بدأ قطاع غزة يدخل في العد التنازلي من مخاوف انتشار الوباء فيه، بعدما انقضى على الحرب نحو شهر ونصف الشهر، فالقطاع يدخل في حالة من الصدمة نتيجة انقطاع المساعدات وعدم إدخال الوقود، ما تسبّب بحالة من الانهيار في عمل المنشآت الطبية كافة وآليات الإنقاذ، مخلفاً ازدياداً كبيراً في عداد القتلى الذين لم يموتوا نتيجة القصف وإنما على أسرّة المستشفيات التي أصبحت تواجه عجزاً في كل شيء.
هناك ما يزيد عن 3640 مفقوداً تحت الأنقاض، منهم 1770 طفلاً، والتزايد المستمر في أعداد المفقودين تحت الركام يضع الأمور على محك، وينذر تحلّل جثثهم بالخطر الوبائي المحدق.
كذلك، وصل عدد القتلى الى 11500، وبلغ عدد القتلى من الكوادر الطبية حتى الآن الـ 200، ما بين طبيب وممرض ومسعف، و22 من رجال الدفاع المدني. وخرجت عن الخدمة 27 مستشفى من أصل 35 و52 مركز صحياً، وتدمرت 55 سيارة إسعاف.
منظمة الصحة العالمية قالت إن المستشفيات التي لا تزال تعمل في غزة لديها بالكاد ما يكفي لإجراء العمليات الجراحية الحرجة المنقذة للحياة.
ومع انعدام سبل النظافة في أماكن النزوح والتجمعات الكبيرة للمواطنين، بدأ الأطفال يعانون من نزلات معوية شديدة، وهو ما يدق ناقوس الخطر الحقيقي.
المستشفيات قد تصبح بؤرة وباء!
على مدى الأسبوع المنصرم، وبعدما حاصر الاحتلال مجمّع الشفاء الطبي الأكبر في القطاع، تكدست جثث القتلى في أروقته ومرافقه، مع عدم القدرة على دفنها بسبب استحالة خروج أي أحد إلى خارج أبنية المستشفى، ما تسبب بتعفن الجثث ونهشها من الكلاب، في مشهد مرعب وقاسٍ شاهده كل من هو موجود في الداخل.
وتحوّلت ساحة الشفاء إلى مقبرة جماعية دُفن فيها 240 شخصاً منذ السبت الماضي، ولا يزال أعداد القتلى في ارتفاع، ناهيك بموت أطفال خدّج كل ساعة بسبب توقّف الحضانات. فهل ستتحمل ساحة المستشفى هذا الضغط كله من المصابين والجثث!
يقول مدير مجمع الشفاء في غزة محمد أبو سلمية، لـ”درج”، إن الشفاء قد تحوّل بالفعل إلى مقبرة حقيقية للمرضى والجرحى، لعدم توافر الإمكانات اللازمة لتقديم الخدمات العلاجية، في ظل الحصار المفروض على المستشفى وانقطاع المياه والكهرباء والوقود، ما يزيد من المخاوف الحقيقية من خسارة أرواح الكثير من الأطفال والجرحى داخل المجمع، فيما يحكم الاحتلال بالإعدام المحتّم على الجميع، فالواقع القائم مريب جداً ويجعلنا أمام واقع يصعب التعامل معه، في ظل الجثث الموجودة على الطرقات وفي المستشفيات وتحت المنازل.
وأشار أبو سليمة إلى أنه بعد التنسيق مع الصليب الأحمر، وافق الاحتلال على نقل عدد قليل من الخدج الذين يواجهون الموت نتيجة توقّف الحضانات عن العمل لعدم توافر الكهرباء، ما دفع الكوادر الطبية الى العمل يدوياً للحفاظ على أرواحهم، ولكن للأسف توفي من بينهم 10 أطفال نتيجة عدم التمكن من تهيئة الأجواء اللازمة لحالتهم الإنسانية الخاصة.
فيما أفاد المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة، لـ”درج” بمقتل 40 شخصاً، منهم 3 أطفال، جراء نقص المستلزمات الطبية في مجمع الشفاء، في وقت لا يستطيع أي شخص مغادرة المستشفى أو دخولها بسبب الاستهداف المستمر لها ولمحيطها، وبالإضافة الى محاصرتها الاحتلال، ما يزيد من مخاطر حدوث أوبئة داخل مرافق المستشفى التي تفتقر الى مقومات السلامة الصحية كافة وعمليات التعقيم والتخلّص من المخلّفات المتكدسة في داخل المستشفى.
الشفاء ليس المستشفى الوحيد الذي يتعرض للمحاصرة والتضييق الآن، فهناك مستشفيات القدس والإندونيسي والوفا وحي النصر والرنتيسي. كما تحاصر دبابات الاحتلال أكثر من 100 من المرضى والطواقم الطبية في مستشفى الحلو في مدينة غزة، ووصل الأمر الى تفتيش مبانيها بعدما ادعى الاحتلال بوجود أنفاق للمقاومة أسفلها.
مروان السلطان، مدير الطب في مستشفى الإندونيسي، أفاد لـ”درج”، بحصول مجازر، فلا يوجد كهرباء ولا وقود ولا إنارة على الأطفال والأطباء المناوبين في المستشفى، ويعمل فقط مولد صغير للمرضى الموجودين في العناية المركزة ولعمليات الطوارئ وإنقاذ الحياة فقط. وأضاف أنه كان يوجد 140 سريراً، وتمت مضاعفة العدد ليصبح 420 سريراً، و”على رغم ذلك، ينتشر المرضى في كل مكان وكل مساحة”.
وتابع أنه يوجد 15 مريضاً في العناية المركّزة، وتم تحويل عناية القلب إلى عناية مركزة لتستوعب العدد الموجود، فيما غرفة الإفاقة وساحات المستشفى والطوارئ مليئة كلها بالمرضى.
وفيما يخصّ التعامل مع الحروق، أوضح السلطان أن هناك طبيباً محدداً يأتي للتغيير على أماكن الحروق للمرضى، إلا أن حالات الحروق الشديدة تحتاج إلى تأمينها بالمضادات الحيوية والأدوية اللازمة. وللأسف، ليس كل شيء متوافراً، “نتحدث عن ظروف غير اعتيادية وصعبة، إذ هناك المئات ينتظرون إجراء عمليات جراحية، وبعض الجروح أصبح يخرج منه الدود، ولا يمكن تشغيل غرفة العمليات، ونحن متوقفون عن العمل منذ أيام”.
الجثث بالطبع قد تصبح مصدراً لانتشار العدوى أو الأوبئة حتى داخل المستشفى على الرغم من محاولات الحفاظ على النظافة، إلا أن الاكتظاظ بأعداد الناس يسبّب روائح وعدم نظافة، بحسب السلطان.
محمد أبو مصبح، الناطق باسم الهلال الأحمر الفلسطيني في غزة، قال، إن مستشفى القدس يرزح تحت حصار الآليات العسكرية الإسرائيلية ويتعرض للقصف، ولا نستطيع إجلاء المرضى والجرحى، وننتظر الموافقة على إجلاء الجرحى من المسنين والكادر الطبي، لافتاً إلى خطورة ما بدأ يظهر على الجرحى من علامات العفن بسبب النقص الحاد في الأدوية، إضافة إلى مقومات الحياة كافةداخل مستشفى القدس.
أما الدكتورة ريم العيلة، وهي طبيبة في مستشفيات غزة، فلفتت الى أن الواقع الحالي مقلق نتيجة الهواء المحمّل بالسموم والجثث المتحللة تحت الأنقاض وفي مرافق المستشفيات، ما يجعل مؤشر حدوث حالات وباء مرتفعاً جداً، مشيرة إلى ظهور الكثير من حالات الإسهال والتقيو والنزلات المعوية عند الأطفال بشكل كبير.
إقرأوا أيضاً:
المستشفيات محمية دولياً
بحسب اتفاقية جنيف الرابعة، فقد كُفلت حماية المستشفيات والمرضى من التعدّي على حياتهم وحرياتهم كونها لا تحمل أي خطر عسكري. وبحسب المادة (56) من الإتفاقية، من واجب دولة الاحتلال أن تعمل، بأقصى ما تسمح به وسائلها، وبمعاونة السلطات الوطنية والمحلية، على صيانة المنشآت والخدمات الطبية والمستشفيات وكذلك الصحة العامة والشروط الصحية في الأراضي المحتلة، بخاصة عن طريق اعتماد وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة لمكافحة انتشار الأمراض المعدية والأوبئة. ويُسمح لجميع أفراد الخدمات الطبية بفئاتهم كافة بأداء مهامهم.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أكد “أنه في ظل استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي المُركّز والمستمر على المستشفيات بخاصة وتهديد الطواقم الطبية، فقد خرجت عن الخدمة. لم يتركوا مكاناً إلا واستهدفوه أو دمروه بالطائرات أو الدبابات أو بإطلاق النار المباشر.
مطالبات بتحقيق دولي!
منظمة “هيومن رايتس ووتش” طالبت المحكمة الجنائية الدولية، بإنشاء “لجنة تحقيق دولية مستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة”، للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية على القطاع الصحي الفلسطيني في قطاع غزة، باعتبارها جرائم حرب.
وقالت في تقرير صادر عنها الثلاثاء الماضي، إن الهجمات المتكررة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على المرافق، والطواقم، ووسائل النقل الطبية، تمعن في تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، ويجب التحقيق فيها باعتبارها جرائم حرب، وإن المخاوف بشأن الهجمات غير المتناسبة تتفاقم بالنسبة إلى المستشفيات، مؤكدة أن المستشفيات وسيارات الإسعاف والمرافق الصحية محمية بموجب القانون الإنساني الدولي.
وشددت المنظمة، في هذا الخصوص، على أن المستشفيات والمرافق الطبية الأخرى هي أعيان مدنية تتمتع بحماية خاصة بموجب القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، وأن ادعاءات جيش الاحتلال حول استخدامها لأغراض عسكرية، ليست محل اتفاق. ولم تتمكن “هيومن رايتس ووتش” من تأكيدها، ولم ترَ أي معلومات تبرر الهجمات على مستشفيات غزة.
وطالبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وألمانيا وغيرها من الدول، بتعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل طالما تستمر قواتها بلا عقاب في ارتكاب انتهاكات خطيرة وواسعة ترقى إلى مستوى جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين.
من جانبه، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى التحرك العاجل لإنقاذ حياة الأطفال حديثي الولادة في مجمع الشفاء الطبي في غزة في ظل تعرضه لانقطاع الكهرباء وهجمات إسرائيلية مكثفة، مطالباً إياه بإدخال مولد كهربائي مع ما يحتاجه من كميات وقود بشكل عاجل إلى قسم الأطفال حديثي الولادة في مجمع الشفاء لإنقاذ حياتهم في ظل خطر الموت الذي يهددهم.
لم يعد الأمر يتوقف على الجثث المكدسة ولا المفقودين أسفل الركام، فبسبب نفاد الوقود، تتدفق من شوارع مدينة رفح مياه الصرف الصحي، إضافة الى توقف 76 بئر مياه ومحطتين لمياه الشرب و15 محطة لضخ مياه الصرف الصحي عن العمل في غزة.