fbpx

الولاية الخامسة لبوتفليقة تضع الجزائر في مهبّ الريح

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كيف يمكن إقناع الجزائريين بجدوى عهدٍ جديدٍ لرئيسٍ لم يعد قادراً على مخاطبتهم؟ لقد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. هذا الأمر عمّقَ من شعور الجزائريين بالإهانة وأخرجهم إلى الشارع…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ترشّحَ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة، وهذا يعني فوزه في الانتخابات المزمع عقدها يوم 18 نيسان/ابريل المقبل، إذ يتحكم الطاقم المحيط به في كل مفاصل الدولة والمؤسسات التي من شأنها السهر على تنظيم الانتخابات وحماية المسار الانتخابي.

عمّقَ ذلك من شعور الجزائريين بالإهانة وأخرجهم إلى الشارع…

 

عبد الملك سلال

لم يعد عبد المالك سلال، الوزير الأول السابق ومدير حملة عبد العزيز بوتفليقة للرئاسيات يهرّج كما عهده الجزائريون خلال الحملات الانتخابية لسنوات 2004، 2009 و 2014، وكذلك في سنوات توزيره الطويلة خلال حكم بوتفليقة المتواصل.

تميزت إطلالاتُ سلال الرسمية في عهود بوتفليقة السابقة، بتصريحاتٍ مرحة ونكاتٍ لا تنضب. ولعل جديته غير المألوفة منذ تنصيبه لرابع مرة على رأس مديرية الحملة الانتخابية لبوتفليقة، دليلٌ ظاهر على ثقل المهمة التي أوكلت إليه: إقناعُ الجزائريين بجدوى عهدٍ جديدٍ لرئيسٍ لم يعد قادراً على مخاطبتهم، والتأكيد على حسن نيّة هذا الرئيس في إطلاق إصلاحات سياسيةٍ عميقة، كما وصفها في الرسالة التي أعلن فيها ترشحه، وهي نفسها الإصلاحات التي وعد بها بوتفليقة لدى مجيئه إلى الحكم في بداية الألفية.

يبدو سلال مدركاً للرهان، وأن الأمور لم تحسم بعد بالرغم من تحكم زمرة الرئيس في كل مفاصل الدولة، وأن اللعبة الانتخابية في الظروف الحالية مغلقة لصالح الرئيس لعهدة خامسة. يدرك سلال الذي أدار الانتخابات في 1999 كوزير للداخلية في ذلك الوقت، ثم كل الحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة فيما، بعد أن محيط الرئيس تقلص بفعل تَفرّق من حوله و موت الكثير منهم وعدم الثقة في مستقبل سلطته لدى آخرين. لم يستطع بوتفليقة توظيفَ سياسيين جدد في حكوماته الأخيرة ولا في التعبئة من أجل تمديد حكمه.

وتشكيلة إدارة حملته تظهر إعادة تدوير لوجوه استعملها من قبل ثم تخلص منها. وجوه ارتبط البعض منها بمظاهر فساد و تبذير للموارد المالية التي جنتها الدولة بفعل ارتفاع أسعار المحروقات خلال العهود الثلاث الأولى لبوتفليقة.

قوبل إعلان ترشح بوتفليقة هذه المرة بمظاهرات عفوية في عدة مناطق من الجزائر، خاصة في ملاعب كرة القدم، حيث خرجت احتجاجات تندد بتمسكه بالسلطة وتدين تفشي الفساد الذي يستفيد منه من ينادون بتمديد حكمه رغم حالته الصحية المزرية والتي منعته من مخاطبة شعبه منذ 2012 و حتى من طلب أصواتهم في 2014 و 2019.

بدأت المظاهرات في برج بوعريريج يوم 13 شباط/فبراير الجاري ثم تلتها في جيجل وخراطة و في فرنسا أيضاً عبر ناشطون من الجالية الجزائرية في باريس عن رفضهم للعهدة الخامسة. وتواصلت مظاهر الاعتراض في خنشلة بعد رفض شيخ البلدية المصادقة على استمارات ترشح رشيد  نكاز. وتكررت أيضاً في مناطق أخرى حيث سار سكان تيشي ببجاية لنفس السبب وهناك نداءات غير واضحة المصادر تدعو للخروج بعد صلاة الجمعة عبر كافة الأراضي الجزائرية الوطني. برزت أيضاً دعوة من طرف حركة “مواطنة ” المناهضة للعهدة الخامسة للخروج إلى الشارع يوم 24 الجاري الموافق لاحتفالات تأميم المحروقات.

عمّقَ ترشح بوتفليقة الهوة مع شرائح كبيرة من الجزائريين وكان وقعه عليهم بمثابة الإهانة على نحو يفوق مشاعر الإحباط التي سببها العبث في الدستور عام 2008 حيث تمّت قوننة سيطرة بوتفليقة على الحكم وتعبيد الطريق لعهد ثالث ورابع..

حكم بوتفليقة الجزائر بطريقة يمكن تلخيصها في الآتي: منع بروز شخصيات سياسية بإمكانها أن تنافسه بجدية على الحكم، ومنع تقارب الأقطاب المعارضة له داخل النظام، مما أصاب الساحة السياسية بالتصحّر إلى حد مخيف. أُقيل مدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين بطريقة مهينة بسبب معارضته للعهدة الرابعة، وأقيل مدير جهاز الشرطة العقيد لهبيري المعين حديثاً والذي تعامل مع الشارع المتململ منذ إعلان بوتفليقة عن ترشحه لعهدة خامسة بليونة، قبل أن يُعينَ عضواً في مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) عن الثلث الرئاسي. الاحتجاجات التي تزيد حدتها يوماً بعد يوم والمظاهرات التي وعد بعض أقطاب المعارضة بتنظيمها بدءاً من يوم 24 شباط/ فبراير تنذر باحتمالات قمع يبدو أن لهبيري كان محظوظاً في عدم تحمل مسؤوليته.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن  قائد أركان الجيش هو من يضمن اليوم سلطة بوتفليقة من خلال بسط نفوذه على المؤسسة العسكرية، التي تعتبر العمود الفقري للنظام ومركز السلطة الفعلية في البلد.

هدد رئيس الأركان أحمد قايد صالح من العبث باستقرار البلد في عدد من المناسبات الرسمية، ووعد بضمان سيرورة الانتخابات في ظروف أمنية محكمة. هذها اللهجة لم تضعف من عزيمة من خرجوا إلى الشارع الى الآن. فبالرغم من رفض المؤسسة العسكرية للأصوات المنادية منذ مدة بالتدخل من أجل الإشراف على مرحلة انتقالية يقوم فيها العسكر بدور الحكم، كانت مزايدات الوزير الأول أحمد أويحيى مستفزة. فقد صرّح مباشرة عقب المظاهرات بأن الدولة قادرة على احتواء غضب الشارع. تمّ تفسير تصريحاته على أنها محاولة لتأجيج الأزمة عبر الاستثمار في شعور الإهانة الذي ينتاب الجزائريين، بسبب إعلان ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة والذي عبروا عنه و مازالوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

علي غديري

عسكري يعد الجزائريين بدولة مدنية

مقابل هذااللغط الكبير حول العهدة الخامسة التي يدافع عنها المستفيدون من عوائد الدولة والتي عمد بوتفليقة إلى توزيعها على المتملقين والفاسدين، خرج مسؤول عسكري ليقدّم نفسه بديلاً للنظام واعداً الجزائريين بإدخال الجيش إلى الثكنات، بمعنى إبعاده عن الساحة السياسية التي لم يغادرها يوماً منذ استقلال البلد. إنه علي غديري، المدير المركزي السابق للمستخدمين بوزارة الدفاع.

سلب علي غديري عقول الكثيرين ممن يعتقدون أنه مرشح النظام ضد بوتفليقة وأن مساندته تتيح المكاسب بعد الانتخابات التي تمرّس النظام في تزويرها.  كما سانده بعض الحالمين وحديثي العهد بالسياسة من أجل الديموقراطية والكثير من الناقمين على بوتفليقة بسبب عدم استفادتهم من مزايا الاحتكاك به.

و يمّول حملة علي غديري أساساً رجل الأعمال يسعد ربراب صاحب مجمع سيفيتال، الذي كان أحد أكبر المستفيدين من التقرب من مصادر القرار قبل أن تسوء العلاقة بينه وبين بوتفليقة وفقده لكثير من التسهيلات التي ساعدته في تكوين ثروته. كما تدعم غديري كل الشبكات الإعلامية التي تنتفع من الترويج لربراب، وحتى المحللين السياسيين والاقتصاديين الذين دأب بإغداقهم بالعطايا من أجل الدفاع عن وجهة نظره ومشاريعه التي لم ينجح إلا التجاري منها. يدعمه كذلك من آمنوا برئيس الحكومة السابق علي بن فليس قبل أن يتفرقوا من حوله بعد فشله في إقناع العسكر بدعمه في الوصول إلى قصر المرادية.

باختصار، التف حول رجل الأعمال هذا الكثير من الناقمين والساخطين والانتهازيين. ومكنته بعض الشائعات كشائعة أن الجنرال محمد مدين يدعم ترشحه وأن شبكاته النائمة بدأت تعمل لتعبئة الدعم من أجله. فند علي غديري هذا الكلام مستهيناً بالجنرال توفيق الذي يفوقه وزناً سياسيًَا بقوله إن بوتفليقة والنظام هم من استعمله من أجل السلطة حين كان على رأس جهاز المخابرات.

لم يقل توفيق شيئا بخصوص كل هذا مضيفاً من الغموض ما يزيد الهواء في هذه الفقاعة الانتخابية.  لم يكن علي غديري قائداً عسكرياً يوماً لأي وحدة قتالية طيلة 42 سنة قضاها في الجيش. لكن لا يقل عنفه اللفظي عن استفزازات أويحيى، إذ قال “إما أنا او النظام”، ” أنا مستعد للتضحية بالنفس” طالبا الدعم من حشود من المدنيين الذين استمعوا له بدافع الفضول. بدا مشهداً ساخراً حين وضع إلى جانبه خلال حديثه صوراً  لأشخاص يفوقونه نضالاً كالمحامي مقران آيت العربي الذي أمضى حياته في الدفاع عن حقوق الإنسان و النضال من أجل دولة الحريات و الحقوق. كما استفاد غديري مؤخرا من دعم الجنرال بن حديد الذي يكن الحقد لقائد الأركان الذي أمر باعتقاله بطريقة مهينة و زج به في السجن بدعوى إهانة هيئة عمومية.

نشير هنا إلى علي غديري الذي كان ترشحه الأكثر صخبا بفعل الظروف التي أحاطت به، ولو أن حظوظه تكاد تكون منعدمة حتى لو كانت الانتخابات نزيهة. في ظل هذه الظروف، ينشط الإخوان المسلمون من أجل التعبئة خلف مرشحهم عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) الذي دعا بوتفليقة إلى الانسحاب من السباق في سياق تقديم برنامجه الانتخابي.

أخذ مقري موقفا مساندا للجزائريين المتظاهرين ضد التجديد لعهد خامس قائلا أن من حق كل جزائري رفض الوضع بالطرق السلمية التي يراها مناسبة، وأن (حمس) عبّرت عن ذلك بتقديمها لمرشح يحمل شعار”الجزائر ليست عاقرا، فيها من الرجال وأنا أحدهم”. في نفس اليوم،  شارك مقري في اجتماع عقيم لأحزاب وشخصيات من المعارضة دعا إليه سعد عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية، وهي أحد أحزاب الإخوان المسلمين في الجزائر وكان هدف الاجتماع التشاور من أجل تقديم مرشح وحيد لتمثيل المعارضة في الانتخابات الرئاسية. لم يخرج المجتمعون بشيء سوى دعمهم للمظاهرات المناهضة للعهد الخامس لبوتفليقة.

تعتبر هذه المظاهرات التي تدعو إليها أطراف معروفة وأخرى غير معروفة أصعب امتحان لزمرة الرئيس وتحدٍ لتماسكها ولبرودة أعصاب رجلها القوي، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي و نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح. الانزلاقات الممكن حدوثها في مثل هذه الظروف تضع كلا من الوزير الأول المستفز للشارع و نائب وزير الدفاع أمام مسؤولياتهما، ولو أنه من المستبعد أن تدفع بالزمرة ككل إلى مراجعة حساباتها وتقديم مرشح آخر كما دعا إليه مقري أو تنظيم انتخابات مفتوحة.

تعنت بوتفليقة ورجالاته قد يضع البلد في مهبّ الريح.     

من التظاهرات الاحتجاجية

 

إقرأ أيضاً:

 الجزائر: أعمال عائلة عابرة للحدود وللحكومات وللأحزاب… والضرائب

الجزائر : أموال مريبة لابن مدير شركة سوناطراك عبر مصارف لبنانية

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 06.11.2024

“حلّ الدولتين” الضحيّة الأولى لفوز دونالد ترامب

اليوم ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علينا أن ننتظر انقلاباً كبيراً على هذا الصعيد. فالإدارة الديموقراطية كانت تتحدث عن "حل الدولتين" بوصفه أفقاً استراتيجياً غير راهن، لا بد منه، أما إدارة دونالد ترامب فلا أثر في خطابها لحل الدولتين، و"السلام الإبراهيمي" هو ما تقترحه على العالم العربي.

كيف يمكن إقناع الجزائريين بجدوى عهدٍ جديدٍ لرئيسٍ لم يعد قادراً على مخاطبتهم؟ لقد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. هذا الأمر عمّقَ من شعور الجزائريين بالإهانة وأخرجهم إلى الشارع…

ترشّحَ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة، وهذا يعني فوزه في الانتخابات المزمع عقدها يوم 18 نيسان/ابريل المقبل، إذ يتحكم الطاقم المحيط به في كل مفاصل الدولة والمؤسسات التي من شأنها السهر على تنظيم الانتخابات وحماية المسار الانتخابي.

عمّقَ ذلك من شعور الجزائريين بالإهانة وأخرجهم إلى الشارع…

 

عبد الملك سلال

لم يعد عبد المالك سلال، الوزير الأول السابق ومدير حملة عبد العزيز بوتفليقة للرئاسيات يهرّج كما عهده الجزائريون خلال الحملات الانتخابية لسنوات 2004، 2009 و 2014، وكذلك في سنوات توزيره الطويلة خلال حكم بوتفليقة المتواصل.

تميزت إطلالاتُ سلال الرسمية في عهود بوتفليقة السابقة، بتصريحاتٍ مرحة ونكاتٍ لا تنضب. ولعل جديته غير المألوفة منذ تنصيبه لرابع مرة على رأس مديرية الحملة الانتخابية لبوتفليقة، دليلٌ ظاهر على ثقل المهمة التي أوكلت إليه: إقناعُ الجزائريين بجدوى عهدٍ جديدٍ لرئيسٍ لم يعد قادراً على مخاطبتهم، والتأكيد على حسن نيّة هذا الرئيس في إطلاق إصلاحات سياسيةٍ عميقة، كما وصفها في الرسالة التي أعلن فيها ترشحه، وهي نفسها الإصلاحات التي وعد بها بوتفليقة لدى مجيئه إلى الحكم في بداية الألفية.

يبدو سلال مدركاً للرهان، وأن الأمور لم تحسم بعد بالرغم من تحكم زمرة الرئيس في كل مفاصل الدولة، وأن اللعبة الانتخابية في الظروف الحالية مغلقة لصالح الرئيس لعهدة خامسة. يدرك سلال الذي أدار الانتخابات في 1999 كوزير للداخلية في ذلك الوقت، ثم كل الحملات الانتخابية للرئيس بوتفليقة فيما، بعد أن محيط الرئيس تقلص بفعل تَفرّق من حوله و موت الكثير منهم وعدم الثقة في مستقبل سلطته لدى آخرين. لم يستطع بوتفليقة توظيفَ سياسيين جدد في حكوماته الأخيرة ولا في التعبئة من أجل تمديد حكمه.

وتشكيلة إدارة حملته تظهر إعادة تدوير لوجوه استعملها من قبل ثم تخلص منها. وجوه ارتبط البعض منها بمظاهر فساد و تبذير للموارد المالية التي جنتها الدولة بفعل ارتفاع أسعار المحروقات خلال العهود الثلاث الأولى لبوتفليقة.

قوبل إعلان ترشح بوتفليقة هذه المرة بمظاهرات عفوية في عدة مناطق من الجزائر، خاصة في ملاعب كرة القدم، حيث خرجت احتجاجات تندد بتمسكه بالسلطة وتدين تفشي الفساد الذي يستفيد منه من ينادون بتمديد حكمه رغم حالته الصحية المزرية والتي منعته من مخاطبة شعبه منذ 2012 و حتى من طلب أصواتهم في 2014 و 2019.

بدأت المظاهرات في برج بوعريريج يوم 13 شباط/فبراير الجاري ثم تلتها في جيجل وخراطة و في فرنسا أيضاً عبر ناشطون من الجالية الجزائرية في باريس عن رفضهم للعهدة الخامسة. وتواصلت مظاهر الاعتراض في خنشلة بعد رفض شيخ البلدية المصادقة على استمارات ترشح رشيد  نكاز. وتكررت أيضاً في مناطق أخرى حيث سار سكان تيشي ببجاية لنفس السبب وهناك نداءات غير واضحة المصادر تدعو للخروج بعد صلاة الجمعة عبر كافة الأراضي الجزائرية الوطني. برزت أيضاً دعوة من طرف حركة “مواطنة ” المناهضة للعهدة الخامسة للخروج إلى الشارع يوم 24 الجاري الموافق لاحتفالات تأميم المحروقات.

عمّقَ ترشح بوتفليقة الهوة مع شرائح كبيرة من الجزائريين وكان وقعه عليهم بمثابة الإهانة على نحو يفوق مشاعر الإحباط التي سببها العبث في الدستور عام 2008 حيث تمّت قوننة سيطرة بوتفليقة على الحكم وتعبيد الطريق لعهد ثالث ورابع..

حكم بوتفليقة الجزائر بطريقة يمكن تلخيصها في الآتي: منع بروز شخصيات سياسية بإمكانها أن تنافسه بجدية على الحكم، ومنع تقارب الأقطاب المعارضة له داخل النظام، مما أصاب الساحة السياسية بالتصحّر إلى حد مخيف. أُقيل مدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين بطريقة مهينة بسبب معارضته للعهدة الرابعة، وأقيل مدير جهاز الشرطة العقيد لهبيري المعين حديثاً والذي تعامل مع الشارع المتململ منذ إعلان بوتفليقة عن ترشحه لعهدة خامسة بليونة، قبل أن يُعينَ عضواً في مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان) عن الثلث الرئاسي. الاحتجاجات التي تزيد حدتها يوماً بعد يوم والمظاهرات التي وعد بعض أقطاب المعارضة بتنظيمها بدءاً من يوم 24 شباط/ فبراير تنذر باحتمالات قمع يبدو أن لهبيري كان محظوظاً في عدم تحمل مسؤوليته.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن  قائد أركان الجيش هو من يضمن اليوم سلطة بوتفليقة من خلال بسط نفوذه على المؤسسة العسكرية، التي تعتبر العمود الفقري للنظام ومركز السلطة الفعلية في البلد.

هدد رئيس الأركان أحمد قايد صالح من العبث باستقرار البلد في عدد من المناسبات الرسمية، ووعد بضمان سيرورة الانتخابات في ظروف أمنية محكمة. هذها اللهجة لم تضعف من عزيمة من خرجوا إلى الشارع الى الآن. فبالرغم من رفض المؤسسة العسكرية للأصوات المنادية منذ مدة بالتدخل من أجل الإشراف على مرحلة انتقالية يقوم فيها العسكر بدور الحكم، كانت مزايدات الوزير الأول أحمد أويحيى مستفزة. فقد صرّح مباشرة عقب المظاهرات بأن الدولة قادرة على احتواء غضب الشارع. تمّ تفسير تصريحاته على أنها محاولة لتأجيج الأزمة عبر الاستثمار في شعور الإهانة الذي ينتاب الجزائريين، بسبب إعلان ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة والذي عبروا عنه و مازالوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

علي غديري

عسكري يعد الجزائريين بدولة مدنية

مقابل هذااللغط الكبير حول العهدة الخامسة التي يدافع عنها المستفيدون من عوائد الدولة والتي عمد بوتفليقة إلى توزيعها على المتملقين والفاسدين، خرج مسؤول عسكري ليقدّم نفسه بديلاً للنظام واعداً الجزائريين بإدخال الجيش إلى الثكنات، بمعنى إبعاده عن الساحة السياسية التي لم يغادرها يوماً منذ استقلال البلد. إنه علي غديري، المدير المركزي السابق للمستخدمين بوزارة الدفاع.

سلب علي غديري عقول الكثيرين ممن يعتقدون أنه مرشح النظام ضد بوتفليقة وأن مساندته تتيح المكاسب بعد الانتخابات التي تمرّس النظام في تزويرها.  كما سانده بعض الحالمين وحديثي العهد بالسياسة من أجل الديموقراطية والكثير من الناقمين على بوتفليقة بسبب عدم استفادتهم من مزايا الاحتكاك به.

و يمّول حملة علي غديري أساساً رجل الأعمال يسعد ربراب صاحب مجمع سيفيتال، الذي كان أحد أكبر المستفيدين من التقرب من مصادر القرار قبل أن تسوء العلاقة بينه وبين بوتفليقة وفقده لكثير من التسهيلات التي ساعدته في تكوين ثروته. كما تدعم غديري كل الشبكات الإعلامية التي تنتفع من الترويج لربراب، وحتى المحللين السياسيين والاقتصاديين الذين دأب بإغداقهم بالعطايا من أجل الدفاع عن وجهة نظره ومشاريعه التي لم ينجح إلا التجاري منها. يدعمه كذلك من آمنوا برئيس الحكومة السابق علي بن فليس قبل أن يتفرقوا من حوله بعد فشله في إقناع العسكر بدعمه في الوصول إلى قصر المرادية.

باختصار، التف حول رجل الأعمال هذا الكثير من الناقمين والساخطين والانتهازيين. ومكنته بعض الشائعات كشائعة أن الجنرال محمد مدين يدعم ترشحه وأن شبكاته النائمة بدأت تعمل لتعبئة الدعم من أجله. فند علي غديري هذا الكلام مستهيناً بالجنرال توفيق الذي يفوقه وزناً سياسيًَا بقوله إن بوتفليقة والنظام هم من استعمله من أجل السلطة حين كان على رأس جهاز المخابرات.

لم يقل توفيق شيئا بخصوص كل هذا مضيفاً من الغموض ما يزيد الهواء في هذه الفقاعة الانتخابية.  لم يكن علي غديري قائداً عسكرياً يوماً لأي وحدة قتالية طيلة 42 سنة قضاها في الجيش. لكن لا يقل عنفه اللفظي عن استفزازات أويحيى، إذ قال “إما أنا او النظام”، ” أنا مستعد للتضحية بالنفس” طالبا الدعم من حشود من المدنيين الذين استمعوا له بدافع الفضول. بدا مشهداً ساخراً حين وضع إلى جانبه خلال حديثه صوراً  لأشخاص يفوقونه نضالاً كالمحامي مقران آيت العربي الذي أمضى حياته في الدفاع عن حقوق الإنسان و النضال من أجل دولة الحريات و الحقوق. كما استفاد غديري مؤخرا من دعم الجنرال بن حديد الذي يكن الحقد لقائد الأركان الذي أمر باعتقاله بطريقة مهينة و زج به في السجن بدعوى إهانة هيئة عمومية.

نشير هنا إلى علي غديري الذي كان ترشحه الأكثر صخبا بفعل الظروف التي أحاطت به، ولو أن حظوظه تكاد تكون منعدمة حتى لو كانت الانتخابات نزيهة. في ظل هذه الظروف، ينشط الإخوان المسلمون من أجل التعبئة خلف مرشحهم عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) الذي دعا بوتفليقة إلى الانسحاب من السباق في سياق تقديم برنامجه الانتخابي.

أخذ مقري موقفا مساندا للجزائريين المتظاهرين ضد التجديد لعهد خامس قائلا أن من حق كل جزائري رفض الوضع بالطرق السلمية التي يراها مناسبة، وأن (حمس) عبّرت عن ذلك بتقديمها لمرشح يحمل شعار”الجزائر ليست عاقرا، فيها من الرجال وأنا أحدهم”. في نفس اليوم،  شارك مقري في اجتماع عقيم لأحزاب وشخصيات من المعارضة دعا إليه سعد عبد الله جاب الله رئيس جبهة العدالة والتنمية، وهي أحد أحزاب الإخوان المسلمين في الجزائر وكان هدف الاجتماع التشاور من أجل تقديم مرشح وحيد لتمثيل المعارضة في الانتخابات الرئاسية. لم يخرج المجتمعون بشيء سوى دعمهم للمظاهرات المناهضة للعهد الخامس لبوتفليقة.

تعتبر هذه المظاهرات التي تدعو إليها أطراف معروفة وأخرى غير معروفة أصعب امتحان لزمرة الرئيس وتحدٍ لتماسكها ولبرودة أعصاب رجلها القوي، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي و نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح. الانزلاقات الممكن حدوثها في مثل هذه الظروف تضع كلا من الوزير الأول المستفز للشارع و نائب وزير الدفاع أمام مسؤولياتهما، ولو أنه من المستبعد أن تدفع بالزمرة ككل إلى مراجعة حساباتها وتقديم مرشح آخر كما دعا إليه مقري أو تنظيم انتخابات مفتوحة.

تعنت بوتفليقة ورجالاته قد يضع البلد في مهبّ الريح.     

من التظاهرات الاحتجاجية

 

إقرأ أيضاً:

 الجزائر: أعمال عائلة عابرة للحدود وللحكومات وللأحزاب… والضرائب

الجزائر : أموال مريبة لابن مدير شركة سوناطراك عبر مصارف لبنانية