fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

قضية إسراء غريب:هل تقع ضحية التواطؤ الرسمي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حتى الآن، لم تسفر نتائج التحقيق عن شيء، وواضح أنه سيطول، ويبدو أنه لم تدرك الحكومة الفلسطينية أن قضية إسراء غريب لحظة فارقة، وأن عليها أن تتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية والعمل بسرعة لتعديل السلوك المجتمعي والثقافة السائدة تجاه المرأة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وصل صراخ الفتاة المغدورة إسراء غريب إلى أنحاء الدنيا وهز موتها الإنسانية، وشغلت قضيتها الرأي العام العربي وليس الفلسطيني فقط، ولاقت تعاطفاً وتضامناً غير مسبوقين، ما أجبر الحكومة الفلسطينية ورئيسها والنيابة العامة على فتح تحقيق، بعدما وصلت استغاثات الفتاة وإن متأخرة إلى أطراف العدالة والحكومة، فأتت الاستجابة القضائية والرسمية متأخرة أيضاً.

ويظهر الارتباك تكراراً في الروايات الرسمية المتتالية للحكومة الفلسطينية والنيابة العامة وأجهزتها الأمنية والشرطية والطب الشرعي. وكان واضحاً العجز وربما الإهمال وسوء التقدير، وقد يكون هناك تواطؤ من بعض أطراف المؤسسة الرسمية الفلسطينية ومن جهات مختلفة، بدءاً من النيابة العامة والشرطة ووزارة الصحة ووزارة التنمية الاجتماعية “دائرة حماية الأسرة”، وليس انتهاء بوزارة الأوقاف التي تسمح لبعض “المشعوذين” تحت اسم الدين بعلاج المرضى النفسيين بالضرب لإخراج الجن من أجسامهم.

كما بدت سطوة زوج أخت إسراء واضحة على العائلة البسيطة، وكأنه السيد الذي يمنح العائلة الحياة والحريص على حياتها، وهو من سكان مدينة أريحا ينتمي الى تنظيم حركة فتح ويحمل شهادة ماجستير في العلوم السياسية. وبذل جهوداً كبيرة لتكميم أفواه الناس وكل من حاول الحديث عن إسراء، وجند البعض معه للدفاع عن روايته التي تقول إنّ الفتاة سقطت ولم تُقتل. لكن في النتيجة إسراء ماتت، ولم تتحرك أجهزة العدالة بسرعة وانتظرت الشرطة والنيابة انتهاء إجازة عيد الأضحى وتداول المحادثات المسربة والفيديو الذي هز الدنيا، كي تفتح تحقيقاً في الجريمة.

النيابة العامة بدأت التحقيق متأخرة وأصدرت أوامر اعتقال بحق شقيقَي إسراء وزوج أختها، ويمكن تصوّر كيف تدير النيابة العامة التحقيق واعتقد انها تركز في التحقيق على ثلاثة اتجاهات.

الاتجاه الأول يقضي بأن تكون إسراء تعرضت لانتكاسة نفسية بعدما فسخت خطوبتها، وبدل من عرضها على طبيب نفسي تم جلب ثلاثة من المشايخ المشعوذين لعلاجها، وهؤلاء يستخدمون الضرب في ما يسمى العلاج من “المس” بالجن. وربما تقول الحكاية إن إسراء هربت منهم ورمت نفسها من شرفة المنزل في الطبقة الثالثة، ما تسبب في إصابتها بكسور في الظهر. وهؤلاء المشعوذون يعرفهم الناس والشرطة التي لم تقدم على اعتقال أي منهم. 

وإذ أكد بيان وزارة الصحة، الفضيحة، أن إسراء تعرضت للضرب، ولم تقم المستشفى بإبلاغ الشرطة للتحقيق في الحادث، سُمِح للعائلة بالخروج من المستشفى من دون أي إجراء قانوني وكانت النتيجة وفاة الفتاة.

والاتجاه الثاني في التحقيق يفيد بأن إسراء تعرضت للضرب من أهلها بسبب حالتها النفسية وأنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها وكانت تقوم بأعمال غير إرادية كالصراخ المستمر وخلع ملابسها. والاتجاه الثالث في التحقيق هو احتمال خطير قائم لدى المحققين، وهو أن يكون أحد أفراد العائلة قد تحرش بإسراء ما سبب لها حالة نفسية قاسية، لذا قام بوسائل مختلفة لتضليل الرأي العام والعدالة.

السلطة حتى اللحظة، عاجزة عن إعلان الحقيقة، فيما على التحقيق أن يكون شاملاً ومحايداً ويتبع الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة والعلنية لجميع المتورطين بمن فيهم المشعوذون

إذا انتهى التحقيق باعتراف شقيقَي إسراء وزوج شقيقتها بتضليل العدالة والاعتداء على الفتاة بالضرب، ربما توجه تهمة للثلاثة بالتسبب بالضرب المفضي إلى الموت، بمعنى أن الجاني لم يكن يقصد قتل الضحية، لكن  أدى هذا الاعتداء إلى الموت وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بالسجن. 

حتى الآن، لم تسفر نتائج التحقيق عن شيء، وواضح أنه سيطول بخاصة أن النيابة العامة تنتظر نتائج الفحوصات لعينات من جثمان إسراء، أُرسلت إلى المختبرات والأدلة الجرمية التابعة لمديرية الأمن العام في الأردن. 

لم تدرك الحكومة أن قضية إسراء لحظة فارقة، وأن عليها أن تتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية والتفكير الجدي ومراجعة القوانين والعمل بسرعة لتعديل السلوك المجتمعي والثقافة السائدة تجاه قضايا المرأة.

مسؤولية قتل إسراء مسؤولية جماعية، تتوزع بين صمت وزارة الصحة ووزارة الأوقاف والشرطة والنيابة العامة التي تأخرت في التحقيقات، وبخاصة في ما يتعلق بالمشعوذين الذين تسببوا في وفاتها ووفاة عشرات النساء والرجال جراء العلاج بالضرب من قبل هؤلاء. 

انتهاكات مزمنة بحق النساء

وكانت توفيت طفلة (16 سنة) في منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي من قرية الجيب في ضواحي القدس، على يد أحد (المشعوذين) بعد ادعائه أنه قادر على علاجها من مرضها بعد توجه أهلها إليه، ووصلت الطفلة إلى مجمع فلسطين الطبي وقد فارقت الحياة.

بلغ عدد النساء اللواتي قتلن في الضفة الغربية وقطاع غزة من بداية عام 2019 حوالى 20 امرأة لأسباب مختلفة مثل الانتحار، الشنق، أو السقوط من علو، وغيرها من الأحداث التي توضع في خانة “تحت ظروف غامضة”، ما يترك ألف سؤال لدى مؤسسات حقوقية ونسوية وعند الرأي العام، الذي يتم إسكاته وتدجينه وإخفاء الحقيقة عن عينيه.

قضية إسراء ذكرتني بقضية الشاب محمود عام 2010، والذي حكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات بتهمة قتل ابنة عمه في قضية ما يسمى “شرف العائلة”، وفي تبرير جريمته قال لي: “أنتم في مؤسسات حقوق الإنسان كنتم السبب في تشديد العقوبة بحقي أنا وأبناء عمي من خلال الضغط الذي تمارسونه على منفذي هذه الجرائم، أنتم لا تعلمون كم مرة حاولنا فيها ثنيها عن سلوكها اللاأخلاقي والمشين، لقد تزوجت ثلاث مرات وطلقت، أقسمت على القرآن أنها لن تعود لممارسة الرذيلة، إلا أنها لم تلتزم، وقفت بجانبها ودافعت عنها إلا أنها خذلتني، لم أستطع الدفاع عنها”.

محمد واثنان من أبناء عمه شاركوا في قتل ابنة عمهم، اعتقلوا واعترفوا بقتلها من أجل “شرف العائلة”، وحوكم الثلاثة مدة خمس سنوات لكل منهم، واعتبروا الحكم قاسياً، وحاولوا الاستفادة من السوابق القضائية والأحكام المخففة التي ينالها مرتكبو جرائم القتل على خلفية “شرف العائلة” والثقافة الاجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني.

هل تكون مأساة اسراء نقطة تحول؟

قضية إسراء ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مجتمع قبلي تسوده ثقافة الذكورية ولن نستبق نتائج التحقيق، على رغم الخشية من لملمة القضية ومحاولة التملص من توجيه اتهامات لعائلتها وجميع الذين ساهموا في مقتلها، سواء بالتحريض أو التشكيك فيها (بنات عمها وسواهنّ). ومهما كانت الأسباب التي أدت إلى رحيل إسراء فهي قضية كل فرد في المجتمع. ومن سلب حياة إسراء مركبات مختلفة من المجتمع والسلطة والحكومة وأجهزتها التنفيذية بعجزها وقصورها عن اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة كاستدعاء أفراد العائلة في المرة الأولى عندما سمحت لهم إدارة المستشفى بإخراجها على مسؤوليتهم.

سأذهب للقول إن النيابة العامة والشرطة كان لديهما سوء تقدير (حتى لا نعتبره إهمالاً) في ضرورة فتح تحقيق فوري وجدّيّ في قضية سقوط إسراء من شرفة منزل العائلة، لكن هل سوء التقدير كان بسبب إجازة عيد الأضحى، أم أنه بسبب تواطؤ بعض المتنفذين وذريعة الروايات المتضاربة. وهنا الخشية الفعلية هي من إخفاء الحقيقة والتأخير في إصدار تقرير الطب الشرعي.

وانتشر حديث عن تقديم مجموعة من اختصاصيي الطب الشرعي استقالاتهم، احتجاجاً على عدم صدور تقرير طبي شرعي حتى الآن وعدم مشاركتهم في كتابة التقرير الطبي الخاص بإسراء غريب، إذ استغرق صدور التقرير الطبي الخاص بها وقتاً طويلاً، لا يتناسب وكونها قضية رأي عام. مع العلم أنه يمكن إنجاز التقرير بشكل أسرع، لولا الرغبة في التكتم ودرس الخطوات.

السلطة حتى اللحظة، عاجزة عن إعلان الحقيقة، فيما على التحقيق أن يكون شاملاً ومحايداً ويتبع الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة والعلنية لجميع المتورطين بمن فيهم المشعوذون. وذلك بانتظار اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة لإصدار قانون لحماية المرأة من العنف الأسري والمجتمعي وحتى العنف في غرف النوم.

مقتل إسراء لحظة حاسمة في تاريخ الفلسطينيين والنضال النسوي برمّته، وعلى رحيلها المفجع ألا يمرّ مرور مئات وآلاف الجرائم التي تنفّذ بحق نساء، في غياب المحاسبة العادلة والمقاربة الإنسانية الحقة، غير المنحازة لذكورية المجتمع وعقله القبليّ.

حين يأكل الفلسطينيّون خضاراً تتغذّى على نفايات إسرائيليّة مطحونة

11.09.2019
زمن القراءة: 5 minutes

حتى الآن، لم تسفر نتائج التحقيق عن شيء، وواضح أنه سيطول، ويبدو أنه لم تدرك الحكومة الفلسطينية أن قضية إسراء غريب لحظة فارقة، وأن عليها أن تتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية والعمل بسرعة لتعديل السلوك المجتمعي والثقافة السائدة تجاه المرأة.

وصل صراخ الفتاة المغدورة إسراء غريب إلى أنحاء الدنيا وهز موتها الإنسانية، وشغلت قضيتها الرأي العام العربي وليس الفلسطيني فقط، ولاقت تعاطفاً وتضامناً غير مسبوقين، ما أجبر الحكومة الفلسطينية ورئيسها والنيابة العامة على فتح تحقيق، بعدما وصلت استغاثات الفتاة وإن متأخرة إلى أطراف العدالة والحكومة، فأتت الاستجابة القضائية والرسمية متأخرة أيضاً.

ويظهر الارتباك تكراراً في الروايات الرسمية المتتالية للحكومة الفلسطينية والنيابة العامة وأجهزتها الأمنية والشرطية والطب الشرعي. وكان واضحاً العجز وربما الإهمال وسوء التقدير، وقد يكون هناك تواطؤ من بعض أطراف المؤسسة الرسمية الفلسطينية ومن جهات مختلفة، بدءاً من النيابة العامة والشرطة ووزارة الصحة ووزارة التنمية الاجتماعية “دائرة حماية الأسرة”، وليس انتهاء بوزارة الأوقاف التي تسمح لبعض “المشعوذين” تحت اسم الدين بعلاج المرضى النفسيين بالضرب لإخراج الجن من أجسامهم.

كما بدت سطوة زوج أخت إسراء واضحة على العائلة البسيطة، وكأنه السيد الذي يمنح العائلة الحياة والحريص على حياتها، وهو من سكان مدينة أريحا ينتمي الى تنظيم حركة فتح ويحمل شهادة ماجستير في العلوم السياسية. وبذل جهوداً كبيرة لتكميم أفواه الناس وكل من حاول الحديث عن إسراء، وجند البعض معه للدفاع عن روايته التي تقول إنّ الفتاة سقطت ولم تُقتل. لكن في النتيجة إسراء ماتت، ولم تتحرك أجهزة العدالة بسرعة وانتظرت الشرطة والنيابة انتهاء إجازة عيد الأضحى وتداول المحادثات المسربة والفيديو الذي هز الدنيا، كي تفتح تحقيقاً في الجريمة.

النيابة العامة بدأت التحقيق متأخرة وأصدرت أوامر اعتقال بحق شقيقَي إسراء وزوج أختها، ويمكن تصوّر كيف تدير النيابة العامة التحقيق واعتقد انها تركز في التحقيق على ثلاثة اتجاهات.

الاتجاه الأول يقضي بأن تكون إسراء تعرضت لانتكاسة نفسية بعدما فسخت خطوبتها، وبدل من عرضها على طبيب نفسي تم جلب ثلاثة من المشايخ المشعوذين لعلاجها، وهؤلاء يستخدمون الضرب في ما يسمى العلاج من “المس” بالجن. وربما تقول الحكاية إن إسراء هربت منهم ورمت نفسها من شرفة المنزل في الطبقة الثالثة، ما تسبب في إصابتها بكسور في الظهر. وهؤلاء المشعوذون يعرفهم الناس والشرطة التي لم تقدم على اعتقال أي منهم. 

وإذ أكد بيان وزارة الصحة، الفضيحة، أن إسراء تعرضت للضرب، ولم تقم المستشفى بإبلاغ الشرطة للتحقيق في الحادث، سُمِح للعائلة بالخروج من المستشفى من دون أي إجراء قانوني وكانت النتيجة وفاة الفتاة.

والاتجاه الثاني في التحقيق يفيد بأن إسراء تعرضت للضرب من أهلها بسبب حالتها النفسية وأنهم لم يستطيعوا السيطرة عليها وكانت تقوم بأعمال غير إرادية كالصراخ المستمر وخلع ملابسها. والاتجاه الثالث في التحقيق هو احتمال خطير قائم لدى المحققين، وهو أن يكون أحد أفراد العائلة قد تحرش بإسراء ما سبب لها حالة نفسية قاسية، لذا قام بوسائل مختلفة لتضليل الرأي العام والعدالة.

السلطة حتى اللحظة، عاجزة عن إعلان الحقيقة، فيما على التحقيق أن يكون شاملاً ومحايداً ويتبع الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة والعلنية لجميع المتورطين بمن فيهم المشعوذون

إذا انتهى التحقيق باعتراف شقيقَي إسراء وزوج شقيقتها بتضليل العدالة والاعتداء على الفتاة بالضرب، ربما توجه تهمة للثلاثة بالتسبب بالضرب المفضي إلى الموت، بمعنى أن الجاني لم يكن يقصد قتل الضحية، لكن  أدى هذا الاعتداء إلى الموت وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بالسجن. 

حتى الآن، لم تسفر نتائج التحقيق عن شيء، وواضح أنه سيطول بخاصة أن النيابة العامة تنتظر نتائج الفحوصات لعينات من جثمان إسراء، أُرسلت إلى المختبرات والأدلة الجرمية التابعة لمديرية الأمن العام في الأردن. 

لم تدرك الحكومة أن قضية إسراء لحظة فارقة، وأن عليها أن تتحمّل مسؤوليتها القانونية والأخلاقية والتفكير الجدي ومراجعة القوانين والعمل بسرعة لتعديل السلوك المجتمعي والثقافة السائدة تجاه قضايا المرأة.

مسؤولية قتل إسراء مسؤولية جماعية، تتوزع بين صمت وزارة الصحة ووزارة الأوقاف والشرطة والنيابة العامة التي تأخرت في التحقيقات، وبخاصة في ما يتعلق بالمشعوذين الذين تسببوا في وفاتها ووفاة عشرات النساء والرجال جراء العلاج بالضرب من قبل هؤلاء. 

انتهاكات مزمنة بحق النساء

وكانت توفيت طفلة (16 سنة) في منتصف شهر حزيران/ يونيو الماضي من قرية الجيب في ضواحي القدس، على يد أحد (المشعوذين) بعد ادعائه أنه قادر على علاجها من مرضها بعد توجه أهلها إليه، ووصلت الطفلة إلى مجمع فلسطين الطبي وقد فارقت الحياة.

بلغ عدد النساء اللواتي قتلن في الضفة الغربية وقطاع غزة من بداية عام 2019 حوالى 20 امرأة لأسباب مختلفة مثل الانتحار، الشنق، أو السقوط من علو، وغيرها من الأحداث التي توضع في خانة “تحت ظروف غامضة”، ما يترك ألف سؤال لدى مؤسسات حقوقية ونسوية وعند الرأي العام، الذي يتم إسكاته وتدجينه وإخفاء الحقيقة عن عينيه.

قضية إسراء ذكرتني بقضية الشاب محمود عام 2010، والذي حكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات بتهمة قتل ابنة عمه في قضية ما يسمى “شرف العائلة”، وفي تبرير جريمته قال لي: “أنتم في مؤسسات حقوق الإنسان كنتم السبب في تشديد العقوبة بحقي أنا وأبناء عمي من خلال الضغط الذي تمارسونه على منفذي هذه الجرائم، أنتم لا تعلمون كم مرة حاولنا فيها ثنيها عن سلوكها اللاأخلاقي والمشين، لقد تزوجت ثلاث مرات وطلقت، أقسمت على القرآن أنها لن تعود لممارسة الرذيلة، إلا أنها لم تلتزم، وقفت بجانبها ودافعت عنها إلا أنها خذلتني، لم أستطع الدفاع عنها”.

محمد واثنان من أبناء عمه شاركوا في قتل ابنة عمهم، اعتقلوا واعترفوا بقتلها من أجل “شرف العائلة”، وحوكم الثلاثة مدة خمس سنوات لكل منهم، واعتبروا الحكم قاسياً، وحاولوا الاستفادة من السوابق القضائية والأحكام المخففة التي ينالها مرتكبو جرائم القتل على خلفية “شرف العائلة” والثقافة الاجتماعية السائدة في المجتمع الفلسطيني.

هل تكون مأساة اسراء نقطة تحول؟

قضية إسراء ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في مجتمع قبلي تسوده ثقافة الذكورية ولن نستبق نتائج التحقيق، على رغم الخشية من لملمة القضية ومحاولة التملص من توجيه اتهامات لعائلتها وجميع الذين ساهموا في مقتلها، سواء بالتحريض أو التشكيك فيها (بنات عمها وسواهنّ). ومهما كانت الأسباب التي أدت إلى رحيل إسراء فهي قضية كل فرد في المجتمع. ومن سلب حياة إسراء مركبات مختلفة من المجتمع والسلطة والحكومة وأجهزتها التنفيذية بعجزها وقصورها عن اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة كاستدعاء أفراد العائلة في المرة الأولى عندما سمحت لهم إدارة المستشفى بإخراجها على مسؤوليتهم.

سأذهب للقول إن النيابة العامة والشرطة كان لديهما سوء تقدير (حتى لا نعتبره إهمالاً) في ضرورة فتح تحقيق فوري وجدّيّ في قضية سقوط إسراء من شرفة منزل العائلة، لكن هل سوء التقدير كان بسبب إجازة عيد الأضحى، أم أنه بسبب تواطؤ بعض المتنفذين وذريعة الروايات المتضاربة. وهنا الخشية الفعلية هي من إخفاء الحقيقة والتأخير في إصدار تقرير الطب الشرعي.

وانتشر حديث عن تقديم مجموعة من اختصاصيي الطب الشرعي استقالاتهم، احتجاجاً على عدم صدور تقرير طبي شرعي حتى الآن وعدم مشاركتهم في كتابة التقرير الطبي الخاص بإسراء غريب، إذ استغرق صدور التقرير الطبي الخاص بها وقتاً طويلاً، لا يتناسب وكونها قضية رأي عام. مع العلم أنه يمكن إنجاز التقرير بشكل أسرع، لولا الرغبة في التكتم ودرس الخطوات.

السلطة حتى اللحظة، عاجزة عن إعلان الحقيقة، فيما على التحقيق أن يكون شاملاً ومحايداً ويتبع الإجراءات القانونية والمحاكمة العادلة والعلنية لجميع المتورطين بمن فيهم المشعوذون. وذلك بانتظار اتخاذ إجراءات فورية وعاجلة لإصدار قانون لحماية المرأة من العنف الأسري والمجتمعي وحتى العنف في غرف النوم.

مقتل إسراء لحظة حاسمة في تاريخ الفلسطينيين والنضال النسوي برمّته، وعلى رحيلها المفجع ألا يمرّ مرور مئات وآلاف الجرائم التي تنفّذ بحق نساء، في غياب المحاسبة العادلة والمقاربة الإنسانية الحقة، غير المنحازة لذكورية المجتمع وعقله القبليّ.

حين يأكل الفلسطينيّون خضاراً تتغذّى على نفايات إسرائيليّة مطحونة