fbpx

فرنسا: جريمة قتل الطفلة “لولا”
وفرصة اليمين المتطرف للتوظيف السياسي 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

برغم التباين بين زمور ولوبان، إلا أنهما اشتركا في التسويق للنظرية ذاتها: لو كانت الدولة حازمة في الحد من الهجرة غير الشرعية، لما وقعت الجريمة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إذا كانت عائلة الطفلة لولا لا تزال تحت صدمة الجريمة التي أودت بحياة ابنتها، فلم تكن فرنسا بأفضل حال من تلك الأسرة المنكوبة بعدما أخرج اليمين المتطرف الملف من مساره القضائي واستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية.   

في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2022، اتصلت عائلة لولا بالشرطة للإبلاغ عن اختفاء ابنتهم ذات الـ12 ربيعاً. بالتوازي، راجع والدا ما وثقته كاميرات مراقبة المبنى حيث تعيش العائلة، وحيث يعملان حارسين، ليلاحظا دخول لولا عند الثالثة والنصف برفقة سيدة مجهولة. وبعد متابعة التسجيلات، لوحظ خروج السيدة المذكورة بمفردها وهي تجر حقيبة سفر دون العثور على أي أثر للفتاة داخل المبنى. في المساء، تلقت الشرطة اتصالاً يبلغ عن وجود حقيبة بداخلها جثة، ليتبين أنها تعود للولا.

الشرطة سارعت إلى توقيف السيدة التي ظهرت في كاميرات المراقبة، واتضح أن اسمها ذهبية وهي جزائرية تبلغ من العمر 24 سنة، وتقطن بصورة موقتة عند شقيقتها في المبنى الذي تعيش فيه عائلة لولا. بعد التحقيق معها، وجهت إليها تهمتان: قتل قاصر، الاغتصاب والتعنيف. 

لم تتضح حتى الساعة دوافع المتهمة، لكن مقربين من ذهبية أشاروا إلى معاناتها من اضطرابات عقلية بدليل منشوراتها في مواقع التواصل الاجتماعي. وتعززت هذه الفرضية بعدما سردت للمحققين كيف طعنت لولا حتى الموت، في تناقض مع ما خلصت إليه عملية التشريح التي أشارت إلى الاختناق كسبب للوفاة، لتعود وتتراجع في وقت لاحق عن أقوالها، فالأمور اختلطت في ذهنها على حد قولها والحادثة التي ذكرتها كانت عبارة عن “قتال خاضته ضد أحد الأشباح”. ولم تُستَبعد فرضية الانتقام بعدما تبين أن والدة لولا رفضت تسليم ذهبية نسخة من مفتاح البناء حتى تتمكن من الدخول إليه بعدما طردتها شقيقتها من المنزل. 

إذا كانت عائلة الطفلة لولا لا تزال تحت صدمة الجريمة التي أودت بحياة ابنتها، فلم تكن فرنسا بأفضل حال من تلك الأسرة المنكوبة بعدما أخرج اليمين المتطرف الملف من مساره القضائي واستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية.   

لكن ما طغى على بشاعة الجريمة وأدخلها في زواريب السياسية، هو الكشف أن ذهبية كانت تقيم في فرنسا بصورة غير شرعية، لا بل تلقت إنذاراً بوجوب مغادرة البلاد قبل 21 آب/ أغسطس. معلومة استغلها اليمين المتطرف إلى أبعد الحدود.

مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية، صرحت بأنه “مرة جديدة، تُرتكب جريمة مروعة على يد شخص لم يكن يفترض به أن يكون على الأراضي الفرنسية”. وفي ما يشبه المزايدة على لوبان دعا إريك زمور، الصحافي المتطرف والمرشح السابق للرئاسيات، إلى التظاهر تنديداً بالجريمة، تظاهرات تخللتها هتافات عنصرية مثل “المهاجرون مجرمون” و”الهجرة تقتلنا”.

وأدلى زمور بتصريحات اعتبر فيها أن هناك “الفرنسيين باتوا معرضين للطرد على يد شعب أجنبي”، سائلاً “إلى متى الصمت عن قتل ابنائنا على يد الأشخاص ذاتهم؟” في تذكير بنظرية “الاستبدال الكبير” التي يتبناها.  

“حزب التجمع الوطني” لم يشارك في التظاهرات احتراماً لرغبة العائلة على حد تعبيره،  ونوابه اكتفوا بدقيقة صمت داخل الجمعية الوطنية. مشهدان يلخصان الصراع على زعامة اليمين المتطرف الفرنسي: لوبان تسوق لنفسها كبديل “معتدل”، يحترم المؤسسات الرسمية وبخوض اللعبة الديمقراطية كغيره من الأحزاب السياسية. على الضفة الأخرى، يرفض الأكثر تطرفاً الاعتراف بالتغيير عبر صناديق الاقتراع، معتبرين أن النظام السياسي مقفل في وجههم بدليل فشل لوبان في الوصول إلى الإليزيه نتيجة تكتل جميع الأحزاب ضدها. وعليه، يحبذون المواجهة في الشارع والتغيير عبر سياسة الأمر الواقع، وهي الشريحة التي يسعى زمور لاستمالتها وتحويلها إلى نواة اليمين المتطرف الفرنسي. 

برغم التباين بين زمور ولوبان، إلا أنهما اشتركا في التسويق للنظرية ذاتها: لو كانت الدولة حازمة في الحد من الهجرة غير الشرعية، لما وقعت الجريمة.  

ولم يكتف أنصار اليمين المتطرف بالمزايدة على بعضهم بعضاً، بل استغلوا الجريمة للتصويب على خصومهم. تركز هجومهم على صحيفة Libération اليسارية التي لم تشر إلى هويات الموقوفين يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر، متهمين الأوساط اليسارية بتمييع الجريمة: فهوية الجانية لا تنسجم مع الصورة النمطية التي يرسمها اليسار حول المهاجر المغلوب على أمره. الـ Libération ردت أن عدم نشرها هذه المعلومات يعود إلى عدم توفرها لحظة طباعة العدد، بخلاف الصحف الأخرى التي تأخرت في ذاك النهار في طباعة نسختها الورقية.   

وأثير جدل إعلامي حيال صوابية الإفصاح عن هويات الموقوفين، إذ اعتبر الشرارة التي أفضت إلى توظيف الجريمة سياسياً. صحيفة 20 minutes أوضحت أن المتعارف عليه هو نشر هوياتهم بعد توجيه التهم اليهم، لكن توجب عليها نشر هذه المعلومات حتى قبل استكمال التحقيقات الأولية نظراً إلى استثنائية الجريمة والاهتمام الشعبي الذي أحاطها، مضيفة أنها غير مسؤولة عن تحريف الوقائع.   

والمقصود بالتحريف ما صدر عن أحد نواب التجمع الوطني: عندما كشف الإعلام أن الموقوفين الاوائل بلغ عددهم 4 وجميعهم من أصول جزائرية، سارعت نائبة “حزب التجمع الوطني” هيلين لا بورت إلى التغريد “أربعة جزائريين غير شرعيين عذبوا واغتصبوا وقتلوا لولا، دون أي ردة فعل من ماكرون”. بذلك، أصدرت حكمها الخاص عليهم حتى قبل استكمال التحقيقات وتبيان ما إذا كانوا متورطين فعلا في الجريمة. وبالمناسبة تم الافراج عن اثنين منهم وتوقيف آخرين.   

ولم يكن اليمينيون المتطرفون وحدهم من دخل على هذا الخط، فأحد النواب اليساريين انتقد سياسة الدولة الصحية، بعدما اتضح أن ذهبية لم تتلقَّ العلاج المطلوب لمداواتها من الاضطرابات التي عانت منها، في محاولة لتسليط الضوء على تبعات تراجع الخدمات العامة. كذلك كانت الحال على جبهة “حزب الجمهوريين” (اليمين التقليدي) الذي يتحضر لإجراء انتخابات داخلية، وما يستتبعه ذلك من تسجيل مواقف.  

صحيحٌ أن تصريحات الرسميين تعطي القضية، تلقائياً، أبعاداً سياسية، لكن تصدر اليمين المتطرف المشهد الإعلامي دل على رغبة في توظيف المأساة الإنسانية ودون أخذ عناء تجميل خطابهم. لم تكن غايتهم إحقاق الحق ولا معاقبة الجاني بقدر التسويق لحججهم العنصرية التي تعتبر الأجانب “كتلة متشابهة”. فإذا ما قرأنا بين السطور، نجد أن تصريحات قادة اليمين المتطرف تضغط باتجاه التشدد في سياسة الهجرة وترحيل غير الشرعيين عن الأراضي الفرنسية للحد من مثل هذه الجرائم. أحد الصحافيين اعتبر أن الجريمة كشفت أكذوبة “اعتدال لوبان”.

الإعلاميون دخلوا بدورهم على خط القضية: مقدم البرامج الشهير سيريل هانونا، الذي يعتبره البعض أحد المروجين لطروحات اليمين المتطرف، طالب بمحاكمة الجانية على عجل وإصدار حكم بالسجن المؤبد ودون منحها حق الدفاع، متخوفا من توظيف حالتها الذهنية لانتزاع حكم مخفف، خاتماً كلامه “يجب اتخاذ خطوات تتلاءم مع واقعنا”. كلام انتشر على نطاق واسع بعدما شاهد الحلقة المذكورة نحو مليوني مشاهد، ما استدعى رد وزير العدل معتبراً أن هانونا يريد إعادتنا إلى القرون الوسطى عبر نبذ دولة القانون

صحيحٌ أن الأمور ستسلك مسارها القانوني، بخاصة لناحية تشخيص حالة ذهبية العقلية، لكن ما حصل اعتبر نموذجاً مصغراً لما ستصبح عليه فرنسا في حال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم. 

وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يسيس فيها اليمين المتطرف أحداثاً ومواقف إنسانية: عام 2018 انتشر مقطع مصور يظهر فيه شاب مالي، يدعى مامادو غاساما ويقيم في فرنسا بصورة غير شرعية، وهو يتسلق مبنى من دون الاستعانة بأدوات السلامة، لينقذ طفلاً كاد يسقط من شرفة منزله. ثوان معدودة وثقت شجاعة غاساما وقوته البدنية، ليقرر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منحه الجنسية الفرنسية وتوظيفه في فوج إطفاء باريس. الشارع الفرنسي تفاعل إيجاباً مع مبادرة ماكرون، معتبراً غاساما قيمة مضافة، لكن اليمين المتطرف اختار التغريد خارج السرب ليتساءل قادته وأنصاره، إن كان تسلقه  المبنى على هذا النحو يدل على تمرس، ألا يحتمل أن يكون لصاً محترفاً؟

01.11.2022
زمن القراءة: 5 minutes

برغم التباين بين زمور ولوبان، إلا أنهما اشتركا في التسويق للنظرية ذاتها: لو كانت الدولة حازمة في الحد من الهجرة غير الشرعية، لما وقعت الجريمة.

إذا كانت عائلة الطفلة لولا لا تزال تحت صدمة الجريمة التي أودت بحياة ابنتها، فلم تكن فرنسا بأفضل حال من تلك الأسرة المنكوبة بعدما أخرج اليمين المتطرف الملف من مساره القضائي واستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية.   

في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2022، اتصلت عائلة لولا بالشرطة للإبلاغ عن اختفاء ابنتهم ذات الـ12 ربيعاً. بالتوازي، راجع والدا ما وثقته كاميرات مراقبة المبنى حيث تعيش العائلة، وحيث يعملان حارسين، ليلاحظا دخول لولا عند الثالثة والنصف برفقة سيدة مجهولة. وبعد متابعة التسجيلات، لوحظ خروج السيدة المذكورة بمفردها وهي تجر حقيبة سفر دون العثور على أي أثر للفتاة داخل المبنى. في المساء، تلقت الشرطة اتصالاً يبلغ عن وجود حقيبة بداخلها جثة، ليتبين أنها تعود للولا.

الشرطة سارعت إلى توقيف السيدة التي ظهرت في كاميرات المراقبة، واتضح أن اسمها ذهبية وهي جزائرية تبلغ من العمر 24 سنة، وتقطن بصورة موقتة عند شقيقتها في المبنى الذي تعيش فيه عائلة لولا. بعد التحقيق معها، وجهت إليها تهمتان: قتل قاصر، الاغتصاب والتعنيف. 

لم تتضح حتى الساعة دوافع المتهمة، لكن مقربين من ذهبية أشاروا إلى معاناتها من اضطرابات عقلية بدليل منشوراتها في مواقع التواصل الاجتماعي. وتعززت هذه الفرضية بعدما سردت للمحققين كيف طعنت لولا حتى الموت، في تناقض مع ما خلصت إليه عملية التشريح التي أشارت إلى الاختناق كسبب للوفاة، لتعود وتتراجع في وقت لاحق عن أقوالها، فالأمور اختلطت في ذهنها على حد قولها والحادثة التي ذكرتها كانت عبارة عن “قتال خاضته ضد أحد الأشباح”. ولم تُستَبعد فرضية الانتقام بعدما تبين أن والدة لولا رفضت تسليم ذهبية نسخة من مفتاح البناء حتى تتمكن من الدخول إليه بعدما طردتها شقيقتها من المنزل. 

إذا كانت عائلة الطفلة لولا لا تزال تحت صدمة الجريمة التي أودت بحياة ابنتها، فلم تكن فرنسا بأفضل حال من تلك الأسرة المنكوبة بعدما أخرج اليمين المتطرف الملف من مساره القضائي واستخدمه لتحقيق مكاسب سياسية.   

لكن ما طغى على بشاعة الجريمة وأدخلها في زواريب السياسية، هو الكشف أن ذهبية كانت تقيم في فرنسا بصورة غير شرعية، لا بل تلقت إنذاراً بوجوب مغادرة البلاد قبل 21 آب/ أغسطس. معلومة استغلها اليمين المتطرف إلى أبعد الحدود.

مارين لوبان، زعيمة حزب “التجمع الوطني” والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية، صرحت بأنه “مرة جديدة، تُرتكب جريمة مروعة على يد شخص لم يكن يفترض به أن يكون على الأراضي الفرنسية”. وفي ما يشبه المزايدة على لوبان دعا إريك زمور، الصحافي المتطرف والمرشح السابق للرئاسيات، إلى التظاهر تنديداً بالجريمة، تظاهرات تخللتها هتافات عنصرية مثل “المهاجرون مجرمون” و”الهجرة تقتلنا”.

وأدلى زمور بتصريحات اعتبر فيها أن هناك “الفرنسيين باتوا معرضين للطرد على يد شعب أجنبي”، سائلاً “إلى متى الصمت عن قتل ابنائنا على يد الأشخاص ذاتهم؟” في تذكير بنظرية “الاستبدال الكبير” التي يتبناها.  

“حزب التجمع الوطني” لم يشارك في التظاهرات احتراماً لرغبة العائلة على حد تعبيره،  ونوابه اكتفوا بدقيقة صمت داخل الجمعية الوطنية. مشهدان يلخصان الصراع على زعامة اليمين المتطرف الفرنسي: لوبان تسوق لنفسها كبديل “معتدل”، يحترم المؤسسات الرسمية وبخوض اللعبة الديمقراطية كغيره من الأحزاب السياسية. على الضفة الأخرى، يرفض الأكثر تطرفاً الاعتراف بالتغيير عبر صناديق الاقتراع، معتبرين أن النظام السياسي مقفل في وجههم بدليل فشل لوبان في الوصول إلى الإليزيه نتيجة تكتل جميع الأحزاب ضدها. وعليه، يحبذون المواجهة في الشارع والتغيير عبر سياسة الأمر الواقع، وهي الشريحة التي يسعى زمور لاستمالتها وتحويلها إلى نواة اليمين المتطرف الفرنسي. 

برغم التباين بين زمور ولوبان، إلا أنهما اشتركا في التسويق للنظرية ذاتها: لو كانت الدولة حازمة في الحد من الهجرة غير الشرعية، لما وقعت الجريمة.  

ولم يكتف أنصار اليمين المتطرف بالمزايدة على بعضهم بعضاً، بل استغلوا الجريمة للتصويب على خصومهم. تركز هجومهم على صحيفة Libération اليسارية التي لم تشر إلى هويات الموقوفين يوم 16 تشرين الأول/ أكتوبر، متهمين الأوساط اليسارية بتمييع الجريمة: فهوية الجانية لا تنسجم مع الصورة النمطية التي يرسمها اليسار حول المهاجر المغلوب على أمره. الـ Libération ردت أن عدم نشرها هذه المعلومات يعود إلى عدم توفرها لحظة طباعة العدد، بخلاف الصحف الأخرى التي تأخرت في ذاك النهار في طباعة نسختها الورقية.   

وأثير جدل إعلامي حيال صوابية الإفصاح عن هويات الموقوفين، إذ اعتبر الشرارة التي أفضت إلى توظيف الجريمة سياسياً. صحيفة 20 minutes أوضحت أن المتعارف عليه هو نشر هوياتهم بعد توجيه التهم اليهم، لكن توجب عليها نشر هذه المعلومات حتى قبل استكمال التحقيقات الأولية نظراً إلى استثنائية الجريمة والاهتمام الشعبي الذي أحاطها، مضيفة أنها غير مسؤولة عن تحريف الوقائع.   

والمقصود بالتحريف ما صدر عن أحد نواب التجمع الوطني: عندما كشف الإعلام أن الموقوفين الاوائل بلغ عددهم 4 وجميعهم من أصول جزائرية، سارعت نائبة “حزب التجمع الوطني” هيلين لا بورت إلى التغريد “أربعة جزائريين غير شرعيين عذبوا واغتصبوا وقتلوا لولا، دون أي ردة فعل من ماكرون”. بذلك، أصدرت حكمها الخاص عليهم حتى قبل استكمال التحقيقات وتبيان ما إذا كانوا متورطين فعلا في الجريمة. وبالمناسبة تم الافراج عن اثنين منهم وتوقيف آخرين.   

ولم يكن اليمينيون المتطرفون وحدهم من دخل على هذا الخط، فأحد النواب اليساريين انتقد سياسة الدولة الصحية، بعدما اتضح أن ذهبية لم تتلقَّ العلاج المطلوب لمداواتها من الاضطرابات التي عانت منها، في محاولة لتسليط الضوء على تبعات تراجع الخدمات العامة. كذلك كانت الحال على جبهة “حزب الجمهوريين” (اليمين التقليدي) الذي يتحضر لإجراء انتخابات داخلية، وما يستتبعه ذلك من تسجيل مواقف.  

صحيحٌ أن تصريحات الرسميين تعطي القضية، تلقائياً، أبعاداً سياسية، لكن تصدر اليمين المتطرف المشهد الإعلامي دل على رغبة في توظيف المأساة الإنسانية ودون أخذ عناء تجميل خطابهم. لم تكن غايتهم إحقاق الحق ولا معاقبة الجاني بقدر التسويق لحججهم العنصرية التي تعتبر الأجانب “كتلة متشابهة”. فإذا ما قرأنا بين السطور، نجد أن تصريحات قادة اليمين المتطرف تضغط باتجاه التشدد في سياسة الهجرة وترحيل غير الشرعيين عن الأراضي الفرنسية للحد من مثل هذه الجرائم. أحد الصحافيين اعتبر أن الجريمة كشفت أكذوبة “اعتدال لوبان”.

الإعلاميون دخلوا بدورهم على خط القضية: مقدم البرامج الشهير سيريل هانونا، الذي يعتبره البعض أحد المروجين لطروحات اليمين المتطرف، طالب بمحاكمة الجانية على عجل وإصدار حكم بالسجن المؤبد ودون منحها حق الدفاع، متخوفا من توظيف حالتها الذهنية لانتزاع حكم مخفف، خاتماً كلامه “يجب اتخاذ خطوات تتلاءم مع واقعنا”. كلام انتشر على نطاق واسع بعدما شاهد الحلقة المذكورة نحو مليوني مشاهد، ما استدعى رد وزير العدل معتبراً أن هانونا يريد إعادتنا إلى القرون الوسطى عبر نبذ دولة القانون

صحيحٌ أن الأمور ستسلك مسارها القانوني، بخاصة لناحية تشخيص حالة ذهبية العقلية، لكن ما حصل اعتبر نموذجاً مصغراً لما ستصبح عليه فرنسا في حال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم. 

وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يسيس فيها اليمين المتطرف أحداثاً ومواقف إنسانية: عام 2018 انتشر مقطع مصور يظهر فيه شاب مالي، يدعى مامادو غاساما ويقيم في فرنسا بصورة غير شرعية، وهو يتسلق مبنى من دون الاستعانة بأدوات السلامة، لينقذ طفلاً كاد يسقط من شرفة منزله. ثوان معدودة وثقت شجاعة غاساما وقوته البدنية، ليقرر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منحه الجنسية الفرنسية وتوظيفه في فوج إطفاء باريس. الشارع الفرنسي تفاعل إيجاباً مع مبادرة ماكرون، معتبراً غاساما قيمة مضافة، لكن اليمين المتطرف اختار التغريد خارج السرب ليتساءل قادته وأنصاره، إن كان تسلقه  المبنى على هذا النحو يدل على تمرس، ألا يحتمل أن يكون لصاً محترفاً؟

01.11.2022
زمن القراءة: 5 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية