“الفوط الصحية أصبح سعرها خيالياً، ما زلت قادرة على تأمين علبة شهرياً، علماً أنني كنت أستهلك علبتين سابقاً، لكنني على يقين أن كثيرات بتن عاجزات عن شراء الفوط، والمشكلة أن المناديل الورقية التي تُستخدم كبديل ارتفع سعرها أيضاً”، تقول نور (26 عاماً)، وهي واحدة من
41.8 في المئة من اللبنانيات اللواتي قمن بتقليل كميات الفوط الصحيّة المستخدمة خلال الدورة الشهريّة أو استخدموها لفترة أطول، وفق دراسة حديثة أجرتها منظمة Fe-Male، بالتعاون مع Plan International. وهي دراسة تهدف إلى تحديد العوامل المؤثرة في إدارة الدورة الشهرية لدى النساء والفتيات، وإلى فهم تداعيات الأزمة الاقتصادية لناحية توفر المنتجات الصحية والسلوكيات المتبعة.
في ظلّ تفاقم سوء الوضع الاقتصادي وما يرافقه من ارتفاع في نسب الأسر الفقيرة العاجزة عن تأمين أدنى مقوّمات الحياة المعيشية واشتداد الفقر على الأسر الأكثر هشاشةً، أصبح لبنان من الدول التي تعاني من “فقر الدورة الشهرية”، وهو مُصطلح مرتبط بالدول النامية، حيث تمنع العوائق المادية النساء والفتيات ذوات الدخل المنخفض من شراء ما يحتجنه للدورة الشهرية. هذا المصطلح يوصّف العبء المالي الذي تشكّله إمدادات الدورة الشهرية التي لا تشمل المناديل الصحية والسدادات القطنية وحسب، بل تطاول أيضاً التكاليف ذات الصلة كمسكّنات الألم والملابس الداخلية.
وفقاً للدراسة، 76.5 في المئة من النساء والفتيات في لبنان عبّرن عن صعوبة الوصول لمنتجات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الحادة في الأسعار. كما أن 87.9 في المئة من النساء غيّرن سلوكهنّ الشرائي لمنتجات الدروة الشهريّة لأن الأسعار ارتفعت بشكل كبير. في حين أن 79 في المئة من اللبنانيات لاحظن تغيرّاً في عادات استهلاك منتجات الدورة الشهرية في محيطهنّ.
الأسعار جنون!
بالتزامن مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع، تضاعفت أسعار الفوط الصحية بنسبة 320 في المئة في لبنان. إذ بات يتراوح سعر علبة الفوطة الصحية باختلاف أنواعها بين 13 ألف و34 ألف ليرة لبنانية مقارنة بالسعر السابق الذي كان يصل إلى 3000 ليرة. هذا عدا “الضريبة الوردية” على المنتجات “الوردية” الخاصة بالنساء كشفرات الحلاقة ومزيل العرق وغيرها. إذ تختلف أسعار المنتجات وعادة ما تكون أغلى من تلك الخاصة بالرجال. وهو ما يدفع نساء نحو إعادة استخدام الفوط أو ارتدائها لفترات طويلة، أو حتى استبدالها بقطع القماش أو ورق المراحيض، ما يسبب عوارض صحية تبعاتها وخيمة على أجساد النساء.
تسعى مبادرات أهلية عدة في لبنان إلى سدّ الفجوة التي خلقها التضخم الاقتصادي، منها مبادرة “دورتي” ومنظمة Fe-Male إذ تهدف إلى على محاربة فقر الدورة الشهرية عبر توزيع رزم تحوي مستلزمات فترة الحيض للنساء الأكثر حاجة. لا سيما أن 66 في المئة من المراهقات في لبنان لا يستطعن شراء الفوط، وأكثر من نصفهن لاجئات سوريات، وفق منظمة Plan International.
اللافت أنه ومن بين أكثر من 300 سلعة تضمّنتها سلة الدعم التي أطلقتها وزارة الاقتصاد، لم يجد المسؤولون مكاناً للفوط الصحية أو لمستلزمات النظافة الشخصية التي زادت أسعارها أربعة أضعاف منذ بداية الأزمة. ومهما بدت هذه القضية هامشية بالنسبة إلى كثيرين، في ظلّ زحمة القضايا المعيشية، فإنّها تبقى على رغم محاولات تسخيفها، انعكاساً فادحاً لذكورية صنّاع القرار في لبنان، وشاهداً على غياب حساسيتهم تجاه أبسط حقوق النساء التي غالباً ما تُهمّش بحجة الأولويات. هذا عدا أن مصرف لبنان أوقف التزامه تغطية بعض الأدوية من بينها حبوب منع الحمل.
وفي هذا السياق، تقول المديرة التنفيذية بالشراكة لـFe-Male علياء عواضة، إن “المنظمات النسوية كانت في الصفوف الأمامية في أزمة كورونا وغيرها حين أظهرت الدولة غياباً تاماً، إلا أن استفحال الأزمة الاقتصادية جعل من الصعب على المنظمات سدّ تلك الفجوة”.
قضية منسية رغم عواقبها الصحية…
هذا الشق الصحي من حياة النساء لا يبدو أن أحداً يبالي به، علماً أن صحة النساء والفتيات الجسدية باتت عرضة للتأثر نتيجة المشكلات في الحصول على منتجات الدورية الشهرية واضطرارهن للجوء إلى أساليب عدة لمواجهتها، قد ينطوي بعضها على مخاطر صحية. إذ أظهرت النتائج أن 36 في المئة من النساء عانين من أعراض جسدية بسبب عدم تمكنهن من شراء حاجات الدورة الشهرية ومنتجات النظافة.
من جهة أخرى، فإن آثار الوضع الاقتصادي على قدرة النساء على الحصول على منتجات الدورة الشهرية لم تقف عند حدود الصحة الجسدية، بل تعدتها إلى التأثير في الصحة النفسية للنساء والفتيات، بحيث نتجت عنها ضغوط نفسية وقلق وتوتر. فوفقاً للدراسة، عانت 43 في المئة من النساء اللواتي شملتهن الدراسة من مستوى معين من القلق والتوتر نتيجة عدم قدرتهن على الحصول على منتجات الدورة الشهرية.
إقرأوا أيضاً: