fbpx

غزة : عن مادلين التي قُتلت لأنها اتصلت بوالدتها!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“كنا نسمع صراخها في الليل والنهار، وكان (والدها) يمنعها من الخروج، والتواصل مع صديقاتها، واقتناء هاتف محمول خاص بها.. حياتها كانت أشبه بالجحيم”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بحذر روى جار الفتاة المغدورة مادلين الجراعبة كيف تابع سكان المبنى الذي تسكنه حياتها ونهايتها المفجعة.

فالفتاة كانت تتعرض للعنف الجسدي واللفظي بشكل دائم من والدها، وأتت ذروة المأساة فجر يوم الجمعة، 29 أيار/ مايو، حيث استيقظ سكان منطقة الزوايدة وسط مدينة غزة على خبر مقتل مادلين على يد والدها. “ذنب” الشابة التي لم تتجاوز الـ20 سنة، أنها خالفت أوامر أبيها، واستعارت هاتفه المحمول للاتصال بوالدتها التي لم ترها منذ ما يزيد عن 8 سنوات لتهنئتها بمناسبة عيد الفطر السعيد، والاطمئنان عليها، الأمر الذي أغضب الأب، وجعله ينهال عليها بالضرب العنيف بآلات حادة حتى فارقت الحياة.

ويقول أحد جيران مادلين لـ”درج” (طلب عدم ذكر اسمه)، فإن والدَي مادلين منفصلان منذ ما يزيد عن 8 سنوات، والوالد متزوج أكثر من سيدة، وسلوكه غير سوي، ويعنف أفراد أسرته باستمرار: “قبل مقتل الفتاة بساعات سمعنا صوتها وهي تصرخ بسبب الضرب. اعتقدنا أنه يضربها ككل مرة، ولكن فوجئنا بأنها فارقت الحياة، وعند نقل جثتها إلى المستشفى شاهدنا آثار الضرب، والتعذيب على الأجزاء العلوية من جسدها، ما تسبب بنزيف داخلي في رأسها”. 

بحسب الجار فإن أفراد الأسرة، وبعض الجيران حاولوا التدخل لحماية الفتاة، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك، فوالدها كان يضربها بوحشية ومنع تدخل أحد.

ارتفعت معدلات العنف ضد النساء في فترة الحجر المنزلي

عنف وحرمان زاد منه الوباء

تتحول العادات والتقاليد المحافظة والمتشددة في قطاع غزة سريعاً إلى سيف حاد مسلّط حول أعناق الفتيات والنساء، وتسهل إراقة الدماء تماماً كما يسهل تبرير العنف واعتباره مبرراً أو عادياً. 

مادلين واحدة من كثيرات يسقطن نتيجة العنف الأسري وغياب أطر الحماية القانونية والاجتماعية، وهي مشكلة تفاقمت بشكل كبير منذ بدء أزمة وباء “كورونا” وما رافقه من حجر منزلي.

هذه الجريمة والحالات التي تم التبليغ عنها دفعت بمجموعات نسوية وحقوقية الى إطلاق حملة “إحنا صوتك” الالكترونية لحث المجتمع الفلسطيني على مواجهة ظاهرة العنف المتزايد ضد النساء. وقد أبرزت ظروف الحجر الصحي بسبب الوباء الثغرات الهائلة في منظومة الحماية الاجتماعية للنساء.

جريمة قتل مادلين قد لا تصنف على أنها جريمة قتل بل مجرد ضرب حتى الموت، وبالتالي تتحول من جناية إلى جنحة، وستكون عقوبة الفاعل عامين كحد أقصى، وسيتم الإفراج عنه. هذا الأمر تكرر مرات عدة خلال السنوات الماضية.

في بداية العام الحالي قتلت الشابة صفاء شكشك شنقاً على يد زوجها الذي كان يعنفها بشكل دائم، وقد ارتفعت حالات قتل النساء في الأراضي الفلسطينية منذ بداية 2019، إلى 21 حالة على خلفيات مختلفة أبرزها العنف الأسري، وأخرى بذريعة “الشرف”، وذلك بحسب إحصائية صادرة عن مركز شؤون المرأة في قطاع غزة.

مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة، زينب الغنيمي تصف ما حدث مع الفتاة مادلين بأنه جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، مطالبةً بمعاقبة القاتل عقوبة رادعة. 

