حتى اللحظة، تتجاهل السلطات السعودية الارتباك والشجب العالمي بعد الحكم على السعودية سلمى الشهاب بأربع وثلاثين سنة في السجن، ومثلها تمنع فيها من السفر بعد إنهاء محكوميتها.
المفارقة أن سلمى تبلغ من العمر 34 عاماً، وهو ما دفع بعض النشطاء عند سماعهم الخبر إلى الاعتقاد بأن هناك لبساً في الارقام، اذ لم يصدق معظم هؤلاء الخبر ولم تتفاعل معه المنظمات الدولية فور خروجه، كون الرقم غير منطقي ويعد سابقة، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والنشاط السلمي في السعودية. لكن السلطات السعودية لم تكف عن نشر مفاجآتها يوماً بعد يوم، لتتصدر الأخبار العالمية وتحديداً في هذا الملف الشائك.
أربعة وثلاثون عاماً أقرّتها المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، بعد أن تقدمت سلمى وموكلها بالاستئناف في شهر نيسان/ أبريل الماضي، لكن المحكمة ضاعفت الحكم الابتدائي الصادر بتاريخ 2022/03/14 من 6 سنوات ليبلغ 34 عاماً. وجاء في نص الحكم ، ان المحكمة قررت سجن المدعى عليها مدة 34 سنة نافذة اعتبارا من تاريخ توقيفها في 14/01/2021، مفصّلة على النحو التالي:
“ثمان سنوات استنادا للمادة 34 من نظام مكافحة جرائم الارهاب وتمويله
عشر سنوات استنادا للمادة 38 من نظام مكافحة جرائم الارهاب وتمويله
خمس سنوات استنادا للمادة 43 من نظام مكافحة جرائم الارهاب وتمويله
خمس سنوات للمادة 44 من نظام مكافحة جرائم الارهاب وتمويله
سنة للمادة 6 من نظام مكافحة جرائم المعلوماتية
خمس سنوات تعزيراً مرسلاً لقاء ما أسند إليها مما لم تشمله العقوبة المنظمة، وتمنع من السفر خارج المملكة 34 سنة بعد اكتساب الحكم القطعية وخروجها من السجن استناداً إلى الفقرة 1 من المادة 53 من نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله وللمادة 6/2 من نظام وثائق السفر.
فضلا عن الغاء شريحة الاتصال “المستخدمة في الجريمة”، بحسب وصف الحكم، وإقفال حسابها عبر تويتر بشكل نهائي.
أربعة وثلاثون عاما اقرّتها المحكمة الجزائية المتخصصة، وهي المحكمة نفسها التي أريد للناشطتين لجين الهذلول وميساء العمودي عام 2014 إحالتهما لها، والتي تم تناولها في الصحافة العالمية حينها تحت اسم “محكمة الإرهاب”. الأحكام هناك تصدر وفق لوائح وقوانين مكافحة الإرهاب، وهو ما دفع المنظمات الدولية حينها لشجب الأمر ومحاولة إيقافه كونه يشكّل دليلاً قاطعاً على اعتبار السلطات في السعودية وتصنيفها لقضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان بـ”الإرهاب”!
منذ ذلك الحين لم تعد أي قضية حقوقية الى تلك المحكمة من جديد، عدا عام 2020 عندما أحالت السلطات مجموعة الناشطات المعتقلات منذ مايو 2018 للحضور أمام المحكمة ذاتها، لكن الأمر استمر لدقائق قبل أن يتم ابلاغهنّ بأن محاكمتهنّ ستتم في المحكمة الجزائية وليس الجزائية المتخصصة.
اليوم لم يعد الأمر مجرد محاولات إثارة ذعر في قلوب الناشطات والنسويات في السعودية، بل إن تلك الأحكام القاسية التي نالتها سلمى الشهاب والتي لم تتعد الاتهامات – وفقا لما اقره القاضي – حدود حسابها في موقع تويتر، تعدّ سابقة في تاريخ النضال النسوي والحقوقي.
وفقا للنص القضائي اتهمت سلمى باستخدام موقع تويتر “لإرسال ما من شأنه الإخلال بالنظام العام وزعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة”، و”تأييدها لمن صدرت منهم أفعال مجرمة بموجب نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله”، ما يعني أنها بتوجّهها إلى جمهور لا يتخطى 2000 متابع عبر تويتر قد قامت سلمى بفعل كل هذا ببلد مثل السعودية!
وهذا ما يجعل 34 عاما تتجاوز أقصى حكم ناله ناشط أو ناشطة في السعودية، وتعتبر أكبر مدة سجن في السعودية تلك التي صدرت في حق الداعية والمفكر سعود الهاشمي في نوفمبر 2010، وبلغت ثلاثين عاماً.
لقد خرجت قضية سلمى الشهاب للعلن لأسباب ومعطيات عدة، غير ان عشرات السجينات القابعات الى جانب سلمى وفي سجون أخرى داخل أراضي السعودية تنتظرن ان يبتّ القضاء في قضاياهن وسط قلق كبير حول مصيرهن المجهول، وصعوبة إيصال أصواتهن.
إلى جانب سلمى تقضي السيدات التالية أسماؤهن أوقاتهن في السجون وغالبيتهن بتهم تشبه تلك التي طالت سلمى وهي استخدام تويتر للتعبيرعن الرأي، كما أن عدداً كبيراً من بين هذه السيدات لم يخضع لمحاكمات منذ إلقاء القبض عليهن وهو ما يعدّ مخالفاً للقانون في السعودية.
ف.ع. ش والمعروفة في تويتر بحسابها نازا@i_naza33 معتقلة منذ سبتمبر 2020 وحتى أشهر قريبة لم تتم محاكمتها بعد.
س.العيثان 26 عاماً من ذوي الاحتياجات الخاصة
أ.العتيبي 20 عاماً
د. الحربي 20 عاماً
م.الزهراني حسابها على تويتر منى
م. القحطاني منذ عامين بدون محاكمة
ف. الشمري ٤٨ عاماً، غردت منتقدة حالة الضمان الاجتماعي وطالب المدعي العام بسجنها 20 عاماً تحت لوائح مكافحة الإرهاب، ولم يُعرف مصيرها بعد.
ف. السهلي و ح. الخالدي شاركتا في هاشتاغ مديح لوزير الداخلية السابق محمد بن نايف. أكثر من عامين من دون محاكمة.
آ. المرزوق، ممرضة ، متهمة بالتغريد من أجل حرية المتظاهرين، تعرضت للضرب اثناء اعتقالها وقضت في السجن الانفرادي 4 أشهر.
وفضلا عن الأوضاع اللاإنسانية التي تمر فيها المعتقلات من أخذ تواقيعهن واقراراتهن تحت الضغط النفسي والجسدي، فإن السلطات تمنعهن حتى من التطرق إلى مستجدات القضية مع أسرهن عبر الهاتف.
وكانت سلمى الشهاب التي تعاني من الاكتئاب ولديها طفلان أحدهما عمره ٥ سنوات ومشخص بطيف التوحد ، وآخر ٣ سنوات ويعاني نقصاً في الانتباه وفرط الحركة، قد تعرضت لجلسات تحقيق مرهقة وحبس انفرادي، وإيقاف قاربت مدته 300 يوماً قبل إحالتها إلى المحكمة.
ما يحدث في السعودية على مرأى من العالم بات فعلاً مخيفاً. السلطات القمعية تزداد توسعا يوما بعد يوم في منصات وجدت أساساً من أجل الحريات لكنها اليوم باتت سكينا يطعن خاصرة الشباب والشابات في كل مكان، ولسنا متأكّدون بعد كيف نستطيع الخروج من هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة.
إقرأوا أيضاً: