من خلال شباك غرفة منزل تطل على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت وعلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث العمارات الاسمنتية المرتفعة من كل حدب وصوب والبحر البعيد وراءها، تدور أحداث فيلم “غرفة لرجل” .
هكذا بدأت الفكرة ولم يكن من سيناريو مكتوب أو مشروع فيلم واضح المعالم. حين أتى المخرج، أنطوني شدياق، بالكاميرا إلى غرفته بعد تخرجه الجامعي ، كان الغرض منها أن تؤنس عزلته أو أن تحلّ مكانه كعين ٍتراقب وتتلصلص من شباك غرفة، هي الثقب الوحيد الذي يطلّ على العالم .
بدأت الفكرة بمراقبة عملية بناء عمارة ملاصقة ،حيث العمّال الشبان ويومياتهم وحركتهم الجسدية القاسية، والكاميرا هنا متلصلصة على الآخر أو على الغريب الذي أصبح على تماس مع الغرفة والخطر القريب من العين، إلا أن البناء توقف وتوقفت فكرة التصوير، أو الحاجة لاستراق النظر. دارت الكاميرا من جديد حين قرر المخرج، انطوني شدياق، إعادة تحديث غرفته التي قرّر أن تشبه ملامح غرف، الباروك، وليكرّسها كعالمٍ مختلف عن الزمان المعاش والمكان المحاصر.
دارت الكاميرا حين أصبح العمال داخل الغرفة ، دارت واستدرات إلى داخل المنزل بالصورة والصوت هذه المرة . من الغرفة المجاورة أتى صوت الأم الخائفة من الغريب في البيت، تحثّ الابن أن يكون رجلاً . الرجل الذي تشرح وتستفيض بمواصفاته، القوي بسلطته ، المتحكم بمصيره ومصير عائلته، المدافع أو المهاجم الشرس يومياته وعلاقاته مع الآخرين . وأمام الكاميرا يجلس في العمل الشبان يتحدثون عن أحوالهم وأحلامهم بابتسامة عفوية ومستغربة بعض الشيء.
لم يعد الغريب غريباً ، ولم تعد الصورة النمطية للعامل الذي يقتات من قوته البدنية بالشيء المختلف أو المخيف للشاب المنعزل، حيث الكاميرا أصبحت جزءاً من أثاث المنزل والاحاديث أو الوصايا اليومية من الأم تدور على سجيتها و عفويتها، تارةً تحنّ وتارةً تعنف، وتارةً تصل إلى حدود التعنيف اللفظي. أسئلةٌ ومخاوف من جانب واحد، من دون اعتراضٍ من الابن أو مقاومة أو رفض أو دفاع أو تمر
.وحدها الكاميرا بينه وبين الأم، وبينه وبين الآخر، ولاحقاً بينه وبين الأخت الغائبة، الحاضرة أو بينه وبين الأب الغائب جسداً وفكرةً. استدعاء الأب كان ذريعة ًلاستكمال سيرة المخرج أو لإصلاح شرخٍ لم يلتئم منذ الطفولة. أوراقٌ ومعاملاتٌ من أجل اصدار باسبور أجنبي كان قد حصل عليه المخرج منذ ولادته من الوالد ولم يستخدمه حتى الآن .
حين سافر الوالد والابن لاستعادة الباسبور الضال، تحركت الكاميرا بشكل مختلف وإن بقيت حذرة من الآخر والآخر هنا الأب الذي يختصر هروبه من المنزل، أو الحرب، أو البلد، بقوله
“حلمي أن أكون مقصورةً يسحبها القطار… أينما يشاء”
الكاميرا تسجل ، لقاءاً أول بن الأب وابنه. لا كلام، ولا لوم، ولا عتب. لا يصلنا إلا حرقة بكاء الوالد.
يقول المخرج، انطوني شدياق، “ربما هي الصدفة التي بدأت بفكرة الفيلم ستنهيه هكذا. تحادثت أنا والوالد لساعاتٍ انتهت بهذا البكاء، وحين عدت للتسجيل اكتشفت ان لا صوت سجّل، لم يبق من ساعات الحوار والعتب إلا هذا البكاء” .
ماذا بعد؟
سؤال الفيلم المتكرر، سؤال البداية والنهاية. يتكرر مع الأمّ ومع الابن حين يحصل على جواز السفر، ومع العامل حين يخاطب المخرج ببساطته، ” لما تصير بكرا معلّم بالتصوير، ماذا بعد؟
سؤال يمكن تكراره بعد عرض الفيلم، الصدفة كما يحلو للمخرج الشاب وصفه، وبعد نيله الجائزة الكبرى في مهرجان مونتريال للأفلام الوثائقية منذ ايام.
ماذا بعد خروج الرجل من غرفته؟
بطاقة فيلم
“غرفة لرجل” انتاج 2017
انتاج : كارول عبود ، طلال المهنا
تصوير ومونتاج وإخراج : انطوني شدياق
صوت : لما صوايا[video_player link=””][/video_player]
غرفة رجل
من خلال شباك غرفة منزل تطل على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت وعلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث العمارات الاسمنتية المرتفعة من كل حدب وصوب والبحر البعيد وراءها، تدور أحداث فيلم “غرفة لرجل” .
“درج” في كييف: مركز “البشر الخارقين” لعلاج الجنود الأوكرانيين
الغزو الإسرائيلي للبنان وأشباح عام 1982
اجتياح لبنان: كيف يمكن لقرارات مجلس الأمن أن تغير المعادلة؟
من خلال شباك غرفة منزل تطل على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت وعلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث العمارات الاسمنتية المرتفعة من كل حدب وصوب والبحر البعيد وراءها، تدور أحداث فيلم “غرفة لرجل” .
من خلال شباك غرفة منزل تطل على أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت وعلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، حيث العمارات الاسمنتية المرتفعة من كل حدب وصوب والبحر البعيد وراءها، تدور أحداث فيلم “غرفة لرجل” .
هكذا بدأت الفكرة ولم يكن من سيناريو مكتوب أو مشروع فيلم واضح المعالم. حين أتى المخرج، أنطوني شدياق، بالكاميرا إلى غرفته بعد تخرجه الجامعي ، كان الغرض منها أن تؤنس عزلته أو أن تحلّ مكانه كعين ٍتراقب وتتلصلص من شباك غرفة، هي الثقب الوحيد الذي يطلّ على العالم .
بدأت الفكرة بمراقبة عملية بناء عمارة ملاصقة ،حيث العمّال الشبان ويومياتهم وحركتهم الجسدية القاسية، والكاميرا هنا متلصلصة على الآخر أو على الغريب الذي أصبح على تماس مع الغرفة والخطر القريب من العين، إلا أن البناء توقف وتوقفت فكرة التصوير، أو الحاجة لاستراق النظر. دارت الكاميرا من جديد حين قرر المخرج، انطوني شدياق، إعادة تحديث غرفته التي قرّر أن تشبه ملامح غرف، الباروك، وليكرّسها كعالمٍ مختلف عن الزمان المعاش والمكان المحاصر.
دارت الكاميرا حين أصبح العمال داخل الغرفة ، دارت واستدرات إلى داخل المنزل بالصورة والصوت هذه المرة . من الغرفة المجاورة أتى صوت الأم الخائفة من الغريب في البيت، تحثّ الابن أن يكون رجلاً . الرجل الذي تشرح وتستفيض بمواصفاته، القوي بسلطته ، المتحكم بمصيره ومصير عائلته، المدافع أو المهاجم الشرس يومياته وعلاقاته مع الآخرين . وأمام الكاميرا يجلس في العمل الشبان يتحدثون عن أحوالهم وأحلامهم بابتسامة عفوية ومستغربة بعض الشيء.
لم يعد الغريب غريباً ، ولم تعد الصورة النمطية للعامل الذي يقتات من قوته البدنية بالشيء المختلف أو المخيف للشاب المنعزل، حيث الكاميرا أصبحت جزءاً من أثاث المنزل والاحاديث أو الوصايا اليومية من الأم تدور على سجيتها و عفويتها، تارةً تحنّ وتارةً تعنف، وتارةً تصل إلى حدود التعنيف اللفظي. أسئلةٌ ومخاوف من جانب واحد، من دون اعتراضٍ من الابن أو مقاومة أو رفض أو دفاع أو تمر
.وحدها الكاميرا بينه وبين الأم، وبينه وبين الآخر، ولاحقاً بينه وبين الأخت الغائبة، الحاضرة أو بينه وبين الأب الغائب جسداً وفكرةً. استدعاء الأب كان ذريعة ًلاستكمال سيرة المخرج أو لإصلاح شرخٍ لم يلتئم منذ الطفولة. أوراقٌ ومعاملاتٌ من أجل اصدار باسبور أجنبي كان قد حصل عليه المخرج منذ ولادته من الوالد ولم يستخدمه حتى الآن .
حين سافر الوالد والابن لاستعادة الباسبور الضال، تحركت الكاميرا بشكل مختلف وإن بقيت حذرة من الآخر والآخر هنا الأب الذي يختصر هروبه من المنزل، أو الحرب، أو البلد، بقوله
“حلمي أن أكون مقصورةً يسحبها القطار… أينما يشاء”
الكاميرا تسجل ، لقاءاً أول بن الأب وابنه. لا كلام، ولا لوم، ولا عتب. لا يصلنا إلا حرقة بكاء الوالد.
يقول المخرج، انطوني شدياق، “ربما هي الصدفة التي بدأت بفكرة الفيلم ستنهيه هكذا. تحادثت أنا والوالد لساعاتٍ انتهت بهذا البكاء، وحين عدت للتسجيل اكتشفت ان لا صوت سجّل، لم يبق من ساعات الحوار والعتب إلا هذا البكاء” .
ماذا بعد؟
سؤال الفيلم المتكرر، سؤال البداية والنهاية. يتكرر مع الأمّ ومع الابن حين يحصل على جواز السفر، ومع العامل حين يخاطب المخرج ببساطته، ” لما تصير بكرا معلّم بالتصوير، ماذا بعد؟
سؤال يمكن تكراره بعد عرض الفيلم، الصدفة كما يحلو للمخرج الشاب وصفه، وبعد نيله الجائزة الكبرى في مهرجان مونتريال للأفلام الوثائقية منذ ايام.
ماذا بعد خروج الرجل من غرفته؟
بطاقة فيلم
“غرفة لرجل” انتاج 2017
انتاج : كارول عبود ، طلال المهنا
تصوير ومونتاج وإخراج : انطوني شدياق
صوت : لما صوايا[video_player link=””][/video_player]