علم “درج” أنّ الرئيس اللبنانيّ العماد ميشال عون عقد في القصر الجمهوريّ ببعبدا خلوة مغلقة مع أركان حزبه المعروف بـ “التيّار”، حيث أبلغهم موقفاً مفصّلاً من موضوع العلاقة بدمشق في ظلّ الرئيس بشّار الأسد. وجدير بالذكر أنّ هذه المسألة قد أثيرت مجدّداً في الفترة الأخيرة بسبب انعقاد قمّة اقتصاديّة عربيّة وشيكة في بيروت، وظهور آراء متضاربة في صدد دعوة الحكومة السوريّة إلى حضورها.
وقد ابتدأ الرئيس اللبنانيّ كلامه (حيث بدا بالغ التوتّر والانزعاج) بالإشارة إلى تفهّمه مواقف أركانه ومُحازبيه: “فأنا أعلم كم أنتم حسّاسون لجمهوركم الانتخابيّ من المزارعين الذين يريدون تصريف تفّاحهم وإنتاجهم الزراعيّ في العالم العربيّ، فيما تمرّ طريقنا البرّيّة الوحيدة عبر سوريّا. كذلك أنا على بيّنة من هواجسكم، المبالَغ فيها أحياناً، حيال اللاجئين السوريّين في لبنان، ممّن تظنّون أنّ عودتهم إلى بلادهم مرهونة بتحسّن الأمور هناك، وأنّ في وسعنا أن نساهم في هذا التحسّن إذا ما شاركنا في حركة الانفتاح على النظام السوريّ. وأخيراً لا يفوتني حرصكم، ولا سيّما الأغنياء والمتموّلين وأصحاب الورش منكم أو في جمهوركم، على استعجال إعادة الإعمار في سوريّا، والتي يقدّر البعض أنّها ستردّ أموالاً طائلة على لبنان واللبنانيّين”.
إلاّ أنّه وبعد هذه المقدّمة، التي ختمها بتناول كأس ماء موضوعة أمامه على الطاولة، أضاف: “لكنّ أسباباً أربعة تستحقّ أيضاً أن تستوقفنا وتحملنا على التفكير، وهي أسباب تحول دون دعوتنا سوريّا الأسد إلى قمّة بيروت، بل تحول دون التطبيع معها إلاّ في حالة قصوى من الاضطرار: السبب الأوّل، وهو الأقلّ أهميّة، أنّ قوى أساسيّة في العالم، في عدادها الولايات المتّحدة الأميركيّة ودول الاتّحاد الأوروبيّ، لا تزال تعارض التطبيع مع سوريّا، والأمر نفسه لا يزال ينطبق على المملكة العربيّة السعوديّة، وهي كلّها دول ترتبط مصالحنا أوثق الارتباط بالعلاقة معها. صحيح أنّ هذا قد يتغيّر لاحقاً، لكنّ هشاشة وضعنا اللبنانيّ تملي علينا عدم الاستعجال في ما خصّ الأمور المتنازَع عليها إقليميّاً ودوليّاً. أمّا السبب الثاني فأنّ لبنان بلد حرّيّات، وكثيراً ما ردّدنا في السابق أنّ تاريخ جبلنا هو تاريخ الهجرات التي أقدمت عليها جماعات هاربة من الطغيان والاستبداد. ولا أرى سبباً كي نخون هذا المبدأ وننفتح على نظام لم يتردّد في خنق شعبه وقتله بأبشع الطرق. كذلك، وهذا هو السبب الثالث، أنّ جزءاً كبيراً من اللبنانيّين على قناعة بأنّ النظام السوريّ متورّط، مباشرةً أو مداورةً، في قتل عدد من اللبنانيّين، وكان رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري من هؤلاء. لذلك فالتطبيع مع سوريّا الأسد لا يقتصر على فعل المباركة لقتل اللبنانيّين، بل يخلّ أيضاً بمبدأ التعايش الوطنيّ: ذاك أنّ رئيس حكومتنا الراهن سعد الحريري هو نجل الشهيد رفيق الحريري. وأخيراً هناك سبب رابع: فلقد تأكّد لديّ أنّ المحاولات الجارية لمنع تشكيلنا حكومة جديدة إنّما تهدف إلى ربط هذه الحكومة الموعودة بالتطبيع مع دمشق وبعودة مظفّرة لنظام الأسد إلى بيروت. هذا ما يجعل تطبيعنا إذعاناً مُهيناً من قِبلنا وإقراراً بحقّ ذاك النظام في التدخّل بشؤوننا”.
وبحسب مصادرنا، ما أن أنهى عون إلقاء كلمته، حتّى حاول السيّد جبران باسيل، صهره ووزير الخارجيّة ورئيس “التيّار”، أن يعترض. لكنّ الرئيس، وعلى نحو أثار استغراب الحاضرين جميعاً، وضع سبّابته على فمه كأنّه يقول له: اصمت يا جبران، ثمّ أضاف بصوت مسموع: حركةٌ واحدةٌ منك وأُخبر شانتال.