fbpx

اكتشفتُ سبب حجب مقالي في قطر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عندما رأيت أن مقالتي خضعت للرقابة، فكرت في كأس العالم 2022، الذي ستستضيفه قطر. سوف يتزايد الاهتمام الصحافي بالبلاد. ماذا يعني ذلك؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

صباح أحد أيام الخميس، وبعد أيام من نشر مقالة كتبتها لقسم الفنون في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، تلقّيت رسالة من رقم من الدوحة عاصمة دولة قطر، ينبّهني إلى صورة مؤرقة مُتداولة على شبكة الإنترنت.

وأظهرت الصورة صفحة قسم الثقافة في الصحيفة، وفي أسفل اسم القسم فراغ أبيض واسع بدلاً من مقالتي المفترض نشرها في هذه المساحة، فقد كان الجزء الأكبر من الصفحة أبيض وخالياً من أي مضمون.

حدّقت مندهشاً في الصورة؛ فلم أر في حياتي صحيفة تنشر مساحة كبيرة فارغة بدلاً من مقالة، واتّسعت عيناي أكثر عندما انتقل بصري إلى أسفل المساحة البيضاء الكبيرة، إذ كُتبت ملاحظة، بخطّ صغير، “(مقال الرأي: حريق يقتل 32 شخصاً في حانة للمثليّين في نيو أورليانز… هذا الفنّان لم ينسَ)، بقلم شانون سيمز، حُذف بشكل استثنائي من الطبعة الدولية لصحيفة “نيويورك تايمز” في الدوحة، والمقال مُتاح على موقع NYTimes.com على شبكة الإنترنت”.

موضع المقال فارغ بالأبيض كما ظهر في النسخة القطرية من صحيفة نيويورك تايمز

بدت الملاحظة غريبة لأسباب عدّة، أوّلها: أنني لم أكتب مقالاً للرأي وإنما تقريراً (موضوعاً) عن عرض فني، فضلاً عن استخدام كلمة “بقلم” مرّتين بشكل غير مقصود. ولكن، الأهم من ذلك، استوقفتني الملاحظة لأنها توحي بأن مقالتي خضعت للرقابة، ولكن من الفاعل؟ وكيف؟ والأهم، لماذا؟

اهتم المقال، عموماً، بالعرض الفني في متحف نيو أورليانز، لكنّه ركّز على مساهمة أحد الفنانين، إذ يكشف المعرض فصلاً مظلماً ومُغفلاً من تاريخ مجتمع المثليين ومزدوجي الجنس والمتحوّلين جنسياً L.G.B.T.Q. في نيو أورليانز.

بحث الفنان سكايلار فين في القتل المأسوي لـ32 شخصاً في حانة للمثليّين عام 1973، وأعاد استحضار كل من الإحساس بحادثة الحانة والتغطية الإخبارية المحدودة لما حصل في ذلك الوقت، فضلاً عن معاداة المثليين في بعض الأحيان.

تناول المقال صوراً لمعرض فين وفين نفسه، التقطها المصوّر المحلي وليام فيدمر، وعلى رغم احتمالية وجود إيحاءات في الصور مثل (صورة رجل من دون قميص، على سبيل المثال)، فإنّها ليست صريحة.

ففي الواقع، كان المقال مشابهاً من نواحٍ كثيرة لمقالات (موضوعات) فنية أخرى نُشرت في صحيفة “نيويورك تايمز”، لم تثر أي جدال يُذكر.

ومع ذلك، وعلى رغم نشر المقالة في طبعات “نيويوك تايمز” الدولية في جميع أنحاء العالم، فإنها “حُذفت بشكل استثنائي” من الطبعة الدولية في الدوحة بقطر.

قال ستيفن دنبار-جونسون، رئيس الطبعة الدولية لشركة “نيويورك تايمز”، الذي يشرف بدوره على الأعمال الدولية للشركة، “لماذا؟ سؤال معقول للغاية لأي قارئ يرى مقالاً فارغاً في صحيفته”.

وتتشارك “نيويورك تايمز” مع المطابع المحلية في كل من عملية الطباعة والتوزيع لـ 175000 نسخة من الطبعات الدولية يومياً. وقال دنبار جونسون، إن هذا الإجراء “يعمل بشكل جيد في معظم الأسواق”، ما عدا سوقين أو ثلاثة “حيث توجد مشكلات الرقابة”.

وتعد قطر أحد هذه الأسواق، وأشار دنبر-جونسون أيضاً إلى حوادث الرقابة- إما بحذف مقال كامل، أو القص أو “التعتيم” (أحياناً بوضع علامة سوداء دائمة بكل بساطة) لكلمات أو صور محدّدة في مقال ما، في دول  الإمارات العربية المتحدة وماليزيا وباكستان خلال السنوات الأخيرة.

تطرح هذه الحوادث المتكررة سؤالاً مهماً: هل تطبّق صحيفة “التايمز” نظام الرقابة الذاتية؟ على سبيل المثال: عندما تستشعر الجريدة احتمال وقوع مشكلات مع المطبعة المحلية، هل تقرّر عدم نشر مقالات معيّنة؟

يقول دنبار جونسون، كما هو الحال مع مقالي، تكمن المشكلة في معظم البلدان في الموضوعات ذات المحتوى “الحساس”. لكن في باكستان، إذا شعرت المطبعة المحلية بأن مقالة ما سوف تهدّد حياة صحافي (بعض الصحافيين المحليين هناك قُتلوا نتيجة لكتابتهم الصحافية)، فإنهم سوف يحجبون المقالة.

في الآونة الأخيرة، انسحبت صحيفة “التايمز” من تايلاند لأن المطبعة هدّدت بعدم توزيع الصحيفة، وفقاً لجونسون. (يتلقى الآن قراء “التايمز” في تايلند إصدارات الجريدة متأخرة عن موعدها بيوم أو أكثر، لأنها تُشحن من بلدان أخرى). وأضاف جونسون إنه “ليفطر قلوبنا أن تتوقف التايمز عن الطباعة في بلد ما”.

كما حظّرت الصين موقع “التايمز” لسنوات عدة. وتُطبع الصحيفة وتُشحن من هونغ كونغ، قبل أن تمر على هيئة الرقابة في الصين التي تحدّد ما إذا كان إصدار ذلك اليوم سوف يوزَّع. (يقول جونسون إنه لهذا السبب حجبت صحيفة “التايمز” في الصين ذات مرة لمدة شهر).

تطرح هذه الحوادث المتكررة سؤالاً مهماً: هل تطبّق صحيفة “التايمز” نظام الرقابة الذاتية؟ على سبيل المثال: عندما تستشعر الجريدة احتمال وقوع مشكلات مع المطبعة المحلية، هل تقرّر عدم نشر مقالات معينة، أو هل رفض المحرّرون من قبل تكليف المراسلين بكتابة قصص لأنهم يعتقدون أنها ستكون حساسة للغاية بالنسبة إلى المطابع المحلية؟ قال جونسون بكل وضوح: “يجب أن أؤكد أننا لم نقم أبداً بتطبيق الرقابة الذاتية. ولم نتخذ أبداً أي قرار بشأن ما يصدر في صحيفة “نيويورك تايمز” استناداً إلى ما تقوله أي حكومة في العالم”.

بدلاً من ذلك، تقوم المطابع المحلية، وفقًا للقوانين أو السياسات المتّبعة في بلادها، بتغيير محتوى الجريدة، إما باستبعاد مقالات بأكملها أو “حجب” الجمل أو المحتوى الإشكالي.

إقرأ أيضاً: من يملك قرار الرقابة في لبنان؟

لم تستجب المطابع القطرية لطلبات صحيفة “التايمز” للتعليق على الأمر. لكن القانون القطري قد يقدّم بعض الأدلة. تجرّم قطر المثلية الجنسية: ويمكن أن يُسجن الرجال لسنوات بسبب علاقات جنسية مثلية. كما ينص القانون على بعض الأحكام عند “تحريض” رجل لارتكاب أعمال “غير أخلاقية”. ربما أرادت المطابع المحلية أن تعمل بسلام.

هناك سبب آخر للقلق. عندما رأيت أن مقالتي خضعت للرقابة، فكّرت في كأس العالم 2022، الذي ستستضيفه قطر. سوف يتزايد الاهتمام الصحافي بالبلاد. ماذا يعني ذلك؟

تمثّل الرقابة، بغض النظر عن سببها، مصدر قلق لمراقبي الصحافة في قطر. يقول جاستين د. مارتن، أستاذ الصحافة في جامعة نورث وسترن في فرع الدوحة، إنه لم ير أي شيء من هذا النوع في قطر. ويضيف: “قرأت الصحيفة، واعتقدت في البداية أنها كانت خطأً في الطباعة”.

بالنسبة إلى مارتن، تبدو استراتيجية الرقابة القطرية غير منطقية. ويتابع: “يمكن أي قارئ أن يرى أن هذا النوع من الرقابة غير محترف، بخاصة أن صحيفة “نيويورك تايمز” ذكرت ذلك التعليق في أسفل المساحة البيضاء”. وبإمكان كثر من هؤلاء القراء الوصول إلى المقالة ذاتها عبر الإنترنت.

يتفق جونسون مع هذا الرأي، فيقول: “إنه لأمر بالغ السذاجة من هذه الحكومات أن تفعل ذلك، لأنه يشجع الناس على قراءة الأجزاء التي أزالوها”.

شانون سيمز

هذا المقال مترجم عن موقع Nytimes ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي