fbpx

“كشافة المهدي”: وقائع تجنيد ميليشيات إيرانية الأطفال في سوريا ولبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“بدأوا بطرح الموضوع علينا، إذا كنا نرغب بتعلم استخدام السلاح أم لا، وإذا كنا نرغب بتعلم فك السلاح وتركيبه في فترة قصيرة”. هذه الأسئلة وسواها باتت تُطرح على جميع المنتسبين إلى “كشافة المهدي”، بغرض إغراء الأطفال واستثارة فضولهم لحمل السلاح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
رقية العبادي (سوريا) – فاطمة عثمان (لبنان)
إشراف: زينة ارحيم

يكشف هذا التحقيق تدريب الأطفال على السلاح ضمن معسكرات إيرانية مغلقة في سوريا ولبنان تحت اسم “كشافة الإمام المهدي”، والتي تستخدم جسراً للانضمام إلى الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، على رغم أن الكشافة تروّج أنها تقوم بأنشطة تربوية وتعليمية ودينية للأطفال. 

ويرصد التحقيق معسكرات “كشافة الإمام المهدي” التي يلتحق بها الأطفال، وأسماء المسؤولين المحليين والإيرانيين عن هذه المعسكرات، من خلال مقابلات حصرية أجريناها مع أطفال من الكشافة وعائلاتهم، وأساتذة شهدوا على جذب الأطفال إليها، إضافة إلى قادة ومنتسبين إلى هذه الكشافة.

لا يكسب الفتيان قوتهم جراء انضمامهم إلى “كشافة الإمام المهدي” الإيرانية في سوريا وحسب، بل ويتهربون بها من خدمة الجيش الإلزامية ضمن صفوف قوات الجيش السوري. فما هي “كشافة المهدي”؟ وما الدور الذي تلعبه في رفد الميليشيات الإيرانية بالمقاتلين؟

فتيان “الإمام المهدي” 

في أواخر عام 2018، انضم مصطفى (19 سنة)، إلى “كشافة الإمام المهدي”، من طريق شبان يعرفهم في بلدة “حطلة” في ريف دير الزور الشمالي، وكان عمره وقتها 16 سنة. 

أهالي بلدة حطلة من الطائفة الشيعية، كانوا فروا إلى مناطق النظام بعد معارك نشبت في البلدة مع المعارضين المسلحين في حزيران/ يونيو 2013، ليعودوا إليها مع دخول الميليشيات الإيرانية إلى دير الزور أواخر 2018، وكان على رأسهم عضو مجلس الشعب محمد أمين الرجا، الذي بدأ يستقطب عدداً من الشباب ويضمهم إلى صفوف “حزب الله” السوري ولواء “الفاطميون”.

مصطفى كان ضمن المجموعة الأولى من الأطفال الذين انضموا إلى “كشافة الإمام المهدي”، عندما بدأ نشاطها في دير الزور، وذلك بعد قرابة سنة من هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في مدينة البوكمال وسيطرة قوات النظام السوري على المحافظة.

وبدأت الكشافة آنذاك تجذب الأطفال المقربين من الأشخاص المعروفين لدى القادة الإيرانيين، وأقرباء المنتسبين إلى الحرس الثوري الإيراني، ولهذا احتاج مصطفى إلى وساطة من أصدقائه في حطلة، وانضم إلى “كشافة الإمام المهدي” في حي العمال في مدينة دير الزور، وفيه يقع المركز المخصص للنوم والطعام. أما تدريبه فكان في كلية الهندسة الإلكترونية في شارع بورسعيد، والتي تُعتبر الآن مقر الميليشيات الباكستانية، أو ما يسمى لواء “الزينبيون”، المدعومة من إيران. 

أمضى مصطفى ثلاثة أشهر في هذا المعسكر العقائدي، حيث تلقى دروساً دينية على أيدي معلمين إيرانيين يُسمّون “المُعمّمون”، إضافة إلى التدريبات الرياضية. يقول مصطفى “كانوا يتحدثون كثيراً عن معارك الحسين وآل البيت، وعن معركة (الطف) التي قتل فيها الإمام الحسين، وعن الإمام علي، ما جعلني أتأثر كثيراً… ولأنني كنتُ صغيراً، غيّرتُ طائفتي من السنية إلى الشيعية”.

فتيات الكشافة و”نجمات البتول”

لم يقتصر جذب الأطفال إلى صفوف “كشافة الإمام المهدي” على الذكور فقط، فقد استطاعت الحركة جذب مئات الفتيات في سوريا ولبنان.

منهن ريّان، وهي لبنانية في العشرين من عمرها، انضمت إلى صفوف “كشافة المهدي” حين كان عمرها أربع سنوات فقط، وبقيت فيها إلى أن بلغت الثامنة عشرة. تقول ريان إن الأجواء “التشاركية والجماعية” هي التي شجعتها على الانتساب إلى الكشافة، بعد تشجيع من والدتها، مضيفة “جو الكشافة يشبه الالتزام الديني داخل عائلتي، وهو ما دفعني إلى البقاء في الكشافة”.

تتنوع أنشطة الفتيات داخل الكشافة، وتختلف نوعاً ما عن أنشطة الذكور فيها، عن هذا تشرح ريّان قائلة، “كانت من أبرز مهمات الفتيات جمع المواد الغذائية وتوزيعها، والخضوع للدورات الدينية والثقافية، والمشاركة في النشاطات الدينية ومسيرات عاشوراء… إلا أننا كنا نتجنب النشاطات السياسية”.

وقدّمت الكشافة للفتيات نشاطاتٍ أخرى منها ما يُسمّى “نجمات البَتول”، وهو مشروع يهدف إلى “تعزيز الالتزام والسلوك الإيماني والشرعيّ لدى الفتيات، الذي يمهّد للارتقاء إلى مرحلة نجمات البتول (وهو من ألقاب فاطمة الزهراء)، بحسب ريان،. هذا إضافة إلى الأنشطة الصيفية والأشغال اليدوية والرحلات الترفيهية، لزيارة مقام السيدة زينب في دمشق.

يشير يوسف، وهو أحد قادة “كشافة الإمام المهدي” في لبنان، فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، إلى أن المعسكرات تتضمن أنشطة مختلفة، كالزراعة وتنظيف الشواطئ والشوارع، إضافة إلى نشاطات تدخل ضمن نطاق علم النفس، مضيفاً “تعمل الكشافة على سلوكيات المنتسبين وأخلاقياتهم من الناحيتين النفسية والدينية، إلى جانب العمل على بناء قدرات المنتسبين في التعاطي مع المجتمع من خلال المسرح والخطابة والفرق الموسيقية والإنشادية”.

بدأ يوسف عمله الكشفي قبل 8 سنوات في فئة الجوالة، ثم أصبح قائداً فيها، وعن مراكز الكشافة في لبنان، يقول إن “كشافة الإمام المهدي” ليس لها مركز ثابت في المناطق، إلا أن المركز الرئيسي يقع في منطقة بئر حسن، قرب ضاحية بيروت الجنوبية، معقل “حزب الله” اللبناني، وينكر في الوقت ذاته وجود أي رابط بين تجنيد الأطفال من قبل “حزب الله” و”كشافة الإمام المهدي”، كذلك ينفي وجود أي تدريب على السلاح فيها.

“محو أمّية”… السلاح

مرت ثلاثة أعوام على انضمام مصطفى إلى “كشافة الإمام المهدي” في دير الزور، خضع خلالها لتدريبات في معسكرات مغلقة مع حوالى 25 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 14 و18 سنة. تلقى مصطفى ورفاقه دروساً عملية ونظرية حول استخدام السلاح، إضافة إلى التمرينات الرياضية والدروس الدينية والعقائدية.

يقول مصطفى إنه لم تكن هناك معسكرات للتدريب على السلاح في البداية، لكن الوضع تطور بعد ذلك. “بدأوا بطرح الموضوع علينا، إذا كنا نرغب بتعلم استخدام السلاح أم لا، وإذا كنا نرغب بتعلم فك السلاح وتركيبه في فترة قصيرة”. هذه الأسئلة وسواها باتت تُطرح على جميع المنتسبين إلى “كشافة المهدي”، بغرض إغراء الأطفال واستثارة فضولهم لحمل السلاح.

 ويضيف: ” تخيلي أن طفلاً عمره 14 سنةيحمل قاذف آر بي جي”. 

وهناك من ينتسب بشكل مباشر إلى صفوف الحرس الثوري حيث تنتشر مراكز الانتساب، لكن اشترط الحرس أن يكون الطفل من عمر 16 حتى 20 سنة، إضافة إلى وجود كفيل من طرف الطفل (عائلته) يوقع على عقد مع الحرس، بعد انتساب الفتى للحرس الثوري والميليشيات التابعة له. 

يؤكد سامر (لبناني، 26 سنة)، ما قاله لنا مصطفى عن معسكرات التدريب على حمل السلاح، فهو أيضاً كان ضمن صفوف “كشافة الإمام المهدي” لكن في لبنان. وانتسب سامر للكشافة عام 2003، وكان يبلغ حينها 8 سنوات، واستمر في الكشافة حتى الثامنة عشرة. ويشير سامر إلى  أن “محو الأمية” هو الاسم الذي كانوا يطلقونه على عملية تدريب المنتسبين على كيفية استعمال الأسلحة الخفيفة، مضيفاً “تقوم الكشافة بذلك تيمّناً بما قاله السيد موسى الصدر: السلاح زينة الرجال، عندما كان الجنوب اللبناني تحت الاحتلال الإسرائيلي”.

ويوضح سامر أن “محو الأمية” لا يتعدى التدريب على “إطلاق ثلاث أو أربع طلقات لا أكثر،” بحسب قوله، ما يعطي الأطفال فكرة عن كيفية استخدام السلاح ويشجعهم عليه، لينضموا لاحقاً إلى ما يسمونه “درب الجهاد”. ويؤكد سامر أن “محو الأمية” هذا ليس فرضاً على المنتسبين إنما “اختياري”.

وتستخدم الكشافة في عمليات التدريب أسلحة خفيفة، مثل الكلاشنيكوف ورشاش PKC، ويستخدم القائمون على التدريبات العملية ودياناً تتركز معظمها في منطقة البقاع اللبناني، لأن تلك المناطق “تضمن عدم سماع الأصوات”، بحسب سامر.

سافر سامر إلى أفريقيا عندما غادر الكشافة، بعد اصرار والديه على ذلك، خوفاً من انخراطه في صفوف مقاتلي “حزب الله” من جهة، وبسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان من جهة أخرى.

إقرأوا أيضاً:

نشأة وتأسيس

لـ”كشافة الإمام المهدي” تاريخ في المنطقة، إذ نشأت بدايةً في لبنان في أيار/ مايو 1985. وصدّرت الحركة نفسها باعتبارها “حركة تربوية وتعليمية” تُقدم أنشطة ترفيهية لمنتسبيها، تحت شعار “المساعدة في بناء عالم أفضل”. واستمرت الحركة في عملها الترويجي حتى نالت ترخيصاً من وزارة التربية اللبنانية عام 1992 بالقرار رقم 563، وحصلت على اعتراف المنظمة العالمية للحركة الكشفية عام 1998.

وتعود تسمية الكشافة إلى محمد بن الحسن المهدي، الذي يعتقد أحد مذاهب الطائفة الشيعية أنه المتمم لسلسلة الأئمة، ويُشار إلى أن تأسيس “كشافة الإمام المهدي” يدين في جزء كبير منه إلى “حزب الله” اللبناني. وقد أشار المحلل السياسي اللبناني الخبير في شؤون “حزب الله”، طلال عتريسي في مقابلة أجراها مع صحيفة “نيويورك تايمز” في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، إلى صلة كشافة الإمام المهدي بالحزب. وقال “إنها منظومة متكاملة، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات… والهدف هو تهيئة جيل يحمل معتقدات دينية راسخة ومقرّب من حزب الله”.

أما في سوريا، فقد أسس القياديّ في الحرس الثوري الايراني حسن خوش نويس الملقب بحسن شاطري منظمة “كشافة الولاية سوريا” عام 2012، والتي باتت تُعرف لاحقاً باسمها الشائع، “كشافة الإمام المهدي”.

وفي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تم الإعلان رسمياً عن افتتاح فرع لـ”كشافة الإمام المهدي” في دير الزور، بعد مضي ما يقارب العام على عملها، وإضافة إلى عائلات الأشخاص المقربين من الحرس الثوري الإيراني، بدأت الكشافة عملها باستقطاب طلاب المدارس الحكومية.

استهداف المدارس الحكومية

بالتعاون مع المركز الثقافي الإيراني واتحاد طلبة شبيبة الثورة التابع للنظام السوري، استهدفت “كشافة الإمام المهدي” المدارس الحكومية في دير الزور، وتعمد الكشافة إلى إرسال مندوبين عنها إلى المدارس للترويج عن الأنشطة التي تقوم بها، وتجذب الأطفال للانضمام لصفوفها عبر المسابقات والجوائز والرحلات الترفيهية. 

يقول علي (34 سنة) وهو معلّم في إحدى مدارس مدينة الميادين الحكومية “بعد عودة المدارس تدريجياً بداية 2019، بدأ المركز الثقافي الإيراني ينشط في المدارس بالتعاون مع منظمة طلائع البعث في الميادين، وكانت نشاطاتهم واضحة جداً، وهي تقديم الأموال، القرطاسية، الطعام، إضافة إلى تنظيم رحلات مدرسية ومهرجانات ترفيهية ضمن المدارس”. 

و في نيسان/ أبريل 2019، كان الظهور الأول لشخصيات إيرانية ضمن الزيارات التي تقوم بها “كشافة الإمام المهدي” إلى المدارس، تزامناً مع فتح باب الانتساب إلى الحرس الثوري الإيراني. تزامن ذلك أيضاً مع الإعلان عن نشاطات “كشافة الأصدقاء سوريا”، أو “كشافة المهدي”، في المعسكر الترفيهي الخامس في مدرسة “زبيدة” الابتدائية، الذي حضره الحاج صادق الإيراني، المسؤول عن المركز الثقافي الإيراني في دير الزور.

وذلك بحضور ساهر الصكر ممثل فرع “الحزب البعث”، والحاج جواد لبناني الجنسية، إضافة إلى قيادي عسكري عراقي الجنسية يدعى الحاج عبد الفتاح. وكان بين الحضور أيضاً قياديون في الميليشيات المحلية التابعة الحرس الثوري الإيراني، مثل بسام السطام، المسؤول عن الانتساب إلى الميليشات الإيرانية، وعدنان السعود أبو العباس، الملقب بـ”زوزو”، وهو قائد ميليشيات أبو الفضل العباس في دير الزور.

لم تكن تلك الزيارة الأولى أو الأخيرة لهذا الوفد، بل تكررت الزيارات إلى مدارس “الحسن” و”زبيدة” و”ابن سينا” في الميادين، إذ تحدث القادة عن أهمية توعية الأطفال بخطورة “الإرهاب الوهابي” وعن الجهاد والشهادة والمقاومة ضد الإرهاب. 

يقول علي: “دُعيتُ إلى إعطاء دروس دينية وعلوم وحساب في المركز الثقافي الإيراني، براتب مغرٍ جداً، نحو 100 ألف ليرة سورية شهرياً، فعملت أربعة أشهر بشكل شبه يومي”، مضيفا “وكان الأطفال حينها يذهبون إلى التدرب على القتال يومي الجمعة والسبت، في منطقة المزرعة قرب قلعة الرحبة، ومنطقة عين علي”.

وإضافة إلى المركز الثقافي الإيراني لدى “كشافة الإمام المهدي” في مدينة الميادين “مركز النور الساطع” وهو أول مراكزها في المدينة والأشهر. وإلى جانب الاستهداف الدعائي، تستخدم “كشافة المهدي” أيضاً خمس مدارس في المحافظة كمعسكرات مغلقة هي مدرسة “البنات الأولى” وكلية الهندسة الإلكترونية في مدينة دير الزور، “مدرسة الصناعة” في الميادين والعشارة و”المعري” في البوكمال.

