أعلن البرلمان الأوروبي في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2022، فتح تحقيق داخلي في ملابسات قضية فساد مرتبطة بقطر وعدد من النواب الأوروبيين المتهمين بالتأثير في الدول الأوروبية لصالح حصول قطر على حق استضافة المونديال، ما أثار عاصفة من الجدل على مستوى القارة العجوز حول مدى اختراق دائرة مُشرّعي السياسة الأوروبية ومقدار الفساد داخلها.
تزامناً مع الإعلان، نشط هاشتاغ #قطر_غيت بشكل لافت، إذ استخدمته حسابات كانت جزءاً من حملات سابقة مناهضة لدولة قطر أثناء فترة الخلاف بين الدوحة ودول المقاطعة الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر (2017 – 2021).
وقرّر البرلمان الأوروبي في 2 شباط/ فبراير من عام 2023، تجريد نائبين متورّطين في فضيحة الفساد من الحصانة، ومع استمرار التحقيقات ومعه نشاط الهاشتاغ إلى الآن، حلّلنا أبرز سماته والمؤثرين فيه.
ماذا حدث؟
أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في مؤتمر صحافي في 5 كانون الثاني/ يناير 2021، أن قطر ودول الخلاف قررت “تنحية خلافاتنا جانباً تماماً”. ولاحقاً، تبادل مسؤولو هذه الدول الزيارات الرسمية، وشاركوا في المناسبات الوطنية والإقليمية والدولية، وسط احتفاء من وسائل الإعلام التي كانت ذات يوم أدوات لتوجيه انتقادات لاذعة للحكومات الأطراف في الخلاف.
وكانت شبكات التواصل الاجتماعي إحدى ساحات العراك الافتراضي، وظهرت حسابات وتشكلت جيوش و”لجان” إلكترونية شاركت في الصراع ، قبل عودة العلاقات بين الدوحة ودول الجوار الخليجي – إضافة إلى مصر – إلى وضعها (الطبيعي). صحيح أن العلاقات عادت، لكن ظلت هذه الحسابات والمجموعات نشطة على وسم #قطر_غيت و #قطر_جيت، اللذين جمعا معاً أكثر من 2300 تغريدة، إضافة إلى 3383 حالة إعجاب أو لايك.
رسم توضيحي لنشاط هاشتاغَي #قطر_جيت و #قطر_غيت – أداة InVID
الأكثر تغريداً… مشاركون في حملات سابقة
شارك تفي حملة التغريد عبر وسمَي قطر، حسابات كانت منخرطة في حملات إلكترونية سابقة تركزت حول توجيه انتقادات ضد الدوحة، وكتابة تعليقات إيجابية أو داعمة لبقية دول المقاطعة “السابقة”.
رسم توضيحي لأكثر الحسابات تغريداً على هاشتاغَي #قطر_غيت و #قطر_جيت – أداة InVID
أكثر الحسابات نشاطاً برصيف 41 تغريدة، هو MidadNewsTV@ الذي يعرّف عن نفسه في “تويتر”، بأنه “منصة متخصصة في نشر فيديوهات وأخبار تفضح الإرهاب وداعميه ومموّليه”. للحساب امتدادات مماثلة بالاسم نفسه في منصات اجتماعية أخرى، مثل “يوتيوب” و”فيسبوك”، تم إنشاؤها جميعاً في آب/ أغسطس 2017، أي بعد شهرين من اندلاع الأزمة عندما وجّهت عواصم خليجية ومصر اتهامات إلى قطر بتمويل الإرهاب، وهو ما كرّرت الدوحة نفيه.
لا يوضح القائمون على حساب “مداد”، البلد أو مكان انطلاقه في المساحة التعريفية لحساباته وصفحاته على الشبكات الاجتماعية، عدا منصة “يوتيوب”، حيث كُتب أمام الجزئية الخاصة بالموقع: السعودية. تجدر الإشارة الى أنه خلال سنوات الأزمة مع قطر، ظهرت منصات ومواقع إلكترونية مختلفة بتمويل سعودي وإماراتي، كانت قوة العمل فيها مصرية. الأمر نفسه ينطبق على الحسابات المدعومة من قطر.
حظيت منصة “مداد” باهتمام وسائل إعلام مصرية وعربية خلال سنوات الأزمة الخليجية، وشكلت جزءاً من تقاريرها وقصصها الإخبارية. هذا الاهتمام لم ينحصر بما تنشره المنصة من محتوى مصوّر حول قطر، لكنه امتدّ إلى الاستناد إليها باعتبارها مصدراً يمكن الوثوق به في تغطيات ترتبط بموضوعات في اليمن وليبيا وتركيا، إضافة إلى “تعرية رعاة الإرهاب”.
لقطات من مواقع صحيفتي “الوطن والمصري اليوم” وموقعي “السودان نيوز” و”الموقف الليبي”.
لا تنحصر تغطيات “مداد” على قطر والمنطقة العربية، إذ نشرت تقارير مصوّرة عن أحداث عالمية، لا سيما الحرب في أوكرانيا. وتميل التقارير إلى التركيز على الجانب الروسي بشكل إيجابي، والترويج لنظريات المؤامرة.
حسابات مصرية وسورية وبحرينية
إلى جانب “مداد”، هناك حسابات فردية لأشخاص يشاركون بشكل كثيف في هاشتاغَي قطر المرتبطين بقضية الفساد في البرلمان الأوروبي. يُظهر نشاطهم على “تويتر” أنهم من أصول مصرية وسورية وبحرينية، صادف أن وضعتهم الظروف على خط تماس المعارك الإلكترونية منذ اندلاع الأزمة الخليجية.
السوري محمد جهاد سمّان، واحد من هؤلاء، إذ كان يعمل في قطر قبل أن يغادرها إلى الولايات المتحدة بعد تعرّضه “للظلم” ومنعه من السفر لمدة عام، بسبب خلاف مع أحد البنوك في قطر، الذي قال إنه يرتبط بأحد الشيوخ النافذين في الدولة.
يضع سمّان علم السعودية ويعرف نفسه في حسابه (Mjsamman@) بأنه “خبير بالشؤون العربية – الأميركية وتوثيق ومتابعة قضايا المحاكم الأميركية ومؤسس منتدى الحوار الاستراتيجي وباحث حروب الجيل الخامس والتنظيمات الإرهابية”.
اعتاد سمّان نشر تغريدات منتقدة لقطر، ومتابعة القضايا المرفوعة ضدها أمام المحاكم الأميركية، مع تغريدات إيجابية عن السعودية. ويتابع حسابه حساب “مداد نيوز” على “تويتر”.
من الحسابات النشطة بكثافة على الهاشتاغ أيضاً، حساب khulood_salman@ الذي يضع صورة ملك البحرين حمد بن خليفة مع عبارة “البحرين أمانة” إلى جانب أعلام دول الخلاف مع قطر: السعودية والإمارات والبحرين ومصر. سيطرت الأزمة مع الدوحة وتبنّي موقف المنامة الرسمي من إيران والقضايا الإقليمية، على طبيعة محتوى الحساب.
كانت هناك أيضاً تغريدات من حسابات مصرية ظهرت بشكل تعليقات وردود على حسابات لأشخاص قريبين من دولة قطر. مثلما صدر من Akhenaton_1st@ في تعليقه على تغريدة نشرها زيد بنيامين، المغرد المعروف بقربه من قطر، عندما كان يغرد عن السعودية، فباغته برد يتضمن هاشتاغ #قطر_غيت.
صحافيون سعوديون في موجة التغريد… هل أذابت المصالحة الخلافات؟
شارك صحافيون سعوديون في موجة التغريد عن قضية الفساد في البرلمان الأوروبي، في وسم بالمعنى نفسه #قطرجيت، الذي حصد بشكل إجمالي أكثر من 3400 تغريدة، غالبيتها كانت عبارة عن ريتويت، فضلا عن 4490 إعجاباً.
الصحافي السعودي عبدالعزيز الخميس، المقيم في لندن، استحوذ وحده على 91 تغريدة من إجمالي 158 تغريدة أصلية، وهو مؤشر يوضح مدى اهتمامه بالقضية.
في إحدى تغريداته، علّق الخميس الذي يتابع حسابه في “تويتر” أكثر من 300 ألف شخص، على انتقادات تلقاها من مواطنين قطريين، بسبب تركيزه على القضية. عندما رد الخميس، استدعى مقتل الكاتب جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، ليذكر المعلقين بطريقة تغطية قناة “الجزيرة” المركّزة على الحادثة.
وقال الخميس: “لا أتفهم لماذا الأخوة في قطر غاضبون من نقلي لما يحدث في الإعلام الأوروبي… من باب نقل الرأى والرأي الآخر… هل نسوا ما كانوا يفعلونه أثناء قضية خاشقجي رحمه الله وغيرها… هل نسوا دور جزيرتهم وعذرهم بأن الإعلام حر وأن الجزيرة وُلدت حرة إلا في ما يتعلق بقطر… لنستمتع بالحرية يا إخوان”.
على رغم المصالحة الخليجية، شاركت صفحات وحسابات كانت جزءاًِ من حملات سابقة ضد قطر، في موجة التغريد على هاشتاغات قضية الفساد المرتبطة بالدوحة في البرلمان الأوروبي، بعض الحسابات لمنصات سعودية، وأخرى لأشخاص من البحرين وسوريا.
استُخدمت المواد المصوّرة في التغريد على الهاشتاغ، مع الإشارة إلى تقارير منسوبة إلى الصحافة الأوروبية، كما شارك صحافيون سعوديون في التغريد عن القضية، واللافت أن معدل الريتويت كان أعلى بنسبة كبيرة من التغريدات الأصلية.