fbpx

كتاب “المكان”: آخر زائر طرق باب منزل إميلي نصرالله

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“من يطرق بابي؟”. “واو.. إنه المكان”… عبارات بسيطة قالتها الأديبة اللبنانية الراحلة إميلي نصرالله حين سلمتها ندين توما النسخة الأولى من كتابها الجديد. حصل ذلك قبل أربعة أيام من وفاة كاتبة “طيور أيلول”..

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
اميلي نصرالله في صورة تعود الى بداية الستينات

“من يطرق بابي؟”. “واو.. إنه المكان”…

عبارات بسيطة قالتها الأديبة اللبنانية الراحلة إميلي نصرالله حين سلمتها ندين توما النسخة الأولى من كتابها الجديد.

حصل ذلك قبل أربعة أيام من وفاة كاتبة “طيور أيلول”..

ولعل كتاب “المكان”، الذي يتناول سيرة نصرالله الذاتية، أثمن هدية حصلت عليها امرأة تبلغ 87 سنة، ومشرفة على الموت، فالأحاديث التي دارت بين إميلي وتوما وثّقتها عدسة كاميرا دار “قنبز”، وأصدرتها لاحقاً على هيئة وثائقي قصير يحمل اسم “المكان” عُرِض في حفل أقيم في الجامعة الأميركية في بيروت بمناسبة صدور كتاب المكان، كآخر عملٍ كتبته إميلي نصرالله.

رجفة يديها، وصوتها غير الثابت لحظة لمسها رسم الجبل الأبيض الذي يزين غلاف كتابها، كشفا ملامح طفلة خبأتها إميلي التي جالت العالم بصفتها أديبة وأستاذة جامعية وناشطة حقوقية لعقود من الزمن.

زيّن دار “قنبز” غلاف الكتاب، بصورة جبل الشيخ، لما يعنيه هذا الجبل لها، فغرفة إميلي في بلدة كفير في جنوب لبنان تطل على سفوحه، وقد أوحى لها بالكثير من الروايات التي ألفتها.

لا تتجاوز مدة الوثائقي الست دقائق. صوت إميلي المنهك أضفى عليه المزيد من البطء الذي يشعر به المشاهد. والوثائقي، غني بكثافة المعاني التي يكتنزها ما بين آلام إميلي ومعرفتها بقرب أجَلها من جهة، إذ إنه صُوِر قبل أشهر قليلة من وفاتها، ويكشف مدى شغفها بالجمال فتقول،”لولا فعل المحبة، لما خرجت الأشياء الجميلة”.

في الوثائقي تداوي إميلي أوجاع مرحلة ما قبل الموت، وعبر الموسيقى التي ترافق كلامها، بإحساس كبير بأن النهاية أصبحت قريبة، فاختارت إميلي أن تستقبل كتابها “المكان” بهدوء وسلام، كمقاتلة أنجزت مهمتها.

تجلس على الكنبة وتضع يدها خلف رأسها كطفلة صغيرة لتقول: “أنا اخترت أن آتي إلى بيروت، وكنت كلما زرت ساحة البرج، أدور حولها، فأمتص روح المدينة.”

المكان يضج بإميلي

في آب/ أغسطس الماضي، صدر كتاب المكان في حفل مشترك أقامه دار “قنبز” بالتعاون مع الجامعة الأميركية، وهو عبارة عن ثلاثية، تتألف من كتاب السيرة الذاتية، وكتاب آخر أصغر حجماً يجمع مصطلحات ويسرد عادات سادت في القرن منتصف الماضي، إضافة إلى مطوية صغيرة تشمل خرائط للهجرة الداخلية والخارجية، ويمكن أن يتعقب القارئ مسار هجرة أجداده.

بمقطع صغير من شعرٍ علمتها إياه جدتها “جبلنا الشيخ، يبقى جبلنا”، “آخ على آخ، شبكني الهم تشبيك، وما إلي على الهموم شريك”، خاضت ذاكرة إميلي مخاضها الأخير، حتى أنجبت سيرتها الذاتية.

الأديبة التي سردت للأطفال، رواية “شادي الصغير”، و”يوميات هر” عادت في المكان إلى فترة طفولتها، واختارت أن تسرد مجريات هذه المرحلة من حياتها.

 دار قنبز، وهو دار نشر تخصصت في كتب الأطفال والناشئة وأسسته الى جانب توما، سيفين عريس .

ينطلق كتاب “المكان” من إميلي المراهقة، فالمكان الذي تشير إليه هو جنوب لبنان، كبعد جغرافي كبرت فيه، وتتحرك فيه شخصيات وحقبات عاشتها وأفراد عائلتها.

يحضر صوت جدها البائع الذي ينادي بالزبائن، وجدتها التي كانت تسرد لها القصص، وخالتها أدما التي أجبرت على الزواج من رجل أميركي. تتوقف إميلي عند الحقبة العثمانية. تُفضل ألفاظاً ذاع صيتها مع الاحتلال العثماني للبنان. فجميع الحاضرين في هذا “المكان”، يهابون السفربلك، لما يرمزه من تجنيد إجباري وخضوع للعثمانيين، وفي “المكان” يحضر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وكتاب آخرون، شملتهم الرابطة الأدبية التي اشتهر بها لبنان في الأوساط الثقافية.   

المحرك الأساسي للكتاب هو الذاكرة. تقول الكاتبة في أحد فصوله “الأشياء والأماكن تنزلق من الذاكرة، الذاكرة تتفتح كلحاء الشجر، ثم تتساقط مخلفة اللب والجوهر، الذي هو الإنسان… نعم نكتب، لا لنتذكر بل لننسى، ولكي نخرج ذلك الضغط الحار في القفص الصدري، نطلقه، نحرره ونتحرر منه”.

عن إميلي

“طيور أيلول” هي أول رواية كتبتها إميلي نصرالله، نالت عام 1962 ثلاث جوائز أدبية، بينها جائزة سعيد عقل. اهتمت إميلي نصرالله بالمكفوفين، فخصصت لهم رواية بصيغة “البرايل”، وكتبت 8 روايات للأطفال والمراهقين، وتُرجمت أعمالها إلى لغات عالمية عدة، وحاضرت في الكثير من الجامعات حول العالم عن حقوق المرأة وأساليب الكتابة الإبداعية.

 

21.09.2018
زمن القراءة: 3 minutes

“من يطرق بابي؟”. “واو.. إنه المكان”… عبارات بسيطة قالتها الأديبة اللبنانية الراحلة إميلي نصرالله حين سلمتها ندين توما النسخة الأولى من كتابها الجديد. حصل ذلك قبل أربعة أيام من وفاة كاتبة “طيور أيلول”..

اميلي نصرالله في صورة تعود الى بداية الستينات

“من يطرق بابي؟”. “واو.. إنه المكان”…

عبارات بسيطة قالتها الأديبة اللبنانية الراحلة إميلي نصرالله حين سلمتها ندين توما النسخة الأولى من كتابها الجديد.

حصل ذلك قبل أربعة أيام من وفاة كاتبة “طيور أيلول”..

ولعل كتاب “المكان”، الذي يتناول سيرة نصرالله الذاتية، أثمن هدية حصلت عليها امرأة تبلغ 87 سنة، ومشرفة على الموت، فالأحاديث التي دارت بين إميلي وتوما وثّقتها عدسة كاميرا دار “قنبز”، وأصدرتها لاحقاً على هيئة وثائقي قصير يحمل اسم “المكان” عُرِض في حفل أقيم في الجامعة الأميركية في بيروت بمناسبة صدور كتاب المكان، كآخر عملٍ كتبته إميلي نصرالله.

رجفة يديها، وصوتها غير الثابت لحظة لمسها رسم الجبل الأبيض الذي يزين غلاف كتابها، كشفا ملامح طفلة خبأتها إميلي التي جالت العالم بصفتها أديبة وأستاذة جامعية وناشطة حقوقية لعقود من الزمن.

زيّن دار “قنبز” غلاف الكتاب، بصورة جبل الشيخ، لما يعنيه هذا الجبل لها، فغرفة إميلي في بلدة كفير في جنوب لبنان تطل على سفوحه، وقد أوحى لها بالكثير من الروايات التي ألفتها.

لا تتجاوز مدة الوثائقي الست دقائق. صوت إميلي المنهك أضفى عليه المزيد من البطء الذي يشعر به المشاهد. والوثائقي، غني بكثافة المعاني التي يكتنزها ما بين آلام إميلي ومعرفتها بقرب أجَلها من جهة، إذ إنه صُوِر قبل أشهر قليلة من وفاتها، ويكشف مدى شغفها بالجمال فتقول،”لولا فعل المحبة، لما خرجت الأشياء الجميلة”.

في الوثائقي تداوي إميلي أوجاع مرحلة ما قبل الموت، وعبر الموسيقى التي ترافق كلامها، بإحساس كبير بأن النهاية أصبحت قريبة، فاختارت إميلي أن تستقبل كتابها “المكان” بهدوء وسلام، كمقاتلة أنجزت مهمتها.

تجلس على الكنبة وتضع يدها خلف رأسها كطفلة صغيرة لتقول: “أنا اخترت أن آتي إلى بيروت، وكنت كلما زرت ساحة البرج، أدور حولها، فأمتص روح المدينة.”

المكان يضج بإميلي

في آب/ أغسطس الماضي، صدر كتاب المكان في حفل مشترك أقامه دار “قنبز” بالتعاون مع الجامعة الأميركية، وهو عبارة عن ثلاثية، تتألف من كتاب السيرة الذاتية، وكتاب آخر أصغر حجماً يجمع مصطلحات ويسرد عادات سادت في القرن منتصف الماضي، إضافة إلى مطوية صغيرة تشمل خرائط للهجرة الداخلية والخارجية، ويمكن أن يتعقب القارئ مسار هجرة أجداده.

بمقطع صغير من شعرٍ علمتها إياه جدتها “جبلنا الشيخ، يبقى جبلنا”، “آخ على آخ، شبكني الهم تشبيك، وما إلي على الهموم شريك”، خاضت ذاكرة إميلي مخاضها الأخير، حتى أنجبت سيرتها الذاتية.

الأديبة التي سردت للأطفال، رواية “شادي الصغير”، و”يوميات هر” عادت في المكان إلى فترة طفولتها، واختارت أن تسرد مجريات هذه المرحلة من حياتها.

 دار قنبز، وهو دار نشر تخصصت في كتب الأطفال والناشئة وأسسته الى جانب توما، سيفين عريس .

ينطلق كتاب “المكان” من إميلي المراهقة، فالمكان الذي تشير إليه هو جنوب لبنان، كبعد جغرافي كبرت فيه، وتتحرك فيه شخصيات وحقبات عاشتها وأفراد عائلتها.

يحضر صوت جدها البائع الذي ينادي بالزبائن، وجدتها التي كانت تسرد لها القصص، وخالتها أدما التي أجبرت على الزواج من رجل أميركي. تتوقف إميلي عند الحقبة العثمانية. تُفضل ألفاظاً ذاع صيتها مع الاحتلال العثماني للبنان. فجميع الحاضرين في هذا “المكان”، يهابون السفربلك، لما يرمزه من تجنيد إجباري وخضوع للعثمانيين، وفي “المكان” يحضر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وكتاب آخرون، شملتهم الرابطة الأدبية التي اشتهر بها لبنان في الأوساط الثقافية.   

المحرك الأساسي للكتاب هو الذاكرة. تقول الكاتبة في أحد فصوله “الأشياء والأماكن تنزلق من الذاكرة، الذاكرة تتفتح كلحاء الشجر، ثم تتساقط مخلفة اللب والجوهر، الذي هو الإنسان… نعم نكتب، لا لنتذكر بل لننسى، ولكي نخرج ذلك الضغط الحار في القفص الصدري، نطلقه، نحرره ونتحرر منه”.

عن إميلي

“طيور أيلول” هي أول رواية كتبتها إميلي نصرالله، نالت عام 1962 ثلاث جوائز أدبية، بينها جائزة سعيد عقل. اهتمت إميلي نصرالله بالمكفوفين، فخصصت لهم رواية بصيغة “البرايل”، وكتبت 8 روايات للأطفال والمراهقين، وتُرجمت أعمالها إلى لغات عالمية عدة، وحاضرت في الكثير من الجامعات حول العالم عن حقوق المرأة وأساليب الكتابة الإبداعية.