fbpx

كأس العالم كما عشتُها في السجن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كنت عندما أسمع أصوات الاحتفال يأكلني رأسي وأفكاري وأتوق إلى معرفة من الذي أحرز الهدف ومن سيفوز بالكأس. كنت أفقد أعصابي وأنادي، “يا شويييييش”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عانى عبد الرحمن طارق المعروف على نطاق واسع بـ”موكا” من سجن تعسفي في مصر لأكثر من 7 أعوام، حيث اعتُقل للمرة الأولى عام 2013 على خلفية قضية “مجلس الشورى”، عندما نظّم عدد من النشطاء احتجاجاً على المحاكمات العسكرية للمدنيين أمام مجلس الشورى المصري، حيث تم اعتقالهم لاحقاً. كثيراً ما تعرض أثناء احتجازه للتعذيب. أفرج عنه في 2018 ليمضي فترة مراقبة لثلاث سنوات، ليعود ويختفي قسرياً عام 2019 أثناء إحدى جلساته تحت المراقبة في مركز شرطة قصر النيل. تكررت محاكماته والافراج عنه بتهم فضفاضة تتعلق بعمله في حرية التعبير. خاض معركة إضراب عن الطعام احتجاجاً على حبسه الاحتياطي في 2020. وعام 2021، حاول موكا الانتحار بعدما مُنع من زيارة أسرته. 

موكا هو من بين آلاف المحتجزين تعسفياً في مصر، بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون وسياسيون ومحامون ومؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يزالون رهن الاعتقال المطول لمجرد ممارستهم حقوق الإنسان الأساسية والدفاع عنها. وهنا يكتب موكا الذي غادر مصر وانتقل مرحلياً الى بيروت عن تجربة متابعته مباريات كأس العالم الحالي مستذكراً كيف عاش المونديال الماضي حين كان في الزنزانة.

أشاهِد اليوم المباريات، وأتعجب مما كان يحدث لي في كأس العالم الماضي. ‎كنتُ وقتها في سجن بنها وكنت لذيع صيتي بأنني مشاغب داخل السجون الأخرى، جئت للسجن بتوصية من المسؤولين في أمن الدولة، بأنه يجب تعذيبي وإيداعِي بِأسوأ مكان بالسجن وإبقائي فيه لمدة 3 أشهر. ويعرف هذا المكان في السجن بـ”القفص”، وفيه نحو 7 غرف تأديب، ومن يتم إيداعه في هذا المكان إما أن يكون حُكم عليه بالإعدام أو يُعاقب على جريمة ما ارتكبَها داخل السجن. المحكومون بالإعدام يتم حبسهم في غرف التأديب هذه انفرادياً. أما من هم مثل حالتي، مغضوب عليهم من إدارة السجن، فإنهم يوضعون بالغرفة ويتراوح عددهم بين 10 أو 12 فرداً، في حين أن مساحة الغرفة نحو متر ونصف المتر (طول) و4 أمتار بالعرض، ولا حمام في الغرفة، بل كان جردل بلاستيك، نستخدمه لقضاء حاجتنا ويتم تفريغه في الصباح. وكان الأكل يوضع في أطباق من الألمنيوم الخفيفة التي يفترض أن تُستخدم مرة واحدة، لكن ذلك لم يكن ينطبق على حالتنا حتى بعد تعرضها لثقوب وتسرب الزيوت منها… لكن ذلك لم يكن مهماً بالفعل، كنا جوعى وكان هذا سبيلنا الوحيد إلى الطعام.  

هذا المكان الذي يسمى القفص، كان في الطبقة الأرضية، وكنت اسمع تهليل المساجين وصياحهم عندما يحرز المنتخب الذي يشجعونه هدفاً.

‎لا يملك أحد من الموجودين في الغرفة أي شيء سوى البوكسر الذي يرتديه، فيما تتم مصادرة بقية حاجاته في أثناء دخوله السجن مع حفلة تعذيب تسمى (تشريفة) المراد بها هو ألا تفكر بعصيان أي أوامر أو الاعتراض على أى شيء تظن أنه من حقك.

 عندما كان المخبر المسؤول عن العنبر يعطف علينا كان يعطينا سيجارة لنشترك فيها نحن الـ10، كانت من أسوأ أنواع الدخان المحلية في مصر، لكنها كانت جميلة وقتذاك.

‎هذا المكان الذي يسمى القفص، كان في الطبقة الأرضية، وكنت اسمع تهليل المساجين وصياحهم عندما يحرز المنتخب الذي يشجعونه هدفاً. وكنت مذ أتيت إلى هذا المكان، لا أعرف أي منتخب صعد في التصفيات أو أي منتخب يقدم أداء جيداً، وكان هذا الأمر يزعجني للغاية، ‎فكنت عندما أسمع أصوات الاحتفال يأكلني رأسي وأفكاري وأتوق إلى معرفة من الذي أحرز الهدف ومن سيفوز بالكأس. كنت أفقد أعصابي وأنادي، “يا شويييييش”. 

من المفترض عندما أنادي على الشاويش أن يكون هنالك شخص مريض بالغرفة. ومن ثم يأتى الشاويش ويسألني ماذا هناك أقول له بمنتهى البراءة كام كام ومن يلعب؟ فيلعن “سلسفيلى” ويلعن اليوم الذي رآني فيه و يتركني ويذهب كي يبلغ الضابط “أن فيه واد اسمه موكا موجود في القفص ينادي عليا من على النضارة ليسألني عن نتائج الماتش”. (النضارة هي الشباك الموجود بالباب وهي منفذ التهوية الوحيد داخل الغرفة، حجمها نحو 30 سنتم فى 30 سنتم).

‎وفي  النهار، ويأتي الضابط المسؤول الذي أبلغه الشاويش وينادي باسمى، فيتم ربط رجلي بعصا من حديد، يرفعونها ويضربونها، فيما يُضرب كل مساجين القفص، كل واحد حسب أوامر الضابط، إلا أنا فيبدأ ضربي حتى الانتهاء من آخر مسجون. وأصرخ بطلب العفو والمغفرة وأؤكد أنني لم أفعل شيئاً وأن كل ما فعلته أنني كنت أريد معرفة نتائج المباراة، لكنه لا يقتنع ويصرّ على اعتبار الأمر عمل شغب، أحاول صنعه. كانت عملية الضرب هذه يجب أن تحدث كل يوم قبل ذهابنا إلى الحمام، وهي المرة الوحيدة في اليوم ويفحص بعدها المخبر فضلاتنا (البراز).

الغريب في الأمر أنه بعد هذا التعذيب، وبعد دخولنا الغرفة أنا وزملائي المساجين، يبدأ الحديث والتكهنات بمن هو المنتخب القوي الذي قد يستحوذ على الكأس، بالكثير من الحماسة والأصوات العالية.

أنا عبدالرحمن موكا، أمضيت 7 سنوات في السجن، وخرجت في حزيران/ يونيو الماضي، وأتيت إلى بيروت من شهر وأكتب هذا المقال، وأمامى بحر بيروت الجميل.

كنت عندما أسمع أصوات الاحتفال يأكلني رأسي وأفكاري وأتوق إلى معرفة من الذي أحرز الهدف ومن سيفوز بالكأس. كنت أفقد أعصابي وأنادي، “يا شويييييش”.

عانى عبد الرحمن طارق المعروف على نطاق واسع بـ”موكا” من سجن تعسفي في مصر لأكثر من 7 أعوام، حيث اعتُقل للمرة الأولى عام 2013 على خلفية قضية “مجلس الشورى”، عندما نظّم عدد من النشطاء احتجاجاً على المحاكمات العسكرية للمدنيين أمام مجلس الشورى المصري، حيث تم اعتقالهم لاحقاً. كثيراً ما تعرض أثناء احتجازه للتعذيب. أفرج عنه في 2018 ليمضي فترة مراقبة لثلاث سنوات، ليعود ويختفي قسرياً عام 2019 أثناء إحدى جلساته تحت المراقبة في مركز شرطة قصر النيل. تكررت محاكماته والافراج عنه بتهم فضفاضة تتعلق بعمله في حرية التعبير. خاض معركة إضراب عن الطعام احتجاجاً على حبسه الاحتياطي في 2020. وعام 2021، حاول موكا الانتحار بعدما مُنع من زيارة أسرته. 

موكا هو من بين آلاف المحتجزين تعسفياً في مصر، بمن فيهم مدافعون عن حقوق الإنسان وصحفيون وسياسيون ومحامون ومؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي. ولا يزالون رهن الاعتقال المطول لمجرد ممارستهم حقوق الإنسان الأساسية والدفاع عنها. وهنا يكتب موكا الذي غادر مصر وانتقل مرحلياً الى بيروت عن تجربة متابعته مباريات كأس العالم الحالي مستذكراً كيف عاش المونديال الماضي حين كان في الزنزانة.

أشاهِد اليوم المباريات، وأتعجب مما كان يحدث لي في كأس العالم الماضي. ‎كنتُ وقتها في سجن بنها وكنت لذيع صيتي بأنني مشاغب داخل السجون الأخرى، جئت للسجن بتوصية من المسؤولين في أمن الدولة، بأنه يجب تعذيبي وإيداعِي بِأسوأ مكان بالسجن وإبقائي فيه لمدة 3 أشهر. ويعرف هذا المكان في السجن بـ”القفص”، وفيه نحو 7 غرف تأديب، ومن يتم إيداعه في هذا المكان إما أن يكون حُكم عليه بالإعدام أو يُعاقب على جريمة ما ارتكبَها داخل السجن. المحكومون بالإعدام يتم حبسهم في غرف التأديب هذه انفرادياً. أما من هم مثل حالتي، مغضوب عليهم من إدارة السجن، فإنهم يوضعون بالغرفة ويتراوح عددهم بين 10 أو 12 فرداً، في حين أن مساحة الغرفة نحو متر ونصف المتر (طول) و4 أمتار بالعرض، ولا حمام في الغرفة، بل كان جردل بلاستيك، نستخدمه لقضاء حاجتنا ويتم تفريغه في الصباح. وكان الأكل يوضع في أطباق من الألمنيوم الخفيفة التي يفترض أن تُستخدم مرة واحدة، لكن ذلك لم يكن ينطبق على حالتنا حتى بعد تعرضها لثقوب وتسرب الزيوت منها… لكن ذلك لم يكن مهماً بالفعل، كنا جوعى وكان هذا سبيلنا الوحيد إلى الطعام.  

هذا المكان الذي يسمى القفص، كان في الطبقة الأرضية، وكنت اسمع تهليل المساجين وصياحهم عندما يحرز المنتخب الذي يشجعونه هدفاً.

‎لا يملك أحد من الموجودين في الغرفة أي شيء سوى البوكسر الذي يرتديه، فيما تتم مصادرة بقية حاجاته في أثناء دخوله السجن مع حفلة تعذيب تسمى (تشريفة) المراد بها هو ألا تفكر بعصيان أي أوامر أو الاعتراض على أى شيء تظن أنه من حقك.

 عندما كان المخبر المسؤول عن العنبر يعطف علينا كان يعطينا سيجارة لنشترك فيها نحن الـ10، كانت من أسوأ أنواع الدخان المحلية في مصر، لكنها كانت جميلة وقتذاك.

‎هذا المكان الذي يسمى القفص، كان في الطبقة الأرضية، وكنت اسمع تهليل المساجين وصياحهم عندما يحرز المنتخب الذي يشجعونه هدفاً. وكنت مذ أتيت إلى هذا المكان، لا أعرف أي منتخب صعد في التصفيات أو أي منتخب يقدم أداء جيداً، وكان هذا الأمر يزعجني للغاية، ‎فكنت عندما أسمع أصوات الاحتفال يأكلني رأسي وأفكاري وأتوق إلى معرفة من الذي أحرز الهدف ومن سيفوز بالكأس. كنت أفقد أعصابي وأنادي، “يا شويييييش”. 

من المفترض عندما أنادي على الشاويش أن يكون هنالك شخص مريض بالغرفة. ومن ثم يأتى الشاويش ويسألني ماذا هناك أقول له بمنتهى البراءة كام كام ومن يلعب؟ فيلعن “سلسفيلى” ويلعن اليوم الذي رآني فيه و يتركني ويذهب كي يبلغ الضابط “أن فيه واد اسمه موكا موجود في القفص ينادي عليا من على النضارة ليسألني عن نتائج الماتش”. (النضارة هي الشباك الموجود بالباب وهي منفذ التهوية الوحيد داخل الغرفة، حجمها نحو 30 سنتم فى 30 سنتم).

‎وفي  النهار، ويأتي الضابط المسؤول الذي أبلغه الشاويش وينادي باسمى، فيتم ربط رجلي بعصا من حديد، يرفعونها ويضربونها، فيما يُضرب كل مساجين القفص، كل واحد حسب أوامر الضابط، إلا أنا فيبدأ ضربي حتى الانتهاء من آخر مسجون. وأصرخ بطلب العفو والمغفرة وأؤكد أنني لم أفعل شيئاً وأن كل ما فعلته أنني كنت أريد معرفة نتائج المباراة، لكنه لا يقتنع ويصرّ على اعتبار الأمر عمل شغب، أحاول صنعه. كانت عملية الضرب هذه يجب أن تحدث كل يوم قبل ذهابنا إلى الحمام، وهي المرة الوحيدة في اليوم ويفحص بعدها المخبر فضلاتنا (البراز).

الغريب في الأمر أنه بعد هذا التعذيب، وبعد دخولنا الغرفة أنا وزملائي المساجين، يبدأ الحديث والتكهنات بمن هو المنتخب القوي الذي قد يستحوذ على الكأس، بالكثير من الحماسة والأصوات العالية.

أنا عبدالرحمن موكا، أمضيت 7 سنوات في السجن، وخرجت في حزيران/ يونيو الماضي، وأتيت إلى بيروت من شهر وأكتب هذا المقال، وأمامى بحر بيروت الجميل.