fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“كل ما خسرتْ” لدلال معوّض… أصوات الناجيات من “عنف” لبنان

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتهك انفجار مرفأ بيروت عام 2020، أجساد اللبنانيين وبيوتهم وذاكرتهم. آلاف الحكايات التي لم تُسمع وفي حاجة الى أزمنة متعددة لسردها. مع ذلك، الحاجة الى الكتابة ضروريّة لأجل الذاكرة والعدالة. هذا الجهد نتلمّسه في كتاب الصحافية دلال معوّض “كل ما خَسرتْ”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“انفجار المرفأ”، هكذا أصبح وصف الكارثة التي شهدها ميناء بيروت عام 2020، منذ ثلاث سنوات، ونحن أمام ما لا يمكن حصره من الجرائم والمآسي والانتهاكات، من تعليق التحقيق، إلى عدم إصدار عدد الضحايا، إلى الخسائر التي لم تعوّض، يمكن القول إن عبارة “انفجار المرفأ” علامة في درجة الصفر، تعبّر عن “كل شيء”  لكنها تبدو بسيطة لغويّاً، كلمتان، معناهما المعجمي لا يتجاوز السطر، لكنهما في سياق لبنان، تحيلان إلى كلّ الخسارات والانتهاكات والحداد المعلّق.

انتهك انفجار المرفأ لا فقط أجساد اللبنانيين، بل أيضاً بيوتهم وذاكرتهم، آلاف الحكايات التي لم تُسمع وفي حاجة الى أزمنة متعددة لسردها، مع ذلك، الحاجة الى الكتابة ضروريّة، إذ تقول الصحافية اللبنانيّة دلال معوض: “كتبتُ لثقل إحساسي بذنب أنني نجوتُ ونجا مقرّبون مني. شعوري بأنني محظوظة ترافق مع هذا الذنب القاسي. أنهكني سؤالُ لِمَ مات بعضٌ ولم يمت بعضٌ آخر؟”.

الكتابة، “انفجار المرفأ”، الذنب، تكالب المآسي على النساء اللبنانيات خصوصاً، نقرأ عنها في كتاب معوض الذي يحمل عنوان “كل ما خَسِرَتْ-All She lost”، الصادر بالإنكليزية عن “منشورات بلومسباري” في بريطانيا، الذي يتداخل فيه الصحافي مع الشخصي والسياسيّ، وحكاية 20 امرأة، شهدن الانفجار وخسرن ما خسرنه، كيف لا، وانفجار المرفأ مسّ “الجميع”، بل ولبنان نفسه؟!

 تكتب معوّض في مقدمة الكتاب: “هذا الكتاب لا يحكي فقط ما خسرته تلك النسوة، بل أيضاً ما خسرته بيروت، ولبنان الذي لن يعود كما كان”.

من “هنّ” اللاتي خسرن كلّ شيء؟

ضمير “هي” أو “هن” في العنوان لا يحيل فقط إلى النساء التي تقابلهنّ معوّض، الحكاية الشخصية هنا، على رغم سطوتها وقدرتها على لمس أثر الكارثة/ الفساد/ غياب المحاسبة، تمتد لتشمل الطبقة التي تتقاطع ضمنها أساليب العنف والتمييز في لبنان، كل واحدة من هذه النساء تكشف عن التمييز العنصري، مآسي نظام الكفالة، التمييز الطائفي، السعي نحو العدالة، هذا كله في ظل التأريخ لانهيار لبنان، وثورته وفساد طبقته، عبارات كـ”جسد المرأة هو محط عنف السلطة” لا تبدو مجازاً حين نقرأ الكتاب، ونسمع أصوات الضحايا، ونتلمس بدقة وعلنيّة (وهنا المفارقة!) كيف يتم إسكات الضحايا ودفع العدالة بعيداً عن متناولهم/ـن.

“هذا الكتاب لا يحكي فقط ما خسرته تلك النسوة، بل أيضاً ما خسرته بيوت ولبنان الذي لن يعود كما كان”
دلال معوض- “كلّ ما خسرتْ”

الرعب اليومي

يحوي وصف السياق والحكايات فيه نوعاً من الرعب، التأريخ الدقيق للانفجار، ولحظات ما قبله التي اختبرها الضحايا، تكشف لنا عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، (ربما هي في لبنان فقط ) حقيقة مفادها أن أي لحظة، يوميّة، شديدة الابتذال، يمكن بثوان أن تصبح لحظة الكارثة، تلك التي تأتي من دون تنبيه او إنذار. لكن في لبنان، الأرض غير ثابتة، يمكن لها أن تبتلع  من عليها أو تنفجر في ثوان، وهنا بالضبط يظهر الأثر السياسيّ. أقسام الكتاب التي تروي تاريخ الكتاب، تكشف أيضاً عن طبقات من الهشاشة، لا بمعناها الشعري والفنّي، بل بالمعنى الواقعي، كل شيء قابل للانهيار في لبنان بلحظة، انفجار، ثورة، احتلال للساحات بالسلاح، لتبدو الحياة اليوميّة للصحافية والكاتبة والأم واللاجئة والزوجة أشبه بمؤقت خطر لا نعرف متى سـ”يتفجر”.

أن تكون صحافياً وضحيةً 

تخبرنا معوض في الكتاب عن تجربتها الصحافية والمقابلات التي أجرتها في ظل عملها. هناك تفاصيل مهنيّة تتخلل الكتاب، أسلوب اللقاء، التعامل مع الضحيّة، كيفية السؤال، تقنيات سرد الحكاية. لكن نحن، لسنا أمام صحافي مُحايد، بل ذاك الذي اختبر الحدث بجسده، مساحة الحياد هنا، إن كان يجب أن تكون هناك مساحة في حالة الكارثة، شديدة الدقة، هل أدفع “الضحية” الى الحديث أم أستمع لها فقط حين تريد الحديث؟. اختارت دلال التقنية الثانيّة، الحديث نفسه واستعادة المأساة قاسيان على الضحيّة، ولو كان “كل” أهل بيروت ضحايا، آخر ما تبقى هو الحق بالكلام، ذاك الذي تصونه معوّض بشدة. الكلمات هنا ليست مجرد أصوات أو تأريخ، بل “فعل” تقوم به “الناجيات” في سبيل عدالة ما، حتى لو كانت مؤجلة، لكن “وثائقها” و”شهودها” لم يسكتوا.

“اللبنانيون اعتادوا الحياة في ظل المستحيل”

تفتح معوّض الفصل الثاني من الكتاب بفقرة تحمل عنوان “أسطورة المرونة”، في إشارة إلى أن المرونة تعني القدرة على التعافي من المآسي والحروب والظلم، لكن معوّض تنفي “مرونة” اللبنانيين، تراها أسطورة، هم لم يتعافوا، بل تأقلموا مع الوضع القائم منذ الحرب الأهليّة. بل وتشير إلى أن المرونة “كذبة” نحتتها الطبقة السياسيّة لتقنع الشعب اللبناني بالوضع القائم، هذه الكلمة ترددت على لسان  نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، فيليب لازاريني، عام 2016، وذكرها جبران باسيل عام 2019  في ذكرى 14 آذار، قائلاً: “بالإيمان مع الصلابة والمرونة يللي عنّا ياها ما في أقوى منا كلبنانيي بالعالم، ورح ننتصر عَ سرطان الفساد”.

هذه “المرونة” بالذات تحولت إلى رطانة سياسيّة، ومن هنا يمكن أن نفهم “النجاة” التي يختبرها من في لبنان. هي مساحة جغرافية مهددة، الأرض فيها غير ثابتة، ما يحول الحياة إلى ما يشبه مسابقة للنجاة، ضمن حلبة مهددة بالانفجار والرصاص الطائش والانفجارات، صورة شديدة التراجيدية لمعاناة اللبنانيين الذين يطاردون العدالة في سبيل ودائعهم وضحاياهم.

تروي دلال معوّض كيف تركت لبنان في بداية الكتاب نحو فرنسا كي “تنجو”، فالحياة لم تعد ممكنة. وفي النهاية، تجيب عن سؤال “متى يمكن أن تعودي إلى لبنان؟”، فتجيب “المحاسبة”،  وما تحمله من معان سياسيّة، كتجريد “حزب الله” من سلاحه، وحماية لبنان من الصراعات الإقليميّة، الحل الذي تصفه بـ”البسيط” لكنه يعني أيضاً، معاقبة كلّ من انتهك حقوق اللبنانيين، فهل من يوم تتحقق فيه العدالة لمن تبقى على قيد الحياة في لبنان؟.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 15.02.2025

“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!

التنوع في التقارير و"المصادر" الاستخباراتيّة يكشف أن أعداء النظام السوري كثر، ماسونيون، إرهابيون، شتّامو الأسد، لكن نظرياً أبرز "الأعداء" هم " هيئة تحرير الشام" ، التي أحاطت بها من وجهة نظر المخابرات الكثير من الفرضيات التي يصل بعضها إلى مستوى نظريات المؤامرة !
09.09.2023
زمن القراءة: 4 minutes

انتهك انفجار مرفأ بيروت عام 2020، أجساد اللبنانيين وبيوتهم وذاكرتهم. آلاف الحكايات التي لم تُسمع وفي حاجة الى أزمنة متعددة لسردها. مع ذلك، الحاجة الى الكتابة ضروريّة لأجل الذاكرة والعدالة. هذا الجهد نتلمّسه في كتاب الصحافية دلال معوّض “كل ما خَسرتْ”.

“انفجار المرفأ”، هكذا أصبح وصف الكارثة التي شهدها ميناء بيروت عام 2020، منذ ثلاث سنوات، ونحن أمام ما لا يمكن حصره من الجرائم والمآسي والانتهاكات، من تعليق التحقيق، إلى عدم إصدار عدد الضحايا، إلى الخسائر التي لم تعوّض، يمكن القول إن عبارة “انفجار المرفأ” علامة في درجة الصفر، تعبّر عن “كل شيء”  لكنها تبدو بسيطة لغويّاً، كلمتان، معناهما المعجمي لا يتجاوز السطر، لكنهما في سياق لبنان، تحيلان إلى كلّ الخسارات والانتهاكات والحداد المعلّق.

انتهك انفجار المرفأ لا فقط أجساد اللبنانيين، بل أيضاً بيوتهم وذاكرتهم، آلاف الحكايات التي لم تُسمع وفي حاجة الى أزمنة متعددة لسردها، مع ذلك، الحاجة الى الكتابة ضروريّة، إذ تقول الصحافية اللبنانيّة دلال معوض: “كتبتُ لثقل إحساسي بذنب أنني نجوتُ ونجا مقرّبون مني. شعوري بأنني محظوظة ترافق مع هذا الذنب القاسي. أنهكني سؤالُ لِمَ مات بعضٌ ولم يمت بعضٌ آخر؟”.

الكتابة، “انفجار المرفأ”، الذنب، تكالب المآسي على النساء اللبنانيات خصوصاً، نقرأ عنها في كتاب معوض الذي يحمل عنوان “كل ما خَسِرَتْ-All She lost”، الصادر بالإنكليزية عن “منشورات بلومسباري” في بريطانيا، الذي يتداخل فيه الصحافي مع الشخصي والسياسيّ، وحكاية 20 امرأة، شهدن الانفجار وخسرن ما خسرنه، كيف لا، وانفجار المرفأ مسّ “الجميع”، بل ولبنان نفسه؟!

 تكتب معوّض في مقدمة الكتاب: “هذا الكتاب لا يحكي فقط ما خسرته تلك النسوة، بل أيضاً ما خسرته بيروت، ولبنان الذي لن يعود كما كان”.

من “هنّ” اللاتي خسرن كلّ شيء؟

ضمير “هي” أو “هن” في العنوان لا يحيل فقط إلى النساء التي تقابلهنّ معوّض، الحكاية الشخصية هنا، على رغم سطوتها وقدرتها على لمس أثر الكارثة/ الفساد/ غياب المحاسبة، تمتد لتشمل الطبقة التي تتقاطع ضمنها أساليب العنف والتمييز في لبنان، كل واحدة من هذه النساء تكشف عن التمييز العنصري، مآسي نظام الكفالة، التمييز الطائفي، السعي نحو العدالة، هذا كله في ظل التأريخ لانهيار لبنان، وثورته وفساد طبقته، عبارات كـ”جسد المرأة هو محط عنف السلطة” لا تبدو مجازاً حين نقرأ الكتاب، ونسمع أصوات الضحايا، ونتلمس بدقة وعلنيّة (وهنا المفارقة!) كيف يتم إسكات الضحايا ودفع العدالة بعيداً عن متناولهم/ـن.

“هذا الكتاب لا يحكي فقط ما خسرته تلك النسوة، بل أيضاً ما خسرته بيوت ولبنان الذي لن يعود كما كان”
دلال معوض- “كلّ ما خسرتْ”

الرعب اليومي

يحوي وصف السياق والحكايات فيه نوعاً من الرعب، التأريخ الدقيق للانفجار، ولحظات ما قبله التي اختبرها الضحايا، تكشف لنا عن حقيقة لا يمكن تجاهلها، (ربما هي في لبنان فقط ) حقيقة مفادها أن أي لحظة، يوميّة، شديدة الابتذال، يمكن بثوان أن تصبح لحظة الكارثة، تلك التي تأتي من دون تنبيه او إنذار. لكن في لبنان، الأرض غير ثابتة، يمكن لها أن تبتلع  من عليها أو تنفجر في ثوان، وهنا بالضبط يظهر الأثر السياسيّ. أقسام الكتاب التي تروي تاريخ الكتاب، تكشف أيضاً عن طبقات من الهشاشة، لا بمعناها الشعري والفنّي، بل بالمعنى الواقعي، كل شيء قابل للانهيار في لبنان بلحظة، انفجار، ثورة، احتلال للساحات بالسلاح، لتبدو الحياة اليوميّة للصحافية والكاتبة والأم واللاجئة والزوجة أشبه بمؤقت خطر لا نعرف متى سـ”يتفجر”.

أن تكون صحافياً وضحيةً 

تخبرنا معوض في الكتاب عن تجربتها الصحافية والمقابلات التي أجرتها في ظل عملها. هناك تفاصيل مهنيّة تتخلل الكتاب، أسلوب اللقاء، التعامل مع الضحيّة، كيفية السؤال، تقنيات سرد الحكاية. لكن نحن، لسنا أمام صحافي مُحايد، بل ذاك الذي اختبر الحدث بجسده، مساحة الحياد هنا، إن كان يجب أن تكون هناك مساحة في حالة الكارثة، شديدة الدقة، هل أدفع “الضحية” الى الحديث أم أستمع لها فقط حين تريد الحديث؟. اختارت دلال التقنية الثانيّة، الحديث نفسه واستعادة المأساة قاسيان على الضحيّة، ولو كان “كل” أهل بيروت ضحايا، آخر ما تبقى هو الحق بالكلام، ذاك الذي تصونه معوّض بشدة. الكلمات هنا ليست مجرد أصوات أو تأريخ، بل “فعل” تقوم به “الناجيات” في سبيل عدالة ما، حتى لو كانت مؤجلة، لكن “وثائقها” و”شهودها” لم يسكتوا.

“اللبنانيون اعتادوا الحياة في ظل المستحيل”

تفتح معوّض الفصل الثاني من الكتاب بفقرة تحمل عنوان “أسطورة المرونة”، في إشارة إلى أن المرونة تعني القدرة على التعافي من المآسي والحروب والظلم، لكن معوّض تنفي “مرونة” اللبنانيين، تراها أسطورة، هم لم يتعافوا، بل تأقلموا مع الوضع القائم منذ الحرب الأهليّة. بل وتشير إلى أن المرونة “كذبة” نحتتها الطبقة السياسيّة لتقنع الشعب اللبناني بالوضع القائم، هذه الكلمة ترددت على لسان  نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، فيليب لازاريني، عام 2016، وذكرها جبران باسيل عام 2019  في ذكرى 14 آذار، قائلاً: “بالإيمان مع الصلابة والمرونة يللي عنّا ياها ما في أقوى منا كلبنانيي بالعالم، ورح ننتصر عَ سرطان الفساد”.

هذه “المرونة” بالذات تحولت إلى رطانة سياسيّة، ومن هنا يمكن أن نفهم “النجاة” التي يختبرها من في لبنان. هي مساحة جغرافية مهددة، الأرض فيها غير ثابتة، ما يحول الحياة إلى ما يشبه مسابقة للنجاة، ضمن حلبة مهددة بالانفجار والرصاص الطائش والانفجارات، صورة شديدة التراجيدية لمعاناة اللبنانيين الذين يطاردون العدالة في سبيل ودائعهم وضحاياهم.

تروي دلال معوّض كيف تركت لبنان في بداية الكتاب نحو فرنسا كي “تنجو”، فالحياة لم تعد ممكنة. وفي النهاية، تجيب عن سؤال “متى يمكن أن تعودي إلى لبنان؟”، فتجيب “المحاسبة”،  وما تحمله من معان سياسيّة، كتجريد “حزب الله” من سلاحه، وحماية لبنان من الصراعات الإقليميّة، الحل الذي تصفه بـ”البسيط” لكنه يعني أيضاً، معاقبة كلّ من انتهك حقوق اللبنانيين، فهل من يوم تتحقق فيه العدالة لمن تبقى على قيد الحياة في لبنان؟.