منذ مطلع هذا العام، خسر تنظيم الحرس الثوري أكثر من 30 عنصراً، في غارات إسرائيلية على قواعد إيرانية داخل سوريا، تحديداً بين شهري أبريل/ نيسان ومايو/ أيار.
لأسباب مدروسة، أوردت وكالة “تسنيم” القريبة من التنظيم في خبرين منفصلين زمنياً، تفاصيل حول قتلى الغارتين المنفصلتين زمنياً. في الغارة على مطار “تي فور” قرب حمص، التي حصلت الشهر الماضي، ذكرت “تسنيم” أن الغارة أوقعت 7 قتلى، ونشرت صورهم ونبذة عن حياة كل واحد منهم. في الغارة الثانية، على قواعد عسكرية قرب حماه وحلب، التي حصلت منذ أيام، اكتفت “تسنيم” بنشر خبر مقتل 24 عنصراً من الحرس الثوري، من دون التطرق إلى أي تفاصيل أخرى.
الشفافية، صفة لا يتحلى بها الحرس الثوري، خصوصاً إذا كان الأمر متعلقاً بخسائر بشرية. اعتراف تنظيم حديدي، شديد السرية والتكتم بالخسارة مهما كان نوعها، تهور، عواقبه أشبه بمحاولة خفاش التحليق في ضوء الشمس. عملاً بهذه السياسة، لم يصدر عن الحرس الثوري منذ تاريخ انخراطه في الحرب السورية، أي معلومات أو إحصاءات رسمية، تكشف حجم خسائره الحقيقي على مدى سبع سنوات.
جمع المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع تكاد تكون مهمة شبه مستحيلة، وعلى الباحث أن يراجع تصريحات متفرقة لمسؤولين في التنظيم، إضافة إلى تجميع أخبار أوردتها وسائل إعلامية تابعة له. وعليه، فإن خارطة خسائر الحرس البشرية، تهمل سنة 2011، وتبدأ مع مطلع عام 2012 وتمتد حتى أواخر عام 2016، مع انقطاع تام لأي معلومة في عام 2017!
وفي هذا السياق، يمكن البناء على تصريح للقائد السابق في التنظيم العميد عين الله تبريزي يعترف فيه بأن التنظيم لم يكن له أي وجود عسكري في سوريا عام 2011، وأن عدد قتلاه بعد تدخله لحماية النظام ومقامات أهل البيت في سوريا ما بين 2012 و2016، بلغ 3000 عنصر، نصفهم تقريباً من اللاجئين الأفغان، إضافة إلى 18 استشارياً من قوات النخبة سقطوا في أماكن متفرقة من سوريا، وقد نشرت وسائل الإعلام الرسمي والخاص أسماءهم وصورهم وتفاصيل عن خبراتهم الميدانية وأدوارهم الاستشارية في المعارك الدائرة في المدن السورية.
المعلومات غير الرسمية، تبدو مناقضة لما يعترف به التنظيم، على رغم أنها غير دقيقة، فما بين شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز من عام 2017، توزعت على المدن الإيرانية جثامين 50 قتيلاً للتنظيم، بينهم 9 لاجئين أفغان، أما في السنوات الأربعة الأولى من الحرب السورية، فقد أحصت المواقع الإخبارية غير الرسمية مقتل 2100 قتيل، حصة مدينة قم وحدها منهم، بلغت 235 قتيلاً، تليها مدينة مشهد من حيث ارتفاع عدد القتلى.
وتذكر هذه المواقع أن مقاتلي التنظيم الذين يشاركون في الحرب السورية، إذا استثنينا منهم اللاجئين الأفغان، هم بمعظمهم من القومية الفارسية ومن أتباع المذهب الشيعي الاثني عشري، وبذلك باتت عادية رؤية مشهد تقاطر الجنائز في المناطق الوسطى في الجمهورية الإسلامية، بينما بقيت مناطق الأطراف التي تقطنها أقليات مذهبية وعرقية وقومية بمنأى عن هذه المشهدية.
في المعلومات القليلة المتفرقة، التي ينشرها التنظيم حول أعداد قتلاه في سوريا، يصر على “المناصفة” بين الإيرانيين والأفغان، فلا يوجد إحصاء رسمي صادر عنه، إلا ويكون مذيلاً بعبارة “نصفهم من الإخوة الأفغان”، لكن هذه العبارة على قدر كبير من المغالطة، بحسب صحافيين محليين، يؤكدون أن النسبة الأكبر من الخسائر البشرية في الحرب السورية، تتركز في مجمعات اللاجئين الأفغان، ومن غير الإنصاف مساواتها بخسائر الإيرانيين. فاللاجئ الأفغاني مجبر على المشاركة في هذه الحرب، تحت تهديد الترحيل والحرمان من تجديد الإقامة، إضافة إلى استعمال سلاح المال، إذ يرصد التنظيم راتباً يبلغ 550 دولاراً أميركياً لكل لاجئ أفغاني يحارب في سوريا، وهو مبلغ خيالي بالنسبة إلى شعب يحشر منذ أواسط الثمانينات في مخيمات حدودية أو في عشوائيات بائسة على تخوم المدن الكبرى، خصوصاً في هذه الأيام، حيث تعدت قيمة الدولار الواحد عتبة 6 آلاف تومان.
مؤسسة الشهيد “بنياد شهيد” وهي الجهة الرسمية التابعة للتنظيم التي تعنى بعوائل “شهداء” الحروب الإيرانية، تعتمد كالتنظيم أيضاً، مبدأ “المناصفة”، وتذكر على موقعها الإلكتروني أنها سجلت حتى بداية هذه السنة، اسم 400 عائلة “شهيد” إيراني للحرس الثوري، قتلوا في سوريا، إضافة إلى 400 عائلة “شهيد” أفغاني، وتتكفل بمنحهم تعويضاتهم المالية أي “بدل استشهاد” ورواتبهم الشهرية وتتابع متطلباتهم الحياتية الأخرى.
بالعودة إلى خسائر الغارات الأخيرة، يبدو أن الحرس تعمد الإفصاح عن عدد قتلاه، وكلهم من الإيرانيين هذه المرة! لأنهم قتلوا جراء غارات إسرائيلية. فللأيديولوجيا هنا فعل السحر، إذ تساعد على تجييش الفئات الشعبية، وتحثها على الالتفاف حول خيارات النظام وحرسه، وتساهم في تحضير أرواح الإيرانيين على طريق ارتفاعها إلى بارئها، في حال اندلاع حرب مع إسرائيل، بعد أن صرح مستشار مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، تعليقاً على الغارتين الإسرائيليتين بأن “كلتيهما جريمة موصوفة ولا يمكن أن تمرا قطعاً من دون رد”.