يقف عدد من المراهقين والمراهقات بملابسهم الزهرية أمام إحدى صالات السينما الأميركية، في صفٍّ طويل لحجز تذاكر لحضور فيلم “باربي”، من إخراج غريتا غيرويغ وبطولة مارغو روبي بدور باربي، ورايان غوسلينغ بدور كين.
يبدون وكأنهم امتداد للفيلم، الذي حقق إيرادات عالية في الصالات، قد تتجاوز المليار دولار. وهكذا يكون الفيلم قد حقق الهدف الأساسي منه، الإيرادات، خصوصاً أنه يتّكئ على حكاية سلعة للتسويق لها.
السلعة، أي باربي، هي موضوع الفيلم الإشكالي، بما أنها هي نفسها مادة إشكالية في الغرب، حصدت منذ طرحها في الأسواق للمرة الأولى في العام 1959 ملايين الدولارات، وأشعلت ملايين النقاشات حول التنميط الذي تمثّله، والإرث الذي حملته وتحمله، والتاريخ الطويل من التبدّلات التي طرأت على الدمية في مواكبة للتحولات الثقافية والاجتماعية في العالم.
يبدأ الفيلم بسرد لحال الفتيات قبل ظهور لعبة باربي، حين كنّ يلعبن بالدمى دور الأمهات فقط، في إحالة إلى المشهد الافتتاحي الشهير من فيلم ستانلي كوبريك “2001 أوديسا الفضاء”، إلى أن تظهر باربي الشقراء بجسدها الممشوق ويتحول المشهد، تثور الفتيات ويكسرن الدمى القديمة، بكثير من الغضب والعنف في رفض لاختزالهن بأدوار الأمومة.
ربما لهذا السبب ثارت ثائرة جينجر غيتز، زوجة مات غيتز، النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي عن ولاية فلوريدا، المعروف بمناهضته الحق في الإجهاض وحقوق المتحولين جنسياً. قالت غيتز في تغريدة نشرتها على “تويتر” بعد مشاهدة الفيلم: “هل تفكرون في مشاهدة فيلم باربي؟ أوصي بالاكتفاء باستلهام الأزياء من العمل والتخلي عن الذهاب إلى السينما. باربي التي نشأت معها كانت تمثل الإمكانات غير المحدودة والإقبال على وظائف متنوعة وتمكين النساء”، وتضيف غيتز: “لسوء الحظ، يتجاهل فيلم باربي لعام 2023 مقاربة أي فكرة عن العقيدة أو الأسرة، ويحاول تطبيع فكرة أن الرجال والنساء لا يمكن أن يتعاونوا بشكل إيجابي. كم هذا مقرف”.
عيب الفيلم أنه يحاول معالجة كل شيء رائج، من أدوار النساء والرجال، والنظام الأبوي، وفكرة الموت والنسوية، وجشع الشركات، والذكورية وكل المواضيع الرنانة التي يمكن أن يقطف من خلالها الأرباح.
فكرة الموت وانهيار “عالم باربي”
في عالم باربي، الحياة مثالية، كل يوم هو أجمل يوم. كل النساء اسمهن “باربي”، وباربي هي رئيسة جمهورية سمراء اللون، وطبيبة، وعاملة نظافة، وحائزة جائزة نوبل وفتاة من ذوي الإعاقة. يمكن أن تعثر على موقع “أمازون” على أنواع لا تحصى من لعبة باربي تغطي الكثير من المهن والأوضاع الاجتماعية والشكلية والجسدية.
يمكن إيجاد باربي بطرف اصطناعي، مع أن باربي كلها للمفارقة “اصطناعية”، لكن منتجيها يحاولون نفي تهم التنميط التي تطاول الدمية، ويحاولون بشتّى الطرق تعزيز المبيعات. والفيلم لا يحيد عن هذه المحاولات، التي يبدو أنها تؤمن للشركة المنتجة للدمية ملايين الدولارات.
تمشي باربي في الفيلم كما اللعبة، على رؤوس أصابعها إلى أن تحل “الكارثة”، تراودها أفكار عن الموت فيختل عالمها وتسقط قدماها على الأرض، ويظهر السيلوليت في فخذها، في تناقض لما حاولت بداية الفيلم إظهاره بأن باربي ليست كاملة، هي باربي بوزنها الزائد وهي باربي حتى لو كانت على كرسي متحرك.
قليل من السيلوليت يدفع بـ”باربي” إلى البحث عن “علاج” في العالم الحقيقي، حيث تصطدم بالواقع الذي لا يشبه بشيء عالم باربي. تتحطم “اللعبة” لأنها تجد أنها ليست النموذج الملهم، الذي تخيلت نفسها أن تكون عليه في عيون البشر، لكن كين الذي رافقها في رحلة البحث عن علاج كان مسروراً لاكتشاف الذكورية، التي تحوله من “تابع” إلى رجل في القمة.
إعلان طويل جداً
ناقش الفيلم”النظام الأبوي”، بشكل متكرر وسطحي في كثير من الأحيان، حمل خفة تجعل المرء مضطراً الى أن يوافق، للأسف، على ما جاء في تغريدة لإيلون ماسك قال فيها “لو شربت رشفة كحول مع كل كلمة نظام أبوي سينتهي الفيلم وأنت فاقد الوعي”. وفي ذلك، شيء من الحقيقة، لأن الفيلم بدا مهووساً بشكل شديد المباشرة بتقديم خطاب تسويقي، مثير للجدل، لا يُخفى الهدف التجاري منه، وإن كان يحمل الكثير من القضايا المحقة.
عيب الفيلم أنه يحاول معالجة كل شيء رائج، من أدوار النساء والرجال، والنظام الأبوي، وفكرة الموت والنسوية، وجشع الشركات، والذكورية وكل المواضيع الرنانة التي يمكن أن يقطف من خلالها الأرباح. هو أقرب أن يكون إعلاناً طويلاً للعبة باربي ومحاولة لإحيائها من بين الأموات.
تتفق الكاتبة النسوية آندي زيسلر في مقال لها في “نيويورك تايمز” مع القول بأن الهدف من الفيلم تجاري بالدرجة الأولى، وتستشهد بميشيل شيدوني، رئيسة العلاقات العامة في شركة “ماتيل” للألعاب، التي تقول إن باربي “تحمل ثقل أجيال عدة من معايير الجمال والتحليل النسوي على أكتافها الصغيرة”، لتقول بدورها أن هذه الأكتاف “قد تحصل على إعادة تشكيل عرضية – لجعلها أكثر رياضية أو بدنية أو أكثر تنوعاً في التدرج أو، في حالة هذا الفيلم الجديد، أكثر وعياً بالوزن الذي تم تكليفها بحمله – لكن هذا لا يغير حقيقة أننا “نواصل إضافة معايير إليها لكي ترقى إلى مستوى ما”. بالنسبة إلى زيسلر، فإن باربي دمية “معقدة للغاية بحيث تصبح عديمة الفائدة، لكنها كإناء، أثبتت قدرتها على التحمل بشكل ملحوظ”.
هل يكفي إغضاب “الذكوريين”؟
ربما تكون حسنة الفيلم هي إغضاب عدد كبير من الذكوريين المتطرفين والمحافظين وإثارة حفيظتهم، وإن كان ذلك يصب بدوره في خدمة الهدف التجاري للفيلم عبر التسويق له على قاعدة أن “التسويق السلبي هو تسويق إيجابي”.
وصف بيرس مورغان، المذيع المعروف بمحاولاته المتكررة السخرية من العابرين جنسياً، “باربي” بأنها “اعتداء” على الرجال. وفي مقطع فيديو مدته 43 دقيقة، قال الكاتب المحافظ بين شابيرو، إن الفيلم من “أسوأ” الأفلام التي شاهدها على الإطلاق، وأشعل النار في دمية باربي لتوضيح مدى غضبه. وبذلك لا يكون هؤلاء وأمثالهم قد قدّموا خطاباً نقدياً للدمية والفيلم، بل ساهموا في إذكاء نار “الكرنفال” التجاري الزهري المستعرة.
إقرأوا أيضاً: