fbpx

“قيصر”… الاقتصاص الأميركي من الأسد وروسيا وإيران و”حزب الله”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو “قانون قيصر” كأنه الضربة الأخيرة للنظام السوري وداعميه ومموليه، مع استمرار الشكوك حول إذا ما كانت بالفعل ضربة قاتلة، أم أنها ستدخل تاريخ المساومات والمراوغات…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليس “قانون قيصر” الأول في تاريخ العقوبات على سوريا، فالقصة بدأت عام 1979 حين صنفتها الولايات المتحدة الأميركية دولة إرهابية، ثم طاولتها عقوبات جديدة عام 2004 بعد الغزو الأميركي على العراق، ودخول قانون “محاسبة سوريا وإعادة السيادة اللبنانية” حيّز التنفيذ، من ثم فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية عقوبات أوسع على النظام السوري بعد عام 2011.

لكن “قانون قيصر” يبدو في الظروف الراهنة، كأنه الضربة الأخيرة للنظام وداعميه ومموليه، مع استمرار الشكوك حول إذا ما كانت بالفعل ضربة قاتلة، أم أنها ستدخل تاريخ المساومات والمراوغات المتواصل منذ عام 2011، أي منذ بدء الصراع السوري.  

“قانون قيصر الذي أتى بعد 9 سنوات من الصراع السوري رسالة للنظام بأنه لن يحصل على التعويم الذي يحلم به. القانون يمنع أي جهة أو منظمة من التقارب مع النظام، وقد رأينا محاولات إماراتية مثلاً لفتح علاقات معه، لكن أميركا اليوم تقول كلمتها، الهادفة إلى إلى تقويض أي محاولات تعويم من هذا النوع، وأيضاً إنهاء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا”.

و”قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019″، الذي بدأ العمل به في حزيران/ يونيو 2020، ينفّذ على 4 مراحل، ومن شأنه معاقبة النظام السوري والمتعاونين معه ومموليه وداعميه، وبالتالي شدّ الخناق على بشار الأسد، الذي بقي رئيساً في سوريا على رغم الدم الذي سفك، وإن كان ذلك بفضل القوة الروسية والقوة الإيرانية وأتباعهما. 

وبحسب نص القانون، ستُفرض هذه العقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران، وكل من يزوّد الخطوط الجويّة السورية بقطع غيار وصيانة، إضافة إلى كل من يقدم ديوناً للنظام. وستشمل العقوبات مصرف سوريا المركزي، إذا ما ثبت أنه يشارك في عمليّات غسل أموال. وتتراوح العقوبات على الأفراد بين تجميد الأصول ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.

واللافت في القانون الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أنه حصل على تأييد نادر من الجمهوريين والديموقراطيين، ليتم تنفيذه ضمن الموازنة الدفاعية الأميركية المُقدّر إنفاقها بـ738 مليار دولار. وهو دخل حيّز التنفيذ في ظل وضع اقتصادي معقّد في سوريا وانهيار ليرتها وشح المواد الأساسية، وهو مشهد ينسحب على لبنان أيضاً حيث للنظام الأسدي حلفاء وأصدقاء، على رأسهم “حزب الله” الذي انخرط علناً في الصراع السوري لمساندة الأسد. ولم تعد النية الأميركية في تحجيم الحزب أو تجريده من سلاحه مضمرة، بل بات واضحاً أن لبنان سيبقى يعاني من شبه حصار اقتصادي ما دامت حكوماته موالية لـ”حزب الله” وسلاحه.

من جهة ثانية، على طاولة النقاش في الكونغرس الأميركي، هناك تشريع مقترح جديد يهدف إلى وقف مساعدات دأبت الولايات المتحدة الأميركية على إرسالها إلى لبنان منذ فترة طويلة، إثر مخاوف من أن يكون «حزب الله»، المدعوم من إيران، هو المستفيد من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.

والتشريع الجديد الذي اقترحه، السيناتور تيد كروز، النائب عن ولاية تكساس، قد يوقف أكثر من 100 مليون دولار، كانت تذهب سنوياً إلى لبنان، طالما أن “حزب الله” مسيطر على مقدرات الأمور في البلاد.

من يشمل العقاب؟

أُخذ اسم “مشروع قيصر” من اسم مستعار لمصور سوري منشقّ من الشرطة السورية يُدعى “قيصر”، هرّب أكثر من 50 ألف صورة لضحايا التعذيب، ووثّق الوفيات في السجون من عام 2011 إلى حين انشقاقه عام 2013. 

الباحث الاقتصادي السوري خالد التركاوي يرى أن “القانون يأتي في ظل 4 مسائل أساسية، أولاً أن هذه العقوبات أتت بعد 9 سنوات من الحرب كان النظام خلالها ينشر قواته على أرض سوريا ويتكبّد مصاريف عالية، وبالتالي أتى القانون هذا بعد حالة الاستنزاف وليس قبلها كالحالة العراقية. ثانياً القانون أقرّ في ظل وجود انشقاقات داخل النظام وحكومته بخاصة من جهة داعميه ولا سيما بعد قضية رامي مخلوف. ثالثاً شمولية العقوبات، فهذه العقوبات لا تستهدف أشخاصاً أو مؤسسات فقط، بل تستهدف الحكومة السورية وكل من يتعامل مع النظام، وذكرت إيران وروسيا صراحة. رابعاً علينا أن نشير إلى الضغط الكبير الذي يتعرّض له حلفاء النظام، فإيران وروسيا مثلاً تعانيان مالياً واقتصادياً ودولياً، وبالتالي لن تكونا قادرتين على دعم النظام كما في السابق”.

ويتابع التركاوي لـ”درج”: “وبالتالي أثر القانون سيمتد إلى الجميع بما في ذلك لبنان أيضاً، القانون سيكون فعالاً، وتمكن قراءة ذلك من خلال الصراخ الكبير الذي يتعالى من أروقة النظام منذ أشهر والحراك الديبلوماسي لمحاولة كسر العقوبات، كما أن الوضع في سوريا على المستوى المالي والاقتصادي كارثي”.

ويضيف: “قانون قيصر الذي أتى بعد 9 سنوات من الصراع السوري رسالة للنظام بأنه لن يحصل على التعويم الذي يحلم به. القانون يمنع أي جهة أو منظمة من التقارب مع النظام، وقد رأينا محاولات إماراتية مثلاً لفتح علاقات معه، لكن أميركا اليوم تقول كلمتها، الهادفة إلى إلى تقويض أي محاولات تعويم من هذا النوع، وأيضاً إنهاء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا”.

وينصّ القانون صراحةً على معاقبة النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد ومعاونيه مالياً، طالما أن نظامه يرتكب جرائم حرب ضد شعبه. ويستهدف القانون الشركات والأفراد الذين يقدمون التمويل أو المساعدة للأسد، كما يستهدف عدداً من الصناعات السورية ومؤسسات إيرانية وروسية تدعم النظام، منذ عام 2011.

“قيصر” ولبنان

تداعيات قانون “قيصر” تنسحب من دون شكّ على لبنان، لناحية حلفاء النظام وداعميه، إضافة إلى الارتباط الاقتصادي الكبير بين البلدين، وكون لبنان معنياً بمسألة اللاجئين، فقد استقبل أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري منذ بدء الصراع، وكثر منهم لا يستطيعون الآن العودة إلى سوريا بهذه البساطة. وقانون “قيصر” يفترض أن يؤمن لهم عودة آمنة وطوعية، بعد محاسبة النظام ومن يحوم حوله. 

في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم لـ”درج” أن “لبنان سيتأثر في أكثر من ناحية في قانون قيصر. وإن كان الموقف الرسمي اللبناني سيتماشى ويتماهى مع القانون، فلا بدّ أن يحاول كثيرون الالتفاف على القانون عبر شركات وهمية من أجل التبادل التجاري وأمور أخرى”. ويتابع: “التبادل التجاري الرسمي بين سوريا ولبنان ضعيف أصلاً لأن الجانب السوري يرهن ذلك بإجراءات غير سهلة، ولكننا نعرف التهريب وأساليبه وقانون قيصر الذي من شأنه أولاً تضييق الخناق على النظام، سيزيد التهريب لا سيما المواد الغذائية والأدوية، فضلاً عن المحروقات والطحين، وسنشهد ارتفاعاً في أسعار السلع في لبنان والمزيد من الانهيار في الاقتصاد السوري المتهالك أصلاً”.

ويتابع: “ستزداد الرقابة على مصرف لبنان وتدفقاته واعتماداته للتأكّد من أنها لا تذهب لمصلحة الجانب السوري”، مردفاً: “إضافة إلى ذلك، سيكون لبنان خاضعاً للمزيد من التدقيق المالي والمصرفي، وسيكون عرضة لعقوبات محتملة، سيعمل على تجنبها، لا سيما أنه يمرّ بوضع اقتصادي ومالي معقّد”. كما يشير الحكيّم إلى أنّ قانون “قيصر” من شأنه الحدّ من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا. 

وقانون “قيصر” يشدد صراحةً على وقف عمليات إعادة الإعمار، باعتبار أنها طريقة لتعويم الأسد، وتعزيز سلطته ومصادرة الأملاك وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ممتلكات الفقراء. إلا أن هذا الأمر مقلق بخصوص المدنيين ومصيرهم في دولة تخضع للقصاص بعد سنوات حرب طويلة، فوقف عمليات إعادة الإعمار يعني حكماً وقف إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات الأساسية، ما يؤثر بطبيعة الحال في حياة المواطنين.

ويأتي “قيصر” قبيل الانتخابات الرئاسية السورية، وأيضاً في ظل مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي ومناقشة مجلس الأمن القرار 1701، حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح “حزب الله”، محذّراً من مخاطر تدخّله في سوريا، وذلك في بداية مناقشة التقرير الخاص بتنفيذ القرار 1701 في جلسة مغلقة. وفتح نقاش حول تعديل دور قوات الطوارئ الدولية ومهماتها وصلاحياتها، لتمتلك نفوذاً على الحدود الشرقية، بالتالي مراقبة المعابر غير الشرعية، بوصفها باباً للفساد وهدراً للمال العام.

الحل الديبلوماسي؟

في مقابل لهجة القانون القاسية، تترك واشنطن شعرة معاوية مع النظام، مؤكدة في بنود من القانون انفتاحها على الحل الديبلوماسي، لكن بشروط، شبه تعجيزية. فمن الواضح أن التسوية ستتعثّر من دون تنحّي نظام الأسد، ووقف دعم روسيا وإيران له، إذ يضع القانون شروطاً لرفع العقوبات الأميركية، وهي: 

-وقف قصف المدنيين بالطائرات الروسية والسورية.

– رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية.

– السماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية.

– إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

-السماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية.

– وقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها.

– عودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة طوعية محترمة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.

02.06.2020
زمن القراءة: 6 minutes

يبدو “قانون قيصر” كأنه الضربة الأخيرة للنظام السوري وداعميه ومموليه، مع استمرار الشكوك حول إذا ما كانت بالفعل ضربة قاتلة، أم أنها ستدخل تاريخ المساومات والمراوغات…

ليس “قانون قيصر” الأول في تاريخ العقوبات على سوريا، فالقصة بدأت عام 1979 حين صنفتها الولايات المتحدة الأميركية دولة إرهابية، ثم طاولتها عقوبات جديدة عام 2004 بعد الغزو الأميركي على العراق، ودخول قانون “محاسبة سوريا وإعادة السيادة اللبنانية” حيّز التنفيذ، من ثم فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية عقوبات أوسع على النظام السوري بعد عام 2011.

لكن “قانون قيصر” يبدو في الظروف الراهنة، كأنه الضربة الأخيرة للنظام وداعميه ومموليه، مع استمرار الشكوك حول إذا ما كانت بالفعل ضربة قاتلة، أم أنها ستدخل تاريخ المساومات والمراوغات المتواصل منذ عام 2011، أي منذ بدء الصراع السوري.  

“قانون قيصر الذي أتى بعد 9 سنوات من الصراع السوري رسالة للنظام بأنه لن يحصل على التعويم الذي يحلم به. القانون يمنع أي جهة أو منظمة من التقارب مع النظام، وقد رأينا محاولات إماراتية مثلاً لفتح علاقات معه، لكن أميركا اليوم تقول كلمتها، الهادفة إلى إلى تقويض أي محاولات تعويم من هذا النوع، وأيضاً إنهاء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا”.

و”قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019″، الذي بدأ العمل به في حزيران/ يونيو 2020، ينفّذ على 4 مراحل، ومن شأنه معاقبة النظام السوري والمتعاونين معه ومموليه وداعميه، وبالتالي شدّ الخناق على بشار الأسد، الذي بقي رئيساً في سوريا على رغم الدم الذي سفك، وإن كان ذلك بفضل القوة الروسية والقوة الإيرانية وأتباعهما. 

وبحسب نص القانون، ستُفرض هذه العقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران، وكل من يزوّد الخطوط الجويّة السورية بقطع غيار وصيانة، إضافة إلى كل من يقدم ديوناً للنظام. وستشمل العقوبات مصرف سوريا المركزي، إذا ما ثبت أنه يشارك في عمليّات غسل أموال. وتتراوح العقوبات على الأفراد بين تجميد الأصول ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.

واللافت في القانون الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أنه حصل على تأييد نادر من الجمهوريين والديموقراطيين، ليتم تنفيذه ضمن الموازنة الدفاعية الأميركية المُقدّر إنفاقها بـ738 مليار دولار. وهو دخل حيّز التنفيذ في ظل وضع اقتصادي معقّد في سوريا وانهيار ليرتها وشح المواد الأساسية، وهو مشهد ينسحب على لبنان أيضاً حيث للنظام الأسدي حلفاء وأصدقاء، على رأسهم “حزب الله” الذي انخرط علناً في الصراع السوري لمساندة الأسد. ولم تعد النية الأميركية في تحجيم الحزب أو تجريده من سلاحه مضمرة، بل بات واضحاً أن لبنان سيبقى يعاني من شبه حصار اقتصادي ما دامت حكوماته موالية لـ”حزب الله” وسلاحه.

من جهة ثانية، على طاولة النقاش في الكونغرس الأميركي، هناك تشريع مقترح جديد يهدف إلى وقف مساعدات دأبت الولايات المتحدة الأميركية على إرسالها إلى لبنان منذ فترة طويلة، إثر مخاوف من أن يكون «حزب الله»، المدعوم من إيران، هو المستفيد من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.

والتشريع الجديد الذي اقترحه، السيناتور تيد كروز، النائب عن ولاية تكساس، قد يوقف أكثر من 100 مليون دولار، كانت تذهب سنوياً إلى لبنان، طالما أن “حزب الله” مسيطر على مقدرات الأمور في البلاد.

من يشمل العقاب؟

أُخذ اسم “مشروع قيصر” من اسم مستعار لمصور سوري منشقّ من الشرطة السورية يُدعى “قيصر”، هرّب أكثر من 50 ألف صورة لضحايا التعذيب، ووثّق الوفيات في السجون من عام 2011 إلى حين انشقاقه عام 2013. 

الباحث الاقتصادي السوري خالد التركاوي يرى أن “القانون يأتي في ظل 4 مسائل أساسية، أولاً أن هذه العقوبات أتت بعد 9 سنوات من الحرب كان النظام خلالها ينشر قواته على أرض سوريا ويتكبّد مصاريف عالية، وبالتالي أتى القانون هذا بعد حالة الاستنزاف وليس قبلها كالحالة العراقية. ثانياً القانون أقرّ في ظل وجود انشقاقات داخل النظام وحكومته بخاصة من جهة داعميه ولا سيما بعد قضية رامي مخلوف. ثالثاً شمولية العقوبات، فهذه العقوبات لا تستهدف أشخاصاً أو مؤسسات فقط، بل تستهدف الحكومة السورية وكل من يتعامل مع النظام، وذكرت إيران وروسيا صراحة. رابعاً علينا أن نشير إلى الضغط الكبير الذي يتعرّض له حلفاء النظام، فإيران وروسيا مثلاً تعانيان مالياً واقتصادياً ودولياً، وبالتالي لن تكونا قادرتين على دعم النظام كما في السابق”.

ويتابع التركاوي لـ”درج”: “وبالتالي أثر القانون سيمتد إلى الجميع بما في ذلك لبنان أيضاً، القانون سيكون فعالاً، وتمكن قراءة ذلك من خلال الصراخ الكبير الذي يتعالى من أروقة النظام منذ أشهر والحراك الديبلوماسي لمحاولة كسر العقوبات، كما أن الوضع في سوريا على المستوى المالي والاقتصادي كارثي”.

ويضيف: “قانون قيصر الذي أتى بعد 9 سنوات من الصراع السوري رسالة للنظام بأنه لن يحصل على التعويم الذي يحلم به. القانون يمنع أي جهة أو منظمة من التقارب مع النظام، وقد رأينا محاولات إماراتية مثلاً لفتح علاقات معه، لكن أميركا اليوم تقول كلمتها، الهادفة إلى إلى تقويض أي محاولات تعويم من هذا النوع، وأيضاً إنهاء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا”.

وينصّ القانون صراحةً على معاقبة النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد ومعاونيه مالياً، طالما أن نظامه يرتكب جرائم حرب ضد شعبه. ويستهدف القانون الشركات والأفراد الذين يقدمون التمويل أو المساعدة للأسد، كما يستهدف عدداً من الصناعات السورية ومؤسسات إيرانية وروسية تدعم النظام، منذ عام 2011.

“قيصر” ولبنان

تداعيات قانون “قيصر” تنسحب من دون شكّ على لبنان، لناحية حلفاء النظام وداعميه، إضافة إلى الارتباط الاقتصادي الكبير بين البلدين، وكون لبنان معنياً بمسألة اللاجئين، فقد استقبل أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري منذ بدء الصراع، وكثر منهم لا يستطيعون الآن العودة إلى سوريا بهذه البساطة. وقانون “قيصر” يفترض أن يؤمن لهم عودة آمنة وطوعية، بعد محاسبة النظام ومن يحوم حوله. 

في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم لـ”درج” أن “لبنان سيتأثر في أكثر من ناحية في قانون قيصر. وإن كان الموقف الرسمي اللبناني سيتماشى ويتماهى مع القانون، فلا بدّ أن يحاول كثيرون الالتفاف على القانون عبر شركات وهمية من أجل التبادل التجاري وأمور أخرى”. ويتابع: “التبادل التجاري الرسمي بين سوريا ولبنان ضعيف أصلاً لأن الجانب السوري يرهن ذلك بإجراءات غير سهلة، ولكننا نعرف التهريب وأساليبه وقانون قيصر الذي من شأنه أولاً تضييق الخناق على النظام، سيزيد التهريب لا سيما المواد الغذائية والأدوية، فضلاً عن المحروقات والطحين، وسنشهد ارتفاعاً في أسعار السلع في لبنان والمزيد من الانهيار في الاقتصاد السوري المتهالك أصلاً”.

ويتابع: “ستزداد الرقابة على مصرف لبنان وتدفقاته واعتماداته للتأكّد من أنها لا تذهب لمصلحة الجانب السوري”، مردفاً: “إضافة إلى ذلك، سيكون لبنان خاضعاً للمزيد من التدقيق المالي والمصرفي، وسيكون عرضة لعقوبات محتملة، سيعمل على تجنبها، لا سيما أنه يمرّ بوضع اقتصادي ومالي معقّد”. كما يشير الحكيّم إلى أنّ قانون “قيصر” من شأنه الحدّ من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا. 

وقانون “قيصر” يشدد صراحةً على وقف عمليات إعادة الإعمار، باعتبار أنها طريقة لتعويم الأسد، وتعزيز سلطته ومصادرة الأملاك وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ممتلكات الفقراء. إلا أن هذا الأمر مقلق بخصوص المدنيين ومصيرهم في دولة تخضع للقصاص بعد سنوات حرب طويلة، فوقف عمليات إعادة الإعمار يعني حكماً وقف إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات الأساسية، ما يؤثر بطبيعة الحال في حياة المواطنين.

ويأتي “قيصر” قبيل الانتخابات الرئاسية السورية، وأيضاً في ظل مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي ومناقشة مجلس الأمن القرار 1701، حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح “حزب الله”، محذّراً من مخاطر تدخّله في سوريا، وذلك في بداية مناقشة التقرير الخاص بتنفيذ القرار 1701 في جلسة مغلقة. وفتح نقاش حول تعديل دور قوات الطوارئ الدولية ومهماتها وصلاحياتها، لتمتلك نفوذاً على الحدود الشرقية، بالتالي مراقبة المعابر غير الشرعية، بوصفها باباً للفساد وهدراً للمال العام.

الحل الديبلوماسي؟

في مقابل لهجة القانون القاسية، تترك واشنطن شعرة معاوية مع النظام، مؤكدة في بنود من القانون انفتاحها على الحل الديبلوماسي، لكن بشروط، شبه تعجيزية. فمن الواضح أن التسوية ستتعثّر من دون تنحّي نظام الأسد، ووقف دعم روسيا وإيران له، إذ يضع القانون شروطاً لرفع العقوبات الأميركية، وهي: 

-وقف قصف المدنيين بالطائرات الروسية والسورية.

– رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية.

– السماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية.

– إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

-السماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية.

– وقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها.

– عودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة طوعية محترمة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.

02.06.2020
زمن القراءة: 6 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية