fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

قضية كيرلس ناشد : أن تحصل على اللعنة بدلاً من البركة…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ما بين سلطة الكهنة في الكنيسة القبطية المصرية وما بين تمييز قانوني اجتماعي، كيف انتهى المطاف بكيرلس ناشد سجيناً بتهمة ازدراء الأديان لمجرد خلاف في الرأي حول مسألة دينية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل سنوات، روى لي صديق مشترك عن سنوات ما قبل ثورة كانون الثاني/ يناير، إذ أُلقي القبض عليه في أحد الأقاليم أثناء حضور مؤتمر لحركة مصريين من أجل التغيير “كفاية”. ولأن الحضور في غالبيته كان من جماعة الإخوان، تم اتهامه بالانتماء إلى الجماعة، بخاصة أنه ملتحٍ. لم يخرج هذا الصديق بطاقته، ورفض الإدلاء بأي بيانات إلى الشرطة. في اليوم التالي، وقف أمام وكيل النيابة ليخبره بأنه لا يمكن أن ينتمي إلى الجماعة، لأنه ببساطة مسيحي.

ما رواه الصديق ينطبق بصورة معكوسة على حالة الشاب كيرلس ناشد، المعيد بكلية الهندسة في جامعة المنوفية، والذي وجد نفسه متهماً فجأة بازدراء الديانة المسيحية، على رغم كونه ليس مسيحياً فقط، بل هو منخرط أيضاً في سلك الخدمة الكنسية، ويُعتبر أحد الكوادر المهمة داخل كنيسة منوف، لكنه فقط اصطدم بسلطة كهنة الكنيسة بعد مناقشة بعض الآراء الدينية، ليبدأ التضييق عليه اجتماعياً عبر شهادة خلو الموانع.

خلاف ديني 

كيرلس هو واحد من أبناء الصعيد، وتحديداً مدينة الأقصر. انتقل من الأقصر إلى المنوفية للالتحاق بكلية الهندسة في جامعة المنوفية، ومن ثم بكنيسة منوف، ليبدأ حياته داخلها، ويقرر الزواج والاستقرار في المنوفية بعد تعيينه معيداً بالجامعة. لكن الأمر لم ينتهِ هنا، فبسبب خلاف في الرأي حول مسألة دينية، تحوّلت حياة كيرلس الى جحيم.

بحسب روايات أصدقاء كيرلس على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الخلاف بدأ بمناقشة كتاب “بستان الرهبان”، وهو كتاب يتناول قصصاً حول الرهبان وسيرهم وأفعالهم، ولا يُعتبر أحد الكتب المقدّسة في المسيحية فهو ليس أحد الأناجيل الأربعة، بينما يعتبره البعض يضم مبالغات تتعلق بمعجزات الرهبان، إلا أن هذا الخلاف تسبب في أزمة بين كيرلس وكهنة الكنيسة، إذ اتّهمه أحد الكهنة بأنه بروتستانتي، وحاول الاعتداء عليه بالحذاء.

الخلاف السابق زاد مع الوقت، بل وصل الأمر الى منعه من دخول الحمام من الكاهن، واستدعاء الأمن له بحسب الناشط باسم الجنوبي، الذي روى كيف استدعى كهنة الكنيسة الأمن لكيرلس بتهمة محاولة تفجير الكنيسة، وهو الاتهام الذي لم يصدقه الأمن نفسه.

حين قرّر كيرلس الزواج، كان لا بد له كأي مسيحي أرثوذكسي بحسب قانون الأحوال الشخصية، من الحصول على شهادة خلو الموانع، وهي شهادة تؤكد غياب أي موانع للزواج بين العروس والعريس سواء كانت دينية أو روحية أو قانونية. وعلى رغم أن الشهادة يتم تحريرها من كاهن الكنيسة التي يتردد عليها العريس أو العروس، وعلى رغم أن كيرلس يعيش بالمنوفية ويتردد على الكنيسة هناك منذ عام 2016، إلا أن كاهن الكنيسة طلب منه أن يحصل على الشهادة من كنيسة مسقط رأسه في الأقصر، وهو ما يتنافى مع شروط الشهادة التي تستلزم معرفة التزام صاحبها بالتناول والاعتراف وغيرهما من الأسرار الكنسية، ليبدأ الخلاف بين كيرلس وكهنة الكنيسة يخرج إلى نطاق العلن، لا سيما مع الأنبا بنيامين. ففي فيديو نشرته مجموعات موالية لأسقف المنوفية، يتّهم كيرلس، الذي حذف المنشورات كافة على صفحته، كهنة الكنيسة بأنهم دواعش، وأنه لن يترك حقّه وسيأخذه بالقانون.

كيرلس ليس استثناء، إذ إن الخلافات الدينية تسببت في وصم عدد من الكهنة، في مقدمهم الأب متى المسكين، إذ تسبّب كتابه “الكنيسة والدولة” الذي انتقد فيه أداء الكنيسة المسيحية وعزلها الأقباط داخلها بالخدمات الاجتماعية، وكذلك مقابلته الرئيس السادات عقب أزمته مع البابا شنودة، في إثارة غضب البابا شنودة عليه. وزاد هذا الغضب بسبب دعم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، للأنبا متى المسكين، الى درجة إفصاح البابا شنودة بعداوته للمسكين ورهبان دير أبو مقار في أكثر مناسبة، كان منها ما قاله عام 1991: “رهبان دير الأنبا مقار يتمسكون بأب من الآباء أكثر من الكنيسة كلها، ويطيعون هذا الأب أكثر مما يطيعون البابا والمجمع المقدس والأساقفة”. 

استمرّ هذا الغضب داخل الجناح القديم للكنيسة ضد المسكين  وخليفته الأنبا أبيفانيوس الذي قتل على يد راهبين في دير أبو مقار، اعتبرتهما جماعة حماة الإيمان الموالية للحرس القديم أو حرس البابا شنودة في الكنيسة، بطلين وشهيدين.

وإذا كانت اتهامات الهرطقة والكفر هي وسيلة الكنيسة لردع المختلفين من السلك الكهنوتي، فإن الحرمان هو وسيلتها لمواجهة الأبناء غير المطيعين للكاهن، ممثل الرب الذي يملك الأسرار المسيحية كافة من تناول واعتراف وزواج، وخلاف واحد قادر على أن يحرمك من التناول لفترة كعقوبة، أو حتى الحرمان الكنسي الذي يعني المنع من الشعائر الدينية، وعدم السماح بالزواج من الطائفة، أو حتى الصلاة على المحروم بعد وفاته. وعلى رغم عدم صدور قرار رسمي بحرمان كيرلس، إلا أنه في حكم المحروم بعد اعتباره أنه ليس أرثوذكسياً.

والتقوقع الذي قد تعيشه الدوائر التقليدية القبطية يبدو وجهاً آخر لحقيقة التمييز الذي يعيشه الأقباط تاريخياً في مصر فيصبح التمسك بالمبالغ به بالموروث شكلاً من أشكال الدفاع عن الهوية. 

تاريخياً، يعاني الأقباط في مصر الذين يشكلون حوالي ١٠ الى ١٥ في المئة من المصريين من تمييز قانوني وثقافي يتجلى في الكثير من المناهج التعليمية ذات المقاربات الدينية الإسلامية التي لا تزال تحوي تمييزاً رغم التعديلات التي طرأت بحسب منظمات حقوقية. 

ولا يزال يشكو كثير من الأقباط من مواقف عدائية تجاههم خصوصاً في المناطق الريفية حيث يتم رفض انشاء كنائس لهم.

كذلك يعاني الأقباط من ممارسات وفي منظومة الحكم، فهناك مناصب أساسية في خانة المحظورة على الأقباط وهي الرئاسة والحرس الجمهوري والمخابرات والأمن الوطني.

السلطات المصرية حاولت تكراراً نفي هذه التهم وتم تسجيل بعض التقدم في هذه الملف بعد تعيين رئيس للمحكمة الدستورية من الأقباط وبعد تفعيل قانون بناء وترميم الكنائس ومع تحسن حصص الأقباط في المناصب الرسمية في مصر.

المجلس الملي

في مقابل الشعور بتمييز الدولة والمجتمع الأوسع تتعمق سلطة الكهنة داخل حياة الأقباط على نحو قد يفسر بأنه محاولة للتشبث بالهوية والدفاع عنها ومن هنا تظهر الممارسات القاسية التي تطال الحريات الفردية داخل المجموعات القبطية وأحد هذه الممارسات هو مبدأ الحرمان.

والحرمان ليس الوسيلة الوحيدة لسيطرة الكهنة على حياة المسيحيين في مصر، فهناك وسائل أخرى يمكنها أن تجعل حياتهم جحيماً، أولها عدم وجود قانون للزواج المدني في مصر، ما يجعل الأقباط تحت رحمة الكهنة سواء في الزواج أو الطلاق، إضافة الى اشتراط صدور شهادة خلو الموانع وتصاريح الزواج من الكنيسة لإتمام أي زواج. وبالتالي، فإن رفضت الكنيسة إصدار هذه المستندات لا يستطيع القبطي الزواج أو حتى الطلاق.

وسيلة السيطرة الأخيرة على الأقباط لم تكن موجودة قبل 1952، فقبلها كان المجلس الملي هو المتحكم في كل أمور الأقباط الاجتماعية، وهو مجموعة من الأراخنة أو الشخصيات العلمانية التي لم تنتظم في سلك الكهنوت.

 وفي عام 1938، وضع المجلس اللائحة المنظمة لأمور الزواج والطلاق وكذلك مراقبة أموال الكنيسة، إلا أن البابا كيرلس الخامس المقرب من عبد الناصر كان من رافضي قيام “العلمانيين” بمراقبة الكهنة، لذلك قام عبد الناصر بتجميد المجلس، وأصبح البابا هو ممثل الشعب القبطي الوحيد.

مع قدوم البابا شنودة إلى الكرسي البابوي، أعاد المجلس الملي الى الحياة مرة أخرى، لكن بعد إحكام السيطرة الكاملة عليه، بخاصة بعد أن أصبح هو رأس المجلس، واستخدمه في قضية الطلاق، بعدما أوقف العمل باللائحة بحجة مخالفتها الكتاب المقدس، امتنعت الكنيسة عن إصدار تصاريح الزواج الثاني. وعلى رغم صدور حكم من القضاء الإداري بإلزام الكنيسة إصدار تصاريح الزواج الثاني، إلا أن المجلس الملي عدّل اللائحة وأبطل الحكم.

ينتظر كيرلس حالياً في محبسه صدور حكم في قضيته، وسواء نجحت وساطة البعض لدى البابا تواضروس لاحتواء الأزمة، أو خضع كيرلس نفسه لشروط الأنبا بنيامين التي منها ترك المنوفية والتدريس في جامعتها وإغلاق صفحته على “فيسبوك”، فإن الأزمة ستظل تطارده بعد خروجه من السجن، إذ لن يتم قبوله في أي كنيسة أرثوذكسية، فهو ليس ابناً للطاعة ولا يستحق البركة رغم أن كل جريمته هي المناقشة.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 17.01.2025

محمد حمشو لم يغادر منزله في دمشق !

تبقى الحالة القانونية والمدنية لمحمد حمشو في "سوريا الجديدة" موضع ريبة ورهن التكهنات، في ظل تخبط التصريحات الرسمية وغياب الإجابات الواضحة، هل هو خاضعٌ للإقامة الجبرية، أم أنه أجرى تسوية من "نوع خاص" تشبه تلك التي نالها طلال مخلوف ومفيد درويش وغيرهم من كبار أركان النظام المخلوع بما يحفظ مكاناتهم ومكتسباتهم؟.
07.02.2024
زمن القراءة: 6 minutes

ما بين سلطة الكهنة في الكنيسة القبطية المصرية وما بين تمييز قانوني اجتماعي، كيف انتهى المطاف بكيرلس ناشد سجيناً بتهمة ازدراء الأديان لمجرد خلاف في الرأي حول مسألة دينية.


قبل سنوات، روى لي صديق مشترك عن سنوات ما قبل ثورة كانون الثاني/ يناير، إذ أُلقي القبض عليه في أحد الأقاليم أثناء حضور مؤتمر لحركة مصريين من أجل التغيير “كفاية”. ولأن الحضور في غالبيته كان من جماعة الإخوان، تم اتهامه بالانتماء إلى الجماعة، بخاصة أنه ملتحٍ. لم يخرج هذا الصديق بطاقته، ورفض الإدلاء بأي بيانات إلى الشرطة. في اليوم التالي، وقف أمام وكيل النيابة ليخبره بأنه لا يمكن أن ينتمي إلى الجماعة، لأنه ببساطة مسيحي.

ما رواه الصديق ينطبق بصورة معكوسة على حالة الشاب كيرلس ناشد، المعيد بكلية الهندسة في جامعة المنوفية، والذي وجد نفسه متهماً فجأة بازدراء الديانة المسيحية، على رغم كونه ليس مسيحياً فقط، بل هو منخرط أيضاً في سلك الخدمة الكنسية، ويُعتبر أحد الكوادر المهمة داخل كنيسة منوف، لكنه فقط اصطدم بسلطة كهنة الكنيسة بعد مناقشة بعض الآراء الدينية، ليبدأ التضييق عليه اجتماعياً عبر شهادة خلو الموانع.

خلاف ديني 

كيرلس هو واحد من أبناء الصعيد، وتحديداً مدينة الأقصر. انتقل من الأقصر إلى المنوفية للالتحاق بكلية الهندسة في جامعة المنوفية، ومن ثم بكنيسة منوف، ليبدأ حياته داخلها، ويقرر الزواج والاستقرار في المنوفية بعد تعيينه معيداً بالجامعة. لكن الأمر لم ينتهِ هنا، فبسبب خلاف في الرأي حول مسألة دينية، تحوّلت حياة كيرلس الى جحيم.

بحسب روايات أصدقاء كيرلس على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الخلاف بدأ بمناقشة كتاب “بستان الرهبان”، وهو كتاب يتناول قصصاً حول الرهبان وسيرهم وأفعالهم، ولا يُعتبر أحد الكتب المقدّسة في المسيحية فهو ليس أحد الأناجيل الأربعة، بينما يعتبره البعض يضم مبالغات تتعلق بمعجزات الرهبان، إلا أن هذا الخلاف تسبب في أزمة بين كيرلس وكهنة الكنيسة، إذ اتّهمه أحد الكهنة بأنه بروتستانتي، وحاول الاعتداء عليه بالحذاء.

الخلاف السابق زاد مع الوقت، بل وصل الأمر الى منعه من دخول الحمام من الكاهن، واستدعاء الأمن له بحسب الناشط باسم الجنوبي، الذي روى كيف استدعى كهنة الكنيسة الأمن لكيرلس بتهمة محاولة تفجير الكنيسة، وهو الاتهام الذي لم يصدقه الأمن نفسه.

حين قرّر كيرلس الزواج، كان لا بد له كأي مسيحي أرثوذكسي بحسب قانون الأحوال الشخصية، من الحصول على شهادة خلو الموانع، وهي شهادة تؤكد غياب أي موانع للزواج بين العروس والعريس سواء كانت دينية أو روحية أو قانونية. وعلى رغم أن الشهادة يتم تحريرها من كاهن الكنيسة التي يتردد عليها العريس أو العروس، وعلى رغم أن كيرلس يعيش بالمنوفية ويتردد على الكنيسة هناك منذ عام 2016، إلا أن كاهن الكنيسة طلب منه أن يحصل على الشهادة من كنيسة مسقط رأسه في الأقصر، وهو ما يتنافى مع شروط الشهادة التي تستلزم معرفة التزام صاحبها بالتناول والاعتراف وغيرهما من الأسرار الكنسية، ليبدأ الخلاف بين كيرلس وكهنة الكنيسة يخرج إلى نطاق العلن، لا سيما مع الأنبا بنيامين. ففي فيديو نشرته مجموعات موالية لأسقف المنوفية، يتّهم كيرلس، الذي حذف المنشورات كافة على صفحته، كهنة الكنيسة بأنهم دواعش، وأنه لن يترك حقّه وسيأخذه بالقانون.

كيرلس ليس استثناء، إذ إن الخلافات الدينية تسببت في وصم عدد من الكهنة، في مقدمهم الأب متى المسكين، إذ تسبّب كتابه “الكنيسة والدولة” الذي انتقد فيه أداء الكنيسة المسيحية وعزلها الأقباط داخلها بالخدمات الاجتماعية، وكذلك مقابلته الرئيس السادات عقب أزمته مع البابا شنودة، في إثارة غضب البابا شنودة عليه. وزاد هذا الغضب بسبب دعم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، للأنبا متى المسكين، الى درجة إفصاح البابا شنودة بعداوته للمسكين ورهبان دير أبو مقار في أكثر مناسبة، كان منها ما قاله عام 1991: “رهبان دير الأنبا مقار يتمسكون بأب من الآباء أكثر من الكنيسة كلها، ويطيعون هذا الأب أكثر مما يطيعون البابا والمجمع المقدس والأساقفة”. 

استمرّ هذا الغضب داخل الجناح القديم للكنيسة ضد المسكين  وخليفته الأنبا أبيفانيوس الذي قتل على يد راهبين في دير أبو مقار، اعتبرتهما جماعة حماة الإيمان الموالية للحرس القديم أو حرس البابا شنودة في الكنيسة، بطلين وشهيدين.

وإذا كانت اتهامات الهرطقة والكفر هي وسيلة الكنيسة لردع المختلفين من السلك الكهنوتي، فإن الحرمان هو وسيلتها لمواجهة الأبناء غير المطيعين للكاهن، ممثل الرب الذي يملك الأسرار المسيحية كافة من تناول واعتراف وزواج، وخلاف واحد قادر على أن يحرمك من التناول لفترة كعقوبة، أو حتى الحرمان الكنسي الذي يعني المنع من الشعائر الدينية، وعدم السماح بالزواج من الطائفة، أو حتى الصلاة على المحروم بعد وفاته. وعلى رغم عدم صدور قرار رسمي بحرمان كيرلس، إلا أنه في حكم المحروم بعد اعتباره أنه ليس أرثوذكسياً.

والتقوقع الذي قد تعيشه الدوائر التقليدية القبطية يبدو وجهاً آخر لحقيقة التمييز الذي يعيشه الأقباط تاريخياً في مصر فيصبح التمسك بالمبالغ به بالموروث شكلاً من أشكال الدفاع عن الهوية. 

تاريخياً، يعاني الأقباط في مصر الذين يشكلون حوالي ١٠ الى ١٥ في المئة من المصريين من تمييز قانوني وثقافي يتجلى في الكثير من المناهج التعليمية ذات المقاربات الدينية الإسلامية التي لا تزال تحوي تمييزاً رغم التعديلات التي طرأت بحسب منظمات حقوقية. 

ولا يزال يشكو كثير من الأقباط من مواقف عدائية تجاههم خصوصاً في المناطق الريفية حيث يتم رفض انشاء كنائس لهم.

كذلك يعاني الأقباط من ممارسات وفي منظومة الحكم، فهناك مناصب أساسية في خانة المحظورة على الأقباط وهي الرئاسة والحرس الجمهوري والمخابرات والأمن الوطني.

السلطات المصرية حاولت تكراراً نفي هذه التهم وتم تسجيل بعض التقدم في هذه الملف بعد تعيين رئيس للمحكمة الدستورية من الأقباط وبعد تفعيل قانون بناء وترميم الكنائس ومع تحسن حصص الأقباط في المناصب الرسمية في مصر.

المجلس الملي

في مقابل الشعور بتمييز الدولة والمجتمع الأوسع تتعمق سلطة الكهنة داخل حياة الأقباط على نحو قد يفسر بأنه محاولة للتشبث بالهوية والدفاع عنها ومن هنا تظهر الممارسات القاسية التي تطال الحريات الفردية داخل المجموعات القبطية وأحد هذه الممارسات هو مبدأ الحرمان.

والحرمان ليس الوسيلة الوحيدة لسيطرة الكهنة على حياة المسيحيين في مصر، فهناك وسائل أخرى يمكنها أن تجعل حياتهم جحيماً، أولها عدم وجود قانون للزواج المدني في مصر، ما يجعل الأقباط تحت رحمة الكهنة سواء في الزواج أو الطلاق، إضافة الى اشتراط صدور شهادة خلو الموانع وتصاريح الزواج من الكنيسة لإتمام أي زواج. وبالتالي، فإن رفضت الكنيسة إصدار هذه المستندات لا يستطيع القبطي الزواج أو حتى الطلاق.

وسيلة السيطرة الأخيرة على الأقباط لم تكن موجودة قبل 1952، فقبلها كان المجلس الملي هو المتحكم في كل أمور الأقباط الاجتماعية، وهو مجموعة من الأراخنة أو الشخصيات العلمانية التي لم تنتظم في سلك الكهنوت.

 وفي عام 1938، وضع المجلس اللائحة المنظمة لأمور الزواج والطلاق وكذلك مراقبة أموال الكنيسة، إلا أن البابا كيرلس الخامس المقرب من عبد الناصر كان من رافضي قيام “العلمانيين” بمراقبة الكهنة، لذلك قام عبد الناصر بتجميد المجلس، وأصبح البابا هو ممثل الشعب القبطي الوحيد.

مع قدوم البابا شنودة إلى الكرسي البابوي، أعاد المجلس الملي الى الحياة مرة أخرى، لكن بعد إحكام السيطرة الكاملة عليه، بخاصة بعد أن أصبح هو رأس المجلس، واستخدمه في قضية الطلاق، بعدما أوقف العمل باللائحة بحجة مخالفتها الكتاب المقدس، امتنعت الكنيسة عن إصدار تصاريح الزواج الثاني. وعلى رغم صدور حكم من القضاء الإداري بإلزام الكنيسة إصدار تصاريح الزواج الثاني، إلا أن المجلس الملي عدّل اللائحة وأبطل الحكم.

ينتظر كيرلس حالياً في محبسه صدور حكم في قضيته، وسواء نجحت وساطة البعض لدى البابا تواضروس لاحتواء الأزمة، أو خضع كيرلس نفسه لشروط الأنبا بنيامين التي منها ترك المنوفية والتدريس في جامعتها وإغلاق صفحته على “فيسبوك”، فإن الأزمة ستظل تطارده بعد خروجه من السجن، إذ لن يتم قبوله في أي كنيسة أرثوذكسية، فهو ليس ابناً للطاعة ولا يستحق البركة رغم أن كل جريمته هي المناقشة.

07.02.2024
زمن القراءة: 6 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية