fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

غزة: طنجرة الضغط التي انفجرت في وجه إسرائيل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“طنجرة الضغط”، هو إجراء عسكري يقوم به الجيش الإسرائيلي عندما يتحصّن مطلوبون لقوات الاحتلال في منزل ما، وأحياناً في حالات وجود رهائن، والهدف منه هو إخضاعهم أو قتلهم من دون المسّ بالرهائن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سائد، شاب في الثلاثين من عمره متزوج ولديه ولدان، في اليوم الأول من عملية “طوفان الأقصى”، كان أنهى نقل أثاث جديد الى شقته الجديدة التي اشتراها في بناية تقع في المنطقة الشرقية المقابلة لفيلا الرئيس محمود عباس أبو مازن، في حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة، (المنطقة تُسمى باسمه “دوار أبو مازن”).

دُمّر الحي بشكلٍ كامل، إذ بدأ الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف المنطقة منذ الساعة الثالثة عصراً حتى العاشرة مساءً بشكل جنوني. كانت ساعات طويلة من الرعب والخوف والقلق. دُمرت فلل وبنايات سكنية مرتفعة ومقرات وزارات وجمعيات وبنية تحتية على مساحة كيلومتر مربع، تبدأ من شمال فيلا الرئيس التي دُمِّرت بنايات عدة مجاورة ومقابلة لها، حتى  الجامعة الإسلامية شرقاً.

 يقع الحي بالقرب من بحر غزة، وهو من الأحياء الراقية في مدينة غزة. وهي المنطقة التي أسكن فيها أيضاً لكن من الناحية الغربية الشمالية.

تحوّل المركز الثقافي الأرثوذكسي العربي في الحي نفسه الى مركز الإيواء المؤقت، وهو يبعد عن فيلا الرئيس نحو 200 متر، وعن منزلي أمتاراً معدودة، لجأت إليه وعائلتي وعشرات العائلات لمدة  خمس ساعات بسبب إشاعة، وبعضهم بات ليلته في المركز، حيث نزحت عشرات العائلات من أحياء مختلفة، من دون أي خدمات سوى الإقامة. كانت الإشاعة أن الطيران الحربي الإسرائيلي سيقصف البناية السكنية المكوّنة من 14 طابقاً، المقابلة للبناية التي أسكن فيها، والمسافة بينهما 12 متراً.

سائد وحوالى 200 شخص، نزحوا من حي الشجاعية حيث تلقى السكان تهديداً من الجيش الإسرائيلي بإخلاء المنطقة والذهاب  إلى وسط المدينة، وتوجّه مع العائلة الى بيت عمه بالقرب من مكان سكني.

في مركز اللجوء، التقيت مع سائد وأفراد من عائلته، الذين تربطني بهم صداقة قديمة، وقال لي: “أتذكر أننا التقينا خلال العدوان الإسرائيلي 2014، أثناء إعلان الهدنة لساعات عدة، عندما زرتنا في بيت العائلة في حي الشجاعية بعد قصف بيتنا للاطمئنان علينا”.

في صباح اليوم التالي، وهو اليوم الرابع للعدوان، كانت الساعة الثامنة صباحاً، خرجت للاطمئنان على الجيران، فقابلت عم سائد، وهو  أستاذ جامعي تربطني به صداقة. توجّهنا الى مكان القصف، الذي استمر نحو ثماني ساعات متتالية، لنعاين الدمار الذي سببه، وقد كانت المشاهد مرعبة وتدمي القلب. وبعد جولة في المكان ومشاهدة آثار الدمار والخراب، أخبرني بأن واحدة من تلك البنايات التي دُمرت كانت تضمّ شقة سائد الجديدة، والتي كان يستعد للسكن فيها بعدما أحضر أثاثه الجديد أخيراً. 

هذا الدمار كله أتى بعد قرار وزير الأمن الإسرائيلي يؤاف جالانت قطع المياه والكهرباء، والذي ادعى “أن الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة هي حرب من أجل وجودنا في المنطقة، وإذا لم نجبِ الثمن الكامل، سنفقد الردع وسيشكل أعداؤنا من حولنا خطراً على وجودنا”. وأضاف: “أوعزت بفرض حصار مطلق على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا غذاء ولا وقود. كل شيء مغلق”، ما يعني ارتكاب جرائم واستهداف السكان المدنيين في القطاع غزة.

كما أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن إسرائيل تسعى عبر حربها على غزة إلى استهداف المدنيين، و أنه أوعز لشركة المياه الإسرائيلية “مكوروت” بأن تتوقف فوراً عن تزويد السلطة الفلسطينية في القطاع بالمياه، على رغم أن السلطة الفلسطينية تستورد الكهرباء والمياه من إسرائيل، التي تحسمها من أموال الضرائب بواسطة المقاصة.

في مساء اليوم الرابع من العدوان الإسرائيلي على غزة، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن قوات  الاحتلال أبادت 22 عائلة، وسقط 150 ضحية و6 من الكوادر الصحافية و 8 صحافيين، واستهدفت الأحياء السكنية، ما تسبّب بنزوح نحو 400 ألف فلسطيني .

“انفجار” معاكس

“طنجرة الضغط”، هو إجراء عسكري يقوم به الجيش الإسرائيلي عندما يتحصّن مطلوبون لقوات الاحتلال في منزل ما، وأحياناً في حالات وجود رهائن، والهدف منه هو إخضاعهم أو قتلهم من دون المسّ بالرهائن. إذ تقوم قوات عسكرية خاصة بتطويق المنزل الذي يتحصن فيه المطلوبون، وعزله عن محيطه، ومن ثم قصفه بقنابل مضادة للدروع.

هذا الإجراء العسكري يشبه الى حد كبير سياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه قطاع غزة منذ سنوات طويلة، والذي انفجر بوجه الاحتلال من خلال عملية “طوفان الأقصى”.

فقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة العنصرية توازنهما، ويريدان فعل كل شيء، والاستمرار في الحرب على غزة، إلا أنهما لم يقوما سوى بالانتقام والقتل والدمار والخراب. بالإضافة الى التجويع وحرمان المدنيين المتعمّد من المياه، وتدمير  البنية التحتية المدنية، وهي كلها جرائم حرب، وتصرفات خطيرة ومحظورة دولياً.

الصورة التي تريدها إسرائيل، هي الدمار والخراب والقتل وجبي أثمان من دماء الأبرياء، وشراكة  دولية من دون أي حس إنساني، في تجاهل تام لشرعة حقوق الإنسان التي يتغنون بها، إنها جرائم حرب بدعم أميركي – أوروبي وصمت عربي مقيت. فالأوضاع في قطاع غزة كارثية وغير مسبوقة وحجم الجرائم كبير. 

الحرب مستمرة والقتل مستمر والزعماء العرب يجرون اتصالات للتشاور، أما الولايات المتحدة وأوروبا فهما تحاربان مع إسرائيل. لا أحد  من هؤلاء في عجلة من أمره. ومع هذا البرود والتواطؤ، ما زال السكان المدنيون في غزة يموتون، وموتهم لم يزعج  أحداً في العالم، بمن فيهم الزعماء العرب الذين فرضوا سطوتهم واستبدادهم وجرفوا الحياة السياسية والحقوق والحريات.

قد يكون ما دوّنته عن الشاب سائد غير ذي قيمة، في ظل هذه الجرائم والمجازر والقتل والدمار والخراب، وفقدان الحق في الحياة. لكن عملية “طوفان الأقصى”، وإن كانت أثمانها غالية، إلا أن فيها تعبيراً عن الظلم والاضطهاد وفقدان الأمل والأحلام والحرمان من الحرية.

12.10.2023
زمن القراءة: 4 minutes

“طنجرة الضغط”، هو إجراء عسكري يقوم به الجيش الإسرائيلي عندما يتحصّن مطلوبون لقوات الاحتلال في منزل ما، وأحياناً في حالات وجود رهائن، والهدف منه هو إخضاعهم أو قتلهم من دون المسّ بالرهائن.

سائد، شاب في الثلاثين من عمره متزوج ولديه ولدان، في اليوم الأول من عملية “طوفان الأقصى”، كان أنهى نقل أثاث جديد الى شقته الجديدة التي اشتراها في بناية تقع في المنطقة الشرقية المقابلة لفيلا الرئيس محمود عباس أبو مازن، في حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة، (المنطقة تُسمى باسمه “دوار أبو مازن”).

دُمّر الحي بشكلٍ كامل، إذ بدأ الطيران الحربي الإسرائيلي بقصف المنطقة منذ الساعة الثالثة عصراً حتى العاشرة مساءً بشكل جنوني. كانت ساعات طويلة من الرعب والخوف والقلق. دُمرت فلل وبنايات سكنية مرتفعة ومقرات وزارات وجمعيات وبنية تحتية على مساحة كيلومتر مربع، تبدأ من شمال فيلا الرئيس التي دُمِّرت بنايات عدة مجاورة ومقابلة لها، حتى  الجامعة الإسلامية شرقاً.

 يقع الحي بالقرب من بحر غزة، وهو من الأحياء الراقية في مدينة غزة. وهي المنطقة التي أسكن فيها أيضاً لكن من الناحية الغربية الشمالية.

تحوّل المركز الثقافي الأرثوذكسي العربي في الحي نفسه الى مركز الإيواء المؤقت، وهو يبعد عن فيلا الرئيس نحو 200 متر، وعن منزلي أمتاراً معدودة، لجأت إليه وعائلتي وعشرات العائلات لمدة  خمس ساعات بسبب إشاعة، وبعضهم بات ليلته في المركز، حيث نزحت عشرات العائلات من أحياء مختلفة، من دون أي خدمات سوى الإقامة. كانت الإشاعة أن الطيران الحربي الإسرائيلي سيقصف البناية السكنية المكوّنة من 14 طابقاً، المقابلة للبناية التي أسكن فيها، والمسافة بينهما 12 متراً.

سائد وحوالى 200 شخص، نزحوا من حي الشجاعية حيث تلقى السكان تهديداً من الجيش الإسرائيلي بإخلاء المنطقة والذهاب  إلى وسط المدينة، وتوجّه مع العائلة الى بيت عمه بالقرب من مكان سكني.

في مركز اللجوء، التقيت مع سائد وأفراد من عائلته، الذين تربطني بهم صداقة قديمة، وقال لي: “أتذكر أننا التقينا خلال العدوان الإسرائيلي 2014، أثناء إعلان الهدنة لساعات عدة، عندما زرتنا في بيت العائلة في حي الشجاعية بعد قصف بيتنا للاطمئنان علينا”.

في صباح اليوم التالي، وهو اليوم الرابع للعدوان، كانت الساعة الثامنة صباحاً، خرجت للاطمئنان على الجيران، فقابلت عم سائد، وهو  أستاذ جامعي تربطني به صداقة. توجّهنا الى مكان القصف، الذي استمر نحو ثماني ساعات متتالية، لنعاين الدمار الذي سببه، وقد كانت المشاهد مرعبة وتدمي القلب. وبعد جولة في المكان ومشاهدة آثار الدمار والخراب، أخبرني بأن واحدة من تلك البنايات التي دُمرت كانت تضمّ شقة سائد الجديدة، والتي كان يستعد للسكن فيها بعدما أحضر أثاثه الجديد أخيراً. 

هذا الدمار كله أتى بعد قرار وزير الأمن الإسرائيلي يؤاف جالانت قطع المياه والكهرباء، والذي ادعى “أن الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة هي حرب من أجل وجودنا في المنطقة، وإذا لم نجبِ الثمن الكامل، سنفقد الردع وسيشكل أعداؤنا من حولنا خطراً على وجودنا”. وأضاف: “أوعزت بفرض حصار مطلق على قطاع غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا غذاء ولا وقود. كل شيء مغلق”، ما يعني ارتكاب جرائم واستهداف السكان المدنيين في القطاع غزة.

كما أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن إسرائيل تسعى عبر حربها على غزة إلى استهداف المدنيين، و أنه أوعز لشركة المياه الإسرائيلية “مكوروت” بأن تتوقف فوراً عن تزويد السلطة الفلسطينية في القطاع بالمياه، على رغم أن السلطة الفلسطينية تستورد الكهرباء والمياه من إسرائيل، التي تحسمها من أموال الضرائب بواسطة المقاصة.

في مساء اليوم الرابع من العدوان الإسرائيلي على غزة، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن قوات  الاحتلال أبادت 22 عائلة، وسقط 150 ضحية و6 من الكوادر الصحافية و 8 صحافيين، واستهدفت الأحياء السكنية، ما تسبّب بنزوح نحو 400 ألف فلسطيني .

“انفجار” معاكس

“طنجرة الضغط”، هو إجراء عسكري يقوم به الجيش الإسرائيلي عندما يتحصّن مطلوبون لقوات الاحتلال في منزل ما، وأحياناً في حالات وجود رهائن، والهدف منه هو إخضاعهم أو قتلهم من دون المسّ بالرهائن. إذ تقوم قوات عسكرية خاصة بتطويق المنزل الذي يتحصن فيه المطلوبون، وعزله عن محيطه، ومن ثم قصفه بقنابل مضادة للدروع.

هذا الإجراء العسكري يشبه الى حد كبير سياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه قطاع غزة منذ سنوات طويلة، والذي انفجر بوجه الاحتلال من خلال عملية “طوفان الأقصى”.

فقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة العنصرية توازنهما، ويريدان فعل كل شيء، والاستمرار في الحرب على غزة، إلا أنهما لم يقوما سوى بالانتقام والقتل والدمار والخراب. بالإضافة الى التجويع وحرمان المدنيين المتعمّد من المياه، وتدمير  البنية التحتية المدنية، وهي كلها جرائم حرب، وتصرفات خطيرة ومحظورة دولياً.

الصورة التي تريدها إسرائيل، هي الدمار والخراب والقتل وجبي أثمان من دماء الأبرياء، وشراكة  دولية من دون أي حس إنساني، في تجاهل تام لشرعة حقوق الإنسان التي يتغنون بها، إنها جرائم حرب بدعم أميركي – أوروبي وصمت عربي مقيت. فالأوضاع في قطاع غزة كارثية وغير مسبوقة وحجم الجرائم كبير. 

الحرب مستمرة والقتل مستمر والزعماء العرب يجرون اتصالات للتشاور، أما الولايات المتحدة وأوروبا فهما تحاربان مع إسرائيل. لا أحد  من هؤلاء في عجلة من أمره. ومع هذا البرود والتواطؤ، ما زال السكان المدنيون في غزة يموتون، وموتهم لم يزعج  أحداً في العالم، بمن فيهم الزعماء العرب الذين فرضوا سطوتهم واستبدادهم وجرفوا الحياة السياسية والحقوق والحريات.

قد يكون ما دوّنته عن الشاب سائد غير ذي قيمة، في ظل هذه الجرائم والمجازر والقتل والدمار والخراب، وفقدان الحق في الحياة. لكن عملية “طوفان الأقصى”، وإن كانت أثمانها غالية، إلا أن فيها تعبيراً عن الظلم والاضطهاد وفقدان الأمل والأحلام والحرمان من الحرية.

12.10.2023
زمن القراءة: 4 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية