لماذا علينا أن نصدق نفي رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون خبر جريدة الـ”ليبيراسيون” الفرنسية عن إصدار 400 جواز سفر وجنسية لبنانية، موقعة من قبله ومن قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل ووزير الداخلية بسام المولوي، وتقاضي الموقعين بين خمسين ومئة ألف يورو عن كل جواز سفر؟ ميشال عون وعد أهالي ضحايا انفجار المرفأ بأن الحقيقة ستكون بين أيديهم بعد أسبوع واحد من الانفجار، وها هم يحيون الذكرى السنوية الثانية للمأساة من دون الحقيقة ومن دون العدالة. هذا غيض من فيض انعدام صدقية الرئيس، فلماذا نصدقه ونشكك بخبر الصحيفة التي لها صدقية كبيرة.
أيضاً لماذا نصدق نفي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لخبر الصحيفة الفرنسية؟ هذا الملياردير الذي يتصدر اسمه لائحة “فوربس” سبق له أن استفاد من قرض مدعوم من مصرف لبنان لكي يشتري منزلاً في بيروت. فهل من المستبعد أن لا تغريه ملايين موازية من العملة الأوروبية؟ ثم أنه ممثل طائفته في رأس السلطة التنفيذية، فهل يعقل أن يترك لممثلي الطائفة الأخرى فرصة الاستفادة من العطاء؟ وهنا علينا أن نكرر حقيقة أننا حيال خبر تؤكده الـ”ليبراسيون” وينفيه نجيب ميقاتي… أيهما نصدق؟ الأرجح أن ميقاتي سيختار الصحيفة الفرنسية إذا ما وُجه إليه هذا السؤال، وأخذ مسافة عن نفسه وفكر بواقعية.
لا بأس، فالمثالثة في الفساد لا بد منها في هذه الحال، والجنسية المعروضة للبيع لن تكتمل من دون الطائفة الشيعية الكريمة، ويبدو أن ممثلها في هذه الصفقة وزير المالية يوسف الخليل، والأخير سبق أن أبلى بلاء حسناً في تمثيل الطائفة في موبقات الجمهورية، فتصدر مهمة تعطيل التحقيق في انفجار المرفأ، ملبياً بذلك طلب الثنائي الشيعي في معركته ضد القاضي طارق البيطار. فهل نستبعد تمثيله الطائفة في المحاصصة التي كشفتها الصحيفة الفرنسية؟
ثم أنه سبق لأركان هذه السلطة أن باعوا الجنسية اللبنانية لمئات ممن نلتقيهم اليوم ويخبروننا عن تلقيهم جوازات سفر كـ”هدية” من مسؤول. رجال أعمال عراقيون وسوريون وأردنيون، وبعضهم حصل على الجنسية على رغم أنه لا يحتاجها، ذاك أن جواز السفر تحول في مجتمع الأغنياء الجدد إلى تعويذة مباهاة يبرزونها أثناء تنافسهم، تماماً كما سياراتهم وساعاتهم وأحذيتهم. يحصل ذلك على رغم رداءة سمعة جواز السفر اللبناني، وعلى رغم عدم قدرة اللبنانيين من غير رجال الأعمال المحظيين على الحصول عليه في هذه الأيام الحالكة.
إقرأوا أيضاً:
ثم إن الفضيحة المحاصرة بنفي الرؤساء هي حدث طبيعي في جمهورية الفضائح اللبنانية. بالأمس وصف البنك الدولي ما تعرض له اللبنانيون بسبب سلطتهم وحكومتهم بأنه عملية احتيال موصوفة. فقد أقدمت السلطة بنفسها وبمساعدة المصارف على فعل الاحتيال. البنك الدولي هو من قال ذلك، وليس “ثوار تشرين”. وفعل الاحتيال لا يقل عن فعل بيع الجنسيات، وإذا كنا نركن في حالة الـ”ليبراسيون” إلى صدقية الصحيفة الفرنسية، فنحن في حالة البنك الدولي نركن إلى توصيف موثق لما حصل لنا في السنوات الفائتة.
بيع 4000 جنسية لبنانية على أبواب الشهر الأخير للعهد هو فعل عادي وليس فضيحة، افتتح العهد سنواته بها وها هو، بحسب الـ”ليبراسيون” يختتمه بها، وفي المرة الأولى نفى أن يكون قد فعلها، إلى أن شرعنا نلتقي بمواطنينا الجدد، وراحوا يبرزون لنا جوازات سفرهم، لكنهم للأمانة أكدوا لنا أنهم لم يدفعوا في مقابلها المبالغ التي سمعنا عنها. بعضهم قال إنها هدايا، وبعضهم ابتسم حين سألناه.
دول كثيرة تسعى إلى تعزيز ماليتها عبر منح الجنسية والإقامة للمستثمرين، كقبرص التي نشرنا في “درج” تسريبات عن الـ”غولدن فيزا” التي منحتها لآلاف من غير القبارصة، وتركيا واليونان أيضاً. في لبنان تمنح الجنسيات لتعزيز أرصدة الرؤساء لا المالية العامة، وتوزع العائدات على ممثلي النظام الطائفي بالتساوي، ويطاح بالعدالة في مرفأ بيروت، ونغرق في العتمة وفي الانهيار.
إقرأوا أيضاً: