fbpx

كارل لاغرفيلد: العزلة مع عالم الكتب هي قمّة الثراء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أثار مصمّم الأزياء كارل لاغرفيلد ردود فعل حادّة على تصريحاته السياسية الجريئة ولسانه الحاد أحياناً، بما في ذلك انتقاداته اللاذعة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لانتهاجها سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على رغم تقدّمه في السن، إلا أن المصمّم الألماني الشهير الذي توفي عن عمر يناهز الـ85 سنة، كارل لاغرفيلد، واظب بشكل مدهش على مواكبة التغييرات التي طرأت على حياة المشاهير. استحق لاغرفيلد عن جدارة لقب القيصر وأمبراطور الموضة، لأنه ظل حتى اليوم الأخير من حياته يفعل ما يحب فعلاً، وهذا بالتحديد ما دفعه إلى دائرة الضوء وجعله رمزاً للموضة العالمية.

في إحدى مقابلاته الصحافية وصف نفسه بأنه مثل “المرأة الشبقة التي لا تصل أبداً إلى الرعشة الجنسية”، وذلك في محاولة منه لوصف سبب شغفه بالعمل وتوقه الدائم إلى الإبداع. وقالت رئيسة تحرير مجلة “فوغ” آنا وينتور عند سماعها نبأ وفاته: “اليوم فقد العالم عملاقاً”.

ولد كارل في هامبورغ لأم ألمانية وأب سويدي، وقال لوسائل الإعلام “كطفل، وشاب صغير، كان لدي شعور بأنه لا يهم ما تفعله ما دمت مقتنعاً به، لقد ظننت بأن علي ألا أضيع عمري في ألمانيا بعد تلك الحرب الكئيبة”. هاجر لاغرفيلد إلى باريس عام 1952، بعدما شاهد عرض أزياء في هامبورغ. ولعه بالثقافات، جعله ينفتح على جميع التيارات الثقافية، وساعده على الحركة والمرونة الإبداعية في تصاميم الأزياء من خلال نظرة بعيدة في أفقها المستقبلي. لم يستطع أي مصمم قبله إحياء شانيل بعد وفاتها عام 1971، وقال بعد 13 عاماً على رحيلها، “كوكو شانيل لم تمت”.

ينتاب كل من ينظر إلى “موديلاته” إحساس بأنه إنسان يتنفس من نسمات الموضة، فهو يرتدي بدلة أنيقة ولا ينسى أن يضع عليها قطعاً من الحلي. وأشار بعض المصمّمين الإوروبيين بتأثرهم بالكثير من إبداعاته، التي لن تنساها الموضة أبداً، مثل إدخاله “الباروك” وهو التطريز بالخيطان الذهبية على تصاميم “المعاطف، الجاكيت” والتصاميم الأخرى التى حملت اسمه.

عاشق الموسيقى ومجنون الكتب

عرفناه جميعاً بتسريحة شعره الأبيض وقفازاته ونظارته السوداء التي لم تفارقه في إطلالاته. لم يكن مجرد مصمم أزياء، بل كان فناناً حقيقياً، عاشقاً للموسيقى والرسم والتصوير والحياة. قال لكاتب سيرته إنه تعلم القراءة والكتابة والتحدث باللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية وهو في سن السادسة. ذكر أصدقاؤه أنه في سنواته الأخيره انعزل وكرّس وقته لالتهام الكتب في مكتبته الخاصة التي تحتوي على قرابة 300 ألف كتاب. قال لاغرفيلد إن” الإلياذة كانت من أولى الروايات التي اطّلعت عليها، وكنت لا أكفّ عن الرسم، ويمكنني القول إنني وُلدت وفي يدي قلم رصاص”.

يتذكّر مبتسماً أن إحدى العرّافات قالت لوالديه إنه سيصبح يوماً ما قسيساً لإحدى الكنائس!

كتب عنه الكاتب الأميركي في موقع (Businessoffashion)  أريك ويلسون: “إن توقيعه أصبح علامة تجارية تعكس الشجاعة وجودة النوعية، ومن دونه لم يكن بمقدور دور الموضة العالمية مثل شانيل وفندي أن تنجح في اعتلاء عرش الموضة العالمية”. برع في مزج الذوق الفني بالفطنة التجارية، ووصلت مبيعات العلامة الباريسية إلى أكثر من 10 مليارات دولار عام 2017. كانت الحياة بالنسبة إليه عبارة عن مسرح وكل السلالم يجب أن تؤدي في النهاية إلى السير على السجاد الأحمر، ويتذكر مبتسماً أن إحدى العرّافات قالت لوالديه إنه سيصبح يوماً ما قسيساً لإحدى الكنائس.

كان لاغرفيلد على مدار 30 عاماً المدير الإبداعي فى دار أزياء شانيل، وصمّم لدور أزياء كثيرة من بينها: Tizani، Chloé، Fendi، Diesel، H&M. وبرزت موهبته في التصوير، بعدما صوّر جميع الموديلات التي أطلقها والتي أثارت إعجاب نجوم السينما ودهشتهم. كما أثار انتباه الميديا العالمية بتصويره الوجوه الشهيرة في ميدان السياسة والثقافة والمجتمع، وأقام معارض شخصية وصل عددها إلى 13، تنقلت بين هامبورغ وميونيخ ودوسلدروف ولندن وميلانو ونيويورك وكولونيا وباريس ومدريد وروما. وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي كان أبلغ أحد أصدقائه المقربين بأنه لم يعد يهتم بما يقوم به في الوقت الحاضر، وأنه يتجه إلى مهنة موازية، هي التصوير. وقال في إحدى مقابلاته الصحافية: “إن التقاط الصورة هو تحديد شخصية الانسان، فالصورة هي طريقة للرؤية، تتميز بأننا لا نستطيع اعادة صنعها، وهذا ما يعطيها صفة الخيال والسحر”.

الولادة المجهولة والأم الصارمة

كان تاريخ ميلاد لاغرفيلد مسألة خلافية لبعض الوقت، فموقعه الالكتروني يشير إلى أنه ولد عام 1938، ولكن الكثيرين يقولون إنه أكبر بخمس سنوات، إنما الحقيقة هي أنه ولد إما عام 1933 أو 1935. وفي حوار مع مجلة “باري ماتش” الفرنسية قال: “بعد وفاة والدتي علمت أنها غيّرت تاريخ الميلاد وجعلته بين عامي 1933 و1938 والحقيقة أنني ولدت في 10 أيلول/ سبتمبر 1935 – في كتابها (Beautiful Fall) الصادر عام 2006، تقول مؤلفته آليشا درييك إن “كارك منذ وصوله الى باريس قبل سنوات طويلة دأب على السرد المبالغ في تفاصيله عن طفولته بهدف تقديم نفسه بأنه ارستقراطي ألماني”.وأضاف ” لقد بدّل اسم عائلته من (Lagerfeldt) إلى (Lagerfeld) وذلك لاعتبارات تجارية على رغم مزاحه ودعابته بأن والدته اليزابيث فضلت الاسم الثاني لسهولة كتابته.

تحدّث لاغرفيلد في وقت متأخر جداً عن طفولته التي وصفها بأنها كانت عذاباً حقيقياً ومعاناة صعبة لصرامة أمّه في تعاملها معه ومتطلباتها عالية السقف

كانت أمه عازفة كمان، ووالده مدير شركة لاستيراد الحليب المكثف من الولايات المتحدة. تحدث لاغرفيلد في وقت متأخر جداً عن طفولته التي وصفها بأنها كانت عذاباً حقيقياً ومعاناة صعبة لصرامة أمّه في تعاملها معه ومتطلباتها عالية السقف، في ما يخص حياته ودراسته، وقال إنه “كان تلميذاً موهوباً، يهوى الرسم، مع أصدقاء قليلين، اثنين أو ثلاثة لا أكثر، كنت أكلفهم بفعل كل ما أريد”. وأضاف: “لم يكن هناك ما يشغلني، ولم أكن ألعب مع الآخرين”. وقال: “كانت أمي توجّه دوماً لي الانتقادات الحادة لمظهري الخارجي”. وتقول ساخرة “أن أنفي كبير جداً، وأنني أحتاج إلى ستائر تحجب خياشيمي كريهة المنظر” و”أن يدي قبيحة جداً بسبب التدخين”.

برع لاغرفيلد في الرسم الذي أحبّه في طفولته، ومع تصاعد شهرته وحبّه للتنويع قام برسم خمسين لوحة لكتاب للأطفال مأخوذ من حكاية أندرسون عنوانه “ثياب الأمبراطور الجديدة”. وصفه بأنه غير طبيعي، فلقد كان يتقدم في العمر ولكن من دون أن يكشف عن أي علامات تباطؤ نتيجة مرور الزمن، وحتى بعدما ناهز الثمانين، بقي يسافر من بلد إلى آخر في العالم لكونه الأكثر تأثيراً، والمصمّم الأكثر جذباً في عالم الموضة. ذات يوم قال في لقاء صحافي: “أنا متعدّد المهن وأقوم بتحقيق ما أريد وحين أريد وكما أريد”.

سان لوران: الصداقة والتنافس

العلاقة بين لاغرفيلد والمصمّم الفرنسي المبدع سان لوران يمكن وصفها بالشائكة، والتنافس بينهما بدأ لأول مرة  خلال مسابقة الموضة (International Woolmark Priz) التي فاز بها الأول عن استكتشات لمعطف، بينما فاز الثاني في الفئة الخاصة بالفساتين. هذا التنافس الشديد تواصل لسنين. كانت تربط الاثنين علاقة صداقة متينة. كان ملك الموضة المعلّم Christian Dior، اكتشف لوران وأدخله مشغله، بعد أقل من ثلاث سنوات على موت ديور تسلم لوران إدارة الدار فنياً، وفي الحادية والعشرين من عمره بدأ يُلبس أهمّ نجمات هوليوود في ذلك الوقت مثل: إليزابيت تايلور، مارلين دييتريش، مارلين مونرو، آفا غاردنر، ريتا هيوارث.

لاغرفيلد إلى جانب الممثلة الفرنسية فانيسا بارادي

كان لاغرفيلد يكرّر أمام الصحافيين أن العمل هو الحب الوحيد الذي سيطر على عقله وشغل تفكيره  طيله حياته، قال لصحافي “لا يوجد سر في الحياة، السر الوحيد هو العمل، قم بالعمل المطلوب منك، ربما هذا سيجعلك تعيش بكرامة. لا تشرب الخمر، لا تدخن، لا تتعاطَ المخدرات، هذه ستساعدك حتماً”. حرص على أن يقدّم نفسه للعالم كمصمّم لمدى الحياة، وقال سائلاً في رده على سؤال لصحافي عن اليوم الذي يتوقف فيه عن العمل: “ولماذا يتعيّن علي أن أتوقف عن العمل؟”. وأضاف: “لو تقاعدت فسأموت وينتهي كل شيء”. وقال لاغرفيلد في حوار مع “بي بي سي”: “أنا عامل أجير في شركتي الخاصة، بمعنى أنني أدير دميتي الشخصية”. وأضاف موضحاً هذه المسألة بالتحديد في حديث مع صحيفة “نيويورك تايمز”: “هذا شيء أنا أتحكم فيه شخصياً”. وبحسب الصحيفة “إن نجاحه وذيوع شهرته في الموضة العالمية يعود لوضعه حاجزاً بينه وبين عالم الموضة في البلاد”.

أثار لاغرفيلد انتقادات وردود فعل حادة على تصريحاته السياسية الجريئة ولسانه الحاد أحياناً، ولكنه مع ذلك لم يتحمّل أي مسؤولية عن تفاعلاتها السياسية والاجتماعية، بما في ذلك انتقاداته اللاذعة للمستشارة الألمانية ميركل لانتهاجها سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط ومساواتها بالمحرقة!

ويبدو أنه كان أقل تأثراً بإرثه من أولئك الذين حزنوا لرحيله، فلقد نفى قبل شهرين من وفاته، الشائعات التي طافت في أوساط المشاهير التي روّجت إلى أنه كان يكتب مذكراته. وقال: “ليس لدي ما أقوله. فأنا في الواقع أحاول التأكد من أنني لن أتذكّر”. عندما سأله محرّر مجلة “باري ماتش” عن سبب اختياره العزلة بعد حياة مملوءة بالأضواء والشهرة والنجومية، قال وهو يشير إلى مكتبته: “مع هذا العالم العزلة هي قمّة قمم الثراء؟”.

إقرأ أيضاً:
الصين: كيف تخنق الميديا في الداخل وتستخدمها لاجتياح العالم؟
كيف تحولت بروكسيل وكراً لجواسيس العالم؟

28.02.2019
زمن القراءة: 6 minutes

أثار مصمّم الأزياء كارل لاغرفيلد ردود فعل حادّة على تصريحاته السياسية الجريئة ولسانه الحاد أحياناً، بما في ذلك انتقاداته اللاذعة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لانتهاجها سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط

على رغم تقدّمه في السن، إلا أن المصمّم الألماني الشهير الذي توفي عن عمر يناهز الـ85 سنة، كارل لاغرفيلد، واظب بشكل مدهش على مواكبة التغييرات التي طرأت على حياة المشاهير. استحق لاغرفيلد عن جدارة لقب القيصر وأمبراطور الموضة، لأنه ظل حتى اليوم الأخير من حياته يفعل ما يحب فعلاً، وهذا بالتحديد ما دفعه إلى دائرة الضوء وجعله رمزاً للموضة العالمية.

في إحدى مقابلاته الصحافية وصف نفسه بأنه مثل “المرأة الشبقة التي لا تصل أبداً إلى الرعشة الجنسية”، وذلك في محاولة منه لوصف سبب شغفه بالعمل وتوقه الدائم إلى الإبداع. وقالت رئيسة تحرير مجلة “فوغ” آنا وينتور عند سماعها نبأ وفاته: “اليوم فقد العالم عملاقاً”.

ولد كارل في هامبورغ لأم ألمانية وأب سويدي، وقال لوسائل الإعلام “كطفل، وشاب صغير، كان لدي شعور بأنه لا يهم ما تفعله ما دمت مقتنعاً به، لقد ظننت بأن علي ألا أضيع عمري في ألمانيا بعد تلك الحرب الكئيبة”. هاجر لاغرفيلد إلى باريس عام 1952، بعدما شاهد عرض أزياء في هامبورغ. ولعه بالثقافات، جعله ينفتح على جميع التيارات الثقافية، وساعده على الحركة والمرونة الإبداعية في تصاميم الأزياء من خلال نظرة بعيدة في أفقها المستقبلي. لم يستطع أي مصمم قبله إحياء شانيل بعد وفاتها عام 1971، وقال بعد 13 عاماً على رحيلها، “كوكو شانيل لم تمت”.

ينتاب كل من ينظر إلى “موديلاته” إحساس بأنه إنسان يتنفس من نسمات الموضة، فهو يرتدي بدلة أنيقة ولا ينسى أن يضع عليها قطعاً من الحلي. وأشار بعض المصمّمين الإوروبيين بتأثرهم بالكثير من إبداعاته، التي لن تنساها الموضة أبداً، مثل إدخاله “الباروك” وهو التطريز بالخيطان الذهبية على تصاميم “المعاطف، الجاكيت” والتصاميم الأخرى التى حملت اسمه.

عاشق الموسيقى ومجنون الكتب

عرفناه جميعاً بتسريحة شعره الأبيض وقفازاته ونظارته السوداء التي لم تفارقه في إطلالاته. لم يكن مجرد مصمم أزياء، بل كان فناناً حقيقياً، عاشقاً للموسيقى والرسم والتصوير والحياة. قال لكاتب سيرته إنه تعلم القراءة والكتابة والتحدث باللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية وهو في سن السادسة. ذكر أصدقاؤه أنه في سنواته الأخيره انعزل وكرّس وقته لالتهام الكتب في مكتبته الخاصة التي تحتوي على قرابة 300 ألف كتاب. قال لاغرفيلد إن” الإلياذة كانت من أولى الروايات التي اطّلعت عليها، وكنت لا أكفّ عن الرسم، ويمكنني القول إنني وُلدت وفي يدي قلم رصاص”.

يتذكّر مبتسماً أن إحدى العرّافات قالت لوالديه إنه سيصبح يوماً ما قسيساً لإحدى الكنائس!

كتب عنه الكاتب الأميركي في موقع (Businessoffashion)  أريك ويلسون: “إن توقيعه أصبح علامة تجارية تعكس الشجاعة وجودة النوعية، ومن دونه لم يكن بمقدور دور الموضة العالمية مثل شانيل وفندي أن تنجح في اعتلاء عرش الموضة العالمية”. برع في مزج الذوق الفني بالفطنة التجارية، ووصلت مبيعات العلامة الباريسية إلى أكثر من 10 مليارات دولار عام 2017. كانت الحياة بالنسبة إليه عبارة عن مسرح وكل السلالم يجب أن تؤدي في النهاية إلى السير على السجاد الأحمر، ويتذكر مبتسماً أن إحدى العرّافات قالت لوالديه إنه سيصبح يوماً ما قسيساً لإحدى الكنائس.

كان لاغرفيلد على مدار 30 عاماً المدير الإبداعي فى دار أزياء شانيل، وصمّم لدور أزياء كثيرة من بينها: Tizani، Chloé، Fendi، Diesel، H&M. وبرزت موهبته في التصوير، بعدما صوّر جميع الموديلات التي أطلقها والتي أثارت إعجاب نجوم السينما ودهشتهم. كما أثار انتباه الميديا العالمية بتصويره الوجوه الشهيرة في ميدان السياسة والثقافة والمجتمع، وأقام معارض شخصية وصل عددها إلى 13، تنقلت بين هامبورغ وميونيخ ودوسلدروف ولندن وميلانو ونيويورك وكولونيا وباريس ومدريد وروما. وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي كان أبلغ أحد أصدقائه المقربين بأنه لم يعد يهتم بما يقوم به في الوقت الحاضر، وأنه يتجه إلى مهنة موازية، هي التصوير. وقال في إحدى مقابلاته الصحافية: “إن التقاط الصورة هو تحديد شخصية الانسان، فالصورة هي طريقة للرؤية، تتميز بأننا لا نستطيع اعادة صنعها، وهذا ما يعطيها صفة الخيال والسحر”.

الولادة المجهولة والأم الصارمة

كان تاريخ ميلاد لاغرفيلد مسألة خلافية لبعض الوقت، فموقعه الالكتروني يشير إلى أنه ولد عام 1938، ولكن الكثيرين يقولون إنه أكبر بخمس سنوات، إنما الحقيقة هي أنه ولد إما عام 1933 أو 1935. وفي حوار مع مجلة “باري ماتش” الفرنسية قال: “بعد وفاة والدتي علمت أنها غيّرت تاريخ الميلاد وجعلته بين عامي 1933 و1938 والحقيقة أنني ولدت في 10 أيلول/ سبتمبر 1935 – في كتابها (Beautiful Fall) الصادر عام 2006، تقول مؤلفته آليشا درييك إن “كارك منذ وصوله الى باريس قبل سنوات طويلة دأب على السرد المبالغ في تفاصيله عن طفولته بهدف تقديم نفسه بأنه ارستقراطي ألماني”.وأضاف ” لقد بدّل اسم عائلته من (Lagerfeldt) إلى (Lagerfeld) وذلك لاعتبارات تجارية على رغم مزاحه ودعابته بأن والدته اليزابيث فضلت الاسم الثاني لسهولة كتابته.

تحدّث لاغرفيلد في وقت متأخر جداً عن طفولته التي وصفها بأنها كانت عذاباً حقيقياً ومعاناة صعبة لصرامة أمّه في تعاملها معه ومتطلباتها عالية السقف

كانت أمه عازفة كمان، ووالده مدير شركة لاستيراد الحليب المكثف من الولايات المتحدة. تحدث لاغرفيلد في وقت متأخر جداً عن طفولته التي وصفها بأنها كانت عذاباً حقيقياً ومعاناة صعبة لصرامة أمّه في تعاملها معه ومتطلباتها عالية السقف، في ما يخص حياته ودراسته، وقال إنه “كان تلميذاً موهوباً، يهوى الرسم، مع أصدقاء قليلين، اثنين أو ثلاثة لا أكثر، كنت أكلفهم بفعل كل ما أريد”. وأضاف: “لم يكن هناك ما يشغلني، ولم أكن ألعب مع الآخرين”. وقال: “كانت أمي توجّه دوماً لي الانتقادات الحادة لمظهري الخارجي”. وتقول ساخرة “أن أنفي كبير جداً، وأنني أحتاج إلى ستائر تحجب خياشيمي كريهة المنظر” و”أن يدي قبيحة جداً بسبب التدخين”.

برع لاغرفيلد في الرسم الذي أحبّه في طفولته، ومع تصاعد شهرته وحبّه للتنويع قام برسم خمسين لوحة لكتاب للأطفال مأخوذ من حكاية أندرسون عنوانه “ثياب الأمبراطور الجديدة”. وصفه بأنه غير طبيعي، فلقد كان يتقدم في العمر ولكن من دون أن يكشف عن أي علامات تباطؤ نتيجة مرور الزمن، وحتى بعدما ناهز الثمانين، بقي يسافر من بلد إلى آخر في العالم لكونه الأكثر تأثيراً، والمصمّم الأكثر جذباً في عالم الموضة. ذات يوم قال في لقاء صحافي: “أنا متعدّد المهن وأقوم بتحقيق ما أريد وحين أريد وكما أريد”.

سان لوران: الصداقة والتنافس

العلاقة بين لاغرفيلد والمصمّم الفرنسي المبدع سان لوران يمكن وصفها بالشائكة، والتنافس بينهما بدأ لأول مرة  خلال مسابقة الموضة (International Woolmark Priz) التي فاز بها الأول عن استكتشات لمعطف، بينما فاز الثاني في الفئة الخاصة بالفساتين. هذا التنافس الشديد تواصل لسنين. كانت تربط الاثنين علاقة صداقة متينة. كان ملك الموضة المعلّم Christian Dior، اكتشف لوران وأدخله مشغله، بعد أقل من ثلاث سنوات على موت ديور تسلم لوران إدارة الدار فنياً، وفي الحادية والعشرين من عمره بدأ يُلبس أهمّ نجمات هوليوود في ذلك الوقت مثل: إليزابيت تايلور، مارلين دييتريش، مارلين مونرو، آفا غاردنر، ريتا هيوارث.

لاغرفيلد إلى جانب الممثلة الفرنسية فانيسا بارادي

كان لاغرفيلد يكرّر أمام الصحافيين أن العمل هو الحب الوحيد الذي سيطر على عقله وشغل تفكيره  طيله حياته، قال لصحافي “لا يوجد سر في الحياة، السر الوحيد هو العمل، قم بالعمل المطلوب منك، ربما هذا سيجعلك تعيش بكرامة. لا تشرب الخمر، لا تدخن، لا تتعاطَ المخدرات، هذه ستساعدك حتماً”. حرص على أن يقدّم نفسه للعالم كمصمّم لمدى الحياة، وقال سائلاً في رده على سؤال لصحافي عن اليوم الذي يتوقف فيه عن العمل: “ولماذا يتعيّن علي أن أتوقف عن العمل؟”. وأضاف: “لو تقاعدت فسأموت وينتهي كل شيء”. وقال لاغرفيلد في حوار مع “بي بي سي”: “أنا عامل أجير في شركتي الخاصة، بمعنى أنني أدير دميتي الشخصية”. وأضاف موضحاً هذه المسألة بالتحديد في حديث مع صحيفة “نيويورك تايمز”: “هذا شيء أنا أتحكم فيه شخصياً”. وبحسب الصحيفة “إن نجاحه وذيوع شهرته في الموضة العالمية يعود لوضعه حاجزاً بينه وبين عالم الموضة في البلاد”.

أثار لاغرفيلد انتقادات وردود فعل حادة على تصريحاته السياسية الجريئة ولسانه الحاد أحياناً، ولكنه مع ذلك لم يتحمّل أي مسؤولية عن تفاعلاتها السياسية والاجتماعية، بما في ذلك انتقاداته اللاذعة للمستشارة الألمانية ميركل لانتهاجها سياسة الأبواب المفتوحة أمام اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط ومساواتها بالمحرقة!

ويبدو أنه كان أقل تأثراً بإرثه من أولئك الذين حزنوا لرحيله، فلقد نفى قبل شهرين من وفاته، الشائعات التي طافت في أوساط المشاهير التي روّجت إلى أنه كان يكتب مذكراته. وقال: “ليس لدي ما أقوله. فأنا في الواقع أحاول التأكد من أنني لن أتذكّر”. عندما سأله محرّر مجلة “باري ماتش” عن سبب اختياره العزلة بعد حياة مملوءة بالأضواء والشهرة والنجومية، قال وهو يشير إلى مكتبته: “مع هذا العالم العزلة هي قمّة قمم الثراء؟”.

إقرأ أيضاً:
الصين: كيف تخنق الميديا في الداخل وتستخدمها لاجتياح العالم؟
كيف تحولت بروكسيل وكراً لجواسيس العالم؟