fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

غابريال أتال رئيساً للحكومة الفرنسيّة: خيار جريء لكنّه غير مضمون النتائج

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حتى لو لم تكن لغابريال أتال طموحات رئاسية، لا بد من التساؤل عن طبيعة العلاقة التي ستجمعه برئيس الجمهورية. عجز ماكرون عن الترشح لفترة رئاسية ثالثة، بحكم الدستور، سيحفّز شخصيات عدة على إعادة التموضع بعيداً من طيف الرئيس الحالي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

انطوى تعيين غابريال أتال رئيساً للحكومة الفرنسية، على مشهدية متعددة الأوجه: بعمر الـ 34 عاماً، بات أصغر رئيس حكومة عرفته فرنسا. كما يتولى هذا المنصب بمرسوم صادر عن أصغر رئيس للجمهورية في تاريخ هذه البلاد. صورة تعكس تجديداً في الحياة السياسية بما يذكّر بالأسس التي قامت عليها “الماكرونية”.

ركيزة أخرى من ركائز الماكرونية يجسّدها أتال بشخصه: تخطي ثنائية اليمين واليسار. فالرجل بدأ حياته السياسية في أروقة الحزب الاشتراكي قبل التحاقه بحزب “إلى الأمام” عند تأسيسه على يد إيمانويل ماكرون في العام 2016، كما يحظى بقبول في الوسط اليميني. 

من جهة أخرى، هو أرفع منصب فرنسي يتولاه شخص لا يخفي مثليته الجنسية، في بلد شهد العام 2013 تظاهرات حاشدة تعارض تشريع زواج المثليين. هويته الجنسية مرت مرور الكرام في الإعلام والشارع الفرنسيين، ولم يسعَ أحد الى التصويب عليها أو اعتبارها نقطة ضعف، في دليل على ما بلغه المجتمع الفرنسي من تقدّمية. 

لكن التمعن في المضمون لا يبعث بالضرورة على التفاؤل. 

منذ وصوله إلى الحكم، اعتاد ماكرون اختيار رؤساء للحكومة لا يتمتعون بحضور شعبي واسع كي لا يطغوا عليه، حتى أن بعضهم لم يكن معروفاً على نطاق عام. لكن غابريال أتال مثال يتناقض مع من سبقه لشعبيته الواسعة لدى الفرنسيين، ما يدل على تحوّل لدى “سيد الإليزيه”. 

إقدام ماكرون على هذا الخيار أوضح دليل على المأزق السياسي الذي يعيشه كنتيجة لانحدار شعبيته بعد إقرار قانونَي التقاعد والهجرة المثيرين للجدل. يراهن الرئيس الفرنسي على تجيير شعبية أتال لصالحه، ما يشوّه الصورة التي أرساها ماكرون طوال ثمانية أعوام، وجوهرها أنه المتحكّم بقواعد اللعبة وضابط الإيقاع الذي يفرض النغمة. 

علاوة على ذلك، المراهنة على شعبية أتال أشبه بمغامرة غير مضمونة النتائج، ليس فقط لأن تجيير الشعبية لن يكون عملية تلقائية بل لأن صورته الإيجابية في الشارع الفرنسي لا ترتكز على قاعدة صلبة.  

انطلاقة أتال السياسية والإعلامية كانت مع تولّيه منصب المتحدث باسم الحكومة طوال عامين، ليسطع نجمه على “شتى الجبهات”، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يكتفِ بالتغريد أو نشر مقاطع مصوّرة، بل عمد إلى إجراء لقاءات حوارية مع عدد من المؤثرين الشبان، بخاصة خلال فترة جائحة كورونا. كما أدار أتال بحرفية إطلالاته الإعلامية مع توليه وزارة التربية، المنصب الذي كان يشغله عند تعيينه رئيساً للحكومة. لم يكن حضوره الإعلامي عشوائياً، بل اقترن دائماً بإطلاق مواقف أو تقديم اقتراحات لجذب الأضواء تجنّباً لإطلالات فارغة المضمون.  

انطوى تعيين غابريال أتال رئيساً للحكومة الفرنسية، على مشهدية متعددة الأوجه: بعمر الـ 34 عاماً، بات أصغر رئيس حكومة عرفته فرنسا. كما يتولى هذا المنصب بمرسوم صادر عن أصغر رئيس للجمهورية في تاريخ هذه البلاد. صورة تعكس تجديداً في الحياة السياسية بما يذكّر بالأسس التي قامت عليها “الماكرونية”.

خلال الأشهر الخمسة التي أمضاها أتال في وزارة التربية، طرح أفكاراً وُصفت بالجريئة، واعتُبرت تحدياً للمحرمات: منع الطالبات من ارتداء العباءة في المدارس بعد اعتبارها رمزاً دينياً، التشدد حيال الرسوب المدرسي لرفع المستوى التعليمي، تبني العودة إلى زي مدرسي موحد، إلى جانب حزمة من الاقتراحات دغدغت عواطف اليمين الفرنسي لما تحمله من تكريس لسلطة المدرسة، ما يفسر الترحيب اليميني برئيس الوزراء الجديد. 

لكن خمسة أشهر على رأس وزارة التربية ليست مدة كافية تتيح حصد النتائج ولا خوض معارك سياسية تسمح بتبيان أبعاد تلك الشخصية السياسية. انحصر حصاده في وزارة التربية عند مرحلة التسويق الإعلامي. 

على سبيل التهكم، بلوغه هذا المنصب الرفيع بفضل الصورة الإعلامية دليل على أنه من صلب الماكرونية التي استثمرت منذ انطلاقتها وعلى نطاق واسع في الدعاية والإعلام. استثمار أتى في بعض المحطات على حساب المضمون.

يصعب على أتال الاكتفاء بالتسويق الإعلامي والمراهنة على تجميل الصورة فيما ينتظر الفرنسيون نتائج ملموسة في هذا الظرف الاقتصادي الصعب. على اعتبار أن هذا الجانب من شخصية أتال لا يزال مبهماً نوعاً ما، من الطبيعي التساؤل عن مدى قدرته على تمرير القوانين في الجمعية الوطنية: لا يزال ماكرون يفتقد الأكثرية المطلقة، ما سيجبر رئيس وزرائه على تقديم تنازلات لكتل المعارضة. بمعنى آخر، العوائق التي أضعفت حكومة إليزابيت بورن تراوح مكانها. 

لغم آخر قد ينفجر بوجه حكومة أتال: “الصراع على خلافة ماكرون”. 

يتم التداول في الأوساط الإعلامية، عن تطلّع أتال للترشح إلى الانتخابات الرئاسية. قراره حظر ارتداء العباءة في المدارس اعتُبر المؤشر الأبرز إلى طموحاته الرئاسية، بعدما سعى إلى ترك بصمة في ملف سيادي عنوانه “الإسلام في فرنسا”، ملف منوط بوزارة الداخلية.

حتى وإن كانت فرنسا على مسافة ثلاث سنوات من الاستحقاق الرئاسي المقبل، لكن الاستعدادات جارية على قدم وساق وبصورة شبه علنية. تضم الماكرونية الكثير من الطامحين لخلافة الرئيس الحالي: من رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، إلى وزير المالية برونو لومير ووزير الداخلية جيرالد دارمانان.

وعليه، من الطبيعي التساؤل عن طبيعة العلاقات التي ستجمع أتال مع هؤلاء الأقطاب، الذين يمثلون ثقلاً سياسياً كبيراً، بخاصة بعد اعتراضهم على توليه رئاسة الحكومة لافتقاده الخبرة الكافية. هل سيلجأون إلى وضع العصي في دواليب منافسهم الشاب لإضعافه؟ وما مدى قدرة أتال على فرض سلطته على وزراء حكومته؟ دارمانان سارع إلى التصريح عن رغبته في الاحتفاظ بحقيبته، في تحدٍّ واضح لرئيس الوزراء الجديد وللدلالة على قدرته على فرض نفسه “من دون منّة من أحد”. بدوره، لم يخفِ لومير تململه من الخضوع لسلطة أتال بعدما عمل الأخير تحت إشرافه إبان تولّيه وزارة الدولة لشؤون الخزانة. 

لو صحّ هذا السيناريو، سنشهد تكراراً لأواخر عهد جاك شيراك، الذي طُبع بالصراع على خلافته بين رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان ووزير داخليته نيكولا ساركوزي.

حتى لو لم تكن لغابريال أتال طموحات رئاسية، لا بد من التساؤل عن طبيعة العلاقة التي ستجمعه برئيس الجمهورية. عجز ماكرون عن الترشح لفترة رئاسية ثالثة، بحكم الدستور، سيحفّز شخصيات عدة على إعادة التموضع بعيداً من طيف الرئيس الحالي. 

خيار غابريال أتال وإن كان جريئاً وسيترك بصمته لعقود مقبلة، لكنه يبقى محفوفاً بالمخاطر.

11.01.2024
زمن القراءة: 4 minutes

حتى لو لم تكن لغابريال أتال طموحات رئاسية، لا بد من التساؤل عن طبيعة العلاقة التي ستجمعه برئيس الجمهورية. عجز ماكرون عن الترشح لفترة رئاسية ثالثة، بحكم الدستور، سيحفّز شخصيات عدة على إعادة التموضع بعيداً من طيف الرئيس الحالي.

انطوى تعيين غابريال أتال رئيساً للحكومة الفرنسية، على مشهدية متعددة الأوجه: بعمر الـ 34 عاماً، بات أصغر رئيس حكومة عرفته فرنسا. كما يتولى هذا المنصب بمرسوم صادر عن أصغر رئيس للجمهورية في تاريخ هذه البلاد. صورة تعكس تجديداً في الحياة السياسية بما يذكّر بالأسس التي قامت عليها “الماكرونية”.

ركيزة أخرى من ركائز الماكرونية يجسّدها أتال بشخصه: تخطي ثنائية اليمين واليسار. فالرجل بدأ حياته السياسية في أروقة الحزب الاشتراكي قبل التحاقه بحزب “إلى الأمام” عند تأسيسه على يد إيمانويل ماكرون في العام 2016، كما يحظى بقبول في الوسط اليميني. 

من جهة أخرى، هو أرفع منصب فرنسي يتولاه شخص لا يخفي مثليته الجنسية، في بلد شهد العام 2013 تظاهرات حاشدة تعارض تشريع زواج المثليين. هويته الجنسية مرت مرور الكرام في الإعلام والشارع الفرنسيين، ولم يسعَ أحد الى التصويب عليها أو اعتبارها نقطة ضعف، في دليل على ما بلغه المجتمع الفرنسي من تقدّمية. 

لكن التمعن في المضمون لا يبعث بالضرورة على التفاؤل. 

منذ وصوله إلى الحكم، اعتاد ماكرون اختيار رؤساء للحكومة لا يتمتعون بحضور شعبي واسع كي لا يطغوا عليه، حتى أن بعضهم لم يكن معروفاً على نطاق عام. لكن غابريال أتال مثال يتناقض مع من سبقه لشعبيته الواسعة لدى الفرنسيين، ما يدل على تحوّل لدى “سيد الإليزيه”. 

إقدام ماكرون على هذا الخيار أوضح دليل على المأزق السياسي الذي يعيشه كنتيجة لانحدار شعبيته بعد إقرار قانونَي التقاعد والهجرة المثيرين للجدل. يراهن الرئيس الفرنسي على تجيير شعبية أتال لصالحه، ما يشوّه الصورة التي أرساها ماكرون طوال ثمانية أعوام، وجوهرها أنه المتحكّم بقواعد اللعبة وضابط الإيقاع الذي يفرض النغمة. 

علاوة على ذلك، المراهنة على شعبية أتال أشبه بمغامرة غير مضمونة النتائج، ليس فقط لأن تجيير الشعبية لن يكون عملية تلقائية بل لأن صورته الإيجابية في الشارع الفرنسي لا ترتكز على قاعدة صلبة.  

انطلاقة أتال السياسية والإعلامية كانت مع تولّيه منصب المتحدث باسم الحكومة طوال عامين، ليسطع نجمه على “شتى الجبهات”، لا سيما على وسائل التواصل الاجتماعي. لم يكتفِ بالتغريد أو نشر مقاطع مصوّرة، بل عمد إلى إجراء لقاءات حوارية مع عدد من المؤثرين الشبان، بخاصة خلال فترة جائحة كورونا. كما أدار أتال بحرفية إطلالاته الإعلامية مع توليه وزارة التربية، المنصب الذي كان يشغله عند تعيينه رئيساً للحكومة. لم يكن حضوره الإعلامي عشوائياً، بل اقترن دائماً بإطلاق مواقف أو تقديم اقتراحات لجذب الأضواء تجنّباً لإطلالات فارغة المضمون.  

انطوى تعيين غابريال أتال رئيساً للحكومة الفرنسية، على مشهدية متعددة الأوجه: بعمر الـ 34 عاماً، بات أصغر رئيس حكومة عرفته فرنسا. كما يتولى هذا المنصب بمرسوم صادر عن أصغر رئيس للجمهورية في تاريخ هذه البلاد. صورة تعكس تجديداً في الحياة السياسية بما يذكّر بالأسس التي قامت عليها “الماكرونية”.

خلال الأشهر الخمسة التي أمضاها أتال في وزارة التربية، طرح أفكاراً وُصفت بالجريئة، واعتُبرت تحدياً للمحرمات: منع الطالبات من ارتداء العباءة في المدارس بعد اعتبارها رمزاً دينياً، التشدد حيال الرسوب المدرسي لرفع المستوى التعليمي، تبني العودة إلى زي مدرسي موحد، إلى جانب حزمة من الاقتراحات دغدغت عواطف اليمين الفرنسي لما تحمله من تكريس لسلطة المدرسة، ما يفسر الترحيب اليميني برئيس الوزراء الجديد. 

لكن خمسة أشهر على رأس وزارة التربية ليست مدة كافية تتيح حصد النتائج ولا خوض معارك سياسية تسمح بتبيان أبعاد تلك الشخصية السياسية. انحصر حصاده في وزارة التربية عند مرحلة التسويق الإعلامي. 

على سبيل التهكم، بلوغه هذا المنصب الرفيع بفضل الصورة الإعلامية دليل على أنه من صلب الماكرونية التي استثمرت منذ انطلاقتها وعلى نطاق واسع في الدعاية والإعلام. استثمار أتى في بعض المحطات على حساب المضمون.

يصعب على أتال الاكتفاء بالتسويق الإعلامي والمراهنة على تجميل الصورة فيما ينتظر الفرنسيون نتائج ملموسة في هذا الظرف الاقتصادي الصعب. على اعتبار أن هذا الجانب من شخصية أتال لا يزال مبهماً نوعاً ما، من الطبيعي التساؤل عن مدى قدرته على تمرير القوانين في الجمعية الوطنية: لا يزال ماكرون يفتقد الأكثرية المطلقة، ما سيجبر رئيس وزرائه على تقديم تنازلات لكتل المعارضة. بمعنى آخر، العوائق التي أضعفت حكومة إليزابيت بورن تراوح مكانها. 

لغم آخر قد ينفجر بوجه حكومة أتال: “الصراع على خلافة ماكرون”. 

يتم التداول في الأوساط الإعلامية، عن تطلّع أتال للترشح إلى الانتخابات الرئاسية. قراره حظر ارتداء العباءة في المدارس اعتُبر المؤشر الأبرز إلى طموحاته الرئاسية، بعدما سعى إلى ترك بصمة في ملف سيادي عنوانه “الإسلام في فرنسا”، ملف منوط بوزارة الداخلية.

حتى وإن كانت فرنسا على مسافة ثلاث سنوات من الاستحقاق الرئاسي المقبل، لكن الاستعدادات جارية على قدم وساق وبصورة شبه علنية. تضم الماكرونية الكثير من الطامحين لخلافة الرئيس الحالي: من رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، إلى وزير المالية برونو لومير ووزير الداخلية جيرالد دارمانان.

وعليه، من الطبيعي التساؤل عن طبيعة العلاقات التي ستجمع أتال مع هؤلاء الأقطاب، الذين يمثلون ثقلاً سياسياً كبيراً، بخاصة بعد اعتراضهم على توليه رئاسة الحكومة لافتقاده الخبرة الكافية. هل سيلجأون إلى وضع العصي في دواليب منافسهم الشاب لإضعافه؟ وما مدى قدرة أتال على فرض سلطته على وزراء حكومته؟ دارمانان سارع إلى التصريح عن رغبته في الاحتفاظ بحقيبته، في تحدٍّ واضح لرئيس الوزراء الجديد وللدلالة على قدرته على فرض نفسه “من دون منّة من أحد”. بدوره، لم يخفِ لومير تململه من الخضوع لسلطة أتال بعدما عمل الأخير تحت إشرافه إبان تولّيه وزارة الدولة لشؤون الخزانة. 

لو صحّ هذا السيناريو، سنشهد تكراراً لأواخر عهد جاك شيراك، الذي طُبع بالصراع على خلافته بين رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان ووزير داخليته نيكولا ساركوزي.

حتى لو لم تكن لغابريال أتال طموحات رئاسية، لا بد من التساؤل عن طبيعة العلاقة التي ستجمعه برئيس الجمهورية. عجز ماكرون عن الترشح لفترة رئاسية ثالثة، بحكم الدستور، سيحفّز شخصيات عدة على إعادة التموضع بعيداً من طيف الرئيس الحالي. 

خيار غابريال أتال وإن كان جريئاً وسيترك بصمته لعقود مقبلة، لكنه يبقى محفوفاً بالمخاطر.