fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

في معاني “المسألة الشيعيّة” في لبنان ودلالاتها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لبنان، وكائناً ما كان تصورنا لمستقبله السياسي، يخسر الكثير من معناه، ناهيك باستقراره، حين تواجه الطائفة الشيعية، أو أية طائفة، ما يعيق قدرتها على الفعل والمبادرة والحضور الحر. ثم ما من لبناني أكثر لبنانيةً من غيره أو أقل، إذ إن اللبنانية ليست عقيدة ولا هوية حزبية، وهي ما تتعاظم صحيّته باتساعه لعقائد وهويات وميول أكثر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ أن بدأت”حرب الإسناد والمشاغلة”، ولكنْ خصوصاً منذ ضربة “البايجرز” وما تلاها من فتك وتهجير متواصلين، بات الحديث عن “مسألة شيعية” في لبنان متداوَلاً وشائعاً. فالبيئة الشيعية، وبلا أية مقارنة، أكثر بيئات الطوائف تعرضاً للعدوان وأذاه وللتحول الديموغرافي بما فيه فقدان الأرض ومنع تواصل الجماعة في مناطق إقامتها.ناهيك بأن ما ألمّ بالشيعة لا بد أن يعكس نفسه، عاجلاً أو آجلاً، على المعادلات السياسية التي تتحكم بلبنان والمبنية، حتى إشعار بعيد آخر، على معادلات الطوائف وتوازناتها.

ولئن ظهرت أصوات ترفض طرح هذه المسألة ونقاشها أصلاً، بحجة أن الطرح هذا طائفي ينبغي اجتنابه، فإن تلك النغمة التجهيلية القديمة تبدو طاقتها الإقناعية شديدة الانخفاض اليوم، ويلوح أن ما يربطها بالواقع لا يزيد عما يربط الخرافة به. 

والحال أن لبنان، وكائناً ما كان تصورنا لمستقبله السياسي، يخسر الكثير من معناه، ناهيك باستقراره، حين تواجه الطائفة الشيعية، أو أية طائفة، ما يعيق قدرتها على الفعل والمبادرة والحضور الحر. ثم ما من لبناني أكثر لبنانيةً من غيره أو أقل، إذ إن اللبنانية ليست عقيدة ولا هوية حزبية، وهي ما تتعاظم صحيّته باتساعه لعقائد وهويات وميول أكثر.

وهذا ما يحض على ضبط البذاءات العنصرية التي تظهر بين وقت وآخر حيال “الشيعة” مأخوذين ككل واحد وجامع، والكف عن الشماتة الوضيعة بهم أو التكهن بمستقبل لا يكونون فيه إلا مُهانين. لكنْ كي لا يكون الكلام مجرد وعظ ميت عن “الشعب الواحد” و”الأخوة المتعالية على الطائفية”، لا بد من الدعوة إلى تحولات سياسية ضخمة لا يدشنها إلا أبناء الطائفة الشيعية قبل أن يستجيب لها الآخرون.

“المسألة الشيعية” هي، في آخر المطاف، تعبير عن المسألة اللبنانية كلها، إلا أنه التعبير الأشد حدةً عن تلك المسألة. فهنا، لا تواجهنا فحسب الحرب الكارثية الراهنة، ودور استيلاء “حزب الله” على قرار السلم والحرب التي تسبب بها، بل أيضاً ما رعاه الحزب ونماه لعقود من وعي متماسك وصخري، وصلة وثيقة ومتشعبة بمستويات الوجود الاجتماعي الأخرى، من الاقتصاد والرعاية إلى التعليم والقضاء…

وهذا التوازي الكبير مع الاجتماع اللبناني، والمضاد له في آن، يجعل إقدام الشيعة على إنتاج معنى ذاتي خارج “حزب الله”، وخارج صلة التبعية للخارج، شرطاً شارطاً لأية استعادة وطنية. والمهمة ليست بسيطة بطبيعة الحال، يزيد في الإلحاح عليها عنصران، واحد مباشر مفاده وقف كارثة الحرب الإسرائيلية عند الحد الذي بلغته، والثاني أبعد مدى، يمثله تراجع هائل طاول الحماسة لمبدأ العيش المشترك ولاستئناف الوطنية اللبنانية. ولا يخطئ مَن يقول إن تجربة “حزب الله”، في مداها الزمني وفي عمقها، وفي تتويجها الحربي الكارثي، لعبت، بلا أي قياس، أهم الأدوار وأكبرها في دفع الجميع إلى الدَرك هذا.

فتلفيق الأخوة والوطنية مجدداً لن يكون في صالح أحد، والمؤكد أن العقل والضمير والواقع والمسؤولية تطالب بمغادرة المنطق الحانوتي القديم الذي بات تطبيقه الراهن بوقوفنا “صفاً واحداً في مواجهة العدو الصهيوني” أقرب إلى نكتة لا تُضحك. فهل على اللبنانيين مثلاً، لإثبات أخويتهم ووطنيتهم، أن يسموا سليم عياش “شهيداً ارتقى على طريق القدس”، لأن إسرائيل قتلته، هو الذي اتهمه قرار الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال رفيق الحريري؟ وهل على أبناء القصير السورية أن يفعلوا الشيء نفسه، وعياش ممن شاركوا في احتلال بلدتهم وتهجير أهلها، ثم الإقامة فيها حيث استهدفه الإسرائيليون؟ 

أما الخطوة الأولى في الانتقال إلى المراجعة فربما كان المؤهل الأوحد لأن يخطوها، وإن كانت تتعداه كثيراً في مسارها ومنطقها، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، شريطة امتلاكه الشجاعة التي تتطلبها المهمة. 

لكن المؤكد أن في وسع الطائفة الشيعية، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد، احتضان مشروع كهذا، مشروعٍ لا يتصل فحسب بلبنانيتها وبلبنانية لبنان ذاته، بل يطاول حريتها كذلك. وتفيدنا أدنى المعرفة بتاريخنا الحديث بأن الشيعة ظلوا طويلاً أكثر طوائف لبنان تنوعاً وتعدداً في كثرة أحزابهم وقياداتهم السياسية وأفكارهم، كما لجهة دينامية حضورهم في المجتمع المدني وفي الإبداع الثقافي والفني. وبسلوكٍ لم يخل من العنف، وإن لم يقتصر على العنف، فُرض عليهم حزب واحد في دولة موازية ومضادة.

وكمثل أنظمة الحزب الواحد، أقيم زنار من القوى التالفة دِهناً يحيط بخصر ذاك الحزب، وهو ما كانت تلك الأنظمة تسميه “جبهة وطنية وتقدمية”. أما الأفراد الشجعان من الشيعة اللبنانيين ممن اختاروا دائماً التصدي للحزب الواحد، جامعين بين معركة الوطنية اللبنانية ومعركة حريتهم، فلم يعترف “حزب الله” لهم بأكثر من تلك التسمية المهينة: شيعة السفارة الأميركية. وحتى اليوم، وكما هو مألوف في الأحزاب الواحدة، يستمر التخوين والتهديد اللذان يُراد منهما منع وفادة لحظتي الوطن والحرية.

محمد السكاف- فراس دالاتي- عمّار المأمون | 25.01.2025

ممثلون وممثلات سوريون بدون “الرئيس”!… عن مظلوميّة “أيتام” القصر الجمهوري المشبوهة !

في خضم المواقف المتعددة للفنانين والممثلين والإعلاميين السوريين، برز مصطلح "أيتام القصر الجمهوريّ" كوصف لمجموعة ممن لم يستطيعوا حتى الآن تقبّل واقع وجود سوريا بلا الأسد وأسرته التي أغرقت عليهم "الخدمات" مقابل الولاء الأعمى!
16.11.2024
زمن القراءة: 3 minutes

لبنان، وكائناً ما كان تصورنا لمستقبله السياسي، يخسر الكثير من معناه، ناهيك باستقراره، حين تواجه الطائفة الشيعية، أو أية طائفة، ما يعيق قدرتها على الفعل والمبادرة والحضور الحر. ثم ما من لبناني أكثر لبنانيةً من غيره أو أقل، إذ إن اللبنانية ليست عقيدة ولا هوية حزبية، وهي ما تتعاظم صحيّته باتساعه لعقائد وهويات وميول أكثر.

منذ أن بدأت”حرب الإسناد والمشاغلة”، ولكنْ خصوصاً منذ ضربة “البايجرز” وما تلاها من فتك وتهجير متواصلين، بات الحديث عن “مسألة شيعية” في لبنان متداوَلاً وشائعاً. فالبيئة الشيعية، وبلا أية مقارنة، أكثر بيئات الطوائف تعرضاً للعدوان وأذاه وللتحول الديموغرافي بما فيه فقدان الأرض ومنع تواصل الجماعة في مناطق إقامتها.ناهيك بأن ما ألمّ بالشيعة لا بد أن يعكس نفسه، عاجلاً أو آجلاً، على المعادلات السياسية التي تتحكم بلبنان والمبنية، حتى إشعار بعيد آخر، على معادلات الطوائف وتوازناتها.

ولئن ظهرت أصوات ترفض طرح هذه المسألة ونقاشها أصلاً، بحجة أن الطرح هذا طائفي ينبغي اجتنابه، فإن تلك النغمة التجهيلية القديمة تبدو طاقتها الإقناعية شديدة الانخفاض اليوم، ويلوح أن ما يربطها بالواقع لا يزيد عما يربط الخرافة به. 

والحال أن لبنان، وكائناً ما كان تصورنا لمستقبله السياسي، يخسر الكثير من معناه، ناهيك باستقراره، حين تواجه الطائفة الشيعية، أو أية طائفة، ما يعيق قدرتها على الفعل والمبادرة والحضور الحر. ثم ما من لبناني أكثر لبنانيةً من غيره أو أقل، إذ إن اللبنانية ليست عقيدة ولا هوية حزبية، وهي ما تتعاظم صحيّته باتساعه لعقائد وهويات وميول أكثر.

وهذا ما يحض على ضبط البذاءات العنصرية التي تظهر بين وقت وآخر حيال “الشيعة” مأخوذين ككل واحد وجامع، والكف عن الشماتة الوضيعة بهم أو التكهن بمستقبل لا يكونون فيه إلا مُهانين. لكنْ كي لا يكون الكلام مجرد وعظ ميت عن “الشعب الواحد” و”الأخوة المتعالية على الطائفية”، لا بد من الدعوة إلى تحولات سياسية ضخمة لا يدشنها إلا أبناء الطائفة الشيعية قبل أن يستجيب لها الآخرون.

“المسألة الشيعية” هي، في آخر المطاف، تعبير عن المسألة اللبنانية كلها، إلا أنه التعبير الأشد حدةً عن تلك المسألة. فهنا، لا تواجهنا فحسب الحرب الكارثية الراهنة، ودور استيلاء “حزب الله” على قرار السلم والحرب التي تسبب بها، بل أيضاً ما رعاه الحزب ونماه لعقود من وعي متماسك وصخري، وصلة وثيقة ومتشعبة بمستويات الوجود الاجتماعي الأخرى، من الاقتصاد والرعاية إلى التعليم والقضاء…

وهذا التوازي الكبير مع الاجتماع اللبناني، والمضاد له في آن، يجعل إقدام الشيعة على إنتاج معنى ذاتي خارج “حزب الله”، وخارج صلة التبعية للخارج، شرطاً شارطاً لأية استعادة وطنية. والمهمة ليست بسيطة بطبيعة الحال، يزيد في الإلحاح عليها عنصران، واحد مباشر مفاده وقف كارثة الحرب الإسرائيلية عند الحد الذي بلغته، والثاني أبعد مدى، يمثله تراجع هائل طاول الحماسة لمبدأ العيش المشترك ولاستئناف الوطنية اللبنانية. ولا يخطئ مَن يقول إن تجربة “حزب الله”، في مداها الزمني وفي عمقها، وفي تتويجها الحربي الكارثي، لعبت، بلا أي قياس، أهم الأدوار وأكبرها في دفع الجميع إلى الدَرك هذا.

فتلفيق الأخوة والوطنية مجدداً لن يكون في صالح أحد، والمؤكد أن العقل والضمير والواقع والمسؤولية تطالب بمغادرة المنطق الحانوتي القديم الذي بات تطبيقه الراهن بوقوفنا “صفاً واحداً في مواجهة العدو الصهيوني” أقرب إلى نكتة لا تُضحك. فهل على اللبنانيين مثلاً، لإثبات أخويتهم ووطنيتهم، أن يسموا سليم عياش “شهيداً ارتقى على طريق القدس”، لأن إسرائيل قتلته، هو الذي اتهمه قرار الادعاء في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال رفيق الحريري؟ وهل على أبناء القصير السورية أن يفعلوا الشيء نفسه، وعياش ممن شاركوا في احتلال بلدتهم وتهجير أهلها، ثم الإقامة فيها حيث استهدفه الإسرائيليون؟ 

أما الخطوة الأولى في الانتقال إلى المراجعة فربما كان المؤهل الأوحد لأن يخطوها، وإن كانت تتعداه كثيراً في مسارها ومنطقها، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، شريطة امتلاكه الشجاعة التي تتطلبها المهمة. 

لكن المؤكد أن في وسع الطائفة الشيعية، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد، احتضان مشروع كهذا، مشروعٍ لا يتصل فحسب بلبنانيتها وبلبنانية لبنان ذاته، بل يطاول حريتها كذلك. وتفيدنا أدنى المعرفة بتاريخنا الحديث بأن الشيعة ظلوا طويلاً أكثر طوائف لبنان تنوعاً وتعدداً في كثرة أحزابهم وقياداتهم السياسية وأفكارهم، كما لجهة دينامية حضورهم في المجتمع المدني وفي الإبداع الثقافي والفني. وبسلوكٍ لم يخل من العنف، وإن لم يقتصر على العنف، فُرض عليهم حزب واحد في دولة موازية ومضادة.

وكمثل أنظمة الحزب الواحد، أقيم زنار من القوى التالفة دِهناً يحيط بخصر ذاك الحزب، وهو ما كانت تلك الأنظمة تسميه “جبهة وطنية وتقدمية”. أما الأفراد الشجعان من الشيعة اللبنانيين ممن اختاروا دائماً التصدي للحزب الواحد، جامعين بين معركة الوطنية اللبنانية ومعركة حريتهم، فلم يعترف “حزب الله” لهم بأكثر من تلك التسمية المهينة: شيعة السفارة الأميركية. وحتى اليوم، وكما هو مألوف في الأحزاب الواحدة، يستمر التخوين والتهديد اللذان يُراد منهما منع وفادة لحظتي الوطن والحرية.