“عائد إلى بيروت في غضون أيام”، لعل هذه العبارة هي أهم ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري. كرّر هذه العبارة أكثر من مرة، وعلى رغم ذلك فهي وضعتنا أمام عودته بصفتها احتمال، لا بصفتها موعداً يمكن للمرء أن ينتظر حلوله. فالشكوك اللبنانية حيال إقامة الحريري كبيرة ومتعددة الأسباب، ولا يمكن أن تقطعها عبارة تبدو قاطعة، ولبنان عاش في الأيام الأخيرة أشد أوقاته غرابة.
المتجول في شوارع بيروت لن يتمكن من أن يُحدد هوية ناشري صور الحريري ومعلقيها على الجدران مع عبارة “كلنا معك”. ليس تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري من فعل ذلك، وليس خصم الحريري عن يمينه الوزير السابق أشرف ريفي، ذاك أن الأخير “مش ناطرو” ويريده أن يبقى في السعودية. الأرجح أن معلقي صور الرئيس هم خصومه، أو خصوم المملكة العربية السعودية. لكن “المستقبل” ليس بريئاً من نشر الصور ومن نشر الأخبار حول “إقامة غير إرادية” للحريري في الرياض. فصالونات “عائلات المستقبل” تولت بدورها التعبير عن مخاوفها على زعيمها، وهذا الأمر لم تحدّ منه، جهود وجوه من التيار والكتلة التي راحت تصدّ أخباراً ترشح من محيطها.
ومن غرابة الأيام القليلة الفائتة أن بيروت شهدت تظاهرتين، واحدة نظمها خصوم الحريري عن يساره (جماعة 8 آذار) يطالبون بعودته، وأخرى نظمها خصومه عن يمينه (أنصار أشرف ريفي) يؤيدون فيها بيان الاستقالة العالي اللهجة ضد حزب الله. شعرنا في بيروت أن المدينة صارت مدينة ملاهٍ، لا شيء حقيقياً فيها. المؤيدون الجدد للحريري، والمتضامنون معه، ليسوا هم أنفسهم مؤيدوه، فهم أدوا أدواراً، والصور التي علقوها له ونشروها في المدينة وعلى طريق المطار ليست صوره التي يحبها له أنصاره، ونحن إذ رحنا ننظر إليها مدققين شعرنا أن وجهه بدا فيها حزينا وابتسامته متقشفة. تفاصيل الصورة والكادر والألوان صارت مهمة. على هذا النحو يُعلق أنصار الرئيس بري صوره. ربما هم من فعلها. وأحد الخصوم البيارتة للحريري علق لافتة فيها من الحب له، ما لم نصدقه. وانتظرنا أن يُبادر صاحب السان جورج الذي لطالما علق لافتات ضد الحريري وضد شركة سوليدير على واجهات فندقه، أن يُساهم عبر لافتة في حملة التضامن معه، إلا أنه وحتى ظهر أمس لم يكن قد فعلها.
لم يسبق أن شهدت بيروت حدثاً مشابهاً. ما جرى يشبه التمثيل، والمدينة كلها كانت ذاهلة. حكاية الإقامة غير الإرادية” كانت قوية إلى حد يستحيل معه دحضها. اللبنانيون كلهم راحوا يراقبون صور رئيس حكومتهم عندما استقبل في الرياض السفراء الأجانب. لاحظ كثيرون عليه أنه لم يبتسم للسفير الفرنسي، وأنه كان متجهماً مع سفير آخر. وضاعف من زخم هذه الأخبار أنها ترافقت مع حكايات أصلب من الإشاعات عن قصة إقامته في الرياض، ذاك أنها منقولة (فرست هاند) عن الدائرة القريبة منه.
البيان الذي أصدرته كتلة المستقبل حمل الكثير من التفسيرات. الجميع في بيروت صار يعرف مَن مِن المقربين منه أيد اللغة التي كتب فيها، ومن اعترض عليها.
كان من الصعب مواجهة هذا المشهد بوعد بالعودة إلى بيروت خلال أيام. اللبنانيون أرادوا أكثر من هذا الوعد، فتفاصيل الاستقالة غير مسبوقة، وما يجري في مدينتهم كان غير حقيقي إلى حدًّ يصعب معه توضيحه بوعد. الرئيس استقال من بلد آخر، وتلى بياناً غير معهود في لغته وفي خطابه، وخصومه راحوا يعلقون صوره، وأصدقاؤه وأعضاء كتلته أصابهم ذهول وحيرة، وتحول الرجل إلى زعيم ضحية.
ثم أن السيناريو لم يقتصر على ذلك، فالحكاية تحولت إلى مجال للتخيل. فقد جزم كثيرون ومنهم قريبون منه بأن حكاية انتقال الزعامة الحريرية إلى شقيقه بهاء صحيحة، وأن العائلة رفضت وأن تسريب الأخبار كانت مهمته اعتراض انتقال الزعامة.
لا وقائع صلبة تثبت أياً من هذه الأخبار، كما أن لا وقائع صلبة تنفيها، وما رجحان صحتها في أمزجة اللبنانيين إلا نتيجة لحقيقة أن ما جرى ما كان يمكن أن يصدق لولا حصوله فعلاً. فالاستقالة على النحو الذي قُدمت به ومن المكان الذي أعلنت منه، تفتح شهية الخيال، لا سيما وأنها محفوفة بتراجيديا عائلة تخللها ذروة النجاح وذروة المأساة. والحريري الإبن ورث التراجيديا وأضاف إليها ما حل به من تبعاتها، بدءاً بوقوفه بين يدي من يعتقد أنه قاتل أبيه، يوم زار الرئيس السوري بشار الأسد في قصر المهاجرين، ووصولاً إلى تقديمه الاستقالة الافتراضية الأسبوع المنصرم.
أما عودته إلى بيروت خلال أيام، فمن المفترض أن تُجلي غموضاً، لكنها تحمل بدورها سؤالاً كبيراً. هل لبنان في وضع يتيح تغييراً في موقع نظامه من الانقسام الإقليمي؟ ذاك أن الاستقالة هي احتجاج على هذا الموقع.
التغيير خطوة هائلة يدرك الجميع أنها صارت وراءنا. من قَبِل بميشال عون رئيساً للجمهورية وبحزب الله شريكاً أكبر في السلطة، يكون متوهماً إذا ما انتظر من رئيس حكومة، هو الشريك الأصغر في حكومته، أن يتمكن من القيام بهذه المهمة.[video_player link=””][/video_player]

في غياب الحريري.. بيروت مدينة ملاهٍ
“عائد إلى بيروت في غضون أيام”، لعل هذه العبارة هي أهم ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري. كرّر هذه العبارة أكثر من مرة، وعلى رغم ذلك فهي وضعتنا أمام عودته بصفتها احتمال، لا بصفتها موعداً يمكن للمرء أن ينتظر حلوله. فالشكوك اللبنانية حيال إقامة الحريري كبيرة ومتعددة الأسباب، ولا يمكن أن تقطعها عبارة تبدو قاطعة، ولبنان عاش في الأيام الأخيرة أشد أوقاته غرابة.

لماذا لا يزال مطار رفيق الحريري محاصراً من الخميني وحافظ الأسد؟

المؤتمر الوطني الفلسطيني… نحو أجندة فلسطينيّة فاعلة

“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!
“عائد إلى بيروت في غضون أيام”، لعل هذه العبارة هي أهم ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري. كرّر هذه العبارة أكثر من مرة، وعلى رغم ذلك فهي وضعتنا أمام عودته بصفتها احتمال، لا بصفتها موعداً يمكن للمرء أن ينتظر حلوله. فالشكوك اللبنانية حيال إقامة الحريري كبيرة ومتعددة الأسباب، ولا يمكن أن تقطعها عبارة تبدو قاطعة، ولبنان عاش في الأيام الأخيرة أشد أوقاته غرابة.
“عائد إلى بيروت في غضون أيام”، لعل هذه العبارة هي أهم ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري. كرّر هذه العبارة أكثر من مرة، وعلى رغم ذلك فهي وضعتنا أمام عودته بصفتها احتمال، لا بصفتها موعداً يمكن للمرء أن ينتظر حلوله. فالشكوك اللبنانية حيال إقامة الحريري كبيرة ومتعددة الأسباب، ولا يمكن أن تقطعها عبارة تبدو قاطعة، ولبنان عاش في الأيام الأخيرة أشد أوقاته غرابة.
المتجول في شوارع بيروت لن يتمكن من أن يُحدد هوية ناشري صور الحريري ومعلقيها على الجدران مع عبارة “كلنا معك”. ليس تيار المستقبل الذي يتزعمه الحريري من فعل ذلك، وليس خصم الحريري عن يمينه الوزير السابق أشرف ريفي، ذاك أن الأخير “مش ناطرو” ويريده أن يبقى في السعودية. الأرجح أن معلقي صور الرئيس هم خصومه، أو خصوم المملكة العربية السعودية. لكن “المستقبل” ليس بريئاً من نشر الصور ومن نشر الأخبار حول “إقامة غير إرادية” للحريري في الرياض. فصالونات “عائلات المستقبل” تولت بدورها التعبير عن مخاوفها على زعيمها، وهذا الأمر لم تحدّ منه، جهود وجوه من التيار والكتلة التي راحت تصدّ أخباراً ترشح من محيطها.
ومن غرابة الأيام القليلة الفائتة أن بيروت شهدت تظاهرتين، واحدة نظمها خصوم الحريري عن يساره (جماعة 8 آذار) يطالبون بعودته، وأخرى نظمها خصومه عن يمينه (أنصار أشرف ريفي) يؤيدون فيها بيان الاستقالة العالي اللهجة ضد حزب الله. شعرنا في بيروت أن المدينة صارت مدينة ملاهٍ، لا شيء حقيقياً فيها. المؤيدون الجدد للحريري، والمتضامنون معه، ليسوا هم أنفسهم مؤيدوه، فهم أدوا أدواراً، والصور التي علقوها له ونشروها في المدينة وعلى طريق المطار ليست صوره التي يحبها له أنصاره، ونحن إذ رحنا ننظر إليها مدققين شعرنا أن وجهه بدا فيها حزينا وابتسامته متقشفة. تفاصيل الصورة والكادر والألوان صارت مهمة. على هذا النحو يُعلق أنصار الرئيس بري صوره. ربما هم من فعلها. وأحد الخصوم البيارتة للحريري علق لافتة فيها من الحب له، ما لم نصدقه. وانتظرنا أن يُبادر صاحب السان جورج الذي لطالما علق لافتات ضد الحريري وضد شركة سوليدير على واجهات فندقه، أن يُساهم عبر لافتة في حملة التضامن معه، إلا أنه وحتى ظهر أمس لم يكن قد فعلها.
لم يسبق أن شهدت بيروت حدثاً مشابهاً. ما جرى يشبه التمثيل، والمدينة كلها كانت ذاهلة. حكاية الإقامة غير الإرادية” كانت قوية إلى حد يستحيل معه دحضها. اللبنانيون كلهم راحوا يراقبون صور رئيس حكومتهم عندما استقبل في الرياض السفراء الأجانب. لاحظ كثيرون عليه أنه لم يبتسم للسفير الفرنسي، وأنه كان متجهماً مع سفير آخر. وضاعف من زخم هذه الأخبار أنها ترافقت مع حكايات أصلب من الإشاعات عن قصة إقامته في الرياض، ذاك أنها منقولة (فرست هاند) عن الدائرة القريبة منه.
البيان الذي أصدرته كتلة المستقبل حمل الكثير من التفسيرات. الجميع في بيروت صار يعرف مَن مِن المقربين منه أيد اللغة التي كتب فيها، ومن اعترض عليها.
كان من الصعب مواجهة هذا المشهد بوعد بالعودة إلى بيروت خلال أيام. اللبنانيون أرادوا أكثر من هذا الوعد، فتفاصيل الاستقالة غير مسبوقة، وما يجري في مدينتهم كان غير حقيقي إلى حدًّ يصعب معه توضيحه بوعد. الرئيس استقال من بلد آخر، وتلى بياناً غير معهود في لغته وفي خطابه، وخصومه راحوا يعلقون صوره، وأصدقاؤه وأعضاء كتلته أصابهم ذهول وحيرة، وتحول الرجل إلى زعيم ضحية.
ثم أن السيناريو لم يقتصر على ذلك، فالحكاية تحولت إلى مجال للتخيل. فقد جزم كثيرون ومنهم قريبون منه بأن حكاية انتقال الزعامة الحريرية إلى شقيقه بهاء صحيحة، وأن العائلة رفضت وأن تسريب الأخبار كانت مهمته اعتراض انتقال الزعامة.
لا وقائع صلبة تثبت أياً من هذه الأخبار، كما أن لا وقائع صلبة تنفيها، وما رجحان صحتها في أمزجة اللبنانيين إلا نتيجة لحقيقة أن ما جرى ما كان يمكن أن يصدق لولا حصوله فعلاً. فالاستقالة على النحو الذي قُدمت به ومن المكان الذي أعلنت منه، تفتح شهية الخيال، لا سيما وأنها محفوفة بتراجيديا عائلة تخللها ذروة النجاح وذروة المأساة. والحريري الإبن ورث التراجيديا وأضاف إليها ما حل به من تبعاتها، بدءاً بوقوفه بين يدي من يعتقد أنه قاتل أبيه، يوم زار الرئيس السوري بشار الأسد في قصر المهاجرين، ووصولاً إلى تقديمه الاستقالة الافتراضية الأسبوع المنصرم.
أما عودته إلى بيروت خلال أيام، فمن المفترض أن تُجلي غموضاً، لكنها تحمل بدورها سؤالاً كبيراً. هل لبنان في وضع يتيح تغييراً في موقع نظامه من الانقسام الإقليمي؟ ذاك أن الاستقالة هي احتجاج على هذا الموقع.
التغيير خطوة هائلة يدرك الجميع أنها صارت وراءنا. من قَبِل بميشال عون رئيساً للجمهورية وبحزب الله شريكاً أكبر في السلطة، يكون متوهماً إذا ما انتظر من رئيس حكومة، هو الشريك الأصغر في حكومته، أن يتمكن من القيام بهذه المهمة.[video_player link=””][/video_player]
آخر القصص

“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!

“#الجولاني_سفاح_سوريا”: من يقف خلف الوسم الأعلى تداولاً على “إكس”؟

غزة ليست وحدها: العالم كلّه تحت تهديد ترامب!

لماذا لا يزال مطار رفيق الحريري محاصراً من الخميني وحافظ الأسد؟