وتشير إلى أن عدداً من الفتيات قتلن على يد آبائهن في قطاع غزة خلال السنوات الماضية، وكانت العقوبات أقل بكثير مما ينبغي، وقد حصل معنّفون كثيرون على إجازات أسبوعية وخرجوا من السجن، وكأنهم لم يفعلوا شيئاً. 

وتقول لـ”درج”: “من يتحمل مسؤولية مقتل الفتاة المغدورة هو والدها لأنه هو القاتل، وأيضاً الجهات الحكومية التي تتهاون مع تلك الحالات، ولا تضع قوانين تردع الآباء على جرائم القتل”.

تضيف الغنيمي: “الثقافة الذكورية السائدة في مجتمع غزة المحافظ تظلم المرأة، التي تتعرض لأشكال متنوعة من العنف، أبرزها العنف الأسري، وخلال السنوات الماضية تم رصد عدد كبير من النساء المعنفات على يد آبائهن وأزواجهن”. 

تشير الغنيمي الى نقطة تثير قلقها وقلق حقوقيين كثر وهي أن جريمة قتل مادلين قد لا تصنف على أنها جريمة قتل بل مجرد ضرب حتى الموت، وبالتالي تتحول من جناية إلى جنحة، وستكون عقوبة الفاعل عامين كحد أقصى، وسيتم الإفراج عنه. هذا الأمر تكرر مرات عدة خلال السنوات الماضية.

ومن مسببات العنف الأسري في المجتمع الفلسطيني وفق الغنيمي، غياب الأمن والأمان الاجتماعي في ظل استمرار الانشقاق السياسي في الساحة الفلسطينية، وغياب دور الأجهزة التنفيذية المكلفة بحماية المجتمع وخصوصاً النساء، وغياب العدالة والمساواة في السياسات والخطط الرسمية لجهة عدم تضمينها حاجات النساء في قطاع غزة.

وتبين أن غياب المساواة في التشريعات والقوانين، لجهة عدم اتخاذ أي إجراءات على المستوى التطبيقي وتنفيذ القوانين لتشمل قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق منها بقضايا النساء وحمايتهن، وتجاهل التصدي لثقافة الفصل بين الجنسين، وحرمان المرأة من الاتصال والتواصل، وإيقاع التمييز ضدها في مكان العمل والدراسة، من الأسباب التي تزيد العنف الأسري في قطاع غزة، والضفة الغربية.

تفيد الغنيمي بأن فرض القيود الشديدة من قبل السلطة الوطنية على المؤسسات النسوية والحقوقية، وإنكار دورها لجهة تعقيد إجراءات الحصول على التمويل، يؤثران في الخدمات المقدمة للنساء في مواجهة ظاهرة العنف.

التذرع بالدين

من جهة أخرى، يقول الناشط الحقوقي أحمد سهلوب لـ”درج” إن التمسك بالعادات والتقاليد في قطاع غزة من أبرز مسببات العنف الأسري، فالآباء يعتقدون أن من حقهم ضرب أبنائهم وبناتهم ومحاسبتهم، ويتذرعون بالشريعة الإسلامية، وبأن الوالد ولي أمر أبنائه، ومن حقه التصرف معهم كما يشاء من دون تدخل أحد”.

ويتابع: “في قطاع غزة هناك تهاون كبير حيال قيام آباء بتعنيف  أبنائهم وبناتهم، فالأب لا يُعاقَب على ذلك ولا يتم التحقيق معه بالأساس. الأمر الذي زاد من حالات العنف الأسري في القطاع، وفي هذه الحالة الدولة هي التي تتحمل المسؤولية لأنها لم توفر قوانين رادعة للآباء الذين يعنفون أبناءهم وبناتهم”.

ويتوقع الناشط الحقوقي أنه إذا لم تعدَّل القوانين، ويصدر قانون يحد من العنف الأسري، وتعذيب النساء، ووضع خطوط حمر لذلك، وإلا سيتحول إلى ظاهرة مستمرة، إذ تتعرض الفتيات للعنف تحت ذرائع واهية، وسنرى باستمرار نماذج مأساوية كثيرة مثل قصة مادلين.

04.06.2020
زمن القراءة: 4 minutes

“كنا نسمع صراخها في الليل والنهار، وكان (والدها) يمنعها من الخروج، والتواصل مع صديقاتها، واقتناء هاتف محمول خاص بها.. حياتها كانت أشبه بالجحيم”.

بحذر روى جار الفتاة المغدورة مادلين الجراعبة كيف تابع سكان المبنى الذي تسكنه حياتها ونهايتها المفجعة.

فالفتاة كانت تتعرض للعنف الجسدي واللفظي بشكل دائم من والدها، وأتت ذروة المأساة فجر يوم الجمعة، 29 أيار/ مايو، حيث استيقظ سكان منطقة الزوايدة وسط مدينة غزة على خبر مقتل مادلين على يد والدها. “ذنب” الشابة التي لم تتجاوز الـ20 سنة، أنها خالفت أوامر أبيها، واستعارت هاتفه المحمول للاتصال بوالدتها التي لم ترها منذ ما يزيد عن 8 سنوات لتهنئتها بمناسبة عيد الفطر السعيد، والاطمئنان عليها، الأمر الذي أغضب الأب، وجعله ينهال عليها بالضرب العنيف بآلات حادة حتى فارقت الحياة.

ويقول أحد جيران مادلين لـ”درج” (طلب عدم ذكر اسمه)، فإن والدَي مادلين منفصلان منذ ما يزيد عن 8 سنوات، والوالد متزوج أكثر من سيدة، وسلوكه غير سوي، ويعنف أفراد أسرته باستمرار: “قبل مقتل الفتاة بساعات سمعنا صوتها وهي تصرخ بسبب الضرب. اعتقدنا أنه يضربها ككل مرة، ولكن فوجئنا بأنها فارقت الحياة، وعند نقل جثتها إلى المستشفى شاهدنا آثار الضرب، والتعذيب على الأجزاء العلوية من جسدها، ما تسبب بنزيف داخلي في رأسها”. 

بحسب الجار فإن أفراد الأسرة، وبعض الجيران حاولوا التدخل لحماية الفتاة، ولكنهم لم يتمكنوا من ذلك، فوالدها كان يضربها بوحشية ومنع تدخل أحد.

ارتفعت معدلات العنف ضد النساء في فترة الحجر المنزلي

عنف وحرمان زاد منه الوباء

تتحول العادات والتقاليد المحافظة والمتشددة في قطاع غزة سريعاً إلى سيف حاد مسلّط حول أعناق الفتيات والنساء، وتسهل إراقة الدماء تماماً كما يسهل تبرير العنف واعتباره مبرراً أو عادياً. 

مادلين واحدة من كثيرات يسقطن نتيجة العنف الأسري وغياب أطر الحماية القانونية والاجتماعية، وهي مشكلة تفاقمت بشكل كبير منذ بدء أزمة وباء “كورونا” وما رافقه من حجر منزلي.

هذه الجريمة والحالات التي تم التبليغ عنها دفعت بمجموعات نسوية وحقوقية الى إطلاق حملة “إحنا صوتك” الالكترونية لحث المجتمع الفلسطيني على مواجهة ظاهرة العنف المتزايد ضد النساء. وقد أبرزت ظروف الحجر الصحي بسبب الوباء الثغرات الهائلة في منظومة الحماية الاجتماعية للنساء.

جريمة قتل مادلين قد لا تصنف على أنها جريمة قتل بل مجرد ضرب حتى الموت، وبالتالي تتحول من جناية إلى جنحة، وستكون عقوبة الفاعل عامين كحد أقصى، وسيتم الإفراج عنه. هذا الأمر تكرر مرات عدة خلال السنوات الماضية.

في بداية العام الحالي قتلت الشابة صفاء شكشك شنقاً على يد زوجها الذي كان يعنفها بشكل دائم، وقد ارتفعت حالات قتل النساء في الأراضي الفلسطينية منذ بداية 2019، إلى 21 حالة على خلفيات مختلفة أبرزها العنف الأسري، وأخرى بذريعة “الشرف”، وذلك بحسب إحصائية صادرة عن مركز شؤون المرأة في قطاع غزة.

مديرة مركز الأبحاث والاستشارات القانونية للمرأة، زينب الغنيمي تصف ما حدث مع الفتاة مادلين بأنه جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، مطالبةً بمعاقبة القاتل عقوبة رادعة. 

وتشير إلى أن عدداً من الفتيات قتلن على يد آبائهن في قطاع غزة خلال السنوات الماضية، وكانت العقوبات أقل بكثير مما ينبغي، وقد حصل معنّفون كثيرون على إجازات أسبوعية وخرجوا من السجن، وكأنهم لم يفعلوا شيئاً. 

وتقول لـ”درج”: “من يتحمل مسؤولية مقتل الفتاة المغدورة هو والدها لأنه هو القاتل، وأيضاً الجهات الحكومية التي تتهاون مع تلك الحالات، ولا تضع قوانين تردع الآباء على جرائم القتل”.

تضيف الغنيمي: “الثقافة الذكورية السائدة في مجتمع غزة المحافظ تظلم المرأة، التي تتعرض لأشكال متنوعة من العنف، أبرزها العنف الأسري، وخلال السنوات الماضية تم رصد عدد كبير من النساء المعنفات على يد آبائهن وأزواجهن”. 

تشير الغنيمي الى نقطة تثير قلقها وقلق حقوقيين كثر وهي أن جريمة قتل مادلين قد لا تصنف على أنها جريمة قتل بل مجرد ضرب حتى الموت، وبالتالي تتحول من جناية إلى جنحة، وستكون عقوبة الفاعل عامين كحد أقصى، وسيتم الإفراج عنه. هذا الأمر تكرر مرات عدة خلال السنوات الماضية.

ومن مسببات العنف الأسري في المجتمع الفلسطيني وفق الغنيمي، غياب الأمن والأمان الاجتماعي في ظل استمرار الانشقاق السياسي في الساحة الفلسطينية، وغياب دور الأجهزة التنفيذية المكلفة بحماية المجتمع وخصوصاً النساء، وغياب العدالة والمساواة في السياسات والخطط الرسمية لجهة عدم تضمينها حاجات النساء في قطاع غزة.

وتبين أن غياب المساواة في التشريعات والقوانين، لجهة عدم اتخاذ أي إجراءات على المستوى التطبيقي وتنفيذ القوانين لتشمل قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق منها بقضايا النساء وحمايتهن، وتجاهل التصدي لثقافة الفصل بين الجنسين، وحرمان المرأة من الاتصال والتواصل، وإيقاع التمييز ضدها في مكان العمل والدراسة، من الأسباب التي تزيد العنف الأسري في قطاع غزة، والضفة الغربية.

تفيد الغنيمي بأن فرض القيود الشديدة من قبل السلطة الوطنية على المؤسسات النسوية والحقوقية، وإنكار دورها لجهة تعقيد إجراءات الحصول على التمويل، يؤثران في الخدمات المقدمة للنساء في مواجهة ظاهرة العنف.

التذرع بالدين

من جهة أخرى، يقول الناشط الحقوقي أحمد سهلوب لـ”درج” إن التمسك بالعادات والتقاليد في قطاع غزة من أبرز مسببات العنف الأسري، فالآباء يعتقدون أن من حقهم ضرب أبنائهم وبناتهم ومحاسبتهم، ويتذرعون بالشريعة الإسلامية، وبأن الوالد ولي أمر أبنائه، ومن حقه التصرف معهم كما يشاء من دون تدخل أحد”.

ويتابع: “في قطاع غزة هناك تهاون كبير حيال قيام آباء بتعنيف  أبنائهم وبناتهم، فالأب لا يُعاقَب على ذلك ولا يتم التحقيق معه بالأساس. الأمر الذي زاد من حالات العنف الأسري في القطاع، وفي هذه الحالة الدولة هي التي تتحمل المسؤولية لأنها لم توفر قوانين رادعة للآباء الذين يعنفون أبناءهم وبناتهم”.

ويتوقع الناشط الحقوقي أنه إذا لم تعدَّل القوانين، ويصدر قانون يحد من العنف الأسري، وتعذيب النساء، ووضع خطوط حمر لذلك، وإلا سيتحول إلى ظاهرة مستمرة، إذ تتعرض الفتيات للعنف تحت ذرائع واهية، وسنرى باستمرار نماذج مأساوية كثيرة مثل قصة مادلين.