تمكنت منظمات حقوقية في قطاع غزة من رصد ازدياد ملحوظ في حالات الانتحار، وسجّلت 6 حالات انتحار خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر في قطاع غزة.
شبان وفيتات تتراوح أعمارهم بين 16 و20 سنة، بينهم أطفال، قرروا إنهاء حياتهم. الأسباب والظروف والدوافع كثيرة، منها الخلافات العائلية، الفقر، البطالة، العنف الأسري، كل ذلك أدى إلى ازدياد ملحوظ في حالات الانتحار خلال عام 2020، مقارنة بالأعوام السابقة، وبخاصة مع تفشي فايروس “كورونا” في قطاع غزة.
الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة تقول إن عدد حالات الانتحار هي 17، من أصل 404 محاولات انتحار حتى الأول من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020. في حين تشير “الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان” إلى أنها تلقت شكاوى بوقوع 30 محاولة انتحار حتى كانون الأول/ ديسمبر 2020.
يرفض اختصاصيون نفسيون في القطاع اعتبار “الانتحار” ظاهرة، ولهم تفسيراتهم في ذلك.
عادة لا تعبر حالات الانتحار المرصودة، عن حجم المأساة الحقيقي، ولا تستطيع منظمات حقوق الإنسان رصد محاولات الانتحار التي لم تؤدِ إلى الوفاة، وذلك لصعوبة الوصول إليها، وغياب المعلومات والشفافية في ذكر البيانات الحقيقية الصادرة عن جهات رسمية أو مجتمعية تعنى برصد حالات الشروع بالانتحار ونشر بيانات حولها.
لكن خلال العامين الماضيين ومع الازدياد الملحوظ في عدد المنتحرين، عقدت الشرطة الفلسطينية عدداً من الاجتماعات مع جهات حكومية ومنظمات المجتمع المدني لدراسة هذه المشكلة، إذ يرفض اختصاصيون نفسيون في القطاع اعتبار “الانتحار” ظاهرة، ولهم تفسيراتهم في ذلك.
العقيد رائد العامودي مدير ديوان المظالم في مكتب قائد الشرطة في قطاع غزة أوضح أن “عدد الوفيات جراء عمليات الانتحار وصل إلى 17 حالة، الجزء الأكبر هم ذكور بين 16 و20 سنة”. ويرى أن “70 في المئة من أسباب الانتحار متعلّق بخلافات عائلية، و5 في المئة من الضحايا هم مرضى، و10 في المئة ينتحرون لأسباب اقتصادية، و2 في المئة ادعاء الخطأ (مثل جرائم القتل التي تصنف انتحاراً)، ومواقع التواصل الاجتماعي”.
وعن الأدوات المستخدمة في محاولات الانتحار الناجحة والفاشلة هي العقاقير الطبية، والشنق بواسطة الحبل، والحرق، وإطلاق النار. ويوضح العامودي أن الشرطة والجهات الحكومية المختلفة تقوم بوضع الدراسات وتحليل أسباب المشكلة والدوافع خلفها لإيجاد حلول، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة من حصار وانقسام.
وإذ يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي تغذي حالات الانتحار، فيصبح المنتحرون أحياناً دافعاً لغيرهم بخاصة في صفوف الشباب، يدعو وسائل الإعلام إلى تناول هذه المشكلة من خلال التوعية والتركيز على الحفاظ على الحق في الحياة ووضع الحلول، وليس تناول الموضوع من زاوية المناكفة السياسية كما يحصل في الحالة الفلسطينية في بعض وسائل الإعلام.
حالة وفاة جراء عمليات الانتحار
يقول الدكتور ياسر ابو جامع مدير برنامج غزة للصحة النفسية إن حالات الانتحار مشكلة وليست ظاهرة، ونحن بعيدون من تسميتها بالظاهرة من خلال البيانات والأرقام، ومقارنة بالمؤشرات في قطاع غزة مع غيرها من الدول، التي لا تعاني من حصار واغلاق وأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة”.
ويضيف أبو جامع، “يجب التفريق بين المرضى النفسيين والجوانب الأخرى كالضغوط النفسية، والنظر إلى قطاع غزة كحالة خاصة. حالات الانتحار هي تعبير عن أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية، لا تمكن مقاربتها أو النظر إليها مثل حالات الانتحار في دول أخرى لا تعيش الحصار والانغلاق، وتعيش في أمن واستقرار وتنعم بحرية التنقل والسفر والانفتاح على العالم الخارجي. وهي لا تعد انعكاساً لحالات نفسية صعبة، إنما هي بمثابة رسائل احتجاج ورفض للواقع السيئ الذي يعيشه سكان القطاع”.
في قطاع غزة تشمل حالات الانتحار المرصودة، جميع الفئات الاجتماعية على اختلافها من الجنسين، من طلاب، عمال، أصحاب أعمال خاصة، عاطلين من العمل. تتحدث بيانات ديموغرافية وفق أبو جامع، عن أن محاولات الانتحار تنقسم، 50 في المئة هم ذكور و50 في المئة إناث. في العادة، بين كل 3 أو 4 ذكور حاولوا الانتحار، أنثى واحدة.
نجاح 30 إنساناً بانهاء حياتهم، يعني زيادة 45 في المئة عن ما ذكرته الشرطة وهو 17 حالة ما يعني 35 في المئة، مقارنة بـ600 محاولة انتحار. وبالنظر للأعوام السابقة، رصدت منظمات في المجتمع المدني أن عام 2015، كانت هناك 10 حالات انتحار، وعام 2016، 16 حالة، وعام 2017، 23 حالة.
في مقال سابق لي نشر على درج في شهر تموز/ يوليو الماضي، وفق تصريح للشرطة في القطاع، فإن حالات الانتحار وصلت عام 2018، إلى 20 حالة، وعام 2019، 21 حالة، وخلال العام الحالي 2020، 30 حالة انتحار، ما يعني زيادة لافتة خلال الخمس سنوات الماضية.
وفي تموز الماضي، شهد قطاع غزة 4 حالات انتحار في أسبوع واحد.
إن مؤشر انتشار المشكلة الاجتماعية (الانتحار)، في جميع المناطق الجغرافية والفئات الاجتماعية المختلفة بما فيها الضعيفة أو المهمشة، وتعدد الأسباب والدوافع الظاهرة المؤدية إليها، وبداية تحولها من مشكلة اجتماعية في حدود ضيقة إلى ظاهرة اجتماعية واسعة، تزيد نسب خطورتها، ومساسها بهياكل المجتمع وأمنه وسلامته، ما يهدد بتفاقم الآثار والأمراض الاجتماعية المرتبطة بها.
نجاح 30 إنساناً بانهاء حياتهم، يعني زيادة 45 في المئة عن ما ذكرته الشرطة وهو 17 حالة ما يعني 35 في المئة، مقارنة بـ600 محاولة انتحار.
في قطاع غزة ما الجديد وما القديم وما الذي تغير؟ يواجه أهل القطاع إضافة إلى مشكلاتهم الكثيرة، تفشي فايروس “كورونا” وفقدان السيطرة على مواجهته في ظل نظام صحي هش وأوضاع تزداد قتامة وكارثية حيث الوجع والقهر، والانقسام السياسي والاحتلال والحصار وفقدان الأمل وضياع الأحلام.
ففي غزة تتفاقم الأزمات وحالات الإحباط وتتراجع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتتفاقم السلوكيات المؤسفة وفي مقدمها الانتحار، وذلك على رغم الدعوات المتكررة إلى مواجهة تلك الأوضاع وإنهاء الانقسام وتبني تدابير وطنية وسياسات إجرائية وتوجهات عامة، لتعزيز الحق في الحياة وحمايته، ومواجهة حالات الانتحار أو الشروع فيه.
لذلك لا بدّ من تبني استراتيجية إعلامية وطنية وتغليب مصلحة الناس بعيداً من المناكفات السياسية، لإنقاذ المجتمع وإشاعة الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير وغيرها من الحقوق المقيدة، ونشر التوعية في صفوف الشباب. ويبدو ضرورياً في مثل هذه الظروف تجنب نشر البرامج الإعلامية التي تركّز على الجانب السلبي من يومياتنا، ومحاولة البحث عن الحلول عند تناول قضايا الانتحار بخاصة في صفوف الفئات الاجتماعية الهشة. وارتباط الانتحار بالظروف المعيشية، يستدعي لمواجهته، تحسين الظروف الحياتية، وتوفير فرص عمل ومساواة بين الناس، والحد من البطالة والفقر، وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم وتحقيق الضمان الاجتماعي للمواطنين.
أما مبادرات المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني لنشر الوعي والتوعية وتقديم المساعدة، فستبقى قاصرة، ما لم تترافق مع خطوات رسمية جدية للحد من المشكلة التي قد تصبح ظاهرة في رمشة عين.
إقرأوا أيضاً: