“تحرش وابتزاز جنسي واستغلال منصبه كمعلم وكاهن”، اتهامات عدة تطاول الخوري ج.ب في أبرشية طرابلس. يقول أحد الشهود من قرية القبيات المطّلع على تفاصيل القضية، “أحد الضحايا كان بعمر الـ16 حين طلب منه ج.ب أن يصوره عارياً مقابل إعطائه الفحص، وأحياناً كان يبتز تلامذته ويصوِّرهم بحجة أنه يحتاج الى الصور لأطروحته”.
كان الخوري ج.ب قد أُوقف عن ممارسة الأعمال الرعوية في 17 آب/ أغسطس الماضي، بعدما قدم أحد الضحايا شكوى لمطرانية طرابلس المارونية تتعلق بتعرضه للتحرش والابتزاز الجنسي من الخوري لمدة 12 سنة، بدأت حين كان قاصراً. الضحية كان أحد تلامذته في المدرسة حيث يعلم مادة علوم الحياة، فاستغلّ ذلك لتصوير الطلاب و”ابتزازهم لاحقاً مادياً وجنسياً” وفقاً لأحد الشهود.
مُنع الخوري من ممارسة الأعمال الكهنوتية، لكن لم يتم إيقافه عن ممارسة مهامه التعليمية في المدرسة حتى الأسبوع الماضي، بعدما أصبحت القضية المذكورة حديث الإعلام والرأي العام، وبعد ضغوطات مارسها أهالي الطلاب والإعلام على مديرتها نهاد ناكوزي، ما يعني أنه بقي موجوداً مكان وقوع جرائمه منذ آب الماضي.
خروج القضية إلى العلن بعد تكتّم
“عرفتُ بقضية كاهن القبيات أثناء متابعتي قضية مماثلة لم يدّعِ ضحاياها بعد في قرية أخرى عكارية”، يقول الناشط ضوميط قزي، الذي أشعل الحديث عن القضية أمام الرأي العام بعد 6 أشهر من محاولات التستّر عليها إعلامياً وبعد أن نشر موقع “نقد” معلومات عن القضية. تحدث قزي عن الموضوع عبر تغريدة على حسابه في موقع “إكس”، قبل أن يزيلها منعاً لملاحقته قانونياً بعدما لُوّح أمامه بذلك كما يقول.
يتم التداول عن مصادر كنسية بين أهالي القبيات، أنه قد يتم تحويل القضية إلى اتهام الكاهن بـ “جرم المثلية الجنسية”. وقد تحدث أحد أهالي القبيات لقزي قائلاً: “ما بدنا نكبر الكف للخوري، وهذا القرار هو الحل الأنسب وسط الخوف والضغوطات السياسية لتخفيف تداعيات كشف الجرم الأساسي على أهالي القرية وعلى الضحايا تحديداً”. ويضيف قزي أن المثلية الجنسية أمر خاص بالخوري، أما ما يجب استكمال التحقيق به فهو اتهامه بالتحرش الجنسي وابتزاز قاصرين واستغلال موقعه كمعلم وكاهن.
“لا مماطلة والتحقيق يأخذ وتيرته السريعة”
حاول موقع “درج” التواصل مرات عدة مع المطران يوسف سويف من دون أي جدوى، وبعد محاولات كثيرة تم تحويلنا للحديث مع رئيس الديوان الأسقفي الخوري جو رزق، الذي بدوره رفض التصريح بأي تفاصيل تخص التحقيق منعاً للتجاوز أو التشويش على عمل اللجنة المكلفة بالتحقيق في المحكمة المارونية. ومع ذلك، أصر رزق الله على نفي ما يتم تداوله في الإعلام عن ضغوطات يتعرض لها التحقيق أو المماطلة، مؤكداً أن “التحقيق يأخذ مجراه وبوتيرة سريعة، ونحن كما الجميع نريد أن نرتاح من الضغوطات الإعلامية والسياسية علينا”.
وعلى الرغم من نفيه جميع الاتهامات والادعاءات التي تم تداولها في وسائل الإعلام بشأن وجود ضغوطات أو مماطلة، أكد الخوري جو رزق الله بعد سؤاله حول مسألة تحوّل القضية إلى “جرم المثلية الجنسية” ،أنه غير قادر على نفي أو تأكيد هذا الأمر، وذلك بسبب عدم اطلاعه على تفاصيل التحقيقات التي لا تزال غير معلنة على حد قوله.
“أحد الضحايا كان بعمر الـ16 حين طلب منه ج.ب أن يصوره عارياً مقابل إعطائه الفحص، وأحياناً كان يبتز تلامذته ويصوِّرهم بحجة أنه يحتاج الى الصور لأطروحته”.
لائحة طويلة من الكهنة المتّهمين بالتحرّش بالأطفال
في حال إدانة الخوري أو تبرئته، فهو ينضمّ إلى لائحة طويلة من الكهنة والأساقفة والكرادلة المتهمين بالتحرش بالأطفال “البيدوفيليا” في أنحاء العالم و في لبنان بخاصة، ممن لا يتم تطبيق عقوبات جزائية عليهم أو سجنهم خلافاً لما ينص عليه القانون اللبناني في حال شملت القضية جرم التحرش أو الاغتصاب، لأن القضاء الكنسي الذي دائماً ما يتولى محاكمة رجال الدين مهما كانت تهمتهم، لا يملك العقوبات الجزائية، بل يكتفي بعزلهم وتجريدهم من رتبهم الكهنوتية كحد أقصى.
وفي لبنان سجل طويل من هذه القضايا، منها ما أعلن عنه ومنها ما بقي قيد الكتمان لإخفاء العار. لعل آخرها قضية الكاهن اللبناني منصور لبكي التي استمر التحقيق فيها لسبع سنوات، وعلى رغم قرار محكمة فرنسية بسجن الكاهن لمدة 15 عاماً، بعد إثبات تهمتي الاغتصاب والاعتداء الجنسي على ثلاث قاصرات وقعتا أثناء إدارته ميتماً بين عامي 1990 و 1998 في بلدة دوفر لا ديليفراند الفرنسية، لا يزال لبكي ينفذ الحكم الكنسي في دير راهبات الصليب في بلدة برمانا اللبنانية (منطقة المتن)، بعدما حكم المجمع الفاتيكاني عليه بعقوبة حياة من الصلاة والتكفير عن الذنب في مكان منعزل، مع حظر أي اتصال بالقاصرين، وتجريده من مهامه الكهنوتية كاملةً.
يساهم الانقسام السياسي والطائفي في لبنان وانتشار المحسوبيات في تمييع المحاسبة والشفافية في مثل هذه القضايا، فتبقى ضمن المسكوت عنه اجتماعياً. لكن اللافت في قضية الكاهن، محاولة تمييع ارتكاب مثل التحرش بقصر وتمويه الجرم باتجاه المثلية الجنسية.
تهمة “المثلية الجنسية” ساقطة
وفي هذا السياق، تقول المحامية ليال صقر إنه لا يمكن توجيه الاتهام في القضية الى “المثلية الجنسية”، لأن المثلية ليست جرماً أو مرضاً، والمثلية لا تعدّ جرماً حين تكون بين بالغين، أما إذا كان هناك قاصر في القضية، فهذا تحرش ولا يمكن تغيير ذلك بأي طريقة.
تشير صقر إلى أن القانون اللبناني يضاعف عقوبة التحرش حين تكون الضحية قاصراً، وبالتالي يجب أن يعاقب الخوري وفق ذلك، وطبعاً في حال حملت القضية ابتزازاً جنسياً، هناك جرائم إضافية يجب أن يحاكم عليها، وفي حال كان الكاهن يستفيد من خدمات جنسية من القاصرين مقابل منحهم علامة جيدة أو امتيازاً دراسياً، فهذا يندرج ضمن جرائم التحرش الجنسي أيضاً.
ترى صقر أن الكنيسة في لبنان لم تلتزم بعد بانفتاح الفكر لدى الفاتيكان وتطوره، فعلى رغم إقرار البابا فرنسيس بأن “المثلية الجنسية ليست جريمة ويجب احتضان المثليين”، أصر مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم على ترجمتها بأنه”لم يُفهم كلام البابا على ما قصده وأن البابا ضد تشريع المثلية الجنسية”. وتشير صقر الى أنه في لبنان، يمتلك الكهنة حصانة على رغم إقرار الفاتيكان بأنه حين يكون هناك جرم جزائي فهو ليس من اختصاص الكنيسة. فالكنيسة تعاقب مسلكياً وتتخذ إجراءات كنسية بحق المتهم ولكن لا تحله من الجرم الجزائي، والتحرش جرم جزائي يجب المحاسبة عليه.
ينتظر أهالي القبيات مرةً أخرى نتيجة التحقيق عسى ألا يتم هذه المرة إيلاء مصلحة الطائفة وطمس أصوات الضحايا. وعلى أمل ألا تُستخدم هذه المرة أيضاً المثلية الجنسية شماعة لمداراة جرائم المتحرشين من رجال الدين، الذين يحاول المجتمع تبرئتهم باستمرار متجاهلاً معاناة ضحايا تحملوا لسنوات قبل أن يستجمعوا شجاعتهم للبوح بما تعرضوا له من كاهن استغلّ سلطته ولا يزال يفعل.
إقرأوا أيضاً: