” العمل بالنسبة لي ليس عيباً أو حراماً، بل أولوية، بعد أن حملت لقب مطلقة، وأصبحت المعيل الوحيد لطفلين لا يتجاوز عمر أكبرهما سبع سنوات”، بهذه الكلمات تعبّر، رهام عبد الله، 30عامًا، من سكان مدينة غزة، عن موقفها من عمل النساء في اسرائيل. ” لا يوجد عمل للرجال في غزة، فما بالك بالنساء؛ خاصة من ليس لديها مصدر رزق مثلي”، ثم تضيف:” العمل سيحقق لي الاستقلال المادي والمعنوي أيضا”.
في 14 آب/ أغسطس الماضي، أعلن منسق عام الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، غسان عليان، عن مشروع تجريبي يشمل إعطاء مئات من النساء في غزة، تصاريح للعمل في إسرائيل كجزء من حصة 17.000 ألف تصريح المسموح بها لرجال غزة داخل إسرائيل من أصل 20.000 ألف تصريح جرت الموافقة الأمنية عليهم.
تأتي قضية عمل النساء في مناطق تسيطر عليها اسرائيل لتسلط الضوء على نقاش متعدد الأوجه داخل المجتمع الفلسطيني، فيتداخل فيه الوضع الاقتصادي البائس للقطاع مع النظرة الاجتماعية التقليدية والتمييزية في النظرة إلى عمل المرأة ودورها.
في غزة تجاوزت البطالة نسبة 50%، وبلغت معدلات الفقر 33%، ونحو 80% من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما لا يتجاوز متوسط الأجور الشهرية داخل القطاع 260 دولاراً. في المقابل فإن أجور العمال في إسرائيل تزيد بأكثر من عشرة أضعاف عن متوسط الأجور الحالية في غزة، من 12 دولاراً ليوم العمل الواحد في غزة، يتراوح معدل الأجور اليومية في إسرائيل ما بين 150- 250 دولاراً.
من هنا بدت الحاجة إلى انخراط النساء في سوق العمل عموماً أساسية، لكن النساء في غزة يواجهن عقبات أساسية في سوق العمل الفلسطينية.
تواجه المرأة تمييزاً في مكان العمل وأوضاعه السيئة، في القطاعين الرسمي وغير الرسمي. ويتجلى التمييز جزئياً من خلال تفاوت الأجور: حصلت النساء على ما يبلغ متوسطه 84 شيكلاً إسرائيلياً في اليوم في سنة 2016، بينما حصل الرجال على 114 شيكلاً (متوسط سعر الصرف في سنة 2016: دولار واحد = 3.83 شيكلات). كما أن معدل البطالة عند النساء أعلى منه عند الرجال، فقد بلغ معدل البطالة عند النساء في قطاع غزة 65% في سنة 2016، ويعد هذا من أعلى معدلات البطالة على مستوى العالم.
ويعتبر السماح لنساء غزة بالعمل في اسرائيل تحولاً في نمط ما يسمّى بالتسهيلات الاقتصادية التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية لسكان غزة التي تقتصر على منحها للرجال فقط.
التسهيلات جاءت بعد المعركة العسكرية الأخيرة التي اندلعت خلال الفترة من 5 إلى 8 آب/ أغسطس الماضي، بين القوات الاسرائيلية وحركة الجهاد الإسلامي ولم تشارك بها حماس، بعد أنُ وجهت لها إسرائيل تحذيراً شديد اللهجة من ارتفاع تكلفة خسائرها حال المشاركة.
تأتي قضية عمل النساء في مناطق تسيطر عليها اسرائيل لتسلط الضوء على نقاش متعدد الأوجه داخل المجتمع الفلسطيني.
وعلى الرغم أنً الحكومة الإسرائيلية لم توضح حتى الآن، مجالات العمل التي سيتم بموجبها منح التصاريح للنساء في غزة للعمل في الداخل المحتل؛ إلا أنً مصدرًا في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين- لم يتم تحديد هويته- قال في حديث صحفي: “المجالات المطروحة وفقًا للخطة الإسرائيلية ستتركز في قطاعات أولية أهمها الزراعة والخياطة ورعاية كبار السن، بالإضافة إلى مجالات خدماتية تتعلق بالنظافة داخل المستشفيات والمدارس والبلديات في القرى العربية في النقب”.
لكن الأمين العام لاتحاد نقابات عمال فلسطين في رام الله شاهر سعد، أوضح في 17 آب/ أغسطس الماضي، في تصريح صحفي، أنً عدد التصاريح المقرر أنً يقوم الاحتلال بمنحها لنساء غزة ستصل إلى 500 تصريح فقط.
الواقع الصعب للمرأة في غزة
تعيش المرأة في غزة واقعاً اجتماعياً صعباً نتيجة الاحتلال والفقر والثقافة السلبية التمييزية محلياً على مستوى القوانين وعلى مستوى الممارسة المجتمعية إذ تعاني فلسطينيات غزة من مستويات مختلفة من العنف الذي يبلغ حد القتل ومن أوجه كثيرة للظلم داخل الأسر ونظرة تمييزية في العمل والمجالات العامة.
أما على مستوى القوانين فهي تعامل النساء بوصفهن مواطنات من درجة ثانية خصوصا في نصوص قوانين العقوبات والأحوال الشخصية.
وعن تحديد الحد الأدنى لأجور النساء العاملات، قالت إن المسألة مطروحة على الطاولة منذ عام 2010، لكنها مؤجلة ولم يتم اتخاذ قرار فيها لاعتبارات سياسية مرتبطة بتداعيات الانقسام وتعميقه، وأُخرى لها علاقة بالوضع الاقتصادي الصعب في القطاع.
في غزة تتعامل القوى الرسمية الحاكمة بتوجس تجاه المشروع الإسرائيلي التشغيلي التجريبي لنساء غزة، عبًر عنه، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في غزة، سامي العمصى، في تصريح صحفي: “الاحتلال يسعى إلى تحسين صورته أمام الرأي العام العالمي ومؤسسات حقوق الإنسان، بالحديث عن دراسة تشغيل المرأة الفلسطينية(من غزة) في الداخل المحتل، في ظل مواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني حيث قتلت إسرائيل خلال العملية العسكرية الأخيرة على غزة أربع نساء”.
يبرر العمصي مخاوفه باحتمالات ابتزاز إسرائيل النساء على معبر إيرز مقابل التخابر كما جرى في حالات تم رصدها لمرضى من غزة مقابل التخابر وكذلك عمال تم رفضهم أمنيًا؛ بسبب رفضهم التخابر الأمني مع اسرائيل.
الموقف الرسمي الذي عبر عنه العمصي، والذي يشكك في قدرة النساء على مواجهة أيً محاولات لابتزازهن، ترفضه شريحة واسعة من الغزيات اللواتي يعتبرن أن هناك محاولات مستمرة لتقويض فرص استقلالهن المادي.
أم أحمد جندية، 45 عامًا، تسكن حي الشجاعية الذي دمرته إسرائيل خلال حرب 2014،، تقول لـ”درج”: “من يدفعني للعمل داخل غزة، سيدفعني للعمل خارجها، فعندما يحاربك ابن بلدك في مصدر رزقك الوحيد الذي أطعم منه أبنائي الثلاثة بعد وفاة والدهم قبل 20 عامًا؛ بذريعة مخالفة بسطة الملابس التي أفترشها في سوق الشجاعية جمالية المدينة؛ لن أفكر في نظرة المجتمع لعمل المرأة داخل الأراضي المحتلة”.
وتحسم موقفها بالتشديد على أن : ” نظرة المجتمع لن تطعمني أو تسقيني في نهاية اليوم، همي الوحيد تأمين مستقبل لأبنائي ولا أعارض أيً عمل شريف في أي مكان”.
وتتفق، نانا أبو شنب، 35 عامًا، من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، مع أم أحمد، بالترحيب بالعمل داخل الأراضي المحتلة؛ باعتبارها فرصة للنهوض بوضعها المادي الصعب، فتقول لـ”درج”: “أعمل في مجال التجميل مٌنذ 17 عامًا، كوافيرة ولا تتجاوز أجرتي اليومية 20 شيكل أيً( 5.64) دولاراً، وأعيل ثلاثة أطفال بالإضافة إلى زوجي العاطل عن العمل”.
” حصولي على تصريح للعمل في الداخل المحتل؛ سيشكل فرصة لتكوين مستقبل أفضل لأبنائي، ويساهم في تأسيس مشروعي الخاص الذي أحلم به، محل كوافير مستقل بي، تستدرك: “أريد أنً أرتاح، تعبت العمل عند الآخرين بلا جدوى مادية” تضيف أبو شنب.
ويصل الراتب الشهري، لـ17 ألف عامل مسموح لهم بالعمل داخل إسرائيل، ما يقارب من 7000 شيكل شهريًا، أيً ما يعادل: ” 1.97 دولار)، بينما لا يزيد الراتب داخل غزة عن 1300 شيكل أيً ما يعادل (3.66 دولار).
يعتبر السماح لنساء غزة بالعمل في اسرائيل تحولاً في نمط ما يسمّى بالتسهيلات الاقتصادية التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية لسكان غزة التي تقتصر على منحها للرجال فقط.
أما، فرح الشاويش (20) عامًا، تدرس سكرتارية في كلية مجتمع غزة وكذلك تمريض في الكلية الجامعية التطبيقية بغزة، تقول لـ” درج” : ” لا أعارض عمل النساء في الأراضي المحتلة؛ ففرص التوظيف في غزة تكاد تكون معدومة لنا كخريجين؛ بفعل الانقسام السياسي المتواصل مٌنذ العام 2007″.
” العمل يبقى أحسن لنا كفلسطينيات من خيار السفر إلى الخارج في سبيل الاستقلال المادي؛ لأنها ببساطة بلادنا التي حرمنا منها الاحتلال قسرًا من فرصة التعرف عليها جغرافيًا وكذلك اجتماعيًا، ناهيك عن التمتع بخيراتها” تختم فرح.
لكن، سناء أحمد،(39) عامًا، تسكن في دير البلح وسط قطاع غزة، ورغم أنها عاطلة عن العمل مُنذ أكثر من 15 عاماً، ترفض العمل داخل الأراضي المحتلة، وترى أنً عمل النساء داخل الأراضي المحتلة، يعد ضربة لنا كفلسطينيين؛ وليس هناك أيً مجال لتجريب العمل هناك؛ لأنهم يلحقون الضرر بالمقاومة؛ من خلال ابتزاز النساء”. حسب وجهة نظرها.
تقول أم إبراهيم صالح، (54) عامًا، التي سكن مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لـ”درج”: ” أنا مريضة سرطان دم، لا أستطيع العمل؛ لكن لو كنت بكامل صحتي لما ترددت، فالعمل في الداخل فرصة لمشاهدة بلادنا التي أصبحت تُسمى “إسرائيل”.
أما السيدة أم تامر سلطان (60) عامًا، تسكن شمال قطاع غزة، تقول لـ” درج” : “لدي استعداد للعمل من بكرا داخل الأراضي المحتلة؛ فظروفي المادية غاية في الصعوبة، زوجي عاطل عن العمل، ولدي ولد وبنت يعانون من إعاقة جسدية، والمعيل الوحيد لنا، ابن يعمل في بلدية غزة في التنظيف”.
تستدرك بحسرة: “ولكن؛ القرار الأخير يبقى بيد زوجي الذي يرفض عملي في الداخل المحتل؛ خشية من نظرة المجتمع الدونية للمرأة العاملة”.
إقرأوا أيضاً: