fbpx

فرنسا مجدداً أمام امتحان حرية التعبير: “لا مصالحة مع الإسلام الراديكالي”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

النقاش لا يقتصر على البيئة الفرنسيّة فحسب، بل يتعدّاه ليصبح نقاشاً على امتداد العالم كلّه. فيستغلّ جميع الأفرقاء هذه الجريمة وما يتبعها من جدل لتسجيل نقاط سياسيّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

إثر الجريمة الدمويّة التي ارتكبها عبدلله أنزوروف المولود في موسكو من أصول شيشانيّة، إذ قام بقطع رأس المدرّس الفرنسي صامويل باتي على خلفيّة عرض الأخير رسوماً كاريكاتوريّة للنبي محمّد في إطار نقاش حول حريّة التعبير، فُتح الباب على مصراعيه أمام هذا الجدل من جديد بين مؤيّد لازدراء الأديان في إطار حريّة الرأي والتعبير وبين مناهضٍ لهذا الفعل باعتباره تحريضاً.

رسم نشره مسلمون اعتراضاً على صور اعتبروها مسيئة للنبي محمد.

وعلى رغم حملة مقاطعة البضائع الفرنسيّة في العالمين العربي والإسلامي وتنديد العالم الإسلامي بالمواقف الفرنسية “العنصريّة” التي تنشر “خطاب كراهيّة”، يستمرّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بخطته لمواجهة تحدّي “الانفصاليّة الاسلاميّة” قيم فرنسا العلمانيّة. أمّا القانون الفرنسي فهو واضح، إذ يمنع التحريض على الكراهية العنصرية أو الدينيّة ولكن يسمح بازدراء الأديان بحيث ألغى قانون عام 1881 نهائيّاً جريمة التجديف أو ازدراء الأديان.

إجراءات فرنسيّة قاسية


تتعامل السلطات الفرنسيّة بحدّة وحزم مع قضايا تخصّ الإسلاميّين والتطرّف الإسلامي، فيشدّد ماكرون على أنّ “الظلامية لن تنتصر”، ويمضي بالخطّة التي تحدّث عنها قبل أسابيع من الجريمة، لمكافحة ما سمّاه “الانفصالية الإسلامية”، بهدف دحر أي “تهديدات للقيم العلمانيّة التي تدرّس في المدارس”، منتقداً، في هذا السياق، المسلمين الذين يمنعون مشاركة أولادهم في دروس السباحة. فمن الواضح أنّ ماكرون بدأ سياسة عدم التسامح المطلق مع أي مظاهر تطرّف أو انغلاق إسلامي. ولكن ما حدود تعريف ماكرون للـ”انفصاليّة الإسلاميّة”؟ وهل سيستخدم هذا التعريف للتضييق على مسلمي فرنسا من مواطنين ولاجئين والذين يبلغ عددهم حوالى 5 ملايين؟ ويعدّ الفرنسي محمّد مروان، المدير السابق لـ”التجمّع ضدّ الإسلاموفوبيا في فرنسا” (CCIF)، في مقابلة له مع موقع “درج”، هذه الإجراءات إقصائيّة تجاه المسلمين والجمعيّات أيضاً وتعكس النهج المتّبع في الفترة الأخيرة ضدّ مسلمي فرنسا. أمّا إمام جامع “بوردو”، طارق أوبرو، فلم يشعر بأنّ خطاب ماكرون كان عنصريّاً بل برأيه لقد تجنّب الخلط بين الإسلام الراديكالي وسائر المسلمين.

تستعدّ فرنسا لترحيل 213 أجنبيّاً كانوا على قائمة المراقبة الحكوميّة

ويشتبه في اعتناقهم معتقدات دينية متطرفة.

بالإضافة إلى ذلك، قال جان ميشيل بلانكير وزير التربية الوطنيّة أنّ “الجمهوريّة الفرنسيّة كلها تعرّضت لهذا الهجوم”. وفي هذا الإطار، اعتبرت الـ New York Times أنّ كلمة الوزير عكست “الدور المركزيّ الذي تلعبه المدارس الحكوميّة في فرنسا – التي تلتزم بالمنهج الوطني الذي وضعته الحكومة – في غرس القيم المدنيّة والهويّة الوطنيّة. لكنّها سلّطت الضوء أيضاً على التوترات المتكرّرة بين القيم الجمهوريّة التقليديّة في فرنسا وقيم الوافدين الجدد، وبخاصة أولئك الذين يعتنقون الديانة الإسلامية الذين يعارضون نشر الرسوم الكاريكاتورية”.

ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ تحريم المسلمين تصوير النبي محمّد (أو الله) ليس مذكوراً في القرآن الذي لا يتطرق إلى موضوع الصور. لكنّ الأمر يعود إلى نصوص إسلامية مبكرة تربط رسم الأنبياء وتصويرهم بعبادة الأصنام.[1] 

وأعلن وزير الداخليّة الفرنسي، جيرالد دارمانين، في 19 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020 أنّ الأجهزة الأمنيّة ستداهم 51 جمعية، بما في ذلك المدارس الدينية والمساجد. وقال مسؤولون إن السلطات الفرنسيّة أجرت في 19 تشرين الأوّل عمليّات بحث استهدفت 40 من الأفراد والجمعيّات المتطرّفة المشتبه بهم وتمّ حلّ عدد من هذه الجمعيات، وفتحت أكثر من 80 تحقيقاً في الخطاب المتطرّف الذي تم تداوله رقميّاً على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الهجوم. وكان قد أُغلق 73 مسجداً ومدرسة إسلامية خاصة في جميع أنحاء فرنسا منذ كانون الثاني/ يناير.

وأضاف دارمانين، “يجب أن نتوقف عن السذاجة… لا توجد مصالحة ممكنة مع الإسلام الراديكالي”.

وذكر دارمانين مؤسستين إسلاميّتين يسعى إلى حلّهما وهما: جمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، أو CCIF، وجمعيّة “مدينة بركة”، وهي منظمة إسلامية غير ربحية. هذا فضلاً عن تصريح ماكرون بحلّ تجمّع الشيخ ياسين المرتبط بحركة “حماس”.

وعقب هذه التصريحات، استنكر مؤسس “مدينة بركة”، إدريس السحاميدي، ما يعتبره “انتهاك القانون وإساءة استخدام السلطة”. أمّا مروان، فأكّد لـ”درج”، أنّ هذا القرار سياسي بحت وليس مستنداً إلى أي وقائع، مضيفاً أنّ CCIF تعمل لمواجهة الإسلاموفوبيا والتمييز وهي مؤسسة غير سياسيّة وغير دينيّة ولا تتبنّى أي رأي وبالطبع لا تدعم أي مظهر من مظاهر التطرّف، مستنكراً “عمليّة الاغتيال الوحشيّة”.

تتعامل السلطات الفرنسيّة بحدّة وحزم مع قضايا تخصّ الإسلاميّين والتطرّف الإسلامي،

فيشدّد ماكرون على أنّ “الظلامية لن تنتصر”.

إضافة إلى الإجراءات السابقة، تعمد خطّة ماكرون إلى الاستثمار في أئمّة جدد يكون نظام تعليمهم الديني نابعاً من فرنسا؛ إجراء شبّهته مجلّة Foreign Policy بـ”ثورة إسلاميّة” يستعدّ لإطلاقها الرئيس الفرنسي.

ورقة سياسيّة

إلّا أنّ هذا النقاش لا يقتصر على البيئة الفرنسيّة فحسب، بل يتعدّاه ليصبح نقاشاً على امتداد العالم كلّه. فيستغلّ جميع الأفرقاء هذه الجريمة اليوم وما يتبعها من جدل لتسجيل نقاط سياسيّة. فاليمين الفرنسي أكبر المستفيدين من هذه الجريمة بحيث  غرّدت ماري لوبين، زعيمة اليمين، قائلة “إن الإسلاموية تشن حرباً علينا: يجب أن نخرجها من بلادنا بالقوة”.

ويستنكر زعماء دول لطالما اشتُهرت بالتنكيل وبقمع الحريّات الحادث الأليم ولكنّهم ينتقدون فعل المدرّس الضحيّة، معتبرين أنه “ازدراء للإسلام”. فرمضان قديروف مثلاً، رئيس الشيشان، استنكر الجريمة، لكنّه انتقد المجتمع الفرنسي لما وصفه بمظاهر الازدراء “الاستفزازي” للقيم الإسلامية معتبراً أنّه “عندما تملك فرنسا مؤسسة حكوميّة مناسبة للعلاقات بين الأعراق والأديان، فإن البلد سينعم بمجتمع سليم”.

الرئيس التركي، رجب الطيّب أردوغان رأى أنّ “الخطابات المعادية للإسلام والمسلمين باتت أبرز الأدوات التي يستخدمها ساسة الغرب للتغطية على إخفاقاتهم”. ولكن أردوغان لم يكتف بهذا التصريح، بل تعدّى ذلك ليشكّك بقدرات ماكرون العقليّة، ما دفع فرنسا إلى استدعاء سفيرها من تركيا والاتحاد الأوروبي ووصف تصريحات أردوغان بـ”غير المقبولة”، ما زاد من حدّة التشنّج. ولكن كلّاً من الرئيسين الفرنسي والتركي يسعى إلى إضافة نقاط إلى رصيده السياسي.

 كما اعترض علماء في الأزهر في مصر على تصريحات الرئيس الفرنسي باعتبارها “عنصرية” وتنشر “خطاب الكراهية”.

ومن الواضح أنّ شريحة من مسلمي فرنسا لم تتأقلم حتّى اليوم مع سياسة حريّة التعبير المطلقة التي تتبنّاها فرنسا بما في ذلك التجديف وازدراء الأديان. إلا أنّ قسماً كبيراً من مسلمي فرنسا يتعايش طبيعيّاً مع النظام العلماني الفرنسي وهذا ما بدا جليّاً من خلال استنكار الجالية الشيشانيّة للجرم وقلقها من أن تصبح ضحيّة لوصمة العار.

ولكن لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هذا الجدل ليس وليد الفترة الراهنة، بل تمتد جذوره أبعد من ذلك بكثير، فهو نقاشٌ شبه دائم في فرنسا، يخفت ليعود ويشتعل من جديد جرّاء أحداث وتطوّرات تحريضيّة ومشاحنات طائفيّة دينيّة.

فمثلاً، مطلع هذا العام، كنا على موعد مع جولة من هذه النقاشات عندما نشرت الفتاة الفرنسيّة، ميلا، ابنة الـ16 سنة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد فيه الإسلام والقرآن بشكلٍ حادّ. وأثار الفيديو جدلاً واسعاً حتّى وصل إلى مستوى الحكومة الفرنسية، وفقاً لـeuronews. وتعرّضت ميلا التي نشرت الفيديو إلى حملة ضدّها وانقسم الرأي العام بشدّة بين مدافع عنها ومهاجم لها.
وإثر ذلك، فتح مكتب المدعي العام تحقيقين منفصلين، أحدهما يتعلق بالتهديدات بالقتل التي تلقتها ميلا؛ والآخر لتحديد ما إذا كانت تعليقاتها تُصنّف “تحريضاً على الكراهية العنصرية” المحظورة بموجب القانون الفرنسي، أم تقع تحت التجديف وهو أمر قانوني. وكالعادة، استغلّ الموقف اليمين الفرنسي بحيث غرّد السياسي اليميني المتطرّف جوليان أودول من “حزب التجمّع الوطني” قائلاً: “عار على مكتب المدعي العام الذي يعامل الضحية والمعتدين عليها على قدم المساواة”، وأضاف، “الإسلام دين، والدين رأي. ويمكن أن يتعرّض الرأي لأكثر الانتقادات إهانة. فمن دون حرية التعبير، لن تكون فرنسا فرنسا. لا لكمّ الأفواه”.

26.10.2020
زمن القراءة: 5 minutes

النقاش لا يقتصر على البيئة الفرنسيّة فحسب، بل يتعدّاه ليصبح نقاشاً على امتداد العالم كلّه. فيستغلّ جميع الأفرقاء هذه الجريمة وما يتبعها من جدل لتسجيل نقاط سياسيّة.

إثر الجريمة الدمويّة التي ارتكبها عبدلله أنزوروف المولود في موسكو من أصول شيشانيّة، إذ قام بقطع رأس المدرّس الفرنسي صامويل باتي على خلفيّة عرض الأخير رسوماً كاريكاتوريّة للنبي محمّد في إطار نقاش حول حريّة التعبير، فُتح الباب على مصراعيه أمام هذا الجدل من جديد بين مؤيّد لازدراء الأديان في إطار حريّة الرأي والتعبير وبين مناهضٍ لهذا الفعل باعتباره تحريضاً.

رسم نشره مسلمون اعتراضاً على صور اعتبروها مسيئة للنبي محمد.

وعلى رغم حملة مقاطعة البضائع الفرنسيّة في العالمين العربي والإسلامي وتنديد العالم الإسلامي بالمواقف الفرنسية “العنصريّة” التي تنشر “خطاب كراهيّة”، يستمرّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بخطته لمواجهة تحدّي “الانفصاليّة الاسلاميّة” قيم فرنسا العلمانيّة. أمّا القانون الفرنسي فهو واضح، إذ يمنع التحريض على الكراهية العنصرية أو الدينيّة ولكن يسمح بازدراء الأديان بحيث ألغى قانون عام 1881 نهائيّاً جريمة التجديف أو ازدراء الأديان.

إجراءات فرنسيّة قاسية


تتعامل السلطات الفرنسيّة بحدّة وحزم مع قضايا تخصّ الإسلاميّين والتطرّف الإسلامي، فيشدّد ماكرون على أنّ “الظلامية لن تنتصر”، ويمضي بالخطّة التي تحدّث عنها قبل أسابيع من الجريمة، لمكافحة ما سمّاه “الانفصالية الإسلامية”، بهدف دحر أي “تهديدات للقيم العلمانيّة التي تدرّس في المدارس”، منتقداً، في هذا السياق، المسلمين الذين يمنعون مشاركة أولادهم في دروس السباحة. فمن الواضح أنّ ماكرون بدأ سياسة عدم التسامح المطلق مع أي مظاهر تطرّف أو انغلاق إسلامي. ولكن ما حدود تعريف ماكرون للـ”انفصاليّة الإسلاميّة”؟ وهل سيستخدم هذا التعريف للتضييق على مسلمي فرنسا من مواطنين ولاجئين والذين يبلغ عددهم حوالى 5 ملايين؟ ويعدّ الفرنسي محمّد مروان، المدير السابق لـ”التجمّع ضدّ الإسلاموفوبيا في فرنسا” (CCIF)، في مقابلة له مع موقع “درج”، هذه الإجراءات إقصائيّة تجاه المسلمين والجمعيّات أيضاً وتعكس النهج المتّبع في الفترة الأخيرة ضدّ مسلمي فرنسا. أمّا إمام جامع “بوردو”، طارق أوبرو، فلم يشعر بأنّ خطاب ماكرون كان عنصريّاً بل برأيه لقد تجنّب الخلط بين الإسلام الراديكالي وسائر المسلمين.

تستعدّ فرنسا لترحيل 213 أجنبيّاً كانوا على قائمة المراقبة الحكوميّة

ويشتبه في اعتناقهم معتقدات دينية متطرفة.

بالإضافة إلى ذلك، قال جان ميشيل بلانكير وزير التربية الوطنيّة أنّ “الجمهوريّة الفرنسيّة كلها تعرّضت لهذا الهجوم”. وفي هذا الإطار، اعتبرت الـ New York Times أنّ كلمة الوزير عكست “الدور المركزيّ الذي تلعبه المدارس الحكوميّة في فرنسا – التي تلتزم بالمنهج الوطني الذي وضعته الحكومة – في غرس القيم المدنيّة والهويّة الوطنيّة. لكنّها سلّطت الضوء أيضاً على التوترات المتكرّرة بين القيم الجمهوريّة التقليديّة في فرنسا وقيم الوافدين الجدد، وبخاصة أولئك الذين يعتنقون الديانة الإسلامية الذين يعارضون نشر الرسوم الكاريكاتورية”.

ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنّ تحريم المسلمين تصوير النبي محمّد (أو الله) ليس مذكوراً في القرآن الذي لا يتطرق إلى موضوع الصور. لكنّ الأمر يعود إلى نصوص إسلامية مبكرة تربط رسم الأنبياء وتصويرهم بعبادة الأصنام.[1] 

وأعلن وزير الداخليّة الفرنسي، جيرالد دارمانين، في 19 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2020 أنّ الأجهزة الأمنيّة ستداهم 51 جمعية، بما في ذلك المدارس الدينية والمساجد. وقال مسؤولون إن السلطات الفرنسيّة أجرت في 19 تشرين الأوّل عمليّات بحث استهدفت 40 من الأفراد والجمعيّات المتطرّفة المشتبه بهم وتمّ حلّ عدد من هذه الجمعيات، وفتحت أكثر من 80 تحقيقاً في الخطاب المتطرّف الذي تم تداوله رقميّاً على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الهجوم. وكان قد أُغلق 73 مسجداً ومدرسة إسلامية خاصة في جميع أنحاء فرنسا منذ كانون الثاني/ يناير.

وأضاف دارمانين، “يجب أن نتوقف عن السذاجة… لا توجد مصالحة ممكنة مع الإسلام الراديكالي”.

وذكر دارمانين مؤسستين إسلاميّتين يسعى إلى حلّهما وهما: جمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، أو CCIF، وجمعيّة “مدينة بركة”، وهي منظمة إسلامية غير ربحية. هذا فضلاً عن تصريح ماكرون بحلّ تجمّع الشيخ ياسين المرتبط بحركة “حماس”.

وعقب هذه التصريحات، استنكر مؤسس “مدينة بركة”، إدريس السحاميدي، ما يعتبره “انتهاك القانون وإساءة استخدام السلطة”. أمّا مروان، فأكّد لـ”درج”، أنّ هذا القرار سياسي بحت وليس مستنداً إلى أي وقائع، مضيفاً أنّ CCIF تعمل لمواجهة الإسلاموفوبيا والتمييز وهي مؤسسة غير سياسيّة وغير دينيّة ولا تتبنّى أي رأي وبالطبع لا تدعم أي مظهر من مظاهر التطرّف، مستنكراً “عمليّة الاغتيال الوحشيّة”.

تتعامل السلطات الفرنسيّة بحدّة وحزم مع قضايا تخصّ الإسلاميّين والتطرّف الإسلامي،

فيشدّد ماكرون على أنّ “الظلامية لن تنتصر”.

إضافة إلى الإجراءات السابقة، تعمد خطّة ماكرون إلى الاستثمار في أئمّة جدد يكون نظام تعليمهم الديني نابعاً من فرنسا؛ إجراء شبّهته مجلّة Foreign Policy بـ”ثورة إسلاميّة” يستعدّ لإطلاقها الرئيس الفرنسي.

ورقة سياسيّة

إلّا أنّ هذا النقاش لا يقتصر على البيئة الفرنسيّة فحسب، بل يتعدّاه ليصبح نقاشاً على امتداد العالم كلّه. فيستغلّ جميع الأفرقاء هذه الجريمة اليوم وما يتبعها من جدل لتسجيل نقاط سياسيّة. فاليمين الفرنسي أكبر المستفيدين من هذه الجريمة بحيث  غرّدت ماري لوبين، زعيمة اليمين، قائلة “إن الإسلاموية تشن حرباً علينا: يجب أن نخرجها من بلادنا بالقوة”.

ويستنكر زعماء دول لطالما اشتُهرت بالتنكيل وبقمع الحريّات الحادث الأليم ولكنّهم ينتقدون فعل المدرّس الضحيّة، معتبرين أنه “ازدراء للإسلام”. فرمضان قديروف مثلاً، رئيس الشيشان، استنكر الجريمة، لكنّه انتقد المجتمع الفرنسي لما وصفه بمظاهر الازدراء “الاستفزازي” للقيم الإسلامية معتبراً أنّه “عندما تملك فرنسا مؤسسة حكوميّة مناسبة للعلاقات بين الأعراق والأديان، فإن البلد سينعم بمجتمع سليم”.

الرئيس التركي، رجب الطيّب أردوغان رأى أنّ “الخطابات المعادية للإسلام والمسلمين باتت أبرز الأدوات التي يستخدمها ساسة الغرب للتغطية على إخفاقاتهم”. ولكن أردوغان لم يكتف بهذا التصريح، بل تعدّى ذلك ليشكّك بقدرات ماكرون العقليّة، ما دفع فرنسا إلى استدعاء سفيرها من تركيا والاتحاد الأوروبي ووصف تصريحات أردوغان بـ”غير المقبولة”، ما زاد من حدّة التشنّج. ولكن كلّاً من الرئيسين الفرنسي والتركي يسعى إلى إضافة نقاط إلى رصيده السياسي.

 كما اعترض علماء في الأزهر في مصر على تصريحات الرئيس الفرنسي باعتبارها “عنصرية” وتنشر “خطاب الكراهية”.

ومن الواضح أنّ شريحة من مسلمي فرنسا لم تتأقلم حتّى اليوم مع سياسة حريّة التعبير المطلقة التي تتبنّاها فرنسا بما في ذلك التجديف وازدراء الأديان. إلا أنّ قسماً كبيراً من مسلمي فرنسا يتعايش طبيعيّاً مع النظام العلماني الفرنسي وهذا ما بدا جليّاً من خلال استنكار الجالية الشيشانيّة للجرم وقلقها من أن تصبح ضحيّة لوصمة العار.

ولكن لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هذا الجدل ليس وليد الفترة الراهنة، بل تمتد جذوره أبعد من ذلك بكثير، فهو نقاشٌ شبه دائم في فرنسا، يخفت ليعود ويشتعل من جديد جرّاء أحداث وتطوّرات تحريضيّة ومشاحنات طائفيّة دينيّة.

فمثلاً، مطلع هذا العام، كنا على موعد مع جولة من هذه النقاشات عندما نشرت الفتاة الفرنسيّة، ميلا، ابنة الـ16 سنة فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تنتقد فيه الإسلام والقرآن بشكلٍ حادّ. وأثار الفيديو جدلاً واسعاً حتّى وصل إلى مستوى الحكومة الفرنسية، وفقاً لـeuronews. وتعرّضت ميلا التي نشرت الفيديو إلى حملة ضدّها وانقسم الرأي العام بشدّة بين مدافع عنها ومهاجم لها.
وإثر ذلك، فتح مكتب المدعي العام تحقيقين منفصلين، أحدهما يتعلق بالتهديدات بالقتل التي تلقتها ميلا؛ والآخر لتحديد ما إذا كانت تعليقاتها تُصنّف “تحريضاً على الكراهية العنصرية” المحظورة بموجب القانون الفرنسي، أم تقع تحت التجديف وهو أمر قانوني. وكالعادة، استغلّ الموقف اليمين الفرنسي بحيث غرّد السياسي اليميني المتطرّف جوليان أودول من “حزب التجمّع الوطني” قائلاً: “عار على مكتب المدعي العام الذي يعامل الضحية والمعتدين عليها على قدم المساواة”، وأضاف، “الإسلام دين، والدين رأي. ويمكن أن يتعرّض الرأي لأكثر الانتقادات إهانة. فمن دون حرية التعبير، لن تكون فرنسا فرنسا. لا لكمّ الأفواه”.