في تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، شهد أهالي المنصورية شمال بيروت انهيار أحد المباني على سكّانه، ما اضطر سكان الأبنية المجاورة إلى إخلاء بيوتهم فوراً. استغرقت عملية رفع أنقاض مبنى واحد من الإثنين حتى السبت الذي يليه، أي أن الدولة اللبنانية بالأجهزة والآليات التي تملكها تحتاج إلى ما معدله 6 أيام لرفع أنقاض مبنى منهار واحد، وهو ما تسبب بارتفاع عدد الضحايا إلى 8، ربما كان يمكن أن يبقوا على قيد الحياة، لو كانت العمليات أسرع وبتقنيات أكثر تطوّراً.
قبل ذلك بسنوات وقبل أيام من انتفاضة 17 تشرين عام 2019، اندلعت حرائق واسعة في أحراج مناطق مختلفة وصلت الى حدود البيوت وهددت المدنيين، وحينها بدت عمليات الإنقاذ إاطفاء الحرائق متعذّرة الى حد طلب لبنان مساعدات بدائية من دول مجاورة.
بالانتقال إلى وضعنا الراهن وتحديداً في 30 تموز/ يوليو الحالي، استهدفت غارة إسرائيلية مبنى في ضاحية بيروت الجنوبية بهدف اغتيال أحد قياديي “حزب الله” البارزين، هو فؤاد شكر.
الغارة تسببت بسقوط ضحايا مدنيين، بينهم أطفال ونساء، والمبنى المستهدف لم ينهر بكامله لكنه تضرّر بشكل كبير واستغرق رفع الأنقاض حوالى 24 ساعة.
وكان المشهد أشدّ قسوة يوم 4 آب/ أغسطس 2020 حين انفجر مرفأ بيروت، إذ كانت عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض (استمرت أسابيع)، تتوقف ليلاً أو لانقطاع الكهرباء، ولولا مساعدة الدول المجاورة من ناحية الآليات واللوجستيات، لكنا ربما خسرنا المزيد من الضحايا الأبرياء.
يحدث ذلك في بلد يعيش حرباً في حدوده الجنوبية منذ تسعة أشهر ومهدّد بانفجار حرب شاملة في أي لحظة. بلد يتحدّى إسرائيل ويتوعّدها، فيما يعجز عن رفع أنقاض مبنى لإنقاذ من فيه. فجهاز الدفاع المدني اللبناني مثلاً، يفتقر إلى كل شيء تقريباً، وأحدث آلياته يفوق عمرها الـ20 سنة وتحتاج إلى تجديد وصيانة، كما أن مخصصاته لا تكفي لتدبير مهامه الحيوية، إضافة إلى حاجته لزيادة عديد عناصره. فماذا لو توسّعت الحرب حقاً، ما يعني سقوط أكثر من مبنى واحد وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين الذين قد نعجز عن إنقاذهم، وربما ضرب مرافق حيوية وطرقات أساسية؟ هذا مع العلم أن عدد النازحين منذ تشرين الأول الماضي فاق الـ100 ألف، ومعظم هؤلاء لا يملكون مكاناً يلجأون إليه، ولم يتم تأمين بيوت أو ملاجئ لبقائهم فيها…
ليلة اغتيال شكر، دعا رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الحكومة إلى جلسة “طارئة”، لكنّه لم يكن يعني أن يجتمع الوزراء بعد ساعة مثلاً كما يفترض أن يحدث في أي بلد طبيعي، بل أكد البيان، “غداً”. إلى هذه الدرجة الأمر غير مهم وغير مجدٍ ويمكن تأجيله إلى الغد، كأي موعد بين “شلّة” أصدقاء!
في مطلق الأحوال، اجتمعت الحكومة مشكورة في اليوم التالي وقررت توسيع خطّة الطوارئ التي كانت أقرتها في بداية العام مع توسّع دائرة الاشتباكات جنوب لبنان. كما خصصت الحكومة في جلستها الصباحية، مساعدات مالية لدعم وزارة الصحة والدفاع المدنيّ، تحسباً لتوسع رقعة الحرب، عقب استهداف الضاحية الجنوبية.
لكن الحكومة التي تريد أن ترفع المسؤولية عن نفسها وأن تتبرأ من تهمة اللامبالاة، تعرف جيداً أن القصة أبعد من مساعدات مالية محدودة وأوسع من خطّة يمكن توقّع هزالتها بمقارنة صغيرة مع جميع أنواع الخطط التي وُضعت حتى الآن لمعالجة الأزمات المتلاحقة، من انهيار الليرة، إلى “كورونا”، ثم انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى الآن مع التهديد بخطر الحرب الشاملة. وهو خطر أصبح أكثر جدية مع اغتيال فؤاد شكر ورئيس المكتب السياسي في “حركة حماس” اسماعيل هنية، إضافة إلى إعلان إسرائيل مقتل محمد الضيف القائد العسكري لـ”حماس”….
إنه مجرّد بلد غريب الأطوار، تريد شرائح واسعة فيه شن الحرب، فيما يعيش كثيرون عجزاً لا وسيلة لهم للتعبير عنه سوى بانتظار الحرب أو “الفيزا” أو الموت… والموت أنواع!