بشار الأسد أهين في بلده على مرأى العالم ومسمعه. أهانه ضابط روسي ردعه عن اللحاق برئيسه فلاديمير بوتين.
سعد الحريري أهين في السعودية. الأمر لم يعد سراً.
حليفان أهينا من حليفيهما.
في مستوى أقل من مستوى الإهانة الجسدية، أهين محمود عباس أيضاً. الإهانة جاءت من واشنطن مع قرار رئيسها دونالد ترامب بشان القدس، أي من العاصمة الضامنة لمشروع عباس.
أيضاً أهين مسعود بارزاني في مشروعه للاستقلال الكردي. أهين في كركوك على أيدي الإيرانيين، لكنْ أيضاً، ومن بعيد، على أيدي الحلفاء الأميركيين.
في مستوى ثالث من الإهانة، حيدر العبادي ليس بمنجى من معاملة إيرانية مهينة رمزاها نوري المالكي و”الحشد الشعبي”. إنه مضطر إلى السير على حد السيف.
ملك الأردن عبد الله يعرّض نفسه للإهانة حين تتقلص السياسة الخارجية للأردن إلى تسوّل للمعونات المالية.
القادة المذكورون – وبغض النظر عن الرأي بسياستهم – ليسوا بالضرورة مازوشيين. ليسوا بالضرورة مولعين بتلقي الإهانات. لكن القيادة السياسية في منطقة المشرق سبب وجيه للإهانة… لا سيما اليوم.
فهذه الرقعة الجغرافية الواقعة بين إسرائيل وإيران، وبين تركيا والسعودية، لا يوجد فيها بلد سيد قوي. لا يوجد فيها سيد قائد متمكن. لا يوجد فيها مركز يقابل تلك المراكز: حيث لا تحل الحرب الأهلية يطغى الانقسام الأهلي الحاد، وحيث لا يحل هذان يعمّ الفقر والحاجة.
المشرق بالتالي مجرد جغرافيا. مجرد إطار بلا مضمون ولا قدرة يُعتد بها.
بشار الأسد يجلس فوق بلد مفتت. تجربة الحرب أثبتت أنه لم “ينتصر” إلا بتدخل الروس والإيرانيين. سعد الحريري أعزل أمام حزب الله حتى حين ترعاه السعودية، فكيف حين لا ترعاه؟ مسعود بارزاني تقابله زعامة الطالبانيين في السليمانية وتطعنه في ظهره قبل أن يطعنه الآخرون. محمود عباس تناظره قيادة “حماس” في غزة التي ولدت سلطتها كاستقلال عن سلطته. حيدر العبادي لا يمثل أكثرية الشيعة العراقيين الذين يحكم باسمهم. إنه الأقلية في حزبه. الملك عبد الله يجلس فوق الانقسام الفلسطيني – الشرق أردني الذي تزداد حدته ويصعب ضبطه إبان المنعطفات الحادة في المنطقة.
البلدان التي يُطرح وضعها على الطاولة يستحيل أن تكون بلداناً فاعلة، ويستحيل أن تكون قياداتها قوية. إنها تتأثر ولا تؤثر. تنفعل ولا تفعل.
كيف التعامل مع الإهانة؟ كيف التصرف كما لو أنها لم تحدث؟ هذا قد يكون السؤال الأول لسياسيي المشرق العربي اليوم.
وليد جنبلاط الذي يعرف، من دون أن يكابر، أنه يتزعم طائفة صغيرة وضعيفة في لبنان، خبير محلّف في مواجهة هذه المسألة. خبرته ترقى إلى أواخر السبعينات حين اغتيل والده فاضطر إلى مسايرة قاتليه. لقد بدأت حياته السياسية مع هذا الدرس. لقد وُلد فيه.
الآن، مع تحول المشرق إلى طوائف صغرى متناحرة، يلوح جنبلاط بوصفه أمهر الأساتذة وأكثرهم براعة.
تعلموا من وليد جنبلاط!
[video_player link=””][/video_player]