fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

كوب 29 في أذربيجان: البيئة في قبضة نظام بوليسيّ!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من الواضح أنّ نزاهة قمة المناخ باتت على المحك وهي معرضة للخطر بسبب تأثير شركات الوقود الأحفوري واستضافة دول قمعية بوليسية تُعرف بالفساد والكلبتوقراطية للقمة ممّا يساهم في تقويض أي نتائج مرجوّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عدنا من مؤتمر كوب 29 واستعدنا بعضاً من الحرية التي شعرنا أنها كانت مهدّدة في البلد السوفياتي السابق. كان الجو العام ينذر بالحذر طوال الوقت، مع الوجود الكثيف للأمنيين والشرطة في المدينة. تُعرف أذربيجان بأنها دولة بوليسية، وكانت هناك كاميرات مراقبة حتى في بعض الحافلات. رجال الأمن، كما نقول في اللهجة اللبنانية، “ما بيضحكوا للرغيف السخن”، وإذا كنتَ قليل الحظ وتحدثوا معك، فطبعاً بنبرة حادة وبلغة الأمر الحازم. أمّا إذا جلسنا عند مدخل السوق القديم على باب القلعة، جلس شرطي أمامنا، ينظر إلينا، من دون حاجته الى إخفاء أنّه يتفحّصنا.

في مركز الإعلام، صادفت شاباً وسيماً بدأ الحديث معي. للوهلة الأولى اعتقدت أنه صحافي، إذ إن مركز الإعلام هو مكان مخصص للصحافيين في الكوب. ولكن لم تمر دقائق قليلة حتى أدركت أنه بالطبع رجل أمن وليس صحافياً. بدأ الحديث معي ثم سألني عن بلدي، وأتبع ذلك بسؤال عن طائفتي. عندما رفضت إخباره، قال لي “أرمنية ولا تريدين القول؟!”، ونظر إلى البطاقة الخاصة بي التي لا يمكننا دخول الكوب من دونها. كان واضحاً من اسم عائلتي أنني لست أرمنية، فاستهزأت به قليلاً قائلة: “اسم عائلتي، نصرالدين، لا يمكنه أن يكون إسلامياً أكثر من ذلك!”، لكنني أدركت هنا أن الرجل مصدر خطر. كان صريحاً وأخبرني أنه من الأمن. ولكن في سياق الحديث، علم أنني أتيت من الأردن لا من لبنان (فقد كنت في زيارة قصيرة لعمان قبلها)، ليفاجئني بالقول: “ملك الأردن ليس جيداً فهو لا يدعمكم”، فقلت له “لا أحد جيد” وأنهيت الحديث وانسحبت مباشرةً.

حالات القمع واتهامات بالتجميل البيئي

بحسب منظمة العفو الدولية، لا يزال 300 شخص، من بينهم صحافيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وناشطون، رهن الاعتقال بسبب دوافع سياسية. في إحدى جلسات الكوب، وقف بعض المشاركين في نهاية الجلسة وتأسفوا لعقد الكوب في دولة بوليسية تقمع الحريات ولا تتيح لهم حرية التعبير والكلام.

جائزة Fossil of the Day التي تقدمها شبكة العمل المناخي (CAN) تُمنح يومياً خلال الكوب لأسوأ دولة في المفاوضات. في اليوم الأخير من قمة المناخ، مُنحت الجائزة لأذربيجان لعدم جدّيتها في إدارة المفاوضات بشكل ناجح باعتبارها الدولة المضيفة. عادةً ما يصعد شخص من الجمهور إلى المسرح ليمثّل الدولة “الفائزة” لتسلُّم الجائزة ومتابعة السكتش الكوميدي، ولكن بسبب النظام القمعي في أذربيجان، لم يكن أحد مستعداً لتسلّم الجائزة، لذا احتفظ بها مقدم الفقرة ومضى العرض.

يذكر تقرير منظمة العفو الدولية أنه منذ إعلان أذربيجان كدولة مضيفة للكوب، كثفت السلطات حملتها القمعية على حرية التعبير والتجمع السلمي. أُغلقت منظمات المجتمع المدني المستقلة وسُجن المنتقدون بسبب دوافع سياسية أو نُفيوا. وقالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “محاولة الحكومة الأذربيجانية إخفاء سجلها السيئ في حقوق الإنسان خلف قمة مناخية عالمية، هي تبييض بيئي واضح”.

وصف ناشطو البيئة، بمن فيهم الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، مؤتمر COP29 بأنه “مؤتمر تجميل بيئي”، متّهمين أذربيجان باستخدام الحدث لتحسين صورتها الدولية مع الاستمرار في توسيع صناعتها للوقود الأحفوري. يشير مصطلح التجميل البيئي إلى ممارسة الترويج لسياسات أو منتجات صديقة للبيئة، بينما يتم الانخراط في أنشطة ضارة بالبيئة. في هذه الحالة، يُنظر إلى ترويج أذربيجان لمشاريع الطاقة المتجددة على أنه محاولة لصرف الانتباه عن اعتمادها المستمر على صادرات النفط والغاز.

استضافة أذربيجان لـ COP29

أثارت استضافة أذربيجان مؤتمر COP29 جدلاً كبيراً بسبب اعتماد البلاد الكبير على صادرات النفط والغاز ونظامها السياسي البوليسي. تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال المؤتمر، حيث وصف النفط والغاز بأنهما “هبة من الله” لا ينبغي الحدّ منها، لاقت انتقادات حادة، بخاصة من الناشطين البيئيين والمدافعين عن المناخ. خلال خطابه، دافع علييف عن صناعة الوقود الأحفوري في أذربيجان متهماً الدول الغربية بالنفاق لانتقادها بلاده بينما تستمر في شراء نفطها وغازها. عندها قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في الافتتاح، أنّ كلمة الرئيس المضيف مثيرة للقلق.

لطالما شكّلت أذربيجان دولة نفطية رئيسية على الساحة العالمية. فكانت موطناً لأول بئر نفطية تجارية في العالم عام 1846 ولا تزال حتى اليوم مُصدّراً رئيسياً للوقود الأحفوري. يشكل النفط والغاز نحو 90 في المئة من اقتصاد التصدير في أذربيجان و60 في المئة من ميزانية الحكومة، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول اعتماداً على الوقود الأحفوري في العالم.

هذا الاعتماد أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة أذربيجان لاستضافة COP29، خصوصاً بعدما كان أحد نتاجات المؤتمر الماضي في دبي هو الانتقال العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري، وفقاً لورقة موقف المجتمع المدني العربي الصادرة عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية. 

إلّا أنّ أذربيجان تحاول التسويق لنفسها كقائدة في مبادرات الطاقة الخضراء. التزمت الحكومة الأذربيجانية بزيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى 30 في المئة بحلول عام 2030 وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 35 في المئة بحلول عام 2030 وبنسبة 40 في المئة بحلول عام 2050. ومع ذلك، استناداً إلى بيانات من شركة ريستاد إنرجي، تهدف أذربيجان إلى زيادة إنتاجها من الغاز من 35 مليار متر مكعب في عام 2024 إلى 47 مليار متر مكعب في عام 2034.

يأتي هذا المؤتمر في أذربيجان بعد مؤتمر المناخ في دبي العام الماضي، وفي شرم الشيخ بمصر العام الذي سبقه، حتى يصبح ذلك استكمالاً لسلسلة استضافة قمة المناخ من دول تُعرف بقمعها لحقوق الإنسان والحريات.

العام الماضي، كُشفت فضيحة قيام دبي باتفاقيات نفط وغاز خلال مؤتمر المناخ. حينها، كان سلطان أحمد الجابر، وهو مسؤول تنفيذي في شركة النفط والغاز الحكومية الإماراتية ADNOC، يترأس مؤتمر 2023 في دبي. أما هذا العام، فترأس مفاوضات المناخ موختار باباييف، وزير البيئة الأذربيجاني والمسؤول السابق عن الاستدامة في شركة النفط الحكومية SOCAR. قبل توليه منصبه الوزاري في عام 2018، عمل باباييف في شركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان (سوكار) لأكثر من عقدين. “من المقلق أنه للعام الثاني على التوالي، سيدير محادثات المناخ العالمية شخص مرتبط بصناعة النفط، ما يجلب مخاطر تضارب المصالح المحتملة إلى الطاولة. وعلى الرغم من أن رؤساء مؤتمر الأطراف لا يملكون سلطة اتخاذ القرارات، إلا أنهم يلعبون دوراً رئيسياً في توجيه المفاوضات وتقديم الحلول الوسطى”، بحسب منظّمة الشفافية الدولية.

