fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كريستينا عاصي تحمل شعلة الصحافة في أولمبياد باريس… أن تكون أنت الرسالة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

حملت كريستينا شعلة الصحافة بإسم عصام عبدالله، فرح عمر، وربيع المعماري، وأكثر من مئة صحافي فلسطيني قتلتهم إسرائيل بشكل مباشر أثناء آدائهم واجبهم المهني في توثيق مجريات الحرب ونقلها، بهدف التعتيم على جرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وحجب صورتها الحقيقية عن الرأي العام الدولي. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على كرسي متحرّك، وبجسدها المتعب، وقدمها المبتورة، ودموعها التي انهمرت تلقائياً أثناء حديثها عن صديقها المصور في وكالة رويترز عصام عبدالله، وابتسامتها بين الحشود، قالت المصورة اللبنانية كريستينا عاصي كلمتها، من قلب فرنسا إلى العالم: “نحن أحياء، وسنكمل المسير”. خلفها كان يمشي زميلها في وكالة الصحافة الفرنسية الأميركي ديلان كولينز، الذي أصيب أيضاً في الاعتداء الإسرائيلي على الصحافيين في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في جنوب لبنان، وقال كلمته هو الآخر: “لن نتوقف عن تذكير العالم بمن قضوا حتفهم في سبيل إيصال الكلمة”.

حملت كريستينا شعلة الصحافة بإسم عصام عبدالله، فرح عمر، وربيع معماري، وأكثر من مئة صحافي فلسطيني قتلتهم إسرائيل بشكل مباشر أثناء آدائهم واجبهم المهني في توثيق مجريات الحرب ونقلها، بهدف التعتيم على جرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وحجب صورتها الحقيقية عن الرأي العام الدولي. 

بهذه المشهدية الرمزية، أكدت كريستينا للعالم أن هذه المهنة باقية، على رغم الاستهداف المتعمّد، والثمن الباهظ الذي يدفعه الصحافيون المحليون في غزة ولبنان، وكل العوائق والقيود والتحديات التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي في وجه من يشيرون بالإصبع الى وحشيته ويكذبون ادعاءاته أمام العالم.

تقول كريستينا إنها لم تكن يوماً تطمح الى أن يعرفها العالم بهذه الطريقة، إذ كانت تحلم بأن تُعرف بعملها لا بإصابتها، ولكن ما حدث قد حدث، وهذا بحد ذاته رسالةٌ أخرى، درسٌ في أصول المهنة ومعناها، فالصحافي ليس الخبر، والتسلق على الدم واستثمار الحرب لمكسب شخصي أو شهرة زائفة، هما إهانة لجوهر المهنة، وتنكّر لغايتها الأساسية التي تتركز بالأصل حول نقل الحقيقة وإعلاء صوت من لا صوت لهم، وإلقاء الضوء حول معاناتهم وما تمارسه أنظمة القتل على اختلافها من جرائم بحقهم، والتذكير الدائم بأحقيتهم بالعيش، أحراراً من كل أشكال الموت والقمع والعنف الممارس عليهم، والمطالبة بالعدالة الكاملة لكل المستضعفين والمظلومين والمقتولين ظلماً في هذا العالم.

الوقوف مجدداً

تؤكد كل التصريحات والممارسات أن هدف إسرائيل الأساسي من حرب الإبادة هو طرد الفلسطينيين ومنعهم من حقوقهم ومن إقامة دولتهم، من دون حساب للكلفة الإنسانية الباهظة والقضاء على معالم الحياة في غزة وكل الأراضي الفلسطينية.

وفي ظل سقوط كل القوانين الدولية وعجز الفصائل العسكرية الموجودة على أرض المعركة عن ردع  ماكينة الحرب الإسرائيلية عن ممارسة جرائمها الوحشية، فالتعويل الآن هو فقط على قدرة الشعوب على الاستمرار في العيش وابتكار الوسائل التي تمكّنها من ذلك، والتأقلم مع الواقع المفروض عليها حتى نهايته، ومعرفة إلى أين ستؤول الأمور بعد نهاية الحرب. 

 الصحافي كإنسان بالدرجة الأولى، معني بهذه الاستمرارية، وله في النهاية تحديد ماهيتها، سواء كان ذلك بمتابعة عمله، أو التخلي عنه والبحث عن سبل النجاة الممكنة، وهو ما يعانيه معظم الصحافيين في غزة، حيث يعيش كل واحدٍ وواحدة منهم ظروف الإنسان الغزاوي، الملزم بتأمين قوته اليومي وأمان نفسه وعائلته وملجأ يقيه من الموت.

أكدت كريستينا رغبتها في العودة إلى العمل، والوقوف التقاط الصورة وإكمال مشوارها المهني من حيث توقّف، على رغم إصابتها البليغة التي تجعل من العودة مساراً صعباً وطويلاً ومعقداً، لكنها في النهاية عازمة عليه، وهي بذلك تعلمنا جميعاً ألا نستسلم لما أرادته إسرائيل لنا، وأن نضع نصب أعيننا ما نؤمن به وما نسعى إليه أياً كان، وأن نتطلع دائماً إلى الغد الذي لأجله يحيا الإنسان.

الجرحى، ومن خسروا بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم، من فقدوا فرداً من عائلاتهم، واحداً من أصدقائهم، من فقدوا في هذه الحرب شيئاً ملموساً، هم المعنيون أكثر بالاستمرار ورفض الرضوخ للموت المطلق، الذي يعني بالضرورة غياب الوجود، وهذا ما يذكرنا به ويعلمنا إياه بالأصل أبناء غزة المستمرين في إيجاد طريقهم نحو الحياة، على رغم استحالة هذا الأمر.

الالتزام بالقضيّة

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، اتجه كثيرون الى وضع التضامن مع فلسطين وقضية شعبها في قوالب محددة، سياسية واجتماعية، يتم التشكيك في مصداقية الخارج عنها، والطعن في حقه بالتضامن معها بما يتناسب مع قناعاته الفكرية، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مع الوقت ساحة مناوشات وتراشق اتهامات افتراضية، ونقاشات لا طائل منها حول صوابية هذا الشكل من التضامن وغيره من الأشكال، ومهزلة حوّلت معاناة الغزيين وأبناء الجنوب إلى محتوى يشاركه البعض فقط بهدف الاكتساب الاجتماعي و المهني والمادي.

يتحدث ناجي العلي في إحدى مقابلاته الشهيرة عن التزامه بالقضية الفلسطينية كونها قضية أكبر من كل الجموع، التزام يدرك معناه، ولا يحتاج بالضرورة إلى من يقيده بمعايير خاصة تمنحه الشرعية المنتظرة، مستبقاً بذلك إشكالية تجلت بشكل أكبر بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وطاولت حتى الغزيين ممن يرزحون اليوم بشكل مباشر تحت وطأة الإجرام الإسرائيلي، من دون الأخذ بالاعتبار أن من حق أي متأثر بهذه الحرب بشكل مباشر، الإدلاء برأيه الخاص نحوها، والتعبير بحرية مطلقة عن مشاعره واعتباراته ورؤيته التي قد لا تتوافق مع معايير من يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلكون القضية والتضامن معها، وهذا ينطبق على قضايا كثيرة أخرى، لا يستوجب التضامن معها، الاندراج تحت أي خانة أو مسمى أو جماعة.

وقوف كريستينا في يوم الاستهداف على الحدود، وصرختها التي دوّت في أرجاء المكان، وشهادتها على موت عصام عبدالله، وخسارتها ساقها، وعودتها مجدداً لتخليد اسم من رحلوا على الدرب نفسه، ومن أجل القضية نفسها، هي التزام خالص بالمهنة وبسموّها، المهنة التي لا تهرب من دعم قضية حق الشعب بالحياة في وجه الاحتلال، وقضية الصحافة كمهنة رسالتها الأولى والأخيرة وعلى الدوام: قول الحقيقة بأعلى صوت ممكن، ونقل صورة الواقع كما هو، والحديث عن الضحايا بوجه الجلادين وكل الظروف التي تجعل من هذا الشيء صعباً، وفي بعض الأحيان شبه مستحيل.

هذا الالتزام النزيه بالقضايا، الذي يذيب الأنا ويضيء على القضية، أياً كانت القضية، يدفعنا، كأفراد بالدرجة الأولى، وكصحافيين بالدرجة الثانية، إلى إعادة النظر والتمعن بالتزامنا بقضايانا، ومصداقيتنا فيه، وغايتنا منه، ويذكرنا بأن الإنسان هو القضية والرسالة، وبأنه ينبغي علينا أن نكون حريصين دائماً على فعل وقول ما يصب في هذه الغاية.

23.07.2024
زمن القراءة: 4 minutes

حملت كريستينا شعلة الصحافة بإسم عصام عبدالله، فرح عمر، وربيع المعماري، وأكثر من مئة صحافي فلسطيني قتلتهم إسرائيل بشكل مباشر أثناء آدائهم واجبهم المهني في توثيق مجريات الحرب ونقلها، بهدف التعتيم على جرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وحجب صورتها الحقيقية عن الرأي العام الدولي. 

على كرسي متحرّك، وبجسدها المتعب، وقدمها المبتورة، ودموعها التي انهمرت تلقائياً أثناء حديثها عن صديقها المصور في وكالة رويترز عصام عبدالله، وابتسامتها بين الحشود، قالت المصورة اللبنانية كريستينا عاصي كلمتها، من قلب فرنسا إلى العالم: “نحن أحياء، وسنكمل المسير”. خلفها كان يمشي زميلها في وكالة الصحافة الفرنسية الأميركي ديلان كولينز، الذي أصيب أيضاً في الاعتداء الإسرائيلي على الصحافيين في 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في جنوب لبنان، وقال كلمته هو الآخر: “لن نتوقف عن تذكير العالم بمن قضوا حتفهم في سبيل إيصال الكلمة”.

حملت كريستينا شعلة الصحافة بإسم عصام عبدالله، فرح عمر، وربيع معماري، وأكثر من مئة صحافي فلسطيني قتلتهم إسرائيل بشكل مباشر أثناء آدائهم واجبهم المهني في توثيق مجريات الحرب ونقلها، بهدف التعتيم على جرائمها المرتكبة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وحجب صورتها الحقيقية عن الرأي العام الدولي. 

بهذه المشهدية الرمزية، أكدت كريستينا للعالم أن هذه المهنة باقية، على رغم الاستهداف المتعمّد، والثمن الباهظ الذي يدفعه الصحافيون المحليون في غزة ولبنان، وكل العوائق والقيود والتحديات التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي في وجه من يشيرون بالإصبع الى وحشيته ويكذبون ادعاءاته أمام العالم.

تقول كريستينا إنها لم تكن يوماً تطمح الى أن يعرفها العالم بهذه الطريقة، إذ كانت تحلم بأن تُعرف بعملها لا بإصابتها، ولكن ما حدث قد حدث، وهذا بحد ذاته رسالةٌ أخرى، درسٌ في أصول المهنة ومعناها، فالصحافي ليس الخبر، والتسلق على الدم واستثمار الحرب لمكسب شخصي أو شهرة زائفة، هما إهانة لجوهر المهنة، وتنكّر لغايتها الأساسية التي تتركز بالأصل حول نقل الحقيقة وإعلاء صوت من لا صوت لهم، وإلقاء الضوء حول معاناتهم وما تمارسه أنظمة القتل على اختلافها من جرائم بحقهم، والتذكير الدائم بأحقيتهم بالعيش، أحراراً من كل أشكال الموت والقمع والعنف الممارس عليهم، والمطالبة بالعدالة الكاملة لكل المستضعفين والمظلومين والمقتولين ظلماً في هذا العالم.

الوقوف مجدداً

تؤكد كل التصريحات والممارسات أن هدف إسرائيل الأساسي من حرب الإبادة هو طرد الفلسطينيين ومنعهم من حقوقهم ومن إقامة دولتهم، من دون حساب للكلفة الإنسانية الباهظة والقضاء على معالم الحياة في غزة وكل الأراضي الفلسطينية.

وفي ظل سقوط كل القوانين الدولية وعجز الفصائل العسكرية الموجودة على أرض المعركة عن ردع  ماكينة الحرب الإسرائيلية عن ممارسة جرائمها الوحشية، فالتعويل الآن هو فقط على قدرة الشعوب على الاستمرار في العيش وابتكار الوسائل التي تمكّنها من ذلك، والتأقلم مع الواقع المفروض عليها حتى نهايته، ومعرفة إلى أين ستؤول الأمور بعد نهاية الحرب. 

 الصحافي كإنسان بالدرجة الأولى، معني بهذه الاستمرارية، وله في النهاية تحديد ماهيتها، سواء كان ذلك بمتابعة عمله، أو التخلي عنه والبحث عن سبل النجاة الممكنة، وهو ما يعانيه معظم الصحافيين في غزة، حيث يعيش كل واحدٍ وواحدة منهم ظروف الإنسان الغزاوي، الملزم بتأمين قوته اليومي وأمان نفسه وعائلته وملجأ يقيه من الموت.

أكدت كريستينا رغبتها في العودة إلى العمل، والوقوف التقاط الصورة وإكمال مشوارها المهني من حيث توقّف، على رغم إصابتها البليغة التي تجعل من العودة مساراً صعباً وطويلاً ومعقداً، لكنها في النهاية عازمة عليه، وهي بذلك تعلمنا جميعاً ألا نستسلم لما أرادته إسرائيل لنا، وأن نضع نصب أعيننا ما نؤمن به وما نسعى إليه أياً كان، وأن نتطلع دائماً إلى الغد الذي لأجله يحيا الإنسان.

الجرحى، ومن خسروا بيوتهم وأراضيهم وأرزاقهم، من فقدوا فرداً من عائلاتهم، واحداً من أصدقائهم، من فقدوا في هذه الحرب شيئاً ملموساً، هم المعنيون أكثر بالاستمرار ورفض الرضوخ للموت المطلق، الذي يعني بالضرورة غياب الوجود، وهذا ما يذكرنا به ويعلمنا إياه بالأصل أبناء غزة المستمرين في إيجاد طريقهم نحو الحياة، على رغم استحالة هذا الأمر.

الالتزام بالقضيّة

منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة وجنوب لبنان، اتجه كثيرون الى وضع التضامن مع فلسطين وقضية شعبها في قوالب محددة، سياسية واجتماعية، يتم التشكيك في مصداقية الخارج عنها، والطعن في حقه بالتضامن معها بما يتناسب مع قناعاته الفكرية، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مع الوقت ساحة مناوشات وتراشق اتهامات افتراضية، ونقاشات لا طائل منها حول صوابية هذا الشكل من التضامن وغيره من الأشكال، ومهزلة حوّلت معاناة الغزيين وأبناء الجنوب إلى محتوى يشاركه البعض فقط بهدف الاكتساب الاجتماعي و المهني والمادي.

يتحدث ناجي العلي في إحدى مقابلاته الشهيرة عن التزامه بالقضية الفلسطينية كونها قضية أكبر من كل الجموع، التزام يدرك معناه، ولا يحتاج بالضرورة إلى من يقيده بمعايير خاصة تمنحه الشرعية المنتظرة، مستبقاً بذلك إشكالية تجلت بشكل أكبر بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وطاولت حتى الغزيين ممن يرزحون اليوم بشكل مباشر تحت وطأة الإجرام الإسرائيلي، من دون الأخذ بالاعتبار أن من حق أي متأثر بهذه الحرب بشكل مباشر، الإدلاء برأيه الخاص نحوها، والتعبير بحرية مطلقة عن مشاعره واعتباراته ورؤيته التي قد لا تتوافق مع معايير من يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلكون القضية والتضامن معها، وهذا ينطبق على قضايا كثيرة أخرى، لا يستوجب التضامن معها، الاندراج تحت أي خانة أو مسمى أو جماعة.

وقوف كريستينا في يوم الاستهداف على الحدود، وصرختها التي دوّت في أرجاء المكان، وشهادتها على موت عصام عبدالله، وخسارتها ساقها، وعودتها مجدداً لتخليد اسم من رحلوا على الدرب نفسه، ومن أجل القضية نفسها، هي التزام خالص بالمهنة وبسموّها، المهنة التي لا تهرب من دعم قضية حق الشعب بالحياة في وجه الاحتلال، وقضية الصحافة كمهنة رسالتها الأولى والأخيرة وعلى الدوام: قول الحقيقة بأعلى صوت ممكن، ونقل صورة الواقع كما هو، والحديث عن الضحايا بوجه الجلادين وكل الظروف التي تجعل من هذا الشيء صعباً، وفي بعض الأحيان شبه مستحيل.

هذا الالتزام النزيه بالقضايا، الذي يذيب الأنا ويضيء على القضية، أياً كانت القضية، يدفعنا، كأفراد بالدرجة الأولى، وكصحافيين بالدرجة الثانية، إلى إعادة النظر والتمعن بالتزامنا بقضايانا، ومصداقيتنا فيه، وغايتنا منه، ويذكرنا بأن الإنسان هو القضية والرسالة، وبأنه ينبغي علينا أن نكون حريصين دائماً على فعل وقول ما يصب في هذه الغاية.

23.07.2024
زمن القراءة: 4 minutes
|
آخر القصص
“يا ريت” يمكن تغيير الواقع بخطاب لنعيم قاسم!
حسن عباس - كاتب وصحافي لبناني | 23.04.2025
روما تتسلّم “شعلة” التفاوض من مسقط
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 23.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية