في مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة”، الذي عُرض في رمضان الماضي، فوجئ الجمهور بشخصية نسمة كاريزما أخت بطلة المسلسل، وهي تتحول من “إنفلونسر” تقدم فيديوهات الرقص وتقليد الفنانين، إلى محجبة تقدم فيديوهات دينية لا تخلو من الخرافات حول الجن، وقدرتها على إخراجه لتتماشى مع معايير المجتمع التي تسببت في حبس أختها الكبرى.
هذا التحول المكتوب درامياً لم يكن بعيداً مما حصل على أرض الواقع، بعد تحوّل فدوى مواهب من مخرجة إعلانات وفيديو كليب إلى داعية إسلامية أو مدرسة دين للأطفال كما تقول هي عن نفسها.
مثل نسمة كاريزما، تبحث فدوى مواهب منذ صغرها عن الأضواء، لذلك حاولت الخروج من عباءة والدها المخرج السوري وصاحب شركة الإنتاج “أبو المواهب”، لتضع قدمها في عالم إخراج الفيديو كليب.
هي تصف نفسها بلقب أصغر مخرجة، وهو اللقب الذي لم تتخلَّ عنه لتضيف الى نفسها ميزة أخرى، وهي أنها امرأة تعرف النقاط الحلوة في الأنثى، وفق قولها في لقاء سابق لها مع جريدة إماراتية.
وبعد زواجها وإنجابها أربعة أبناء، وغيابها عن ساحة الإخراج، عادت مرة أخرى كمصممة أزياء، وأطلقت أتيلييه يحمل اسمها متخصصاً في العبايات أو الزي الإسلامي، واستغلت صداقتها بالمذيعة رضوى الشربيني لتقدّمها للمرة الأولى كمصممة أزياء، وتعلن عودتها الى الإخراج، المهنة التي قالت مواهب إنها لم تتركها.
كما وأعلنت عن مشروع قريب مع الفنان تامر حسني لم توضح ماهيته، فكان اللقاء التلفزيون أقرب إلى الإعلان.
لم تحظَ فدوى بالكثير من الأضواء في مجال تصميم الأزياء. صحيح أن منصات عدة استعانت بها لتقديم فيديوهات حول الأزياء الإسلامية، إلا أنها لم تكن كافية لها، لتبدأ مرحلة أخرى، وهي مرحلة الفيديوهات الدينية.
تظهر فدوى في الفيديوهات وهي تدرّس الأطفال الدين الإسلامي في إحدى القاعات، مستخدمة اللغة الإنكليزية في الكثير من الفيديوهات، كون طلابها من أبناء المدارس الدولية.
على مدار عام كامل، عملت فدوى على تقديم دروس حول فروع الدين، مثل العقيدة والعبادات وغيرهما. لكنّ فيديوهين فقط تسببا في إثارة جدل، الأول كان حول عقوق الوالدين، واعتبرت فيه أن مجرد أن يقول الطفل “لا” لوالديه يضعه فوراً تحت تصنيف العقوق، وهو التصنيف المخيف لأي طفل. وقد تسبب هذا الجدل في خروج أكاديميين وتربويين كثر ليؤكدوا لها أن ما تقوم به خاطئ تربوياً، وهو الجدل الذي استغلته فدوى جيداً للظهور على الساحة الإعلامية، والردّ على منتقديها بأنها ليست تربوية، ولم تدرس تربية وإنما تقدّم دروس دين.
والفيديو الثاني، كان أكثر الفيديوهات إثارة للجدل، إذ وقفت فيه فدوى أمام الأطفال لتخبرهم ألا دين آخر سوى الإسلام، وأنه لا توجد أديان أخرى وإنما فقط كتب سماوية. فعلت ذلك من دون النظر إلى خطورة مثل هذا الحديث على أطفال أكبرهم لا يتعدى سن الـ 15 عاماً، وكيف يمكن أن يؤثر هذا الحديث على علاقتهم بالآخر. وعلى رغم أنه جلب عليها الكثير من الغضب، ودعوى قضائية، إلا أنها لا تزال تعلن عن دروسها الجديدة عبر حساباتها الرسمية.
إقرأوا أيضاً:
وسيلة جديدة لبيزنس قديم
في العقد الأول من القرن الحالي، كانت مصر على موعد مع تغيير كبير في نموذج بيزنس الدين. وعلى رغم أن هذا النموذج كان دائم التكيف مع أوضاعه منذ نشأته في مصر في السبعينات، ففي أثناء سيطرة الدولة على التلفزيون والإذاعة، وتقديمها المشايخ الذين يدعمون رؤيتها السياسية، كانت المساجد وشرائط الكاسيت وسيلة السلفيين للوصول إلى أكبر عدد من المستمعين. فكان التلفزيون للشيخ محمد متولي الشعراوي بينما المساجد وشرائط الكاسيت للشيخ كشك، ومن بعده محمد حسين يعقوب ومحمد حسان ومحمود المصري وغيرهم.
ثم جاء التطور الجديد فظهر الدعاة المودرن على الفضائيات، وبدلاً من الزي الأزهري للشعراوي وكشك، والزي السلفي ليعقوب وحسان، ظهرت الحلة المودرن لعمرو خالد.
مع انتشار الفضائيات، وجد مشايخ السلفية أنفسهم أمام وسيلة جديدة، تنقل مسجد العزيز بالله -أشهر مساجد السلفية في مصر- إلى كل منزل، فدشّنوا في غالبيتهم قنوات سلفية، أصبحت تبث دروسهم وفتاواهم ليل نهار، وتجمع لهم في المقابل أموال الإعلانات المدفوعة بنسب المشاهدة العالية، والمصنوعة بما لا يخالف ما تقدّمه هذه القنوات.
الوسيلة الجديدة ضمنت انتشاراً ضخماً للسلفيين، وحققت أرباحاً ضخمة للقنوات ومالكيها. ويمكن التدليل على ذلك بالجدل الذي أثاره إعلان قناة الرحمة عن تنفيذ ديكور برنامج محمد حسان بتكلفة بلغت 200 ألف جنيه عام 2009، وهو رقم كان يعد ضخماً آنذاك.
الوسيلة الجديدة لبيزنس الدين كان بإمكانه أن يستمر، لولا تورط المشايخ في السياسة ظناً منهم أن التيار الإسلامي سيحكم مصر بعد تولّي مرسي الرئاسة. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهيه السفن، فأصبحوا في مواجهة مع الدولة الجديدة، التي تعتبر التيار الإسلامي عدوّها الأول.
وعلى رغم المواءمات التي أجراها التيار السلفي كي يفلت من مصير جماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الخسائر التي مُني بها كثيرة، أبرزها قنواته التي أُغلقت بأحكام قضائية مختلفة.
مع فقدان القنوات الفضائية، انتقل المشايخ إلى وسيلة جديدة هي الـ”يوتيوب”، الذي بدأ يصبح مصدراً للدخل وسط انتقال المشاهدين الى الإنترنت بدلاً من التلفاز. وبحسب تقرير لموقع Social blade المتخصص في إحصاءات يوتيوب، فإن المشايخ الجدد يحققون أرباحاً تترواح ما بين 8500 دولار (408 آلاف جنيه مصري) و10 آلاف دولار شهرياً (480 ألف جنيه).
شكّلت منصات التواصل الاجتماعي بوابة لعبور كثر الى بيزنس الدين، فظهر مقدمو المحتوى الديني الذين لا يتم سؤالهم عن دراستهم أو مؤهلاتهم، مثل أمير منير وفدوى مواهب وغيرهما. يكفي فقط أن يكون لك حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يتابعه عشرات آلاف، وفريق عمل جيد، لتفتح باب البيزنس.
لا تربويّة ولا دينيّة
في لقاء لها مع جريدة “المصري اليوم”، تقول فدوى إن الدين لا يمكن أن يُترك لأي شخص، وإنه لا يجوز لأي شخص أن يدرس الدين. ولكن، حين سئلت على صفحتها، عن مؤهلاتها لتدرّس الدين، ردت بأنها التحقت بمعاهد تابعة للأزهر، وملتحقة بمعهد إعداد دعاة عبر الإنترنت، وأن الأمر ليس بالشهادات، لأنها يمكن أن تحمل كل شهادات العالم ولا يكون لديها الموهبة ولا الحنكة مع الأطفال، وهو ما دفعها الى دراسة تربوي بكلية البنات جامعة عين شمس.
في المقابل، وصفت فدوى نفسها بأنها ليست تربوية في اللقاء السابق ذاته، قائلة: “أنا لست تربوية ولا أقوم بالتربية، ولم أقم بدراسة التربية، وإنما أقدّم فقط تدريس الدين للأطفال”. وذلك حين هوجمت من أكاديميين كثر حول طريقتها في التدريس، والمحتوى الذي تقدّمه للأطفال.
تدرك فدوى أن الإنفلونسر الناجح هو من يستطيع التسويق لنفسه بصورة جيدة، لذلك تستغل علاقاتها في هذا المجال. فوسط الهجوم عليها بسبب فيديو “بر الوالدين”، حلت ضيفة على إحدى الإذاعات، ونشرت الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “التنمر التي تعرضت له المخرجة فدوى مواهب”.
التسويق لم يتوقف على محاولة الحصول على دعم المتابعين، بل امتدّ الى الإعلان عن إنجازات وهمية مثل التعاون بين مجلة نور الصادرة عن المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، وهو التعاون الذي نفته المجلة نفسها، واضطرت فدوى لحذفه من حساباتها.
لا تختلف فدوى عن الكثير من ممثلي بيزنس المحتوى الديني، بداية من الشعراوي وكشك، وحتى يعقوب وحسان، انتهاء بعمرو خالد وأمير منير. فجميعهم يقدمون المحتوى بحثاً عن الأرباح، ولا يختلف صاحب العمة الأزهرية عن صاحب الجلباب السلفي، أو صاحب السروال الجينز. لكن مواهب فدوى هي الأخطر، فعلى رغم أن جمهورها المستهدف ليس الأطفال بل أولياء أمورهم الذي يدفعون نظير محاضراتها سواء الفعلية أو الأونلاين، إلا أن المحتوى الذي تقدّمه موجّه الى أطفال لا يعرفون التفريق بين ما هو دين وما هو تطرف، أطفال ينظرون إليها كمدرّسة لن تخطئ أبداً.