محسوبيات لصالح عائلة الرئيس! 

بحسب تحقيق لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد (OCCRP)، ما لا يقل عن 5,000 من المشاركين في COP29 سينزلون في غرف فاخرة في منتجع سي بريز على بحر قزوين. يعود مجمع سي بريز بالكامل إلى إمين أغالاروف، الصهر السابق للرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف. تُظهر سجلات المشتريات الحكومية أنه حصل على عقد حكومي بقيمة 5.2 مليون دولار لاستضافة ضيوف COP29 من دون أي عملية مناقصة تنافسية.

يشير التحقيق إلى أنّ كل الشركات المحلية التي تمت تسميتها كأحد “الشركاء الرسميين” للمؤتمر مملوكة لعائلة الحكم أو لأشخاص لديهم علاقات تجارية معروفة معهم، بما في ذلك تكتل مملوك لبنات الرئيس. فمن الشركاء الرسميين الأساسيين، منتج الأغذية الرائد Azersun وPASHA Holding، تكتل يمتد عمله إلى البنوك والتأمين والبناء. في هذا السياق، قال مير جمال باشاييف، نائب رئيس مجلس إدارة الشركة: “سيكون COP29 أداة مهمة لتعزيز جهود الاستدامة لشركة PASHA Holding”. تعود ملكية PASHA Holding إلى ليلى وأرزو علييف، ابنتي الرئيس إلهام علييف، وباشاييف هو ابن عم السيدة الأولى ونائبة الرئيس الأذربيجانية مهريبان علييف، بحسب الـ OCCRP.

في هذا السياق، يذكر تقرير بعنوان “استغلال مؤتمر الأطراف” صادر عن منظّمة الشفافية الدولية ومجموعة بيانات مكافحة الفساد، أنّ الاتفاقية الإطارية تفتقر إلى “ضوابط ضد تأثير الشركات والوقود الأحفوري في تنظيم البلد المضيف لمؤتمر الأطراف”، مضيفًا أنّ “تنظيم أذربيجان لمؤتمر COP29، مع حكومتها الاستبدادية وقطاع الوقود الأحفوري الكبير ومستويات الفساد العالية في القطاع العام، يبرز بوضوح مخاطر عدة على نزاهة مؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة”. 

في العام الماضي، وُجِّه اتهام إلى النائب الأميركي هنري كويلار بقبول أكثر من 360,000 دولار أميركي كرشى من شركة SOCAR في الفترة من 2014 إلى 2021 مقابل الترويج لمصالح أذربيجان في واشنطن وتكساس. كما كشف OCCRP، من خلال وثائق مسرّبة، أن باكو أنشأت صندوقاً سرياً بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل هذه الأنشطة، إذ تم تحويل الأموال عبر شركات غامضة. 

قال بريس بومر، الذي يقود عمل الشفافية الدولية بشأن تغير المناخ والحوكمة: “بدون إرشادات حول من يمكن أن يكون شريكًا في مؤتمر الأطراف وكيف ينبغي إدارة تضارب المصالح، يصبح من السهل جدًا على الأنظمة الفاسدة ضمان أن تتمكن عائلاتهم وأصدقاؤهم من استخدام المؤتمر لتجميل صورتهم والاستفادة مباشرة منه”. 

من الواضح أنّ نزاهة قمة المناخ باتت على المحك وهي معرضة للخطر بسبب تأثير شركات الوقود الأحفوري واستضافة دول قمعية بوليسية تُعرف بالفساد والكلبتوقراطية للقمة ممّا يساهم في تقويض أي نتائج مرجوّة.

فهل تعيد استضافة البرازيل قمة المناخ العام المقبل القليل من التوازن والقيمة الفاعلة الى هذا المؤتمر؟



أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.

مصطفى إبراهيم - حقوقي فلسطيني | 24.01.2025

فرح أهل غزة المؤقّت والبحث عما تبقّى من ذاتهم

المفروض أن يعود النازحون من الجنوب الى مدينة غزة وشمالها حسب اتفاق وقف إطلاق النار، وهي المرحلة الثانية من الحرب، والبحث عما تبقى من ممتلكاتهم وأملاكهم وحياتهم. في الوقت ذاته، يبحث الذين هُدمت بيوتهم عن أماكن لإيوائهم أو يسعون الى استئجار شقق والبدء من جديد. هي "حرب" جديدة قد تستمر سنوات من إعادة ترميم الذات…
03.12.2024
زمن القراءة: 6 minutes

من الواضح أنّ نزاهة قمة المناخ باتت على المحك وهي معرضة للخطر بسبب تأثير شركات الوقود الأحفوري واستضافة دول قمعية بوليسية تُعرف بالفساد والكلبتوقراطية للقمة ممّا يساهم في تقويض أي نتائج مرجوّة.

عدنا من مؤتمر كوب 29 واستعدنا بعضاً من الحرية التي شعرنا أنها كانت مهدّدة في البلد السوفياتي السابق. كان الجو العام ينذر بالحذر طوال الوقت، مع الوجود الكثيف للأمنيين والشرطة في المدينة. تُعرف أذربيجان بأنها دولة بوليسية، وكانت هناك كاميرات مراقبة حتى في بعض الحافلات. رجال الأمن، كما نقول في اللهجة اللبنانية، “ما بيضحكوا للرغيف السخن”، وإذا كنتَ قليل الحظ وتحدثوا معك، فطبعاً بنبرة حادة وبلغة الأمر الحازم. أمّا إذا جلسنا عند مدخل السوق القديم على باب القلعة، جلس شرطي أمامنا، ينظر إلينا، من دون حاجته الى إخفاء أنّه يتفحّصنا.

في مركز الإعلام، صادفت شاباً وسيماً بدأ الحديث معي. للوهلة الأولى اعتقدت أنه صحافي، إذ إن مركز الإعلام هو مكان مخصص للصحافيين في الكوب. ولكن لم تمر دقائق قليلة حتى أدركت أنه بالطبع رجل أمن وليس صحافياً. بدأ الحديث معي ثم سألني عن بلدي، وأتبع ذلك بسؤال عن طائفتي. عندما رفضت إخباره، قال لي “أرمنية ولا تريدين القول؟!”، ونظر إلى البطاقة الخاصة بي التي لا يمكننا دخول الكوب من دونها. كان واضحاً من اسم عائلتي أنني لست أرمنية، فاستهزأت به قليلاً قائلة: “اسم عائلتي، نصرالدين، لا يمكنه أن يكون إسلامياً أكثر من ذلك!”، لكنني أدركت هنا أن الرجل مصدر خطر. كان صريحاً وأخبرني أنه من الأمن. ولكن في سياق الحديث، علم أنني أتيت من الأردن لا من لبنان (فقد كنت في زيارة قصيرة لعمان قبلها)، ليفاجئني بالقول: “ملك الأردن ليس جيداً فهو لا يدعمكم”، فقلت له “لا أحد جيد” وأنهيت الحديث وانسحبت مباشرةً.

حالات القمع واتهامات بالتجميل البيئي

بحسب منظمة العفو الدولية، لا يزال 300 شخص، من بينهم صحافيون ومدافعون عن حقوق الإنسان وناشطون، رهن الاعتقال بسبب دوافع سياسية. في إحدى جلسات الكوب، وقف بعض المشاركين في نهاية الجلسة وتأسفوا لعقد الكوب في دولة بوليسية تقمع الحريات ولا تتيح لهم حرية التعبير والكلام.

جائزة Fossil of the Day التي تقدمها شبكة العمل المناخي (CAN) تُمنح يومياً خلال الكوب لأسوأ دولة في المفاوضات. في اليوم الأخير من قمة المناخ، مُنحت الجائزة لأذربيجان لعدم جدّيتها في إدارة المفاوضات بشكل ناجح باعتبارها الدولة المضيفة. عادةً ما يصعد شخص من الجمهور إلى المسرح ليمثّل الدولة “الفائزة” لتسلُّم الجائزة ومتابعة السكتش الكوميدي، ولكن بسبب النظام القمعي في أذربيجان، لم يكن أحد مستعداً لتسلّم الجائزة، لذا احتفظ بها مقدم الفقرة ومضى العرض.

يذكر تقرير منظمة العفو الدولية أنه منذ إعلان أذربيجان كدولة مضيفة للكوب، كثفت السلطات حملتها القمعية على حرية التعبير والتجمع السلمي. أُغلقت منظمات المجتمع المدني المستقلة وسُجن المنتقدون بسبب دوافع سياسية أو نُفيوا. وقالت أنييس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “محاولة الحكومة الأذربيجانية إخفاء سجلها السيئ في حقوق الإنسان خلف قمة مناخية عالمية، هي تبييض بيئي واضح”.

وصف ناشطو البيئة، بمن فيهم الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ، مؤتمر COP29 بأنه “مؤتمر تجميل بيئي”، متّهمين أذربيجان باستخدام الحدث لتحسين صورتها الدولية مع الاستمرار في توسيع صناعتها للوقود الأحفوري. يشير مصطلح التجميل البيئي إلى ممارسة الترويج لسياسات أو منتجات صديقة للبيئة، بينما يتم الانخراط في أنشطة ضارة بالبيئة. في هذه الحالة، يُنظر إلى ترويج أذربيجان لمشاريع الطاقة المتجددة على أنه محاولة لصرف الانتباه عن اعتمادها المستمر على صادرات النفط والغاز.

استضافة أذربيجان لـ COP29

أثارت استضافة أذربيجان مؤتمر COP29 جدلاً كبيراً بسبب اعتماد البلاد الكبير على صادرات النفط والغاز ونظامها السياسي البوليسي. تصريحات الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال المؤتمر، حيث وصف النفط والغاز بأنهما “هبة من الله” لا ينبغي الحدّ منها، لاقت انتقادات حادة، بخاصة من الناشطين البيئيين والمدافعين عن المناخ. خلال خطابه، دافع علييف عن صناعة الوقود الأحفوري في أذربيجان متهماً الدول الغربية بالنفاق لانتقادها بلاده بينما تستمر في شراء نفطها وغازها. عندها قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في الافتتاح، أنّ كلمة الرئيس المضيف مثيرة للقلق.

لطالما شكّلت أذربيجان دولة نفطية رئيسية على الساحة العالمية. فكانت موطناً لأول بئر نفطية تجارية في العالم عام 1846 ولا تزال حتى اليوم مُصدّراً رئيسياً للوقود الأحفوري. يشكل النفط والغاز نحو 90 في المئة من اقتصاد التصدير في أذربيجان و60 في المئة من ميزانية الحكومة، ما يجعلها واحدة من أكثر الدول اعتماداً على الوقود الأحفوري في العالم.

هذا الاعتماد أثار تساؤلات حول مدى ملاءمة أذربيجان لاستضافة COP29، خصوصاً بعدما كان أحد نتاجات المؤتمر الماضي في دبي هو الانتقال العالمي بعيداً عن الوقود الأحفوري، وفقاً لورقة موقف المجتمع المدني العربي الصادرة عن شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية. 

إلّا أنّ أذربيجان تحاول التسويق لنفسها كقائدة في مبادرات الطاقة الخضراء. التزمت الحكومة الأذربيجانية بزيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى 30 في المئة بحلول عام 2030 وتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 35 في المئة بحلول عام 2030 وبنسبة 40 في المئة بحلول عام 2050. ومع ذلك، استناداً إلى بيانات من شركة ريستاد إنرجي، تهدف أذربيجان إلى زيادة إنتاجها من الغاز من 35 مليار متر مكعب في عام 2024 إلى 47 مليار متر مكعب في عام 2034.

يأتي هذا المؤتمر في أذربيجان بعد مؤتمر المناخ في دبي العام الماضي، وفي شرم الشيخ بمصر العام الذي سبقه، حتى يصبح ذلك استكمالاً لسلسلة استضافة قمة المناخ من دول تُعرف بقمعها لحقوق الإنسان والحريات.

العام الماضي، كُشفت فضيحة قيام دبي باتفاقيات نفط وغاز خلال مؤتمر المناخ. حينها، كان سلطان أحمد الجابر، وهو مسؤول تنفيذي في شركة النفط والغاز الحكومية الإماراتية ADNOC، يترأس مؤتمر 2023 في دبي. أما هذا العام، فترأس مفاوضات المناخ موختار باباييف، وزير البيئة الأذربيجاني والمسؤول السابق عن الاستدامة في شركة النفط الحكومية SOCAR. قبل توليه منصبه الوزاري في عام 2018، عمل باباييف في شركة النفط الحكومية لجمهورية أذربيجان (سوكار) لأكثر من عقدين. “من المقلق أنه للعام الثاني على التوالي، سيدير محادثات المناخ العالمية شخص مرتبط بصناعة النفط، ما يجلب مخاطر تضارب المصالح المحتملة إلى الطاولة. وعلى الرغم من أن رؤساء مؤتمر الأطراف لا يملكون سلطة اتخاذ القرارات، إلا أنهم يلعبون دوراً رئيسياً في توجيه المفاوضات وتقديم الحلول الوسطى”، بحسب منظّمة الشفافية الدولية.

محسوبيات لصالح عائلة الرئيس! 

بحسب تحقيق لمشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد (OCCRP)، ما لا يقل عن 5,000 من المشاركين في COP29 سينزلون في غرف فاخرة في منتجع سي بريز على بحر قزوين. يعود مجمع سي بريز بالكامل إلى إمين أغالاروف، الصهر السابق للرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف. تُظهر سجلات المشتريات الحكومية أنه حصل على عقد حكومي بقيمة 5.2 مليون دولار لاستضافة ضيوف COP29 من دون أي عملية مناقصة تنافسية.

يشير التحقيق إلى أنّ كل الشركات المحلية التي تمت تسميتها كأحد “الشركاء الرسميين” للمؤتمر مملوكة لعائلة الحكم أو لأشخاص لديهم علاقات تجارية معروفة معهم، بما في ذلك تكتل مملوك لبنات الرئيس. فمن الشركاء الرسميين الأساسيين، منتج الأغذية الرائد Azersun وPASHA Holding، تكتل يمتد عمله إلى البنوك والتأمين والبناء. في هذا السياق، قال مير جمال باشاييف، نائب رئيس مجلس إدارة الشركة: “سيكون COP29 أداة مهمة لتعزيز جهود الاستدامة لشركة PASHA Holding”. تعود ملكية PASHA Holding إلى ليلى وأرزو علييف، ابنتي الرئيس إلهام علييف، وباشاييف هو ابن عم السيدة الأولى ونائبة الرئيس الأذربيجانية مهريبان علييف، بحسب الـ OCCRP.

في هذا السياق، يذكر تقرير بعنوان “استغلال مؤتمر الأطراف” صادر عن منظّمة الشفافية الدولية ومجموعة بيانات مكافحة الفساد، أنّ الاتفاقية الإطارية تفتقر إلى “ضوابط ضد تأثير الشركات والوقود الأحفوري في تنظيم البلد المضيف لمؤتمر الأطراف”، مضيفًا أنّ “تنظيم أذربيجان لمؤتمر COP29، مع حكومتها الاستبدادية وقطاع الوقود الأحفوري الكبير ومستويات الفساد العالية في القطاع العام، يبرز بوضوح مخاطر عدة على نزاهة مؤتمرات المناخ التابعة للأمم المتحدة”. 

في العام الماضي، وُجِّه اتهام إلى النائب الأميركي هنري كويلار بقبول أكثر من 360,000 دولار أميركي كرشى من شركة SOCAR في الفترة من 2014 إلى 2021 مقابل الترويج لمصالح أذربيجان في واشنطن وتكساس. كما كشف OCCRP، من خلال وثائق مسرّبة، أن باكو أنشأت صندوقاً سرياً بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل هذه الأنشطة، إذ تم تحويل الأموال عبر شركات غامضة. 

قال بريس بومر، الذي يقود عمل الشفافية الدولية بشأن تغير المناخ والحوكمة: “بدون إرشادات حول من يمكن أن يكون شريكًا في مؤتمر الأطراف وكيف ينبغي إدارة تضارب المصالح، يصبح من السهل جدًا على الأنظمة الفاسدة ضمان أن تتمكن عائلاتهم وأصدقاؤهم من استخدام المؤتمر لتجميل صورتهم والاستفادة مباشرة منه”. 

من الواضح أنّ نزاهة قمة المناخ باتت على المحك وهي معرضة للخطر بسبب تأثير شركات الوقود الأحفوري واستضافة دول قمعية بوليسية تُعرف بالفساد والكلبتوقراطية للقمة ممّا يساهم في تقويض أي نتائج مرجوّة.

فهل تعيد استضافة البرازيل قمة المناخ العام المقبل القليل من التوازن والقيمة الفاعلة الى هذا المؤتمر؟



أُنجز هذا التقرير بدعم من برنامج “قريب” الذي تنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الإعلامية CFI وتموله الوكالة الفرنسية للتنمية AFD.