معسكرات التدريب

أقامت “كشافة الإمام المهدي” في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو 2019، معسكرات مغلقة في بادية الميادين، تدربت فيها الدفعة الأولى من الأطفال على السلاح وضمت قرابة 50 طفلاً. وبعد قبولهم في صفوف الحرس الثوري الإيراني كمقاتلين عبر الكشافة، أعطي كل طفل بطاقة خاصة وراتباً شهرياً قدره 50 ألف ليرة سورية.

ثم تكررت هذه المعسكرات المغلقة في مزار عين عليّ، مزارع الميادين، وحسينية التمور في مدينة الميادين. والتحق بالتدريبات البدنية عشرات الأطفال الذين بلغت أعمارهم بين 12 و14 سنة. أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 15 سنة، فكان يتم تدريبهم على السلاح لينضموا بعدها إلى صفوف الميليشيات الإيرانية، بحسب علي.

ويشير يوسف قائد “كشافة الإمام المهدي في لبنان”، إلى أن الجمعية كانت تقوم بزيارات وتنظم معسكرات في سوريا والعراق حتى قبل بداية الحرب السورية، كما يؤكد ارتباط الكشافة في سوريا بكشافة الإمام المهدي في لبنان “لتبادل الخبرات بين الكشّافين”. لكن المفوض العام للكشافة في لبنان، ماهر قمر، نفى هذا مشيراً إلى “عدم وجود أي رابط  لكشافة الإمام المهدي مع الكشافة التي تحمل الاسم عينه في سوريا والعراق”.

ورفض قمر الإجابة على أسئلتنا حول تدريب المنتسبين إلى الكشافة على السلاح.

أما يوسف، وعلى رغم عدم نفيه اتباع كشافة الإمام المهدي “نهج المقاومة”، إلا أنه يصرّ على أن هذا ليس دليلاً على تدريبها الأطفال على السلاح، ويقول: “لو أننا نفعل هذا، لكانت الولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات على مؤسسة جمعية كشافة الإمام المهدي كغيرها من المؤسسات التي تواجه عقوبات أميركية”.

ويتفاخر القائد بأن عدد العاملين في “كشافة الإمام المهدي في لبنان”، بين قادة ومسؤولين ومنتسبين، يقارب 80 ألفاً، مضيفاً أن عمل الكشافة هو “عمل تربوي واجتماعي يسعى إلى تنمية الناشئة على فكر مهدوي إسلامي”، وأن عمل القادة فيها “تطوعي”، ويقدّمون كل المستلزمات على نفقتهم الخاصة.

استغلال الأطفال

استطاع  المسؤولون في “كشافة الإمام المهدي” و”المركز الثقافي الإيراني” استقطاب الأطفال بشكل كبير في دير الزور، مستغلين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، بعد المعارك الطاحنة بين النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

واستطاعت إيران توطيد وجودها من خلال أنشطة مدنية، كإعادة تأهيل بعض البنى التحتية من شوارع وحدائق، إضافة إلى “الغزو الاجتماعي” عبر المراكز الثقافية الإيرانية وامتداداتها في مناطق نفوذها غرب الفرات.

يقول الأستاذ محمد (42 سنة) وهو مدرس في المرحلة الابتدائية من دير الزور “عمل المراكز الثقافية الإيرانية لا يختلف كثيراً عن عمل مراكز الكشافة التي تُعنى باحتضان الأطفال وتربيتهم وفقاً لرؤية النظام الإيراني وعقائده، وهي  تهدف إلى بسط نفوذ إيران على الشرق الأوسط، ليس عسكرياً فحسب، إنما دينياً ومذهبياً كذلك”.

ويشير محمد إلى وجود ثلاثة مراكز للكشافة في دير الزور عند بداية العمل الثقافي الإيراني، توزعت على شكل مراكز رعاية للأطفال في المدينة والبوكمال والميادين، وأنها كانت تقدم الرعاية للأطفال دون الخامسة عشرة. 

ويوضح المُدرّس علي المغريات التي كانت تقدم للأطفال من طريق الكشافة، قائلاً “يعطي المسؤولون في مركز الكشافة الأطفال وصول تسجيل يعطونها لعائلاتهم ليحضروا إلى مقر المركز، هناك عدد كبير من الأهالي استجابوا لهذه الدعوات، وذهبوا واستمعوا للمسؤولين، وبعدها وافقوا على إدخال أبنائهم ضمن هذه المراكز، وذلك بعد إغرائهم براتب شهري. كما كان هناك مدرسون متخصصون في جميع المجالات لتعليم أولادهم الذين كان يحق لهم التسجيل للشهادة الإعدادية من طريق المركز، وهو بدوره كان يتكفل بذلك (مصاريف التسجيل)… لكن معظم هؤلاء الأطفال اتجهوا بعد التسجيل في الكشافة إلى الأمور العسكرية”. 

عندما سألنا مصطفى عن السبب الذي دفعه للانتساب إلى كشافة المهدي، ثم الانضمام إلى الميلشيات الإيرانية، أجاب: “السبب الأول هو الحياة المعيشية المأساوية. والسبب الثاني، الأهم، هو الخوف من بطش النظام ومخابراته، والخوف من الخدمة العسكرية، والتقارير الكيدية التي يرفعها الناس ضد بعضهم بعضاً لفروع الأمن”. يتردد مصطفى قليلاً ثم يضيف: “وهناك راتب مُغرٍ من الحرس الثوري، وأيضاً بطاقة عدم التعرض، التي هي سلطة بحد ذاتها”. 

و بطاقة عدم التعرض يحملها جميع المنتسبين ضمن الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، تحمل اسم المنتسب وتوقيع قائد اللواء الذي يتبعه وختمه، ويكتب عليها “يسمح للأخ المجاهد بالدخول والخروج في أي وقت، وعدم التعرض له من أي جهة امنية وتسهيل مهمته ومؤازرته إن لزم الأمر”. 

يضيف مصطفى أن عائلته تخاف عليه من ميليشيات الدفاع الوطني، التابعة للنظام السوري، ومن خلايا “داعش”. كما أن الميليشيات المحلية التابعة للنظام السوري لا تستطيع تهديده، لأنه منتسب إلى الحرس الثوري الإيراني، والأخير معروف بأنه أقوى سلطة موجودة في المنطقة، “وأنا أملك هذه السلطة”.

من جهة أخرى، هناك ميزات خاصة تقدم للأطفال الذين يتم إرسالهم من طريق الكشافة للتطوع ضمن صفوف الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، منها يقول مصطفى “عقد لا نعرف عنه شيئاً وهو عبارة عن ورقة نوقعها مع مسؤول ذاتية الحرس الثوري، ونعلم عنها فقط مدة العقد وهي ستة أشهر. كما لا نحصل على العقد أبداً ونتلقى راتباً شهرياً قدره 160 ألف ليرة سورية”. وأيضاً يستطيع الأطفال وفق الاتفاق استكمال دراستهم في الجامعات الإيرانية واللبنانية، إلا أن مسؤولي الكشافة والمركز الثقافي الإيراني لم يلتزموا بوعودهم للأطفال، واقتصر الأمر على إغراء الأطفال بالسلاح حتى يتركوا دراستهم ويركزوا على القتال. 

في المقابل، لا يحق للمنتسب العادي إلى الميليشيات الإيرانية الحصول على أي بعثة دراسية، كما يعامل معاملة سيئة، ويهدد بالسحب للخدمة الإلزامية لدى النظام السوري إذا لم يقم بتجديد عقده مع اللواء الذي يخدم فيه لدى الحرس الثوري.

أطفال الميليشيات العشائرية 

تتنوع الميليشيات المدعومة إيرانياً التي تحاول استقطاب الأطفال الخريجين من معسكرات كشافة المهدي، فقد نجحت إيران في إقناع عشائر عدة بإنشاء ميليشيات محلية تابعة للحرس الثوري الإيراني بعدما دعت بدعوة شيوخ هذه العشائر والوجهاء إلى اجتماعات في طهران، كان أولها في 3 آب/ أغسطس 2018، وذلك بهدف جذبهم إلى صفها وبناء حاضنة شعبية لها في هذه المنطقة.

من هذه العشائر، عشيرة “المشاهدة” في البوكمال، وقد ادّعت إيران أن نَسب المشاهدة يعود إلى مدينة مشهد الإيرانية، وهذا ما أقنعهم بتشكيل الفوج 47 في البوكمال باسم “لواء الهاشميون”، بقيادة يوسف محمود الحمدان أبو عيسى، وعلى إثر ذلك، منحت إيران العشيرة شهادة “نسب إلى آل البيت”.

يقوم الفوج 47 في البوكمال بتسجيل المنتسبين إليه من أبناء المنطقة وضمهم إلى صفوف الحرس الثوري الإيراني. كما أنه يستقبل مراجعين من الأهالي لتقديم الشكاوى. وبعيداً من الأضواء، قام المكتب أيضاً بتسجيل انتساب حوالى 200 طفل من مدينة البوكمال وريفها، تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة، تحت مسمى “كشافة الفوج 47”. أقيمت لهؤلاء الأطفال حتى الآن 6 معسكرات تدريبية، استطعنا التحقق من المراكز الثلاثة الأخيرة، التي تم إنشاؤها (في كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل وتموز عام 2020). 

كانت مدة كل معسكر 20 يوماً، يُعطى الأطفال دروساً دينية وعقائدية، إضافة إلى دروس عسكرية نظرية وتدريب عملي على السلاح والرمي في بادية البوكمال، تحت إشراف لواء “الفاطميون” الأفغاني. وبعد الانتهاء من المعسكر، ينتسب المتخرجون من المعسكر إلى اللواء نفسه، بعقود مدتها ستة أشهر قابل للتجديد.

المعارض السابق نواف البشير كان على رأس الوجهاء والشيوخ، والذين زاروا طهران عام 2017، وعاد ليشكل بعدها “لواء الباقر”، الذي يضم في غالبيته أبناء عشيرة “البقّارة”، التي تدّعي إيران أنهم من الطائفة الشيعية ويعودون بنسبهم إلى الإمام الباقر. ويتبع لواء الباقر للحرس الثوري الإيراني، ويُقدّر عدد مقاتليه بألف شخص. ويقبل اللواء الأطفال ضمن صفوفه من دون أي شروط مسبقة، ويعاملون معاملة المقاتل العادي.

أما في ريف دير الزور الغربي، فيتولى الشيخ منهل الفياض، شيخ عشيرة البوسرايا في قريتَي المسرب والخريطة، تقديم الإغراءات للشباب من أبناء عشيرته. ويقول الأهالي إنه ساهم في انتساب المئات منهم إلى صفوف الحرس الثوري الإيراني. 

وقود المعارك

قُتل عشرات الأطفال من كشافة الإمام المهدي بعيد انضمامهم للميليشيات في المعارك الدائرة في سوريا خلال السنوات الماضية، منهم من نُعي بشكل رسمي، وآخرون سُلّموا لذويهم أو دفنوا بشكل سري.

في تموز 2017، نظّم “حزب الله” اللبناني وقفة تأبين للطفل مهدي أبو حمدان، الذي قُتل في سوريا وكان عمره حينها 17 سنة. خلال حفل التأبين، عُرضت وصية أبو حمدان لذويه وأصدقائه، ومن خلال متابعة صفحات أصدقائه على شبكات التواصل الاجتماعي، تبيّن أنه كان منتسباً إلى “كشافة المهدي”.

وبرّر نائب الأمين العام لـ”حزب الله”، نعيم قاسم، تجنيد الطفل أبو حمدان بأن “التكليف الشرعي” لدى الطائفة الشيعية يبدأ منذ الخامسة عشرة، “عند بلوغ الفتى”، مضيفاً: “أهل أبو حمدان وقّعوا على قبولهم بانتسابه وتوجهه إلى سوريا للقتال في صفوف حزب الله”.

وفي المناسبة نفسها، أعلن “حزب الله” أيضاً مقتل الطفل محمد حسين الهق، من بلدة الكواخ البقاعية. وكان الهق حينها في السابعة عشرة. بُعيد مقتله بأيام، صدرت نتائج الثانوية العامة وكان الهق ناجحاً. 

وفي سوريا وتحديداً في 19 كانون الثاني/ يناير 2020، توفي الطفل محمود سفيان الصلفيج (15 سنة) في انفجار لغم أرضي في بادية الميادين، وكان برفقته محمد أحمد الهلبي (13 سنة) وعدي الحنان (16 سنة). كان الثلاثة من طلاب مدرسة الحسن الحلقة الثانية في مدينة الميادين، وكانوا قد انتسبوا إلى “كشافة الإمام المهدي” أواسط عام 2019. كان محمود خضع لامتحانات الصف الإعدادي التاسع عام 2019، لكن الحظ لم يحالفه في الدراسة، ولا الحياة.

ويعاقب القانون الدولي المجموعات والمنظمات التي تستخدم الأطفال في المعارك، بما في ذلك تجنيدهم وتدريبهم على السلاح. و”يُعتبر ذلك جريمة وفقاً للقانون الجنائي الدولي”، كما يشرح الدكتور في القانون الدولي، المحامي طارق شندب.

وتحظر اتفاقية حقوق الطفل، التي وقعت عليها معظم دول العالم عام 1989، تجنيد الأطفال دون سن 15 عاماً وتدريبهم على السلاح. وتنص المادة 38 من الاتفاقية على أن الدول الأطراف في الاتفاقية “تتعهد بأن تحترم قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة عليها في النزاعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.”

كما “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألا يشارك الأشخاص الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة، بشكل مباشر في الحرب،” وفقاً للمادة ذاتها، التي لاقت انتقاداً حينها بسبب السماح بتجنيد من يبلغون الـ15 سنة وما فوق، كون القاصر في كثير من دول العالم هو كل طفل دون الثامنة عشرة.

في كانون الثاني 2000، اعتمدت مجموعة العمل التابعة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أيضاً نص مشروع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يطالب الدول الموقعة على الاتفاقية بضمان عدم تجنيد الأطفال تحت الـ18 سنة. وقد وقعت إيران على البروتوكول في 21 أيلول/ سبتمبر 2010 لكنها لم تصادق عليه. 

أخيراً، يُعتبر تدريب الأطفال على السلاح واستخدامهم مناقضاً لمبادئ “اتفاقية باريس ومبادئها التوجيهية بشأن الاطفال المرتبطين بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة”، وكذلك “التزامات باريس بحماية الأطفال من التجنيد أو الاستخدام غير المشروع”. وقد تم اعتماد الوثيقتين رسمياً من قبل 58 دولة في شباط/ فبراير 2007. 

“لا أستطيع تركهم”

انتظر اللورد بادن باول، مؤسس الحركة الكشفية، 19 عاماً قبل أن يحقق حلمه بانتشار فكرة الكشافة في العالم والاعتراف بها عالمياً. لكنه لم يكن ليتصور أن اسم الكشافة سيُستخدم لتجنيد الأطفال ضمن ميليشيات في واحدة من أعنف الحروب في التاريخ الحديث. 

ضحك مصطفى (19 سنة) حين سألناه عن إمكان تركه للسلاح، وقال: “لا أستطيع ترك الحرس الثوري متى أريد، لأنني عندما أغادر، سيأخذني جيش النظام للخدمة الإلزامية، وأنا لم ألتحق بجيش النظام كي لا أذهب إلى الخدمة في محافظات أخرى.. أما مع الحرس الثوري، فتبقى خدمتنا ضمن قريتي”. 

“لا أفكر بما يحدث لنا في المستقبل،” يقول أخيراً. “أنا وجميع المتطوعين ضمن الحرس الثوري، كلنا في الهوا سوا”. 

ينشر هذا التحقيق بدعم من مشروع أضواء.

إقرأوا أيضاً:

"درج"
لبنان
06.05.2021
زمن القراءة: 15 minutes

“بدأوا بطرح الموضوع علينا، إذا كنا نرغب بتعلم استخدام السلاح أم لا، وإذا كنا نرغب بتعلم فك السلاح وتركيبه في فترة قصيرة”. هذه الأسئلة وسواها باتت تُطرح على جميع المنتسبين إلى “كشافة المهدي”، بغرض إغراء الأطفال واستثارة فضولهم لحمل السلاح.

رقية العبادي (سوريا) – فاطمة عثمان (لبنان)
إشراف: زينة ارحيم

يكشف هذا التحقيق تدريب الأطفال على السلاح ضمن معسكرات إيرانية مغلقة في سوريا ولبنان تحت اسم “كشافة الإمام المهدي”، والتي تستخدم جسراً للانضمام إلى الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، على رغم أن الكشافة تروّج أنها تقوم بأنشطة تربوية وتعليمية ودينية للأطفال. 

ويرصد التحقيق معسكرات “كشافة الإمام المهدي” التي يلتحق بها الأطفال، وأسماء المسؤولين المحليين والإيرانيين عن هذه المعسكرات، من خلال مقابلات حصرية أجريناها مع أطفال من الكشافة وعائلاتهم، وأساتذة شهدوا على جذب الأطفال إليها، إضافة إلى قادة ومنتسبين إلى هذه الكشافة.

لا يكسب الفتيان قوتهم جراء انضمامهم إلى “كشافة الإمام المهدي” الإيرانية في سوريا وحسب، بل ويتهربون بها من خدمة الجيش الإلزامية ضمن صفوف قوات الجيش السوري. فما هي “كشافة المهدي”؟ وما الدور الذي تلعبه في رفد الميليشيات الإيرانية بالمقاتلين؟

فتيان “الإمام المهدي” 

في أواخر عام 2018، انضم مصطفى (19 سنة)، إلى “كشافة الإمام المهدي”، من طريق شبان يعرفهم في بلدة “حطلة” في ريف دير الزور الشمالي، وكان عمره وقتها 16 سنة. 

أهالي بلدة حطلة من الطائفة الشيعية، كانوا فروا إلى مناطق النظام بعد معارك نشبت في البلدة مع المعارضين المسلحين في حزيران/ يونيو 2013، ليعودوا إليها مع دخول الميليشيات الإيرانية إلى دير الزور أواخر 2018، وكان على رأسهم عضو مجلس الشعب محمد أمين الرجا، الذي بدأ يستقطب عدداً من الشباب ويضمهم إلى صفوف “حزب الله” السوري ولواء “الفاطميون”.

مصطفى كان ضمن المجموعة الأولى من الأطفال الذين انضموا إلى “كشافة الإمام المهدي”، عندما بدأ نشاطها في دير الزور، وذلك بعد قرابة سنة من هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في مدينة البوكمال وسيطرة قوات النظام السوري على المحافظة.

وبدأت الكشافة آنذاك تجذب الأطفال المقربين من الأشخاص المعروفين لدى القادة الإيرانيين، وأقرباء المنتسبين إلى الحرس الثوري الإيراني، ولهذا احتاج مصطفى إلى وساطة من أصدقائه في حطلة، وانضم إلى “كشافة الإمام المهدي” في حي العمال في مدينة دير الزور، وفيه يقع المركز المخصص للنوم والطعام. أما تدريبه فكان في كلية الهندسة الإلكترونية في شارع بورسعيد، والتي تُعتبر الآن مقر الميليشيات الباكستانية، أو ما يسمى لواء “الزينبيون”، المدعومة من إيران. 

أمضى مصطفى ثلاثة أشهر في هذا المعسكر العقائدي، حيث تلقى دروساً دينية على أيدي معلمين إيرانيين يُسمّون “المُعمّمون”، إضافة إلى التدريبات الرياضية. يقول مصطفى “كانوا يتحدثون كثيراً عن معارك الحسين وآل البيت، وعن معركة (الطف) التي قتل فيها الإمام الحسين، وعن الإمام علي، ما جعلني أتأثر كثيراً… ولأنني كنتُ صغيراً، غيّرتُ طائفتي من السنية إلى الشيعية”.

فتيات الكشافة و”نجمات البتول”

لم يقتصر جذب الأطفال إلى صفوف “كشافة الإمام المهدي” على الذكور فقط، فقد استطاعت الحركة جذب مئات الفتيات في سوريا ولبنان.

منهن ريّان، وهي لبنانية في العشرين من عمرها، انضمت إلى صفوف “كشافة المهدي” حين كان عمرها أربع سنوات فقط، وبقيت فيها إلى أن بلغت الثامنة عشرة. تقول ريان إن الأجواء “التشاركية والجماعية” هي التي شجعتها على الانتساب إلى الكشافة، بعد تشجيع من والدتها، مضيفة “جو الكشافة يشبه الالتزام الديني داخل عائلتي، وهو ما دفعني إلى البقاء في الكشافة”.

تتنوع أنشطة الفتيات داخل الكشافة، وتختلف نوعاً ما عن أنشطة الذكور فيها، عن هذا تشرح ريّان قائلة، “كانت من أبرز مهمات الفتيات جمع المواد الغذائية وتوزيعها، والخضوع للدورات الدينية والثقافية، والمشاركة في النشاطات الدينية ومسيرات عاشوراء… إلا أننا كنا نتجنب النشاطات السياسية”.

وقدّمت الكشافة للفتيات نشاطاتٍ أخرى منها ما يُسمّى “نجمات البَتول”، وهو مشروع يهدف إلى “تعزيز الالتزام والسلوك الإيماني والشرعيّ لدى الفتيات، الذي يمهّد للارتقاء إلى مرحلة نجمات البتول (وهو من ألقاب فاطمة الزهراء)، بحسب ريان،. هذا إضافة إلى الأنشطة الصيفية والأشغال اليدوية والرحلات الترفيهية، لزيارة مقام السيدة زينب في دمشق.

يشير يوسف، وهو أحد قادة “كشافة الإمام المهدي” في لبنان، فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، إلى أن المعسكرات تتضمن أنشطة مختلفة، كالزراعة وتنظيف الشواطئ والشوارع، إضافة إلى نشاطات تدخل ضمن نطاق علم النفس، مضيفاً “تعمل الكشافة على سلوكيات المنتسبين وأخلاقياتهم من الناحيتين النفسية والدينية، إلى جانب العمل على بناء قدرات المنتسبين في التعاطي مع المجتمع من خلال المسرح والخطابة والفرق الموسيقية والإنشادية”.

بدأ يوسف عمله الكشفي قبل 8 سنوات في فئة الجوالة، ثم أصبح قائداً فيها، وعن مراكز الكشافة في لبنان، يقول إن “كشافة الإمام المهدي” ليس لها مركز ثابت في المناطق، إلا أن المركز الرئيسي يقع في منطقة بئر حسن، قرب ضاحية بيروت الجنوبية، معقل “حزب الله” اللبناني، وينكر في الوقت ذاته وجود أي رابط بين تجنيد الأطفال من قبل “حزب الله” و”كشافة الإمام المهدي”، كذلك ينفي وجود أي تدريب على السلاح فيها.

“محو أمّية”… السلاح

مرت ثلاثة أعوام على انضمام مصطفى إلى “كشافة الإمام المهدي” في دير الزور، خضع خلالها لتدريبات في معسكرات مغلقة مع حوالى 25 طفلاً، تتراوح أعمارهم بين 14 و18 سنة. تلقى مصطفى ورفاقه دروساً عملية ونظرية حول استخدام السلاح، إضافة إلى التمرينات الرياضية والدروس الدينية والعقائدية.

يقول مصطفى إنه لم تكن هناك معسكرات للتدريب على السلاح في البداية، لكن الوضع تطور بعد ذلك. “بدأوا بطرح الموضوع علينا، إذا كنا نرغب بتعلم استخدام السلاح أم لا، وإذا كنا نرغب بتعلم فك السلاح وتركيبه في فترة قصيرة”. هذه الأسئلة وسواها باتت تُطرح على جميع المنتسبين إلى “كشافة المهدي”، بغرض إغراء الأطفال واستثارة فضولهم لحمل السلاح.

 ويضيف: ” تخيلي أن طفلاً عمره 14 سنةيحمل قاذف آر بي جي”. 

وهناك من ينتسب بشكل مباشر إلى صفوف الحرس الثوري حيث تنتشر مراكز الانتساب، لكن اشترط الحرس أن يكون الطفل من عمر 16 حتى 20 سنة، إضافة إلى وجود كفيل من طرف الطفل (عائلته) يوقع على عقد مع الحرس، بعد انتساب الفتى للحرس الثوري والميليشيات التابعة له. 

يؤكد سامر (لبناني، 26 سنة)، ما قاله لنا مصطفى عن معسكرات التدريب على حمل السلاح، فهو أيضاً كان ضمن صفوف “كشافة الإمام المهدي” لكن في لبنان. وانتسب سامر للكشافة عام 2003، وكان يبلغ حينها 8 سنوات، واستمر في الكشافة حتى الثامنة عشرة. ويشير سامر إلى  أن “محو الأمية” هو الاسم الذي كانوا يطلقونه على عملية تدريب المنتسبين على كيفية استعمال الأسلحة الخفيفة، مضيفاً “تقوم الكشافة بذلك تيمّناً بما قاله السيد موسى الصدر: السلاح زينة الرجال، عندما كان الجنوب اللبناني تحت الاحتلال الإسرائيلي”.

ويوضح سامر أن “محو الأمية” لا يتعدى التدريب على “إطلاق ثلاث أو أربع طلقات لا أكثر،” بحسب قوله، ما يعطي الأطفال فكرة عن كيفية استخدام السلاح ويشجعهم عليه، لينضموا لاحقاً إلى ما يسمونه “درب الجهاد”. ويؤكد سامر أن “محو الأمية” هذا ليس فرضاً على المنتسبين إنما “اختياري”.

وتستخدم الكشافة في عمليات التدريب أسلحة خفيفة، مثل الكلاشنيكوف ورشاش PKC، ويستخدم القائمون على التدريبات العملية ودياناً تتركز معظمها في منطقة البقاع اللبناني، لأن تلك المناطق “تضمن عدم سماع الأصوات”، بحسب سامر.

سافر سامر إلى أفريقيا عندما غادر الكشافة، بعد اصرار والديه على ذلك، خوفاً من انخراطه في صفوف مقاتلي “حزب الله” من جهة، وبسبب الأوضاع الاقتصادية في لبنان من جهة أخرى.

إقرأوا أيضاً:

نشأة وتأسيس

لـ”كشافة الإمام المهدي” تاريخ في المنطقة، إذ نشأت بدايةً في لبنان في أيار/ مايو 1985. وصدّرت الحركة نفسها باعتبارها “حركة تربوية وتعليمية” تُقدم أنشطة ترفيهية لمنتسبيها، تحت شعار “المساعدة في بناء عالم أفضل”. واستمرت الحركة في عملها الترويجي حتى نالت ترخيصاً من وزارة التربية اللبنانية عام 1992 بالقرار رقم 563، وحصلت على اعتراف المنظمة العالمية للحركة الكشفية عام 1998.

وتعود تسمية الكشافة إلى محمد بن الحسن المهدي، الذي يعتقد أحد مذاهب الطائفة الشيعية أنه المتمم لسلسلة الأئمة، ويُشار إلى أن تأسيس “كشافة الإمام المهدي” يدين في جزء كبير منه إلى “حزب الله” اللبناني. وقد أشار المحلل السياسي اللبناني الخبير في شؤون “حزب الله”، طلال عتريسي في مقابلة أجراها مع صحيفة “نيويورك تايمز” في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008، إلى صلة كشافة الإمام المهدي بالحزب. وقال “إنها منظومة متكاملة، من المدارس الابتدائية إلى الجامعات… والهدف هو تهيئة جيل يحمل معتقدات دينية راسخة ومقرّب من حزب الله”.

أما في سوريا، فقد أسس القياديّ في الحرس الثوري الايراني حسن خوش نويس الملقب بحسن شاطري منظمة “كشافة الولاية سوريا” عام 2012، والتي باتت تُعرف لاحقاً باسمها الشائع، “كشافة الإمام المهدي”.

وفي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تم الإعلان رسمياً عن افتتاح فرع لـ”كشافة الإمام المهدي” في دير الزور، بعد مضي ما يقارب العام على عملها، وإضافة إلى عائلات الأشخاص المقربين من الحرس الثوري الإيراني، بدأت الكشافة عملها باستقطاب طلاب المدارس الحكومية.

استهداف المدارس الحكومية

بالتعاون مع المركز الثقافي الإيراني واتحاد طلبة شبيبة الثورة التابع للنظام السوري، استهدفت “كشافة الإمام المهدي” المدارس الحكومية في دير الزور، وتعمد الكشافة إلى إرسال مندوبين عنها إلى المدارس للترويج عن الأنشطة التي تقوم بها، وتجذب الأطفال للانضمام لصفوفها عبر المسابقات والجوائز والرحلات الترفيهية. 

يقول علي (34 سنة) وهو معلّم في إحدى مدارس مدينة الميادين الحكومية “بعد عودة المدارس تدريجياً بداية 2019، بدأ المركز الثقافي الإيراني ينشط في المدارس بالتعاون مع منظمة طلائع البعث في الميادين، وكانت نشاطاتهم واضحة جداً، وهي تقديم الأموال، القرطاسية، الطعام، إضافة إلى تنظيم رحلات مدرسية ومهرجانات ترفيهية ضمن المدارس”. 

و في نيسان/ أبريل 2019، كان الظهور الأول لشخصيات إيرانية ضمن الزيارات التي تقوم بها “كشافة الإمام المهدي” إلى المدارس، تزامناً مع فتح باب الانتساب إلى الحرس الثوري الإيراني. تزامن ذلك أيضاً مع الإعلان عن نشاطات “كشافة الأصدقاء سوريا”، أو “كشافة المهدي”، في المعسكر الترفيهي الخامس في مدرسة “زبيدة” الابتدائية، الذي حضره الحاج صادق الإيراني، المسؤول عن المركز الثقافي الإيراني في دير الزور.

وذلك بحضور ساهر الصكر ممثل فرع “الحزب البعث”، والحاج جواد لبناني الجنسية، إضافة إلى قيادي عسكري عراقي الجنسية يدعى الحاج عبد الفتاح. وكان بين الحضور أيضاً قياديون في الميليشيات المحلية التابعة الحرس الثوري الإيراني، مثل بسام السطام، المسؤول عن الانتساب إلى الميليشات الإيرانية، وعدنان السعود أبو العباس، الملقب بـ”زوزو”، وهو قائد ميليشيات أبو الفضل العباس في دير الزور.

لم تكن تلك الزيارة الأولى أو الأخيرة لهذا الوفد، بل تكررت الزيارات إلى مدارس “الحسن” و”زبيدة” و”ابن سينا” في الميادين، إذ تحدث القادة عن أهمية توعية الأطفال بخطورة “الإرهاب الوهابي” وعن الجهاد والشهادة والمقاومة ضد الإرهاب. 

يقول علي: “دُعيتُ إلى إعطاء دروس دينية وعلوم وحساب في المركز الثقافي الإيراني، براتب مغرٍ جداً، نحو 100 ألف ليرة سورية شهرياً، فعملت أربعة أشهر بشكل شبه يومي”، مضيفا “وكان الأطفال حينها يذهبون إلى التدرب على القتال يومي الجمعة والسبت، في منطقة المزرعة قرب قلعة الرحبة، ومنطقة عين علي”.

وإضافة إلى المركز الثقافي الإيراني لدى “كشافة الإمام المهدي” في مدينة الميادين “مركز النور الساطع” وهو أول مراكزها في المدينة والأشهر. وإلى جانب الاستهداف الدعائي، تستخدم “كشافة المهدي” أيضاً خمس مدارس في المحافظة كمعسكرات مغلقة هي مدرسة “البنات الأولى” وكلية الهندسة الإلكترونية في مدينة دير الزور، “مدرسة الصناعة” في الميادين والعشارة و”المعري” في البوكمال.

معسكرات التدريب

أقامت “كشافة الإمام المهدي” في شهري حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو 2019، معسكرات مغلقة في بادية الميادين، تدربت فيها الدفعة الأولى من الأطفال على السلاح وضمت قرابة 50 طفلاً. وبعد قبولهم في صفوف الحرس الثوري الإيراني كمقاتلين عبر الكشافة، أعطي كل طفل بطاقة خاصة وراتباً شهرياً قدره 50 ألف ليرة سورية.

ثم تكررت هذه المعسكرات المغلقة في مزار عين عليّ، مزارع الميادين، وحسينية التمور في مدينة الميادين. والتحق بالتدريبات البدنية عشرات الأطفال الذين بلغت أعمارهم بين 12 و14 سنة. أما الأطفال الذين تجاوزت أعمارهم 15 سنة، فكان يتم تدريبهم على السلاح لينضموا بعدها إلى صفوف الميليشيات الإيرانية، بحسب علي.

ويشير يوسف قائد “كشافة الإمام المهدي في لبنان”، إلى أن الجمعية كانت تقوم بزيارات وتنظم معسكرات في سوريا والعراق حتى قبل بداية الحرب السورية، كما يؤكد ارتباط الكشافة في سوريا بكشافة الإمام المهدي في لبنان “لتبادل الخبرات بين الكشّافين”. لكن المفوض العام للكشافة في لبنان، ماهر قمر، نفى هذا مشيراً إلى “عدم وجود أي رابط  لكشافة الإمام المهدي مع الكشافة التي تحمل الاسم عينه في سوريا والعراق”.

ورفض قمر الإجابة على أسئلتنا حول تدريب المنتسبين إلى الكشافة على السلاح.

أما يوسف، وعلى رغم عدم نفيه اتباع كشافة الإمام المهدي “نهج المقاومة”، إلا أنه يصرّ على أن هذا ليس دليلاً على تدريبها الأطفال على السلاح، ويقول: “لو أننا نفعل هذا، لكانت الولايات المتحدة الأميركية فرضت عقوبات على مؤسسة جمعية كشافة الإمام المهدي كغيرها من المؤسسات التي تواجه عقوبات أميركية”.

ويتفاخر القائد بأن عدد العاملين في “كشافة الإمام المهدي في لبنان”، بين قادة ومسؤولين ومنتسبين، يقارب 80 ألفاً، مضيفاً أن عمل الكشافة هو “عمل تربوي واجتماعي يسعى إلى تنمية الناشئة على فكر مهدوي إسلامي”، وأن عمل القادة فيها “تطوعي”، ويقدّمون كل المستلزمات على نفقتهم الخاصة.

استغلال الأطفال

استطاع  المسؤولون في “كشافة الإمام المهدي” و”المركز الثقافي الإيراني” استقطاب الأطفال بشكل كبير في دير الزور، مستغلين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، بعد المعارك الطاحنة بين النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

واستطاعت إيران توطيد وجودها من خلال أنشطة مدنية، كإعادة تأهيل بعض البنى التحتية من شوارع وحدائق، إضافة إلى “الغزو الاجتماعي” عبر المراكز الثقافية الإيرانية وامتداداتها في مناطق نفوذها غرب الفرات.

يقول الأستاذ محمد (42 سنة) وهو مدرس في المرحلة الابتدائية من دير الزور “عمل المراكز الثقافية الإيرانية لا يختلف كثيراً عن عمل مراكز الكشافة التي تُعنى باحتضان الأطفال وتربيتهم وفقاً لرؤية النظام الإيراني وعقائده، وهي  تهدف إلى بسط نفوذ إيران على الشرق الأوسط، ليس عسكرياً فحسب، إنما دينياً ومذهبياً كذلك”.

ويشير محمد إلى وجود ثلاثة مراكز للكشافة في دير الزور عند بداية العمل الثقافي الإيراني، توزعت على شكل مراكز رعاية للأطفال في المدينة والبوكمال والميادين، وأنها كانت تقدم الرعاية للأطفال دون الخامسة عشرة. 

ويوضح المُدرّس علي المغريات التي كانت تقدم للأطفال من طريق الكشافة، قائلاً “يعطي المسؤولون في مركز الكشافة الأطفال وصول تسجيل يعطونها لعائلاتهم ليحضروا إلى مقر المركز، هناك عدد كبير من الأهالي استجابوا لهذه الدعوات، وذهبوا واستمعوا للمسؤولين، وبعدها وافقوا على إدخال أبنائهم ضمن هذه المراكز، وذلك بعد إغرائهم براتب شهري. كما كان هناك مدرسون متخصصون في جميع المجالات لتعليم أولادهم الذين كان يحق لهم التسجيل للشهادة الإعدادية من طريق المركز، وهو بدوره كان يتكفل بذلك (مصاريف التسجيل)… لكن معظم هؤلاء الأطفال اتجهوا بعد التسجيل في الكشافة إلى الأمور العسكرية”. 

عندما سألنا مصطفى عن السبب الذي دفعه للانتساب إلى كشافة المهدي، ثم الانضمام إلى الميلشيات الإيرانية، أجاب: “السبب الأول هو الحياة المعيشية المأساوية. والسبب الثاني، الأهم، هو الخوف من بطش النظام ومخابراته، والخوف من الخدمة العسكرية، والتقارير الكيدية التي يرفعها الناس ضد بعضهم بعضاً لفروع الأمن”. يتردد مصطفى قليلاً ثم يضيف: “وهناك راتب مُغرٍ من الحرس الثوري، وأيضاً بطاقة عدم التعرض، التي هي سلطة بحد ذاتها”. 

و بطاقة عدم التعرض يحملها جميع المنتسبين ضمن الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، تحمل اسم المنتسب وتوقيع قائد اللواء الذي يتبعه وختمه، ويكتب عليها “يسمح للأخ المجاهد بالدخول والخروج في أي وقت، وعدم التعرض له من أي جهة امنية وتسهيل مهمته ومؤازرته إن لزم الأمر”. 

يضيف مصطفى أن عائلته تخاف عليه من ميليشيات الدفاع الوطني، التابعة للنظام السوري، ومن خلايا “داعش”. كما أن الميليشيات المحلية التابعة للنظام السوري لا تستطيع تهديده، لأنه منتسب إلى الحرس الثوري الإيراني، والأخير معروف بأنه أقوى سلطة موجودة في المنطقة، “وأنا أملك هذه السلطة”.

من جهة أخرى، هناك ميزات خاصة تقدم للأطفال الذين يتم إرسالهم من طريق الكشافة للتطوع ضمن صفوف الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، منها يقول مصطفى “عقد لا نعرف عنه شيئاً وهو عبارة عن ورقة نوقعها مع مسؤول ذاتية الحرس الثوري، ونعلم عنها فقط مدة العقد وهي ستة أشهر. كما لا نحصل على العقد أبداً ونتلقى راتباً شهرياً قدره 160 ألف ليرة سورية”. وأيضاً يستطيع الأطفال وفق الاتفاق استكمال دراستهم في الجامعات الإيرانية واللبنانية، إلا أن مسؤولي الكشافة والمركز الثقافي الإيراني لم يلتزموا بوعودهم للأطفال، واقتصر الأمر على إغراء الأطفال بالسلاح حتى يتركوا دراستهم ويركزوا على القتال. 

في المقابل، لا يحق للمنتسب العادي إلى الميليشيات الإيرانية الحصول على أي بعثة دراسية، كما يعامل معاملة سيئة، ويهدد بالسحب للخدمة الإلزامية لدى النظام السوري إذا لم يقم بتجديد عقده مع اللواء الذي يخدم فيه لدى الحرس الثوري.

أطفال الميليشيات العشائرية 

تتنوع الميليشيات المدعومة إيرانياً التي تحاول استقطاب الأطفال الخريجين من معسكرات كشافة المهدي، فقد نجحت إيران في إقناع عشائر عدة بإنشاء ميليشيات محلية تابعة للحرس الثوري الإيراني بعدما دعت بدعوة شيوخ هذه العشائر والوجهاء إلى اجتماعات في طهران، كان أولها في 3 آب/ أغسطس 2018، وذلك بهدف جذبهم إلى صفها وبناء حاضنة شعبية لها في هذه المنطقة.

من هذه العشائر، عشيرة “المشاهدة” في البوكمال، وقد ادّعت إيران أن نَسب المشاهدة يعود إلى مدينة مشهد الإيرانية، وهذا ما أقنعهم بتشكيل الفوج 47 في البوكمال باسم “لواء الهاشميون”، بقيادة يوسف محمود الحمدان أبو عيسى، وعلى إثر ذلك، منحت إيران العشيرة شهادة “نسب إلى آل البيت”.

يقوم الفوج 47 في البوكمال بتسجيل المنتسبين إليه من أبناء المنطقة وضمهم إلى صفوف الحرس الثوري الإيراني. كما أنه يستقبل مراجعين من الأهالي لتقديم الشكاوى. وبعيداً من الأضواء، قام المكتب أيضاً بتسجيل انتساب حوالى 200 طفل من مدينة البوكمال وريفها، تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة، تحت مسمى “كشافة الفوج 47”. أقيمت لهؤلاء الأطفال حتى الآن 6 معسكرات تدريبية، استطعنا التحقق من المراكز الثلاثة الأخيرة، التي تم إنشاؤها (في كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل وتموز عام 2020). 

كانت مدة كل معسكر 20 يوماً، يُعطى الأطفال دروساً دينية وعقائدية، إضافة إلى دروس عسكرية نظرية وتدريب عملي على السلاح والرمي في بادية البوكمال، تحت إشراف لواء “الفاطميون” الأفغاني. وبعد الانتهاء من المعسكر، ينتسب المتخرجون من المعسكر إلى اللواء نفسه، بعقود مدتها ستة أشهر قابل للتجديد.

المعارض السابق نواف البشير كان على رأس الوجهاء والشيوخ، والذين زاروا طهران عام 2017، وعاد ليشكل بعدها “لواء الباقر”، الذي يضم في غالبيته أبناء عشيرة “البقّارة”، التي تدّعي إيران أنهم من الطائفة الشيعية ويعودون بنسبهم إلى الإمام الباقر. ويتبع لواء الباقر للحرس الثوري الإيراني، ويُقدّر عدد مقاتليه بألف شخص. ويقبل اللواء الأطفال ضمن صفوفه من دون أي شروط مسبقة، ويعاملون معاملة المقاتل العادي.

أما في ريف دير الزور الغربي، فيتولى الشيخ منهل الفياض، شيخ عشيرة البوسرايا في قريتَي المسرب والخريطة، تقديم الإغراءات للشباب من أبناء عشيرته. ويقول الأهالي إنه ساهم في انتساب المئات منهم إلى صفوف الحرس الثوري الإيراني. 

وقود المعارك

قُتل عشرات الأطفال من كشافة الإمام المهدي بعيد انضمامهم للميليشيات في المعارك الدائرة في سوريا خلال السنوات الماضية، منهم من نُعي بشكل رسمي، وآخرون سُلّموا لذويهم أو دفنوا بشكل سري.

في تموز 2017، نظّم “حزب الله” اللبناني وقفة تأبين للطفل مهدي أبو حمدان، الذي قُتل في سوريا وكان عمره حينها 17 سنة. خلال حفل التأبين، عُرضت وصية أبو حمدان لذويه وأصدقائه، ومن خلال متابعة صفحات أصدقائه على شبكات التواصل الاجتماعي، تبيّن أنه كان منتسباً إلى “كشافة المهدي”.

وبرّر نائب الأمين العام لـ”حزب الله”، نعيم قاسم، تجنيد الطفل أبو حمدان بأن “التكليف الشرعي” لدى الطائفة الشيعية يبدأ منذ الخامسة عشرة، “عند بلوغ الفتى”، مضيفاً: “أهل أبو حمدان وقّعوا على قبولهم بانتسابه وتوجهه إلى سوريا للقتال في صفوف حزب الله”.

وفي المناسبة نفسها، أعلن “حزب الله” أيضاً مقتل الطفل محمد حسين الهق، من بلدة الكواخ البقاعية. وكان الهق حينها في السابعة عشرة. بُعيد مقتله بأيام، صدرت نتائج الثانوية العامة وكان الهق ناجحاً. 

وفي سوريا وتحديداً في 19 كانون الثاني/ يناير 2020، توفي الطفل محمود سفيان الصلفيج (15 سنة) في انفجار لغم أرضي في بادية الميادين، وكان برفقته محمد أحمد الهلبي (13 سنة) وعدي الحنان (16 سنة). كان الثلاثة من طلاب مدرسة الحسن الحلقة الثانية في مدينة الميادين، وكانوا قد انتسبوا إلى “كشافة الإمام المهدي” أواسط عام 2019. كان محمود خضع لامتحانات الصف الإعدادي التاسع عام 2019، لكن الحظ لم يحالفه في الدراسة، ولا الحياة.

ويعاقب القانون الدولي المجموعات والمنظمات التي تستخدم الأطفال في المعارك، بما في ذلك تجنيدهم وتدريبهم على السلاح. و”يُعتبر ذلك جريمة وفقاً للقانون الجنائي الدولي”، كما يشرح الدكتور في القانون الدولي، المحامي طارق شندب.

وتحظر اتفاقية حقوق الطفل، التي وقعت عليها معظم دول العالم عام 1989، تجنيد الأطفال دون سن 15 عاماً وتدريبهم على السلاح. وتنص المادة 38 من الاتفاقية على أن الدول الأطراف في الاتفاقية “تتعهد بأن تحترم قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة عليها في النزاعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد.”

كما “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألا يشارك الأشخاص الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة، بشكل مباشر في الحرب،” وفقاً للمادة ذاتها، التي لاقت انتقاداً حينها بسبب السماح بتجنيد من يبلغون الـ15 سنة وما فوق، كون القاصر في كثير من دول العالم هو كل طفل دون الثامنة عشرة.

في كانون الثاني 2000، اعتمدت مجموعة العمل التابعة للجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أيضاً نص مشروع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يطالب الدول الموقعة على الاتفاقية بضمان عدم تجنيد الأطفال تحت الـ18 سنة. وقد وقعت إيران على البروتوكول في 21 أيلول/ سبتمبر 2010 لكنها لم تصادق عليه. 

أخيراً، يُعتبر تدريب الأطفال على السلاح واستخدامهم مناقضاً لمبادئ “اتفاقية باريس ومبادئها التوجيهية بشأن الاطفال المرتبطين بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة”، وكذلك “التزامات باريس بحماية الأطفال من التجنيد أو الاستخدام غير المشروع”. وقد تم اعتماد الوثيقتين رسمياً من قبل 58 دولة في شباط/ فبراير 2007. 

“لا أستطيع تركهم”

انتظر اللورد بادن باول، مؤسس الحركة الكشفية، 19 عاماً قبل أن يحقق حلمه بانتشار فكرة الكشافة في العالم والاعتراف بها عالمياً. لكنه لم يكن ليتصور أن اسم الكشافة سيُستخدم لتجنيد الأطفال ضمن ميليشيات في واحدة من أعنف الحروب في التاريخ الحديث. 

ضحك مصطفى (19 سنة) حين سألناه عن إمكان تركه للسلاح، وقال: “لا أستطيع ترك الحرس الثوري متى أريد، لأنني عندما أغادر، سيأخذني جيش النظام للخدمة الإلزامية، وأنا لم ألتحق بجيش النظام كي لا أذهب إلى الخدمة في محافظات أخرى.. أما مع الحرس الثوري، فتبقى خدمتنا ضمن قريتي”. 

“لا أفكر بما يحدث لنا في المستقبل،” يقول أخيراً. “أنا وجميع المتطوعين ضمن الحرس الثوري، كلنا في الهوا سوا”. 

ينشر هذا التحقيق بدعم من مشروع أضواء.

إقرأوا أيضاً: