رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة زار الدوحة ونقل لأمير قطر تميم بن حمد رسالة من العاهل الأردني عبدالله الثاني. الخبر ليس عادياً على الإطلاق. رسالة أردنية واضحة إلى التحالف الخليجي الذي يحاصر قطر. فالمملكة حين اشتعلت الأزمة بين الدوحة وبين تحالف الرياض أبو ظبي المنامة، بادرت إلى طلب مغادرة السفير القطري عمان، وكانت جزءاً من هذا التحالف. زيارة الطراونة تؤشر إلى تحول كبير، لعله الأوضح على مستوى خطوات الابتعاد التي باشرتها الأردن منذ مدة عن الرياض.
زيارة الدوحة في منطق الصدام الخليجي تصعيد لا يمكن أن تخطؤه عين، على رغم اللغة الديبلوماسية الحذرة التي اعتمدتها عمان في تقديمها الزيارة. فهي تعرف أن الاقتراب من الدوحة خط أحمر سعودي واماراتي، وهي منذ أشهر تحاول إيصال رسائل في اتجاه مغاير للإتجاه الخليجي. ثم أن الطراونة لم يكتف بزيارة أمير قطر، انما ظهر على محطة الجزيرة، وهذه خطوة تصعيد أخرى، فمحور الحصار يعتبر أن الجزيرة قلعة النظام في الدوحة وسلاحه الفعال، وأن يحل رئيس مجلس النواب الأردني ضيفاً على شاشتها فهذا يعني أنه ضيف في “قلعة الأعداء”. ولمزيد من الوضوح أشر كلامه على المحطة القطرية إلى وجهة الخصومة: إنها الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى. الطراونة كرر تمسك الأردن بهذه الوصاية في مقابلته على الجزيرة أكثر من عشر مرات.
من يعرف حذر الديبلوماسية الأردنية من أي صدام مع دول الخليج يدرك أن ثمة ما دفع المملكة إلى الخروج عن هذا التقليد. أسباب حقيقية وصلبة، ومخاوف يبدو أنها بدأت تتحقق. ليست “صفقة القرن” بمعانيها الضبابية وغير الجلية، إنما ما بدأ يتكشف منها لعمان. الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى في ظل دولة إسرائيلية عاصمتها القدس مهددة بحسب ما يؤكد مسؤولون في عمان يرفضون الكشف عن أسمائهم. إسرائيل هي من سيحدد الوصي على الأقصى، وهذا الوصي سيكون جزءاً من “صفقة القرن”. ويبدو أن ثمة من أسرّ لعمان بأن في الرياض ثمة من يطمح بأن يكون شريكاً في هذه الوصاية. ومثلث “ترامب بن سلمان نتانياهو” لن يضيره نقل الوصاية إلى الرياض، طالما أن الأردن سيكون في حال ضم القدس هو الوطن البديل، الوطن الذي يجب أن تُقطع أي علاقة بينه وبين غربي النهر. والاستعاضة بوصاية دولة غير محاذية تلبي مهمة الإبقاء على الوظيفة “السياحية” للمسجد وتسحب منه بعده الرمزي بصفته علامة شراكة في القدس.
الأردن ذهب بعيداً في المواجهة على ما يبدو. خطوة الزيارة قد تبدو رمزية للوهلة الأولى إلا أن من يعرف حجم ارتباط عمان بمصالح مع الرياض وأبوظبي، وعدم اكتراثها لنتائج ابتعادها عنهما يدرك أن ملك الأردن صار قريباً من مواجهة معلنة مع حلفائه. اللغة المترددة التي شهدتها الزيارة، هي في قاموس التقية السياسية الخليجية بالغة الوضوح. هي زيارة للدوحة ولأميرها ولقناة الجزيرة. وهي أيضاً جاءت بعد انفتاح على أنقرة وعلى دفء في العلاقات بين الملك وبين رجب طيب أردوغان. وربما ترافق ذلك مع انفراجات في العلاقة بين الأردن واخوانه.
الأردن ذهب بعيداً في المواجهة على ما يبدو. خطوة الزيارة قد تبدو رمزية للوهلة الأولى إلا أن من يعرف حجم ارتباط عمان بمصالح مع الرياض وأبوظبي، وعدم اكتراثها لنتائج ابتعادها عنهما يدرك أن ملك الأردن صار قريباً من مواجهة معلنة مع حلفائه.
لكن الأهم من هذا كله هو أن خطوات الأردن تجري على وقع فوز بنيامين نتانياهو بالانتخابات الإسرائيلية، مع ما يُرجح أن يرافق هذا الفوز من خطواتٍ تصعيدية أقلها ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل وأكثرها خطراً ما ألمح إليه هو نفسه من خطوة ضم الضفة كلها. هذه مؤشرات مصيرية بالنسبة لعمان، وتستحق مغامرة في العلاقة مع الخليج. واذا كان ثمن هذه الانعطافة معاقبة عمان عبر وقف الدعم المالي لها، وهو ما يحصل الآن على كل حال، فالملك يسعى في المقابل إلى تأمين التفاف أردني داخلي من حوله من جهة، وتعويض خسائر الحصار المالي عبر الدوحة، وربما بغداد أيضاً، ذاك أن الموقف يتطلب خطوطاً مفتوحة على قوى إقليمية جديدة. الأردن يعرف تماماً أن ثمة خط ثالث في النزاع الإقليمي، وبإمكانه أن يصل إلى بغداد من دون أن يكمل طريقه إلى طهران، وأن ينسق خطوات فتح حدوده مع سوريا عبر موسكو من دون الانفتاح على النظام في دمشق.
لا شك أن ثمة أثماناً ستدفعها عمان. نصف مليون أردني يعملون في الرياض، وأقل منهم بقليل في دول الخليج الأخرى. هؤلاء ربما كانوا سلاحاً أخيراً للرياض من المبكر الذهاب في المواجهة عبرهم، لكنهم من دون شك ذخيرة ستوظف في سياق المواجهة.
عمان خائفة من مثلث “ترامب نتانياهو بن سلمان”، وخياراتها محدودة، ويبدو أنها قررت خطواتها. زيارة الدوحة هي المؤشر الأوضح حتى الآن.