شهد العام 2020 تعمّقاً للصراع الدائر بين اقليم كردستان والعاصمة الإتحادية بغداد فيما يتعلّق بالرواتب والمستحقات المالية والملفات الخاصّة بالنفط والمعابر والمنافذ الحدودية. هذا الواقع أجبر الإقليم إلى اعلان استعداده الخضوع لقرارات العاصمة فقط من أجل دفع رواتب موظفيه، وهو يواجه يوماً تلو الآخر أزماتٍ متعددة منذ ست سنوات على المستويات الداخلية والسياسية والإقتصادية وحتى الإجتماعية بعد الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية وانخفاض أسعار النفط وتحمّله تبعات حلم الانفصال الذي تحقق باستفتاء في العام 2017.
شهد الإقليم أزماتٍ واحتجاجات شعبية غاضبة خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن عام 2020 كان “الأصعب” على السلطة الحاكمة، مع استمرار التحدّيات والمصاعب الاقتصادية والسياسية وعجز الحكومة عن دفع رواتب موظفيها حتى بعد العمل بنظام ادخار الرواتب الذي يقضي باستقطاع ما نسبته 21% من رواتب الموظفين كل 50 يوماً تقريباً. يضاف إلى ذلك تأثيرات تفشّي فيروس كورونا، وتراجع حجم الواردات المتحققة واستمرار رقعة الفساد بالتوسع.
من التحدّيات التي وضعت الإقليم في دائرة الخوف والقلق في العام 2020 محاولات الحكومة الاتحادية في العاصمة بغداد السيطرة على ملف النفط والإستحواذ عليه وهذا بحد ذاته يعتبر تهديداً خطيراً لإقليم كردستان الذي احتكر بيع نفطه منفرداً لسنوات عدة.
حرية الصحافة في الإقليم باتت مقيّدة وأصبحت ضمن حدود معينة، كما أن حياة من يحاول كسر تلك القيود أو تجاوزها تكون في خطر مع استمرار التهديدات والاعتداءات والانتهاكات ضدهم.
وعلى الرغم من تمتّعه بحكم ذاتي منذ العام 1990 بعد تحريره من هيمنة حكم نظام صدام حسين، إلا أن إقليم كردستان لم ينفصل عن محيطه العام، فهو بقي يتأثر بالتغيرات السياسية في الشرق الأوسط، وهذا ما يجعل الإحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية الغاضبة التي شهدتها محافظة السليمانية والأقضية والنواحي التابعة لها مع نهاية العام وأسفرت عن حرق مبانٍ ومقرّات حزبية ودوائر حكومية، تلتقي في نقاط عدّة مع موجات “الربيع العربي” الذي انطلق قبل عشرة أعوام.
للإحتجاجات الكردية بعض الخصوصية كما يرى المحلل السياسي لوند آغا، منها أنّ المتظاهرين لم يطلبوا في بداية احتجاجاتهم رحيل السلطة السياسية، بل انحصرت مطالبهم بدفع الرواتب وتقديم الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء التي يعاني الإقليم من انقطاعها منذ ثلاثة عقودٍ من الزمن، بغياب آذانٌ صاغية تسمعهم، ما جعل الإحتجاجات تتطوّر وتنتقل للمطالبة بإنفتاح النظام السياسي، وهو بحدّ ذاته تغيير في نوعية المطالب، مع ضروة تحسين النظام السياسي والنزاهة في الانتخابات والشفافية في ادارة الموارد الاقتصادية.
أكثر ما أثار الشكوك والقلق في 2020 هو تراجع مساحة الصحافة وحرية الرأي وحقوق الإنسان مقارنةً مع الأعوام السابقة، وتغييرات في أسلوب حجب الحرية الصحفية، وانتقاله الى أساليب أكثر قسوة تضمن اعتقال صحفيين وناشطين من دون مذكرات قضائية، منهم شيروان شيرواني الذي احتجز لأيام بعد اعتقاله من منزله في وسط أربيل عاصمة الإقليم الكردي. شيرواني من الصحفيين الذين كتبوا تحقيقات وتقارير كشفوا فيها مكامن الفساد، كما واجه زملاء له المصير نفسه، ابرزهم بدل برواري الذي يُعتبر من أبرز الناشطين في الحراك المدني بإحتجاجات دهوك، المحصنّة عسكرياً من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، والتي خرج ابناؤها في تظاهرات غاضبة وكسروا الصمت مطالبين بصرف الرواتب وعدم تأخرها وانهاء مظاهر الفساد.
يقول محمد فاتح ان حرية الصحافة في الإقليم باتت مقيّدة وأصبحت ضمن حدود معينة، كما أن حياة من يحاول كسر تلك القيود أو تجاوزها تكون في خطر مع استمرار التهديدات والاعتداءات والانتهاكات ضدهم. وبحسب أرقام غير رسمية جرى تسجيل 125 حالة انتهاك ضد الصحافة والصحافيين في العام 2020، أغلبها في محافظتي اربيل ودهوك، ومنها حالات اقفال مؤسسات إعلامية لعدة أشهر.
إقرأوا أيضاً:
سجل الشهر الأخير من السنة 15 حالة انتهاك ضد صحافيين ومؤسسات إعلامية في مدينة السليمانية. وهذه المدينة شكّلت في السنوات الماضية ملاذاً للصحافيين العراقيين الهاربين من الملاحقة في بغداد والبصرة وغيرها من المناطق العراقية، وسميت في العام الماضي بـ”منطقة خضراء” صحافية. ولكن مع نهاية العام ما كان كثيرون يظنونه ابتسامة، تبيّن انه أنياب بارزة للسلطة التي انقضّت على كل ما وجدته تهديداً لوجودها حتى ولو كان من الصحافيين.
ولا يختلف سلوك السلطة مع الصحافيين عن سلوكها مع عامة مواطنيها مع فرض اقتطاع على الرواتب بشكل غير قانوني وغير منصف، فضلاً عن رفضها صرف رواتب الموظفين لشهور عدّة، وهو ما يصنف ضمن انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها السلطة الكردية ضد شعبها.
وسجلت المراصد والاتحادات والمنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والصحفيين حالات انتهاك ضد المدنيين مع بدء التظاهرات في مناطق مختلفة من الإقليم مع استخدام قوات الأمن الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين واعتقال العديد منهم، وصلت إلى حد وقوع قتلى وجرحى بين صفوف المحتجين المدنيين.
بدورها وثّقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في كردستان العديد من حالات انتهاك ضد حقوق الإنسان في عموم مناطق الإقليم، عازيةً سبب تكرار هذه الانتهاكات بالدرجة الأساس الى قانون التظاهر الذي يرى حقوقيون أن هناك حاجة ماسة إلى إجراء تعديلات جذرية عليه، اذ يشوبه الكثير من الخلل وهذا ما يمهّد لخروج الكثير من الأشخاص الى الشارع والتظاهر بعيداً عن السياقات القانونية، بحسب الهيئة. وفي العام 2020 جرى تسجيل اعتقال ما يزيد على 305 أشخاص بتهم تنظيم تظاهرات خارج أصول “قانون التظاهر” في الإقليم.
في هذا السياق، ينتقد رئيس الهيئة ضياء بطرس خروج بعض الإحتجاجات عن سياقاتها المدنية وتطوّرها واندفاعها نحو استخدام العنف. ويرى بطرس ان القوات الأمنية الكردية لا تتعامل بمسؤولية مع المتظاهرين ولا تمارس دورها في الحفاظ على امنهم وحياتهم، وهذا يعود إلى نقص في التدريب والتثقيف والتمرس في التعامل مع المتظاهرين بطريقة حضارية، واستيعاب حقهم في التعبير والغضب. والأرقام تشير بوضوح إلى استخدام الشرطة الكردية رصاصاً حياً وأسلحة قاتلة ضد المتظاهرين، فحصيلة المواجهات التي اندلعت في الشهر الأخير من العام رست على 10 قتلى من المتظاهرين المدنيين، وقتيلان من الشرطة.
إقرأوا أيضاً: