“انتشر عبر السوشيال ميديا فيديو جنسي لمرشحة للانتخابات العراقية”، هذا الخبر لم يقتصر نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، إنما نشر في وسائل إعلام عراقية ودولية.كل عناصر التحريض موجودة في هذه الجملة: امرأة، جنس، عراق، وانتخابات.
هذا الفيديو هزّ الحياة السياسية العراقية الأيام الماضية.
العراق، البلد الذي لم تهزه فيديوهات مروعة سواء لحجم العنف أو لحجم الابتذال أو لحجم الفشل السياسي، لكنه ضجّ على نحو مزلزل بسبب فيديو المرشحة.لم يسأل أحد عن صحة الشريط أو من صوره أو من الشريك فيه والأهم من كل هذا، ما علاقة فيديو من هذا النوع بالانتخابات.
قد لا تكون المرشحة المعنية مقنعة بالمعنى السياسي، لكن هذا لم يعد مهماً. فمن تتعرض لمثل هذا النوع من الابتزار والانتهاك تصبح ضحية مباشرة، وأي نقاش آخر لا قيمة له. وصف الفيديو فأنه “فضيحة”.. حقاً !!
العراق الذي يخوض انتخاباته متورطون في جرائم قتل وحروب وفساد وسرقات وطائفية وانتهاكات لا حدود لها، هذه ليست فضائح، لكن فيديو حميم لامرأة فتلك هي الكارثة..
منذ تحديد موعد الانتخابات العراقية تخاض معارك شرسة لم توفر أحداً، لكن يبدو نافراً ذاك الاستهداف العلني المباشر لفئة المرشحين المصنفين علمانيين والمرشحات النساء، حتى أن بعض المرشحين المعممين لم يتوان عن تهديد العلمانيين مثلاً بالقتل. هذا المرشح لا يزال مرشحاً وما قاله لم يعتبر تحريضاً على القتل وطبعاً ليس بفضيحة.
في بلادنا حروب كثيرة، فما أن تشتعل جبهات حتى تهدأ جبهات أخرى. ومن كان عدوا بالأمس قد يصبح حليفاً اليوم وبالعكس.لكن في موازاة تلك الحروب التي تتبدل أطرافها وساحاتها تبقى معركة مشتعلة، إنها الحرب المتواصلة على النساء.
ليس في القول مبالغة ولا نسوية متضخمة ولا استجداء لتضامن. لنراقب الحياة العامة اليومية. تطلق امرأة ناشطة في الشأن العام تعليقا سياسياً أو قولا على صفحتها الخاصة على السوشيال ميديا فتستهدفها الحملات والشتائم الجنسية والتحقيرية لأنوثتها. تكرر هذا في أكثر من بلد ومجتمع تمّ فيه الهجوم على نساء بشكل دفع ببعضهن للاختفاء أو الانكفاء عن المساحات العامة.
في لبنان، هناك استحقاق انتخابي يقترب، وهناك نسبة من المرشحات النساء مشجعة ولم يسبق أن حصلت من قبل. أجرت إحدى المؤسسات المدنية وهي “مهارات” دراسة وجدت فيها أن حجم التغطية الاعلامية للمرشحات النساء متدنية جداً وهي لم تتجاوز ال٦٪ من حجم التغطية للمرشحين الذكور، كما ذكرت أن الهجوم على المرشحات غالباً ما كان يستهدفهن بصفتهن نساء وليس انتقاداً لموقف سياسي أو مبدأي.
عرض الأمثلة عن استهداف النساء يمكن أن يستغرق صفحات طويلة. صحيح أن هناك شيئا ما بدأ يتغير في المجتمعات العربية، ففي تونس سجلت القوانين تحسناً ملموساً لجهة المساواة بين النساء والرجال، وجرى بعض التعديلات الجزئية ونشهد حضوراً سياسياً نسوياً، لكن، بلا شك هناك مقاومة مجتمعية وسياسية أيضاً لهذا التغيير نحو المساواة وأعني هنا المساواة الكاملة وليس الشكلية.
محنة النساء العربيات مزمنة، ورحلة انتقالهن من موقع السلعة أو التابعة أو الدمية الى شخص مساو في الحقوق والواجبات له دور في الحياة العامة وفي السياسة لا تزال طويلة وشائكة. ثم أن قضية النساء تبدد انقسامات افقية تعيشها مجتمعاتنا، فالاسلاميون سنة وشيعة تشكل المرأة في الحقل العام عدوهم المشترك، وهذا ما كشفته أيضاً محنة المرشحة العراقية.
الأنظمة العربية بدورها، المحافظة منها أوالانقلابيّة، لم تعمل إلاّ على تكريس استتباع النساء. ومجتمعات الثورات العربية، ما خلا الحالة التونسيّة جزئيّاً، لم تنشغل بوضع المرأة وبضرورة تغييره. أنظمة العسكر استحسنت تحويلها إلى مجنّدة تُستعرض في مناسبات رسمية، وإسلاميّو الثورات وجدوا فيها موضوعاً آخر للضبط والتأديب تحت وطأة النصوص المقدسة. واستمرّ كذلك الاسلوب القديم الممجوج الذي يعتمد على تظهير احتفاء بسيّدة صالون هنا وبسيّدة أعمال هناك نبرهن من خلال صورهما أنّنا قطعنا شوطاً معتبراً في المساواة بين الجنسين.
حقوق النساء قضية لا قيامة للمنطقة العربية من دون مواجهتها وهي قضية متروكة لأعداد محدودة من النسويين والنسويات، ومن بضعة قانونيين، ومن ناشطين وناشطات في منظمات المجتمع المدني، المؤمنون والمتحمسون لقناعات نبيلة لكنهم محدودي الأثر.
من دون قوانين مساوية بيننا كرجال ونساء عرب سنبقى نراوح مكاننا وهو مكان لا يعد بالكثير، خصوصاً إذ تواصلت حروب الفيديو والسوشيال ميديا الرخيصة. اليوم لدينا ضحية واضحة هي المرشحة العراقية. الفيديو الذي انتهك خصوصيتها وكرامتها أغفل صورة من المفترض أنه رجل الى جانبها. هذا الفعل كاشف لمدى ذكورية السوشيال ميديا العربية وهويات أبطالها. إنهن النساء “أشرار” الشأن العام، النساء اللواتي يرتعد الرجال من السياسيين ورجال الدين وشيوخ العشائر من أنهن يطمحن لشراكة ولدور ولمهمة، فتستنفر في مواجهتهن أكثر أشكال التخلف والردة، ويشهر في وجوههن سيف الذكورة المريض.