fbpx

عودة ظريف إلى الحكومة الإيرانيّة التي أعقبت زيارة المرشد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

 عودة ظريف عن الاستقالة لا تعني نجاته ولا نجاة مشروعه، ومن المتوقع أن الراديكاليين سيبذلون جهوداً مضاعفة في المستقبل، لتدميره وإقصاء كل الشخصيات المنسجمة مع طروحاته، أو تعطيل دوره وتقليص حجمه في أحسن الأحوال. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رحّب أنصار الدبلوماسي الإيراني محمد جواد ظريف بعودته إلى طاقم الحكومة الرابعة عشرة، بعدما كانت استقالته التي طالت 11 يوماً فقط، قد أعطت انطباعاً بأن “العقول المرنة” التي تحتاجها إيران في هذه الفترة العصيبة سياسياً واقتصادياً وعلى صعيد العلاقات الدولية، لم يعد لها مكان في الحكم، وأن نافذة الانفتاح التي أطل منها الرئيس مسعود بزشكيان على الداخل والخارج يجب أن تبقى مغلقة.

في المقابل، كشفت الفترة الزمنية القصيرة التي غاب فيها ظريف عن المشهد الحكومي، دور التيار المحافظ الأساسي في استبعاده، ذلك أن القواعد السياسية التي أسسها بزشكيان بمساعدة ظريف ليبني عليها دبلوماسية إيرانية جديدة، تشكل باعتقاد المحافظين، تهديداً وجودياً لمشروعهم، وهذا يعني أن المعركة ما زالت مفتوحة وستتابع فصولها.

 عودة ظريف عن الاستقالة لا تعني نجاته ولا نجاة مشروعه، ومن المتوقع أن الراديكاليين سيبذلون جهوداً مضاعفة في المستقبل، لتدميره وإقصاء كل الشخصيات المنسجمة مع طروحاته، أو تعطيل دوره وتقليص حجمه في أحسن الأحوال. 

يشكّل ظريف وحيداً فريداً، استفزازاً للتيار المحافظ بشقّيه الوسطي والمتطرف، لما يتمتع به من خبرة في العلاقات الدولية التي أنتجت الاتفاق النووي عام 2015 في جنيف، و8 سنوات من الإدارة الحكيمة كوزير خارجية في عهدي الرئيس السابق حسن روحاني، وهو القائل إنه يفضّل لغة “الدبلوماسية” على لغة “الميدان”، في إشارة نقدية الى دور الجنرال قاسم سليماني الذي اغتيل في بغداد، في تقويض الدبلوماسية الإيرانية.

 ظريف أيضاً سياسي ديناميكي وغير تقليدي على المستوى الداخلي، بعلاقته الجيدة بجيل الشباب والمجتمع النسوي والأقليات، وقربه من المجتمع المدني والأكاديمي والمهني والجو الثقافي.

إضافة إلى ذلك، يعتقد المتشدّدون أن وجود ظريف في الحكومة هو إحراج لهم، وصفعة مؤلمة لتيارهم، وعودته عن الاستقالة صفعة أشد إيلاماً، على رغم تأكيد بزشكيان أن حكومته هي حكومة وحدة وطنية أو حكومة تحالف وطني، وطمأنته أنه لا يسعى إلى تهميش أو إقصاء أي تيار من المشهد السياسي، لكن الواقع يقول إن أي سياسة اعتدال أو ممارسة سياسية منفتحة أو وإقامة حوار وطني، هي إقصاء وتهميش للمتشددين وستؤدي مع مرور الوقت إلى تلاشيهم.

كشفت الفترة الزمنية القصيرة التي غاب فيها ظريف عن المشهد الحكومي، دور التيار المحافظ الأساسي في استبعاده

يرى أنصار ظريف أن وجوده في الحكومة إلى جانب بزشكيان عامل جذب لاستعادة تفاعل الإيرانيين مع الشؤون السياسية، أما دولياً فهو مصلحة وطنية عليا، كونه شخصية مؤثرة وموثوقة على الصعيد الدولي، ويشكل حضوره في المحافل الدولية قيمة مضافة لإيران.  

كان دور ظريف أساسياً في فوز بزشكيان، لولاه لما وصل إلى الرئاسة، فخلال مهلة الخمسين يوماً التي أتاحتها الحكومة لانتخاب رئيس جديد عقب مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، بحسب الدستور الإيراني، وضع ظريف كل خبراته وحنكته لإدارة حملة بزشكيان الانتخابية، ونجح في تحريك بعض الفئات المعتكفة.

أما بزشكيان فبعد أدائه القسم الرئاسي أمام البرلمان، كافأ حليفه بتكليفه رئاسة لجنة استشارية لاختيار أعضاء الحكومة الجديدة من وزراء ومستشارين، وعينه نائباً للشؤون الاستراتيجية، والمنصبان مستحدثان، ما عرّضهما لموجة انتقادات شديدة، أدت لاحقاً إلى الاستقالة. 

في 17 آب/ أغسطس، بعد إعلان بزشكيان أسماء أعضاء الحكومة، قدم ظريف استقالته بصورة مفاجئة، فأثار الكثير من الجدل، ورأى البعض أن سببها عدم الأخذ برأيه في اختيار الوزراء، إضافة إلى عدم رضاه عن تمثيل الشباب والنساء والأقليات، فيما قال وزير مقرب منه أن سبب الاستقالة حيازة ابنه مهدي وابنته مهسا وأحفاده الجنسية الأميركية، وهو الأمر الذي “لطّفه” ظريف، فكتب في رسالة استقالته أن أفراد عائلته “يحملون الجنسية الأميركية ليس لأنهم سعوا إلى ذلك، بل لأنهم ولدوا هناك، وهي جنسية “قسرية”، ولم نسع إليها أنا وزوجتي حيث كنا ندرس هناك، والآن أنا وزوجتي وأولادي وأحفادي نعيش في إيران العزيزة، ولا نملك متراً واحداً خارجها، أنا شخصياً أخضع لعقوبتين أميركيتين وعقوبة كندية، ما يمنعنا أنا وزوجتي من السفر كسائحين إلى عدد كبير من البلدان”.

بعد إعلان استقالته، التقى ظريف بزشكيان مرة واحدة، ثم بعد أيام رافقه والوفد الحكومي إلى منزل المرشد، ليعلن على إثرها عودته عن الاستقالة، وكتب على حسابه على منصة “أكس”: “أنا وزملائي فخورون بأن ما يقرب من 70 في المئة من الوزراء ورؤوساء الإدارات العامة واللجان الحكومية، تم تعيينهم بناء على اقتراح اللجنة الاستشارية، وسأستمر في أداء مهامي كنائب للرئيس للشؤون الاستراتيجية”. وفي اليوم التالي حضر اجتماع الحكومة.

ومع ذلك، يصر المتشددون على أن عودة ظريف غير قانونية، لأنه بموجب الدستور الإيراني لا يحق لأصحاب الجنسيات المزدوجة، أو من يحمل أبناؤهم أو أحفادهم أو زوجاتهم جنسيات أخرى، أن يشغلوا وظائف حساسة في الدولة، ووظيفته بنظرهم حساسة جداً، فالشؤون الاستراتجية الإيرانية لا تعني دبلوماسية ظريف وابتسامته اللطيفة، إنما صواريخ سليماني وميليشياته الوظيفية.

02.09.2024
زمن القراءة: 4 minutes

 عودة ظريف عن الاستقالة لا تعني نجاته ولا نجاة مشروعه، ومن المتوقع أن الراديكاليين سيبذلون جهوداً مضاعفة في المستقبل، لتدميره وإقصاء كل الشخصيات المنسجمة مع طروحاته، أو تعطيل دوره وتقليص حجمه في أحسن الأحوال. 

رحّب أنصار الدبلوماسي الإيراني محمد جواد ظريف بعودته إلى طاقم الحكومة الرابعة عشرة، بعدما كانت استقالته التي طالت 11 يوماً فقط، قد أعطت انطباعاً بأن “العقول المرنة” التي تحتاجها إيران في هذه الفترة العصيبة سياسياً واقتصادياً وعلى صعيد العلاقات الدولية، لم يعد لها مكان في الحكم، وأن نافذة الانفتاح التي أطل منها الرئيس مسعود بزشكيان على الداخل والخارج يجب أن تبقى مغلقة.

في المقابل، كشفت الفترة الزمنية القصيرة التي غاب فيها ظريف عن المشهد الحكومي، دور التيار المحافظ الأساسي في استبعاده، ذلك أن القواعد السياسية التي أسسها بزشكيان بمساعدة ظريف ليبني عليها دبلوماسية إيرانية جديدة، تشكل باعتقاد المحافظين، تهديداً وجودياً لمشروعهم، وهذا يعني أن المعركة ما زالت مفتوحة وستتابع فصولها.

 عودة ظريف عن الاستقالة لا تعني نجاته ولا نجاة مشروعه، ومن المتوقع أن الراديكاليين سيبذلون جهوداً مضاعفة في المستقبل، لتدميره وإقصاء كل الشخصيات المنسجمة مع طروحاته، أو تعطيل دوره وتقليص حجمه في أحسن الأحوال. 

يشكّل ظريف وحيداً فريداً، استفزازاً للتيار المحافظ بشقّيه الوسطي والمتطرف، لما يتمتع به من خبرة في العلاقات الدولية التي أنتجت الاتفاق النووي عام 2015 في جنيف، و8 سنوات من الإدارة الحكيمة كوزير خارجية في عهدي الرئيس السابق حسن روحاني، وهو القائل إنه يفضّل لغة “الدبلوماسية” على لغة “الميدان”، في إشارة نقدية الى دور الجنرال قاسم سليماني الذي اغتيل في بغداد، في تقويض الدبلوماسية الإيرانية.

 ظريف أيضاً سياسي ديناميكي وغير تقليدي على المستوى الداخلي، بعلاقته الجيدة بجيل الشباب والمجتمع النسوي والأقليات، وقربه من المجتمع المدني والأكاديمي والمهني والجو الثقافي.

إضافة إلى ذلك، يعتقد المتشدّدون أن وجود ظريف في الحكومة هو إحراج لهم، وصفعة مؤلمة لتيارهم، وعودته عن الاستقالة صفعة أشد إيلاماً، على رغم تأكيد بزشكيان أن حكومته هي حكومة وحدة وطنية أو حكومة تحالف وطني، وطمأنته أنه لا يسعى إلى تهميش أو إقصاء أي تيار من المشهد السياسي، لكن الواقع يقول إن أي سياسة اعتدال أو ممارسة سياسية منفتحة أو وإقامة حوار وطني، هي إقصاء وتهميش للمتشددين وستؤدي مع مرور الوقت إلى تلاشيهم.

كشفت الفترة الزمنية القصيرة التي غاب فيها ظريف عن المشهد الحكومي، دور التيار المحافظ الأساسي في استبعاده

يرى أنصار ظريف أن وجوده في الحكومة إلى جانب بزشكيان عامل جذب لاستعادة تفاعل الإيرانيين مع الشؤون السياسية، أما دولياً فهو مصلحة وطنية عليا، كونه شخصية مؤثرة وموثوقة على الصعيد الدولي، ويشكل حضوره في المحافل الدولية قيمة مضافة لإيران.  

كان دور ظريف أساسياً في فوز بزشكيان، لولاه لما وصل إلى الرئاسة، فخلال مهلة الخمسين يوماً التي أتاحتها الحكومة لانتخاب رئيس جديد عقب مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، بحسب الدستور الإيراني، وضع ظريف كل خبراته وحنكته لإدارة حملة بزشكيان الانتخابية، ونجح في تحريك بعض الفئات المعتكفة.

أما بزشكيان فبعد أدائه القسم الرئاسي أمام البرلمان، كافأ حليفه بتكليفه رئاسة لجنة استشارية لاختيار أعضاء الحكومة الجديدة من وزراء ومستشارين، وعينه نائباً للشؤون الاستراتيجية، والمنصبان مستحدثان، ما عرّضهما لموجة انتقادات شديدة، أدت لاحقاً إلى الاستقالة. 

في 17 آب/ أغسطس، بعد إعلان بزشكيان أسماء أعضاء الحكومة، قدم ظريف استقالته بصورة مفاجئة، فأثار الكثير من الجدل، ورأى البعض أن سببها عدم الأخذ برأيه في اختيار الوزراء، إضافة إلى عدم رضاه عن تمثيل الشباب والنساء والأقليات، فيما قال وزير مقرب منه أن سبب الاستقالة حيازة ابنه مهدي وابنته مهسا وأحفاده الجنسية الأميركية، وهو الأمر الذي “لطّفه” ظريف، فكتب في رسالة استقالته أن أفراد عائلته “يحملون الجنسية الأميركية ليس لأنهم سعوا إلى ذلك، بل لأنهم ولدوا هناك، وهي جنسية “قسرية”، ولم نسع إليها أنا وزوجتي حيث كنا ندرس هناك، والآن أنا وزوجتي وأولادي وأحفادي نعيش في إيران العزيزة، ولا نملك متراً واحداً خارجها، أنا شخصياً أخضع لعقوبتين أميركيتين وعقوبة كندية، ما يمنعنا أنا وزوجتي من السفر كسائحين إلى عدد كبير من البلدان”.

بعد إعلان استقالته، التقى ظريف بزشكيان مرة واحدة، ثم بعد أيام رافقه والوفد الحكومي إلى منزل المرشد، ليعلن على إثرها عودته عن الاستقالة، وكتب على حسابه على منصة “أكس”: “أنا وزملائي فخورون بأن ما يقرب من 70 في المئة من الوزراء ورؤوساء الإدارات العامة واللجان الحكومية، تم تعيينهم بناء على اقتراح اللجنة الاستشارية، وسأستمر في أداء مهامي كنائب للرئيس للشؤون الاستراتيجية”. وفي اليوم التالي حضر اجتماع الحكومة.

ومع ذلك، يصر المتشددون على أن عودة ظريف غير قانونية، لأنه بموجب الدستور الإيراني لا يحق لأصحاب الجنسيات المزدوجة، أو من يحمل أبناؤهم أو أحفادهم أو زوجاتهم جنسيات أخرى، أن يشغلوا وظائف حساسة في الدولة، ووظيفته بنظرهم حساسة جداً، فالشؤون الاستراتجية الإيرانية لا تعني دبلوماسية ظريف وابتسامته اللطيفة، إنما صواريخ سليماني وميليشياته الوظيفية.