذا كانت شخصية مسؤولة في الدولة كعائشة الدبس غير قادرة على ضبط خطابها التحريضي، فكيف يتوقع أحمد الشرع من مقاتليه، الذين يحملون في صدورهم مرارات القهر والظلم والنزوح والطائفية، أن يقفوا أمام شخص علوي ويعتبرونه ليس أسدياً؟

إذا كان الخطاب الرسمي يواصل تغذية الحقد والتفرقة، فإن الجرحى من هذا الشعب لن يروا في الآخر سوى تجسيد للطغيان نفسه. حين يُستخدم الخطاب التحريضي من أعلى مستويات السلطة، فإنه يعمق الانقسام ويزيد من حدة الاحتقان، ما يجعل من الصعب على أي طرف تجاوز إرث النظام القمعي.

من يُقتَل اليوم هم السوريون، من رجال الأمن والمدنيين والأطفال والنساء، في معركة يصعب استيعابها بسهولة، فهي ليست مجرد مواجهة عابرة، بل حصيلة خمسة عقود من حكم الأسد، ومن ترسيخ التطرف والجهل والقمع.

لكن السؤال الأهم: هل ستكون هذه المجزرة نموذجاً لما ستؤول إليه سوريا القادمة؟ وهل يمكن أن تصبح، في أفضل السيناريوهات، نقطة انعطاف تدفع نحو إعادة التفكير بمسار الأحداث؟

10.03.2025
زمن القراءة: 5 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية