fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

قطار العاصمة  المصرية ينطلق بلا ركاب… سوء التخطيط يزيد أزمة المواصلات ويهدر ملايين الدولارات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رغم مرور أكثر من عام على تشغيل قطار العاصمة، لكنه ما زال يثير الجدل بين الحين والآخر؛ خاصة مع تكرار اقتراض الحكومة من أجل استكمال المراحل الثلاثة المتبقية من المشروع، ومحدودية إقبال المواطنين على استخدامه، كوسيلة مواصلات تربط مدن شرق القاهرة، ما رأته الحكومة عزوفاً موقتاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحقيق: نورا يوسف

على رصيف أولى محطات القطار الكهربائي في القاهرة، وقف وزير النقل كامل الوزير بجوار الرئيس عبد الفتاح السيسي، متحدثاً عن القطار الجديد ومحطة انطلاقه المركزية، قائلاً: “القطار الكهربائي سابع وسيلة مواصلات تنطلق من محطة عدلي منصور، ورابع وسيلة نقل كهربائية”، وهي المحطة التي تصنفها بيانات الحكومة بالأكبر في منطقة الشرق الأوسط، ومنحتها مجلة “ENR” العالمية جائزة أفضل مشروع نقل في العالم عام 2022.

ويضيف الوزير: “القطار الجديد يستهدف نقل مليون مواطن يومياً، وسيوفر ما قيمته 1.7 مليار جنيه (90 مليون دولار أميركي، وفقاً لمتوسط سعر الصرف حينها البالغ 18.9 جنيه للدولار الواحد) من الوقود سنوياً”.

رغم مرور أكثر من عام على تشغيل قطار العاصمة، لكنه ما زال يثير الجدل بين الحين والآخر؛ خاصة مع تكرار اقتراض الحكومة من أجل استكمال المراحل الثلاثة المتبقية من المشروع، ومحدودية إقبال المواطنين على استخدامه، كوسيلة مواصلات تربط مدن شرق القاهرة، ما رأته الحكومة عزوفاً موقتاً.

 وعلى عكس ما أكدته تقارير صحفية، عن بلوغ خسائر القطار نحو 25 مليون جنيه مصري (814 ألف دولار وفقاً لسعر الصرف البالغ 30.7 جنيه للدولار في عام 2023) في عامه الأول؛ نفت الحكومة وجود أية خسائر جراء تشغيله.

باستثناء العاصمة وحدائقها يمر القطار خارج التجمعات السكنية في المدن الجديدة في شرق القاهرة

القطار الجديد وأعباء الاستدانة

بميزانية مليار و300 مليون دولار أميركي؛ اقترضت الحكومة المصرية منها 1.2 مليار دولار من الصين بفائدة 1.8 في المئة، انتهت الهيئة القومية للأنفاق التابعة لوزارة النقل، من تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من قطار العاصمة وتشغيلهما، لخدمة تسع مدن شرق القاهرة.

مشروع القطار الكهربائي الخفيف

القطار الكهربائي الخفيف، المعروف باسم “قطار العاصمة” يمر وسط العاصمة الإدارية الجديدة (له ثلاث محطات في العاصمة؛ محطتان تعملان حالياً وثالثة ما زالت قيد الإنشاء) التي يبلغ عدد قاطنيها نحو ألف ومئتي أسرة، وتضع الدولة هدفاً طموحاً بأن يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة بحلول عام 2050.

قطار العاصمة يمر بالظهير الصحراوي لمدن شرق القاهرة الواقعة على مساره باستثناء العاصمة وحدائقها

في حين يمر القطار بالأطراف المترامية للمدن الثمانية الأخرى، التي يتجاوز عدد سكانها 528 ألف نسمة، ويتردد عليها يومياً عشرات الآلاف من قاطني محافظات الدلتا، بخاصة الشرقية والقليوبية والقاهرة والجيزة؛ بسبب التوسعات العمرانية التي تشهدها، والمناطق ذات الطبيعة التجارية والصناعية لتلك المدن، بالإضافة إلى الجامعات الخاصة والأهلية، التي توجد مقارها الرئيسية أو أحد فروعها شرق القاهرة.
التوسع شرقاً

ما بين أواخر السبعينيات من القرن الماضي ونهاية العقد الثاني من ألفينيات القرن الحالي، أُنشئت المدن الجديدة في منطقة شرق القاهرة، وتشهد الامتداد العمراني والنمو السكاني الأكبر في محيط إقليم القاهرة الكبرى، وفقاً لدراسات أجرتها “مجموعة طلعت مصطفى”؛ أبرز مطوّر عقاري في هذه الرقعة الجغرافية، ويُتوقع أن يصل عدد سكان مدن شرق القاهرة إلى عشرة ملايين نسمة عام 2030.

نفي حكومي للخسائر

قُدّر عدد ركاب القطار الكهربائي الخفيف، المعروف بقطار العاصمة، بـألف راكب، خلال أول ستة أيام لتشغيله، بمتوسط 115 راكباً يومياً، وفقاً لما نشرته جريدة “فيتو”؛ وهو ما لم تنفه الهيئة القومية للأنفاق أو وزارة النقل، أو الشركة الفرنسية التي تمتلك حق إدارة قطار العاصمة وتشغيله، رغم إعلان الجهات الثلاثة بأن سعة القطار تتجاوز مليون راكب يومياً.

على مدار الأشهر الثلاثة الأولى من تشغيل مشروع قطار العاصمة، أظهرت صور ومقاطع فيديو، تمّ تداولها عبر مواقع إخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، عزوف الركاب عن الإقبال على القطار؛ رغم ما يقابله من نفي حكومي كل مرة، أو تقديم مبررات على شاكلة أن “قلّة الركاب عملية موقتة”، ستنتهي بمجرد استكمال نقل موظفي الحكومة إلى العاصمة الإدارية، أو بعد انتهاء تنفيذ المرحلة الثالثة والرابعة من مشروع القطار.

مما دفع وزير النقل السابق حينها (محافظ القاهرة السابق أيضاً) جلال السعيد إلى توجيه رسالة إلى “منتقدي مشروع القطار الكهربائي الخفيف” يطالبهم فيها بالهدوء؛ مشيراً إلى أن قلة عدد الركاب في الأيام الأولى لتشغيل القطار “دفعت الحملات الممنهجة للنيل من المشروع ومن جدواه”، وفق تعبيره.

وأوضح السعيد أن طاقة القطار، في الجزء الذي تمّ تشغيله (70 كيلومتراً) تتراوح ما بين 15 و25 ألف راكب في الساعة، معترفاً بأن المشروع لم يشهد الإقبال المُتوقع لحركة الركاب في بداياته، متفائلاً بزيادتها خلال أشهر قليلة.
محاولات بدون جدوى

وكشف تقرير صحافي لموقع “المنصة” أن تكلفة تشغيل رحلة القطار الواحد، من محطة عدلي منصور إلى العاصمة الإدارية، تُقدّر بـ 140 ألف جنيه مصري (أربعة آلاف و560 دولاراً، وفقاً لمتوسط سعر الصرف في عام 2023)؛ لا تحصل منها الهيئة القومية للأنفاق سوى على خمسة آلاف جنيه.

لكنّ وزارة النقل المصرية نفت بعدها، وفي بيان رسمي، وجود أية خسائر، واقتصر البيان على الإشارة إلى تعاقد الوزارة مع شركة RATP الفرنسية لإدارة القطار الكهربائي الخفيف وتشغيله LRT، مقابل نسبة من الإيرادات، من دون الكشف عن قيمة الأرباح أو الخسائر التي سجلها القطار، وأكد البيان الوزاري أن المشروع سيحقق أرباحاً تكفي على الأقل، لاسترداد قيمة الأصول خلال 20 عاماً، من دون ذكر أية معلومات أو أرقام عن الإيرادات أو عدد الركاب.

وفي ظل استمرار وزارة النقل في إخفاء أرقام إيرادات وتشغيل قطار العاصمة؛ لا تتوقف الأخبار المنسوبة إلى مصادر مُجهّلة بالوزارة، كان من أبرزها خبر بعنوان “وزارة النقل تدرس بيع أصول القطار السريع والكهربائي الخفيف لسداد قروض التنفيذ”، وهو ما نفته وزارة النقل في بيان رسمي، اقتصر على توضيح عام وفضفاض، بأن الوزارة تدرس “الشراكة” فقط، لكنها لم تعرض القطار الكهربائي السريع أو الخفيف للبيع.

وبسبب الشحّ في المعلومات، واقتصار بيانات وزارة النقل على مضامين عامة، من دون أية تفاصيل أو معلومات؛ خضنا تجربة ميدانية في المدن التي يمر فيها القطار، لرصد ما يحدث على أرض الواقع.

إحدى عربات قطار العاصمة في وقت الذروة بعد تحركه من محطة عدلي منصور المركزية متجهاً إلى العاصمة الإدارية

أزمة مدن الجيلين الثاني والثالث…الشروق وبدر نموذجاً

كانت البداية من مدينتي الشروق وبدر؛ وهما من أقدم مدن شرق القاهرة وأبرزها، وأكثرها كثافة سكانية وعمراناً التي يمر فيها القطار الكهربائي الخفيف، وقد وصل إليهما القطار مع افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من قطار العاصمة.
وتربط المدينتين بخلاف القطار الكهربائي الخفيف، ثلاث وسائل مواصلات أخرى، تتنوع ما بين سيارات الميكروباص ـ الأجرة، وباصات شركة خاصة “مواصلات مصر”، وأخرى حكومية “هيئة النقل العام”، لكل وسيلة منها خطوط سير مختلفة.

توفير ١.٧ مليار جنيه سنوياً…هدف لم يتحقق

بدأ العد التنازلي “لتوفير 1.7 مليار جنيه (نحو 90 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف 18.9 جنيهاً للدولار في يوليو 2022) من الوقود سنوياً، مع تشغيل قطار العاصمة، كونه الهدف الثاني الذي أعلنه وزير النقل، أثناء افتتاح المشروع، وأوضح حينها وزير النقل كامل الوزير، أن تحقيق ذلك سيكون من خلال تقليل استخدام وسائل النقل البديلة؛ مثل السيارات الخاصة والباصات العامة وسيارات الأجرة، التي يستقلها قاطنو المدن الجديدة وزوارها على طول مسار القطار.

لكن ما حدث بعد مرور عام وعشرة أشهر، كان النقيض تماماً للهدف المُعلن؛ فزاد استخدام وسائل النقل البديلة، وفق ما رصدناه من مواعيد تحرك باصات “مواصلات مصر” في مدينة الشروق، حيث كانت الشركة الخاصة تنقل قبل تشغيل مشروع القطار مئتي ألف راكب شهرياً من الشروق وإليها، بحسب آخر تحديث على موقعها الإلكتروني عام 2021، من خلال ستة خطوط (ثلاثة خارجية ومثلها داخلية) وتحرك عشرات الرحلات على مدار 18 ساعة يومياً.

ومن بين الخطوط الثلاثة الخارجية، يوجد خط سير، من مدينة الشروق الواقعة شرق إقليم القاهرة الكبرى، إلى وسط مدينة القاهرة؛ الأول (NS5) الذي يتحرك من وسط مدينة الشروق إلى ميدان العباسية، والثاني باص (NS7) يتحرك من الشروق إلى منطقة سراي القبة، وتحديداً أمام محطة مترو الأنفاق، التي تحمل اسم منطقة الخط الأول .

بالتزامن مع تشغيل القطار في تموز/يوليو 2022، كان عدد الرحلات على خط العباسية 24 رحلة على مدار 16 ساعة، بحسب المواعيد المعلنة من الشركة وقتها، في المقابل، وبعد مرور عام وعشرة أشهر على تشغيل القطار، وصل عدد الرحلات اليومية، على خط السير نفسه، إلى 27 رحلة في زمن التشغيل ذاته.
في حين زاد عدد الرحلات على خط سراي القبة إلى 25 رحلة يومية، بدلاً من 24 رحلة في آب/أغسطس 2022.
أما في ما يخص سيارات الأجرة ـ الميكروباصات، التي تنقل الركاب من مدينة الشروق إلى موقف العاشر في مدينة السلام بالقاهرة (مسار القطار الكهربائي نفسه) فما زالت تعمل على مدار 24 ساعة يومياً، ولم تشهد أيّ تغيير يُذكر في تراجع أعدادها، وفق شهادة أحد سائقي سيارات الأجرة، التي تنقل الركاب من الشروق إلى السلام شرق القاهرة والعكس. 

وأوضح السائق أن عدد سيارات الأجرة يتراجع ليلاً كالمعتاد، وتحديداً بعد الثانية من منتصف الليل، وحتى ساعات الصباح الأولى؛ لكن في المقابل، وخلال ساعات الذورة، يحتشد الركاب في موقف سيارات الأجرة، منتظرين السيارات التي تقلهم حيث وجهتهم، أما بقية ساعات اليوم، فلا يخلو فيها الموقف من سيارات الأجرة، وفق رواية السائق، وهو الأمر ذاته الذي أكده أحد قاطني المدينة.

مسار سيارات الأجرة ـ الميكروباص، هو نفسه للقطار الخفيف؛ لكن الفارق بينهما أن موقف السيارات يوجد وسط مدينة الشروق، التي تتجاوز مساحتها 16 ألف فدان، في حين أن محطة القطار الخفيف توجد على أطراف المدينة، وتحديداً على طريق مصر ـ إسماعيلية الصحراوي، الذي يبعد عن وسط مدينة الشروق مسافة تقدر بستة كيلومترات، وأقرب منطقة سكنية لها على بُعد كيلومترين؛ وهي منطقة فيلات فاخرة يعتمد قاطنوها على سياراتهم الخاصة في الحركة والتنقلات اليومية.

لكن اللافت أن أجرة الميكروباص تبلغ نحو ثمانية جنيهات؛ وهي أقل من سعر تذكرة القطار، التي تُقدر بعشرة جنيهات، بعد تخفيضها موقتاً بنسبة تصل إلى 40 في المئة؛ لجذب المزيد من الركاب، بخلاف أجرة الباص؛ البالغة ستة جنيهات، الذي ينقل الركاب من وسط المدينة إلى محطة القطار.

صور لركاب ينتظرون المواصلات البديلة

على أطراف المدينة من الجهة الأخرى؛ طريق السويس القاهرة الصحراوي، وثّقنا بالصور والفيديو، خلال ساعات الذروة، اصطفاف الركاب في موقف سيارات الأجرة، في طوابير طويلة يومياً؛ منتظرين السيارات المتجهة إلى منطقة السلام شرق القاهرة (المسار نفسه لقطار العاصمة) أو المنيب جنوب الجيزة، أو منطقة مسطرد الحدودية بين محافظتي القاهرة والقليوبية.

قطار بلا ركاب

في المقابل، رصدنا من خلال رحلة بالقطار الكهربائي الخفيف، حركة الركاب وقت الذروة، كانت البداية من محطة عدلي منصور، أولى محطات القطار، حيث تحرك القطار في الثالثة مساء، بعد انتظار 15 دقيقة، وكان توافد الركاب على المحطة محدوداً، وأغلب مقاعد العربات بلا ركاب.

وبعد محطتين توقف فيهما القطار؛ لاحظنا حركة محدودة لركاب لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، ما بين صعود ونزول، فقررنا مغادرة القطار في المحطتين الثالثة والرابعة: الشروق، وحدائق العاصمة، فلم يختلف المشهد كثيراً في المحطتين، ففي الأولى أي الشروق، كان عدد العاملين في المحطة، من أفراد الأمن وموظفي التذاكر والخدمات، أكثر من المترددين عليها، ولم نصادف من الركاب غير اثنين نزلا معنا من القطار، وراكب ثالث دخل محطة القطار أثناء خروجنا منها، تزامن ذلك مع وجود الباص المخصص لنقل ركاب القطار إلى وسط المدينة، حيث كان الباص الوحيد في ساحة انتظار السيارات. تحرك الباص؛ سعته الإجمالية 26 مقعداً، من أمام محطة القطار، حتى وصلنا إلى “كمباوند” دار مصر؛ ولم يكن فيه غيرنا، وذلك مقابل ستة جنيهات للتذكرة الواحدة.

بينما خارج المحطة الثانية أي حدائق العاصمة، كان يقف باصان مُخصّصان لنقل ركاب القطار الكهربائي من المحطة إلى داخل المدينة والعكس، ركبنا أحدهما مع أربعة ركاب آخرين من سكان وحدات “الإسكان الاجتماعي” في المدينة حديثة النشأة، جاب بنا الباص في بعض شوارع المدينة، التي لم نجد فيها أية وسيلة مواصلات داخلية، ولا حتى سيارات خاصة في طريقنا، ورغم أن بنايات “الإسكان الاجتماعي” تتميز بجودة التخطيط “واللاند سكيب” والشكل الحضاري للعمارات؛ إلا أن نسبة إشغال الوحدات كانت ضئيلة.

يرجع محسن محمد (اسم مستعار) أحد ساكني وحدات “الإسكان الاجتماعي”، عزوفه عن استخدام القطار الكهربائي الخفيف إلى سببين؛ أولهما ارتفاع سعر التذكرة، التي تبلغ 15 جنيهاً مصرياً (0.32 دولار وفقاً لمتوسط سعر الصرف الحالي البالغ 47 جنيهاً للدولار) مقارنة بوسائل المواصلات الأخرى، سواء السيارات الأجرة أو باصات هيئة النقل العام.

والسبب الثاني أرجعه محمد لضرورة أخذ وسيلة مواصلات إضافية من أجل الوصول إلى محطة القطار، بخلاف تذكرة القطار نفسه: “أنا ساكن في ميدان الزهور في وحدات الإسكان الاجتماعي في حدائق العاصمة، تبعد عن محطة القطار ثلاثة كيلومترات، وأحتاج إلى وسيلة نقل داخلية للوصول إلى القطار تكلفتها خمسة جنيهات، وهي التكلفة نفسها لخروجي من المدينة”، ويشتكي محمد من غياب المواصلات العامة وصعوبتها في المدينة.

ساحات انتظار بلا سيارات

توجد ساحات انتظار للسيارات الخاصة أمام كل محطة من محطات القطار الكهربائي الخفيف، تصل سعة بعضها إلى ألفي سيارة، وهي خدمة مجانية تستهدف جذب أصحاب السيارات الخاصة لاستخدام وسائل النقل العامة، أثناء التنقل في مدن شرق القاهرة، وفقاً لبيانات وزارة النقل، وتصريحات وزيرها كامل الوزير في أكثر من مناسبة.

لكن خلال جولتنا في محطات العبور وحدائق العاصمة وبدر وهليوبوليس؛ وثّقنا خُلوّ ساحات الانتظار من السيارات، باستثناء باص خدمة الركاب التابع لوزارة النقل، وذلك على النقيض من الصور التي نشرتها وزارة النقل، وتظهر اصطفاف عدد كبير من السيارات الخاصة في ساحات انتظار السيارات، للرد على تداول أخبار بشأن عزوف الركاب عن القطار الكهربائي الخفيف.

مقارنة بين الصور التي نشرتها وزارة النقل والصور التي التقطتها معدة التحقيق

ولا يختلف تعامل قاطني مدينة بدر مع قطار العاصمة واستفادتهم منه، عن قاطني مدينة الشروق، فبحسب الأربعيني فتحي السيد (اسم مستعار) المقيم في بنايات الإسكان الاجتماعي في حي الأندلس في مدينة بدر، فإن بُعْد محطة القطار عن منطقته، هو الذي يدفعه إلى عدم ركوبه، فحي الأندلس، الذي يعيش فيه فتحي السيد مع أسرته المكونة من أربعة أبناء وزوجته، منذ ثلاثة أعوام، يوجد في آخر مدينة بدر، ويعاني السكان نقص الخدمات هناك، خاصة المواصلات العامة التي تقتصر على أتوبيسات هيئة النقل العام وشركة خاصة للنقل، ويبعد موقف مدينة بدر العمومي سبعة كيلومترات عن محل سكنه؛ بينما يقع مقر عمله اليومي في مدينة نصر بالقاهرة، وتعيش عائلته وعائلة زوجته في منطقة المرج، وزيارتهما تمثل صعوبة بسبب قلة المواصلات وارتفاع أجرتها.

موظفو قطار العاصمة وعماله

استكملنا الرحلة عبر القطار إلى العاصمة الإدارية، التي توجد فيها محطتا قطار؛ “مطار العاصمة”، و”مدينة الفنون والثقافة” ومحطة ثالثة ما زالت قيد الإنشاء، وبخلاف مدن شرق القاهرة التي يمر بها القطار، تقع محطات القطار وسط العاصمة، وتصطف أمامها باصات لنقل الموظفين إلى الحي الحكومي، وغيره من الأحياء والأماكن العامة داخل العاصمة.

وفي رحلة العودة، صعد العدد الأكبر من الركاب من محطتي العاصمة الإدارية؛ خاصة موظفو الحي الحكومي، الذين نُقلوا إلى العاصمة الإدارية منتصف عام 2023، حين انتقلت مئة جهة حكومية، يتجاوز عدد العاملين فيها 40 ألف موظف، يمارسون عملهم حالياً من المقرات الجديدة، بامتيازات وفّرتها الحكومة لتشجيعهم على الانتقال؛ منها صرف بدل انتقال مغرٍ أو توفير شقق سكنية سواء في العاصمة أو في حدائقها.
ورغم نقل هذا العدد الكبير من موظفي الجهات الحكومية، لم يشهد القطار زحاماً مع انتهاء مواعيد العمل الرسمية، حيث وثّقنا وجود مقاعد خالية من الركاب.
ولم يتغير المشهد خلال رحلة العودة إلى محطة القطار الأولى “عدلي منصور”، فكانت محطتا “مطار العاصمة” و”مدينة الفنون والثقافة” تمثلان نقطة عبور العدد الأكبر من الركاب الذين استقلوا القطار، ولم يصعد من المحطات الأخرى غير عدد محدود، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة داخل العربة، التي كنا بها، وكذلك العربتان المجاورتان لها من اليمين واليسار.

إنفاق المصريين على المواصلات

لا توجـد بيانـات كافيـة حـول إنفاق الأفـراد علــى المواصــلات، التي تحتل المرتبة الرابعة من نفقات المصريين السنوية، وشهدت زيادات متكررة على مدار العقد الأخير، مع تطبيق الحكومة لبرنامج رفع الدعم عن الوقود.

يتباين إنفاق المصريين على التنقل والمواصلات العامة ما بين ستة في المئة إلى 30 في المئة من الدخل السنوي للأسرة، لكنّ الوضع مختلف تماماً بالنسبة لمحسن محمد، الذي يُنفق تقريباً نحو ستة آلاف جنيه؛ أي ما يعادل إجمالي راتبه الشهري، فهو يعمل في التجمع الخامس، الذي يقع ضمن النطاق الجغرافي لمدن شرق القاهرة؛ فيضطر إلى ركوب أربع وسائل مواصلات للذهاب إلى عمله، ومثلها للعودة إلى بيته، بتكلفة يومية قدرها 70 جنيهاً (نحو 1.5 دولار وفقاً لمتوسط سعر الصرف الحالي البالغ 47 جنيهاً للدولار) بالإضافة إلى تكلفة وسائل التنقل الخاصة بأبنائه الثلاثة، وهم في مراحل تعليمية مختلفة.

تختلف الأسماء، لكن الأعباء المالية هي ذاتها، الخاصة بوسائل التنقل. فتحي السيد، أحد سكان مدينة بدر، ينفق 50 في المئة من راتبه الشهري، الذي يبلغ ستة آلاف جنيه، على المواصلات؛ فرحلة ذهابه إلى العمل والعودة منه تكلّفه 50 جنيهاً يومياً (نحو دولار واحد، وفقاً لمتوسط سعر الصرف الحالي) تُضاف إليها ما يماثلها تقريباً؛ وهي تكلفة تنقلات أفراد أسرته من وإلى مدارسهم ودروسهم.

محمد محسن وفتحي السيد؛ نموذجان من المستفيدين من مشروع “الإسكان الاجتماعي”، الذي أطلقته الحكومة المصرية عام 2014، والمعروف إعلامياً بـ”مشروع المليون وحدة”؛ لخدمة فئات لا تتمتع برفاهية امتلاك سيارة خاصة، وتعتمد على المواصلات العامة بصورة أساسية، في مدن بدر وحدائق العاصمة والشروق والعبور شرق القاهرة.

الحدائق وهليوبوليس “من يجاور العاصمة لا يسعد”

على عكس المثل الشعبي السائد في مصر: “من يجاور السعيد يسعد”، لم يحدث أي تطور في موقف مدينة هليوبولس، المجاورة للعاصمة الإدارية، التي تسبق نشأتها العاصمة الجديدة بـ 20 عاماً، لكنها لا تزال “مدينة أشباح” كما يصفها عبد البصير الرحماني، أحد قاطنيها، بالقول: “أسير في المدينة الساعة 12 ظهراً، بصعوبة أصادف في طريقي سيارة ولا يوجد مَن يسير على قدميه، فما بالك ليلاً”.

ورغم أن وجود محطة لقطار العاصمة، على أطراف المدينة من جهة طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي، وترى الحكومة فيها حلاً لمشكلة المواصلات المزمنة، يرى عبد البصير أن القطار لم يغير أيّ شيء على أرض الواقع، مُرجعاً السبب إلى وجود محطة القطار في شمال المدينة، وعدم توفر مواصلات داخلية لنقل الركاب من جنوب المدينة إلى شمالها لركوب القطار.

يُقدّر عبد البصير المسافة بين وحدته السكنية ومحطة القطار بسبعة كيلومترات؛ وهي مسافة يصعب قطعها من دون سيارة أو وسيلة مواصلات داخلية، كما يقول، في حين يفضل القاطنون في جنوب المدينة اللجوء إلى طريق مصر السويس، لاستخدام أية وسيلة نقل إلى وجهتهم، بدلاً من المرور عبر المدينة بأكملها إلى محطة القطار من الجهة الشمالية.

ويشكو عبد البصير، كونه واحداً من ألف ساكن في المدينة، التي تتجاوز مساحتها خمسة آلاف و888 فداناً، من تأخر تعمير المدينة وغياب المواصلات؛ وعلى الرغم من أن عمر المدينة يقترب من 30 عاماً، لا تتوقف شكاوى سكان مدينة هليوبوليس الجديدة من نقص الخدمات الأساسية.

أسطول نقل من أجل العاصمة وليس حدائقها

في شباط/فبراير 2023، تعاقدت وزارة النقل مع تسع شركات نقل جماعي لنقل الركاب من القاهرة إلى العاصمة الإدارية، بإجمالي 369 أتوبيساً، تعمل عبر 48 مساراً.

ورغم أن مدينة حدائق العاصمة أُنشئت بهدف إسكان موظفي الحكومة، الذين نُقلوا إلى مقرات عملهم الجديدة في العاصمة الإدارية، اكتفت وزارة النقل بعدد محدود من الباصات لنقل سكانها إلى العاصمة، وهو ما اعترض عليه محمود علي، أحد الحاصلين على وحدة سكنية في مدينة حدائق العاصمة، قائلاً: “أسطول أتوبيسات يقف في العاصمة في ظل غياب الركاب، لا نجد مواصلات في حدائق العاصمة”. وعندما تواصل محمود ومجموعة من السكان مع وزارة النقل وشركة المواصلات، جاء الرد كالآتي: “الشركة ستخسر في حدائق العاصمة لقلة الكثافة السكانية”.
يسأل محمود: “كيف خصصت الدولة وحدات سكنية لمحدودي الدخل، في ظل غياب المواصلات؟”، ويؤكد أن القطار الكهربائي الخفيف، هو وسيلة المواصلات الوحيدة التي خصّصتها وزارة النقل لخدمة سكان حدائق العاصمة، لكن السكان لم يستفيدوا منه، بسبب بُعده عن وحدات “الإسكان الاجتماعي” أكثر من ثلاثة كيلومترات، ولا توجد وسيلة مواصلات داخلية تقطع المسافة إلى المحطة.
تواصل سكان المشروع مع جهاز مدينة حدائق العاصمة، الذي أخبرهم أن الأمر يرجع لوزارة النقل، يقول محمود، وبرأيه لن يتغير الوضع بعد تعمير المدينة، ولن توفر الدولة وسائل مواصلات جديدة لمحدودي الدخل، ومع الانتهاء من مدينة نور، أحد أرقى الأحياء السكنية الجديدة في المنطقة، ستكتفي الشركة المطوّرة بتوفير أتوبيسات داخلية لسكان مشروعها، مثلما فعلت سابقاً في مشروعي الرحاب ومدينتي.

ومع اقتراب العمر التشغيلي لقطار العاصمة (المرحلتان الأولى والثانية) من العامين، لم تتوقف خلالهما حالة الجدل الدائر عن جدوى المشروع، ومدى تحقيقه الأهداف التي أنشئ من أجلها؛ أعلنت الحكومة إنشاء مرحلة خامسة داخل العاصمة، ليكون إجمالي عدد محطات القطار بالعاصمة ثماني محطات فقط، ومحطة واحدة لمدينة حدائق العاصمة.
أما باقي مدن شرق القاهرة، التي يتجاوز عمر بعضها نصف قرن، فكان نصيبها محطة واحدة خارج الحيز العمراني للمدينة، وما زالت تعاني أزمة مواصلات؛ حيث لم تتأثر بوجود قطار العاصمة على أطرافها، وبالتزامن وقّعت وزارة النقل مذكرة تفاهم جديدة لإنشاء قطار كهربائي جديد، من العاصمة الإدارية الجديدة إلى مدينة الرحاب في التجمع الأول في القاهرة الجديدة.

18.07.2024
زمن القراءة: 14 minutes

رغم مرور أكثر من عام على تشغيل قطار العاصمة، لكنه ما زال يثير الجدل بين الحين والآخر؛ خاصة مع تكرار اقتراض الحكومة من أجل استكمال المراحل الثلاثة المتبقية من المشروع، ومحدودية إقبال المواطنين على استخدامه، كوسيلة مواصلات تربط مدن شرق القاهرة، ما رأته الحكومة عزوفاً موقتاً.

تحقيق: نورا يوسف

على رصيف أولى محطات القطار الكهربائي في القاهرة، وقف وزير النقل كامل الوزير بجوار الرئيس عبد الفتاح السيسي، متحدثاً عن القطار الجديد ومحطة انطلاقه المركزية، قائلاً: “القطار الكهربائي سابع وسيلة مواصلات تنطلق من محطة عدلي منصور، ورابع وسيلة نقل كهربائية”، وهي المحطة التي تصنفها بيانات الحكومة بالأكبر في منطقة الشرق الأوسط، ومنحتها مجلة “ENR” العالمية جائزة أفضل مشروع نقل في العالم عام 2022.

ويضيف الوزير: “القطار الجديد يستهدف نقل مليون مواطن يومياً، وسيوفر ما قيمته 1.7 مليار جنيه (90 مليون دولار أميركي، وفقاً لمتوسط سعر الصرف حينها البالغ 18.9 جنيه للدولار الواحد) من الوقود سنوياً”.

رغم مرور أكثر من عام على تشغيل قطار العاصمة، لكنه ما زال يثير الجدل بين الحين والآخر؛ خاصة مع تكرار اقتراض الحكومة من أجل استكمال المراحل الثلاثة المتبقية من المشروع، ومحدودية إقبال المواطنين على استخدامه، كوسيلة مواصلات تربط مدن شرق القاهرة، ما رأته الحكومة عزوفاً موقتاً.

 وعلى عكس ما أكدته تقارير صحفية، عن بلوغ خسائر القطار نحو 25 مليون جنيه مصري (814 ألف دولار وفقاً لسعر الصرف البالغ 30.7 جنيه للدولار في عام 2023) في عامه الأول؛ نفت الحكومة وجود أية خسائر جراء تشغيله.

باستثناء العاصمة وحدائقها يمر القطار خارج التجمعات السكنية في المدن الجديدة في شرق القاهرة

القطار الجديد وأعباء الاستدانة

بميزانية مليار و300 مليون دولار أميركي؛ اقترضت الحكومة المصرية منها 1.2 مليار دولار من الصين بفائدة 1.8 في المئة، انتهت الهيئة القومية للأنفاق التابعة لوزارة النقل، من تنفيذ المرحلة الأولى والثانية من قطار العاصمة وتشغيلهما، لخدمة تسع مدن شرق القاهرة.

مشروع القطار الكهربائي الخفيف

القطار الكهربائي الخفيف، المعروف باسم “قطار العاصمة” يمر وسط العاصمة الإدارية الجديدة (له ثلاث محطات في العاصمة؛ محطتان تعملان حالياً وثالثة ما زالت قيد الإنشاء) التي يبلغ عدد قاطنيها نحو ألف ومئتي أسرة، وتضع الدولة هدفاً طموحاً بأن يتجاوز عدد سكانها ستة ملايين نسمة بحلول عام 2050.

قطار العاصمة يمر بالظهير الصحراوي لمدن شرق القاهرة الواقعة على مساره باستثناء العاصمة وحدائقها

في حين يمر القطار بالأطراف المترامية للمدن الثمانية الأخرى، التي يتجاوز عدد سكانها 528 ألف نسمة، ويتردد عليها يومياً عشرات الآلاف من قاطني محافظات الدلتا، بخاصة الشرقية والقليوبية والقاهرة والجيزة؛ بسبب التوسعات العمرانية التي تشهدها، والمناطق ذات الطبيعة التجارية والصناعية لتلك المدن، بالإضافة إلى الجامعات الخاصة والأهلية، التي توجد مقارها الرئيسية أو أحد فروعها شرق القاهرة.
التوسع شرقاً

ما بين أواخر السبعينيات من القرن الماضي ونهاية العقد الثاني من ألفينيات القرن الحالي، أُنشئت المدن الجديدة في منطقة شرق القاهرة، وتشهد الامتداد العمراني والنمو السكاني الأكبر في محيط إقليم القاهرة الكبرى، وفقاً لدراسات أجرتها “مجموعة طلعت مصطفى”؛ أبرز مطوّر عقاري في هذه الرقعة الجغرافية، ويُتوقع أن يصل عدد سكان مدن شرق القاهرة إلى عشرة ملايين نسمة عام 2030.

نفي حكومي للخسائر

قُدّر عدد ركاب القطار الكهربائي الخفيف، المعروف بقطار العاصمة، بـألف راكب، خلال أول ستة أيام لتشغيله، بمتوسط 115 راكباً يومياً، وفقاً لما نشرته جريدة “فيتو”؛ وهو ما لم تنفه الهيئة القومية للأنفاق أو وزارة النقل، أو الشركة الفرنسية التي تمتلك حق إدارة قطار العاصمة وتشغيله، رغم إعلان الجهات الثلاثة بأن سعة القطار تتجاوز مليون راكب يومياً.

على مدار الأشهر الثلاثة الأولى من تشغيل مشروع قطار العاصمة، أظهرت صور ومقاطع فيديو، تمّ تداولها عبر مواقع إخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، عزوف الركاب عن الإقبال على القطار؛ رغم ما يقابله من نفي حكومي كل مرة، أو تقديم مبررات على شاكلة أن “قلّة الركاب عملية موقتة”، ستنتهي بمجرد استكمال نقل موظفي الحكومة إلى العاصمة الإدارية، أو بعد انتهاء تنفيذ المرحلة الثالثة والرابعة من مشروع القطار.

مما دفع وزير النقل السابق حينها (محافظ القاهرة السابق أيضاً) جلال السعيد إلى توجيه رسالة إلى “منتقدي مشروع القطار الكهربائي الخفيف” يطالبهم فيها بالهدوء؛ مشيراً إلى أن قلة عدد الركاب في الأيام الأولى لتشغيل القطار “دفعت الحملات الممنهجة للنيل من المشروع ومن جدواه”، وفق تعبيره.

وأوضح السعيد أن طاقة القطار، في الجزء الذي تمّ تشغيله (70 كيلومتراً) تتراوح ما بين 15 و25 ألف راكب في الساعة، معترفاً بأن المشروع لم يشهد الإقبال المُتوقع لحركة الركاب في بداياته، متفائلاً بزيادتها خلال أشهر قليلة.
محاولات بدون جدوى

وكشف تقرير صحافي لموقع “المنصة” أن تكلفة تشغيل رحلة القطار الواحد، من محطة عدلي منصور إلى العاصمة الإدارية، تُقدّر بـ 140 ألف جنيه مصري (أربعة آلاف و560 دولاراً، وفقاً لمتوسط سعر الصرف في عام 2023)؛ لا تحصل منها الهيئة القومية للأنفاق سوى على خمسة آلاف جنيه.

لكنّ وزارة النقل المصرية نفت بعدها، وفي بيان رسمي، وجود أية خسائر، واقتصر البيان على الإشارة إلى تعاقد الوزارة مع شركة RATP الفرنسية لإدارة القطار الكهربائي الخفيف وتشغيله LRT، مقابل نسبة من الإيرادات، من دون الكشف عن قيمة الأرباح أو الخسائر التي سجلها القطار، وأكد البيان الوزاري أن المشروع سيحقق أرباحاً تكفي على الأقل، لاسترداد قيمة الأصول خلال 20 عاماً، من دون ذكر أية معلومات أو أرقام عن الإيرادات أو عدد الركاب.

وفي ظل استمرار وزارة النقل في إخفاء أرقام إيرادات وتشغيل قطار العاصمة؛ لا تتوقف الأخبار المنسوبة إلى مصادر مُجهّلة بالوزارة، كان من أبرزها خبر بعنوان “وزارة النقل تدرس بيع أصول القطار السريع والكهربائي الخفيف لسداد قروض التنفيذ”، وهو ما نفته وزارة النقل في بيان رسمي، اقتصر على توضيح عام وفضفاض، بأن الوزارة تدرس “الشراكة” فقط، لكنها لم تعرض القطار الكهربائي السريع أو الخفيف للبيع.

وبسبب الشحّ في المعلومات، واقتصار بيانات وزارة النقل على مضامين عامة، من دون أية تفاصيل أو معلومات؛ خضنا تجربة ميدانية في المدن التي يمر فيها القطار، لرصد ما يحدث على أرض الواقع.

إحدى عربات قطار العاصمة في وقت الذروة بعد تحركه من محطة عدلي منصور المركزية متجهاً إلى العاصمة الإدارية

أزمة مدن الجيلين الثاني والثالث…الشروق وبدر نموذجاً

كانت البداية من مدينتي الشروق وبدر؛ وهما من أقدم مدن شرق القاهرة وأبرزها، وأكثرها كثافة سكانية وعمراناً التي يمر فيها القطار الكهربائي الخفيف، وقد وصل إليهما القطار مع افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من قطار العاصمة.
وتربط المدينتين بخلاف القطار الكهربائي الخفيف، ثلاث وسائل مواصلات أخرى، تتنوع ما بين سيارات الميكروباص ـ الأجرة، وباصات شركة خاصة “مواصلات مصر”، وأخرى حكومية “هيئة النقل العام”، لكل وسيلة منها خطوط سير مختلفة.

توفير ١.٧ مليار جنيه سنوياً…هدف لم يتحقق

بدأ العد التنازلي “لتوفير 1.7 مليار جنيه (نحو 90 مليون دولار وفقاً لسعر الصرف 18.9 جنيهاً للدولار في يوليو 2022) من الوقود سنوياً، مع تشغيل قطار العاصمة، كونه الهدف الثاني الذي أعلنه وزير النقل، أثناء افتتاح المشروع، وأوضح حينها وزير النقل كامل الوزير، أن تحقيق ذلك سيكون من خلال تقليل استخدام وسائل النقل البديلة؛ مثل السيارات الخاصة والباصات العامة وسيارات الأجرة، التي يستقلها قاطنو المدن الجديدة وزوارها على طول مسار القطار.

لكن ما حدث بعد مرور عام وعشرة أشهر، كان النقيض تماماً للهدف المُعلن؛ فزاد استخدام وسائل النقل البديلة، وفق ما رصدناه من مواعيد تحرك باصات “مواصلات مصر” في مدينة الشروق، حيث كانت الشركة الخاصة تنقل قبل تشغيل مشروع القطار مئتي ألف راكب شهرياً من الشروق وإليها، بحسب آخر تحديث على موقعها الإلكتروني عام 2021، من خلال ستة خطوط (ثلاثة خارجية ومثلها داخلية) وتحرك عشرات الرحلات على مدار 18 ساعة يومياً.

ومن بين الخطوط الثلاثة الخارجية، يوجد خط سير، من مدينة الشروق الواقعة شرق إقليم القاهرة الكبرى، إلى وسط مدينة القاهرة؛ الأول (NS5) الذي يتحرك من وسط مدينة الشروق إلى ميدان العباسية، والثاني باص (NS7) يتحرك من الشروق إلى منطقة سراي القبة، وتحديداً أمام محطة مترو الأنفاق، التي تحمل اسم منطقة الخط الأول .

بالتزامن مع تشغيل القطار في تموز/يوليو 2022، كان عدد الرحلات على خط العباسية 24 رحلة على مدار 16 ساعة، بحسب المواعيد المعلنة من الشركة وقتها، في المقابل، وبعد مرور عام وعشرة أشهر على تشغيل القطار، وصل عدد الرحلات اليومية، على خط السير نفسه، إلى 27 رحلة في زمن التشغيل ذاته.
في حين زاد عدد الرحلات على خط سراي القبة إلى 25 رحلة يومية، بدلاً من 24 رحلة في آب/أغسطس 2022.
أما في ما يخص سيارات الأجرة ـ الميكروباصات، التي تنقل الركاب من مدينة الشروق إلى موقف العاشر في مدينة السلام بالقاهرة (مسار القطار الكهربائي نفسه) فما زالت تعمل على مدار 24 ساعة يومياً، ولم تشهد أيّ تغيير يُذكر في تراجع أعدادها، وفق شهادة أحد سائقي سيارات الأجرة، التي تنقل الركاب من الشروق إلى السلام شرق القاهرة والعكس. 

وأوضح السائق أن عدد سيارات الأجرة يتراجع ليلاً كالمعتاد، وتحديداً بعد الثانية من منتصف الليل، وحتى ساعات الصباح الأولى؛ لكن في المقابل، وخلال ساعات الذورة، يحتشد الركاب في موقف سيارات الأجرة، منتظرين السيارات التي تقلهم حيث وجهتهم، أما بقية ساعات اليوم، فلا يخلو فيها الموقف من سيارات الأجرة، وفق رواية السائق، وهو الأمر ذاته الذي أكده أحد قاطني المدينة.

مسار سيارات الأجرة ـ الميكروباص، هو نفسه للقطار الخفيف؛ لكن الفارق بينهما أن موقف السيارات يوجد وسط مدينة الشروق، التي تتجاوز مساحتها 16 ألف فدان، في حين أن محطة القطار الخفيف توجد على أطراف المدينة، وتحديداً على طريق مصر ـ إسماعيلية الصحراوي، الذي يبعد عن وسط مدينة الشروق مسافة تقدر بستة كيلومترات، وأقرب منطقة سكنية لها على بُعد كيلومترين؛ وهي منطقة فيلات فاخرة يعتمد قاطنوها على سياراتهم الخاصة في الحركة والتنقلات اليومية.

لكن اللافت أن أجرة الميكروباص تبلغ نحو ثمانية جنيهات؛ وهي أقل من سعر تذكرة القطار، التي تُقدر بعشرة جنيهات، بعد تخفيضها موقتاً بنسبة تصل إلى 40 في المئة؛ لجذب المزيد من الركاب، بخلاف أجرة الباص؛ البالغة ستة جنيهات، الذي ينقل الركاب من وسط المدينة إلى محطة القطار.

صور لركاب ينتظرون المواصلات البديلة

على أطراف المدينة من الجهة الأخرى؛ طريق السويس القاهرة الصحراوي، وثّقنا بالصور والفيديو، خلال ساعات الذروة، اصطفاف الركاب في موقف سيارات الأجرة، في طوابير طويلة يومياً؛ منتظرين السيارات المتجهة إلى منطقة السلام شرق القاهرة (المسار نفسه لقطار العاصمة) أو المنيب جنوب الجيزة، أو منطقة مسطرد الحدودية بين محافظتي القاهرة والقليوبية.

قطار بلا ركاب

في المقابل، رصدنا من خلال رحلة بالقطار الكهربائي الخفيف، حركة الركاب وقت الذروة، كانت البداية من محطة عدلي منصور، أولى محطات القطار، حيث تحرك القطار في الثالثة مساء، بعد انتظار 15 دقيقة، وكان توافد الركاب على المحطة محدوداً، وأغلب مقاعد العربات بلا ركاب.

وبعد محطتين توقف فيهما القطار؛ لاحظنا حركة محدودة لركاب لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، ما بين صعود ونزول، فقررنا مغادرة القطار في المحطتين الثالثة والرابعة: الشروق، وحدائق العاصمة، فلم يختلف المشهد كثيراً في المحطتين، ففي الأولى أي الشروق، كان عدد العاملين في المحطة، من أفراد الأمن وموظفي التذاكر والخدمات، أكثر من المترددين عليها، ولم نصادف من الركاب غير اثنين نزلا معنا من القطار، وراكب ثالث دخل محطة القطار أثناء خروجنا منها، تزامن ذلك مع وجود الباص المخصص لنقل ركاب القطار إلى وسط المدينة، حيث كان الباص الوحيد في ساحة انتظار السيارات. تحرك الباص؛ سعته الإجمالية 26 مقعداً، من أمام محطة القطار، حتى وصلنا إلى “كمباوند” دار مصر؛ ولم يكن فيه غيرنا، وذلك مقابل ستة جنيهات للتذكرة الواحدة.

بينما خارج المحطة الثانية أي حدائق العاصمة، كان يقف باصان مُخصّصان لنقل ركاب القطار الكهربائي من المحطة إلى داخل المدينة والعكس، ركبنا أحدهما مع أربعة ركاب آخرين من سكان وحدات “الإسكان الاجتماعي” في المدينة حديثة النشأة، جاب بنا الباص في بعض شوارع المدينة، التي لم نجد فيها أية وسيلة مواصلات داخلية، ولا حتى سيارات خاصة في طريقنا، ورغم أن بنايات “الإسكان الاجتماعي” تتميز بجودة التخطيط “واللاند سكيب” والشكل الحضاري للعمارات؛ إلا أن نسبة إشغال الوحدات كانت ضئيلة.

يرجع محسن محمد (اسم مستعار) أحد ساكني وحدات “الإسكان الاجتماعي”، عزوفه عن استخدام القطار الكهربائي الخفيف إلى سببين؛ أولهما ارتفاع سعر التذكرة، التي تبلغ 15 جنيهاً مصرياً (0.32 دولار وفقاً لمتوسط سعر الصرف الحالي البالغ 47 جنيهاً للدولار) مقارنة بوسائل المواصلات الأخرى، سواء السيارات الأجرة أو باصات هيئة النقل العام.

والسبب الثاني أرجعه محمد لضرورة أخذ وسيلة مواصلات إضافية من أجل الوصول إلى محطة القطار، بخلاف تذكرة القطار نفسه: “أنا ساكن في ميدان الزهور في وحدات الإسكان الاجتماعي في حدائق العاصمة، تبعد عن محطة القطار ثلاثة كيلومترات، وأحتاج إلى وسيلة نقل داخلية للوصول إلى القطار تكلفتها خمسة جنيهات، وهي التكلفة نفسها لخروجي من المدينة”، ويشتكي محمد من غياب المواصلات العامة وصعوبتها في المدينة.

ساحات انتظار بلا سيارات

توجد ساحات انتظار للسيارات الخاصة أمام كل محطة من محطات القطار الكهربائي الخفيف، تصل سعة بعضها إلى ألفي سيارة، وهي خدمة مجانية تستهدف جذب أصحاب السيارات الخاصة لاستخدام وسائل النقل العامة، أثناء التنقل في مدن شرق القاهرة، وفقاً لبيانات وزارة النقل، وتصريحات وزيرها كامل الوزير في أكثر من مناسبة.

لكن خلال جولتنا في محطات العبور وحدائق العاصمة وبدر وهليوبوليس؛ وثّقنا خُلوّ ساحات الانتظار من السيارات، باستثناء باص خدمة الركاب التابع لوزارة النقل، وذلك على النقيض من الصور التي نشرتها وزارة النقل، وتظهر اصطفاف عدد كبير من السيارات الخاصة في ساحات انتظار السيارات، للرد على تداول أخبار بشأن عزوف الركاب عن القطار الكهربائي الخفيف.

مقارنة بين الصور التي نشرتها وزارة النقل والصور التي التقطتها معدة التحقيق

ولا يختلف تعامل قاطني مدينة بدر مع قطار العاصمة واستفادتهم منه، عن قاطني مدينة الشروق، فبحسب الأربعيني فتحي السيد (اسم مستعار) المقيم في بنايات الإسكان الاجتماعي في حي الأندلس في مدينة بدر، فإن بُعْد محطة القطار عن منطقته، هو الذي يدفعه إلى عدم ركوبه، فحي الأندلس، الذي يعيش فيه فتحي السيد مع أسرته المكونة من أربعة أبناء وزوجته، منذ ثلاثة أعوام، يوجد في آخر مدينة بدر، ويعاني السكان نقص الخدمات هناك، خاصة المواصلات العامة التي تقتصر على أتوبيسات هيئة النقل العام وشركة خاصة للنقل، ويبعد موقف مدينة بدر العمومي سبعة كيلومترات عن محل سكنه؛ بينما يقع مقر عمله اليومي في مدينة نصر بالقاهرة، وتعيش عائلته وعائلة زوجته في منطقة المرج، وزيارتهما تمثل صعوبة بسبب قلة المواصلات وارتفاع أجرتها.

موظفو قطار العاصمة وعماله

استكملنا الرحلة عبر القطار إلى العاصمة الإدارية، التي توجد فيها محطتا قطار؛ “مطار العاصمة”، و”مدينة الفنون والثقافة” ومحطة ثالثة ما زالت قيد الإنشاء، وبخلاف مدن شرق القاهرة التي يمر بها القطار، تقع محطات القطار وسط العاصمة، وتصطف أمامها باصات لنقل الموظفين إلى الحي الحكومي، وغيره من الأحياء والأماكن العامة داخل العاصمة.

وفي رحلة العودة، صعد العدد الأكبر من الركاب من محطتي العاصمة الإدارية؛ خاصة موظفو الحي الحكومي، الذين نُقلوا إلى العاصمة الإدارية منتصف عام 2023، حين انتقلت مئة جهة حكومية، يتجاوز عدد العاملين فيها 40 ألف موظف، يمارسون عملهم حالياً من المقرات الجديدة، بامتيازات وفّرتها الحكومة لتشجيعهم على الانتقال؛ منها صرف بدل انتقال مغرٍ أو توفير شقق سكنية سواء في العاصمة أو في حدائقها.
ورغم نقل هذا العدد الكبير من موظفي الجهات الحكومية، لم يشهد القطار زحاماً مع انتهاء مواعيد العمل الرسمية، حيث وثّقنا وجود مقاعد خالية من الركاب.
ولم يتغير المشهد خلال رحلة العودة إلى محطة القطار الأولى “عدلي منصور”، فكانت محطتا “مطار العاصمة” و”مدينة الفنون والثقافة” تمثلان نقطة عبور العدد الأكبر من الركاب الذين استقلوا القطار، ولم يصعد من المحطات الأخرى غير عدد محدود، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة داخل العربة، التي كنا بها، وكذلك العربتان المجاورتان لها من اليمين واليسار.

إنفاق المصريين على المواصلات

لا توجـد بيانـات كافيـة حـول إنفاق الأفـراد علــى المواصــلات، التي تحتل المرتبة الرابعة من نفقات المصريين السنوية، وشهدت زيادات متكررة على مدار العقد الأخير، مع تطبيق الحكومة لبرنامج رفع الدعم عن الوقود.

يتباين إنفاق المصريين على التنقل والمواصلات العامة ما بين ستة في المئة إلى 30 في المئة من الدخل السنوي للأسرة، لكنّ الوضع مختلف تماماً بالنسبة لمحسن محمد، الذي يُنفق تقريباً نحو ستة آلاف جنيه؛ أي ما يعادل إجمالي راتبه الشهري، فهو يعمل في التجمع الخامس، الذي يقع ضمن النطاق الجغرافي لمدن شرق القاهرة؛ فيضطر إلى ركوب أربع وسائل مواصلات للذهاب إلى عمله، ومثلها للعودة إلى بيته، بتكلفة يومية قدرها 70 جنيهاً (نحو 1.5 دولار وفقاً لمتوسط سعر الصرف الحالي البالغ 47 جنيهاً للدولار) بالإضافة إلى تكلفة وسائل التنقل الخاصة بأبنائه الثلاثة، وهم في مراحل تعليمية مختلفة.

تختلف الأسماء، لكن الأعباء المالية هي ذاتها، الخاصة بوسائل التنقل. فتحي السيد، أحد سكان مدينة بدر، ينفق 50 في المئة من راتبه الشهري، الذي يبلغ ستة آلاف جنيه، على المواصلات؛ فرحلة ذهابه إلى العمل والعودة منه تكلّفه 50 جنيهاً يومياً (نحو دولار واحد، وفقاً لمتوسط سعر الصرف الحالي) تُضاف إليها ما يماثلها تقريباً؛ وهي تكلفة تنقلات أفراد أسرته من وإلى مدارسهم ودروسهم.

محمد محسن وفتحي السيد؛ نموذجان من المستفيدين من مشروع “الإسكان الاجتماعي”، الذي أطلقته الحكومة المصرية عام 2014، والمعروف إعلامياً بـ”مشروع المليون وحدة”؛ لخدمة فئات لا تتمتع برفاهية امتلاك سيارة خاصة، وتعتمد على المواصلات العامة بصورة أساسية، في مدن بدر وحدائق العاصمة والشروق والعبور شرق القاهرة.

الحدائق وهليوبوليس “من يجاور العاصمة لا يسعد”

على عكس المثل الشعبي السائد في مصر: “من يجاور السعيد يسعد”، لم يحدث أي تطور في موقف مدينة هليوبولس، المجاورة للعاصمة الإدارية، التي تسبق نشأتها العاصمة الجديدة بـ 20 عاماً، لكنها لا تزال “مدينة أشباح” كما يصفها عبد البصير الرحماني، أحد قاطنيها، بالقول: “أسير في المدينة الساعة 12 ظهراً، بصعوبة أصادف في طريقي سيارة ولا يوجد مَن يسير على قدميه، فما بالك ليلاً”.

ورغم أن وجود محطة لقطار العاصمة، على أطراف المدينة من جهة طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي، وترى الحكومة فيها حلاً لمشكلة المواصلات المزمنة، يرى عبد البصير أن القطار لم يغير أيّ شيء على أرض الواقع، مُرجعاً السبب إلى وجود محطة القطار في شمال المدينة، وعدم توفر مواصلات داخلية لنقل الركاب من جنوب المدينة إلى شمالها لركوب القطار.

يُقدّر عبد البصير المسافة بين وحدته السكنية ومحطة القطار بسبعة كيلومترات؛ وهي مسافة يصعب قطعها من دون سيارة أو وسيلة مواصلات داخلية، كما يقول، في حين يفضل القاطنون في جنوب المدينة اللجوء إلى طريق مصر السويس، لاستخدام أية وسيلة نقل إلى وجهتهم، بدلاً من المرور عبر المدينة بأكملها إلى محطة القطار من الجهة الشمالية.

ويشكو عبد البصير، كونه واحداً من ألف ساكن في المدينة، التي تتجاوز مساحتها خمسة آلاف و888 فداناً، من تأخر تعمير المدينة وغياب المواصلات؛ وعلى الرغم من أن عمر المدينة يقترب من 30 عاماً، لا تتوقف شكاوى سكان مدينة هليوبوليس الجديدة من نقص الخدمات الأساسية.

أسطول نقل من أجل العاصمة وليس حدائقها

في شباط/فبراير 2023، تعاقدت وزارة النقل مع تسع شركات نقل جماعي لنقل الركاب من القاهرة إلى العاصمة الإدارية، بإجمالي 369 أتوبيساً، تعمل عبر 48 مساراً.

ورغم أن مدينة حدائق العاصمة أُنشئت بهدف إسكان موظفي الحكومة، الذين نُقلوا إلى مقرات عملهم الجديدة في العاصمة الإدارية، اكتفت وزارة النقل بعدد محدود من الباصات لنقل سكانها إلى العاصمة، وهو ما اعترض عليه محمود علي، أحد الحاصلين على وحدة سكنية في مدينة حدائق العاصمة، قائلاً: “أسطول أتوبيسات يقف في العاصمة في ظل غياب الركاب، لا نجد مواصلات في حدائق العاصمة”. وعندما تواصل محمود ومجموعة من السكان مع وزارة النقل وشركة المواصلات، جاء الرد كالآتي: “الشركة ستخسر في حدائق العاصمة لقلة الكثافة السكانية”.
يسأل محمود: “كيف خصصت الدولة وحدات سكنية لمحدودي الدخل، في ظل غياب المواصلات؟”، ويؤكد أن القطار الكهربائي الخفيف، هو وسيلة المواصلات الوحيدة التي خصّصتها وزارة النقل لخدمة سكان حدائق العاصمة، لكن السكان لم يستفيدوا منه، بسبب بُعده عن وحدات “الإسكان الاجتماعي” أكثر من ثلاثة كيلومترات، ولا توجد وسيلة مواصلات داخلية تقطع المسافة إلى المحطة.
تواصل سكان المشروع مع جهاز مدينة حدائق العاصمة، الذي أخبرهم أن الأمر يرجع لوزارة النقل، يقول محمود، وبرأيه لن يتغير الوضع بعد تعمير المدينة، ولن توفر الدولة وسائل مواصلات جديدة لمحدودي الدخل، ومع الانتهاء من مدينة نور، أحد أرقى الأحياء السكنية الجديدة في المنطقة، ستكتفي الشركة المطوّرة بتوفير أتوبيسات داخلية لسكان مشروعها، مثلما فعلت سابقاً في مشروعي الرحاب ومدينتي.

ومع اقتراب العمر التشغيلي لقطار العاصمة (المرحلتان الأولى والثانية) من العامين، لم تتوقف خلالهما حالة الجدل الدائر عن جدوى المشروع، ومدى تحقيقه الأهداف التي أنشئ من أجلها؛ أعلنت الحكومة إنشاء مرحلة خامسة داخل العاصمة، ليكون إجمالي عدد محطات القطار بالعاصمة ثماني محطات فقط، ومحطة واحدة لمدينة حدائق العاصمة.
أما باقي مدن شرق القاهرة، التي يتجاوز عمر بعضها نصف قرن، فكان نصيبها محطة واحدة خارج الحيز العمراني للمدينة، وما زالت تعاني أزمة مواصلات؛ حيث لم تتأثر بوجود قطار العاصمة على أطرافها، وبالتزامن وقّعت وزارة النقل مذكرة تفاهم جديدة لإنشاء قطار كهربائي جديد، من العاصمة الإدارية الجديدة إلى مدينة الرحاب في التجمع الأول في القاهرة الجديدة.

18.07.2024
زمن القراءة: 14 minutes
|

اشترك بنشرتنا البريدية