fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“كورونا” تونس عائد من باب الأعراس وضعف الخدمات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ظل تسارع وتيرة الإصابات بفايروس “كورونا” المستجد تزداد مخاوف التونسيين من الأسوأ …

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“بمجرد أن علم الإطار الطبي في قسم الاستعجالي في مستشفى قابس أن الطفل الذي بين يدي زوجتي “حامي” (من مدينة الحامة) أصابهم الذعر وقالوا لوالدته القلقة على فلذة كبدها:” “أڤعدي غااادي” (اجلسي هناك) بعيدة أنتم من الحامة كلكم عندكم الكورونا ولا نستطيع إسعاف الطفل إلا بتحليل مسبق”.

 في الأثناء تُركت الأم وطفلها أكثر من ساعة ونصف دون أي عناية ساءت خلالها حالة أيوب الصغير الذي لم يعد بوسعه التنفس: “رموا إليها جهاز التنفس من مسافة بعيدة وطلبوا إليها أن تتولى إسعافه بنفسها. أخبرتهم أنه ليس بمقدورها القيام بذلك بمفردها فكانت الإجابة هذا كل ما لدينا تدبري أمرك وحدك أو انتظري صدور نتيجة التحليل لكن أيوب لم يكن بوسعه الانتظار أكثر ليموت في قسم الانعاش حيث تم نقله متأخراً، لتضيع حياته نتيجة تقصير وإهمال مبالغ فيه من إطار طبي بداعي الخوف من الكورونا”.    

بهذه الكلمات تحدث محمد عن وفاة طفله (16 شهراً) أمام أنظار أطباء وممرضين، فقط لأنه من مدينة الحامة التي تصنف بؤرة لوباء “كورونا” اليوم. حادثة بشعة أثارت غضباً واسعاً في تونس هذه الأيام وسلطت الضوء مجدداً على واقع المستشفيات العمومية، وكيفية تعاطي الجهاز الطبي مع المرضى، لا سيما في ظل هذا الظرف الدقيق الذي يشهد عودة انتشار قوية لفايروس “كورونا” في البلاد.

ويذكر أن مدينة الحامة التابعة لمحافظة قابس (جنوب شرقي) والتي يقطنها حوالى 100 ألف شخص باتت تصنف كبؤرة للفايروس بعدما تجاوز عدد المصابين فيها 441 شخصاً، غالبيتهم من الشباب، ولم تظهر عليهم أي عوارض تذكر. وبذلك فرض حظر تجول في المدينة بين الخامسة بعد الظهر والخامسة صباحاً لأسبوع وتم تعليق جميع رحلات القطار إليها.

وبالعودة إلى حادثة وفاة أيوب، فالتحليل الذي أجري له أثبت أنه غير مصاب بالفايروس. فشدد والده على أنه سيلاحق المتسببين في موته داخل المستشفى، مؤكداً أن ابنه ما كان ليموت لو وجد من يسعفه ويضع له الأوكسجين الذي كان بحاجة إليه، “أيوب كان ينجم (ممكن) يعيش لو الإطار اللي في السبيطار (المستشفى) حسوا بيه وكأنه ولدهم”.

وفي ظل تسارع وتيرة الإصابات بفايروس “كورونا” المستجد تزداد مخاوف التونسيين من سيناريو اللجوء مجدداً إلى الإغلاق الكلي في البلاد في موجته الثانية بعد فتح الحدود أواخر حزيران/ يونيو الماضي.

وكانت تونس فتحت حدودها أمام حركة المسافرين بعد إغلاق دام أكثر من ثلاثة أشهر ضمن تدابير مكافحة “كورونا”. وقررت الحكومة فتح الحدود البرية والجوية والبحرية منذ 27 حزيران الماضي، عقب إعلانها السيطرة على انتشار “كورونا”.

لكن هذا القرار الذي أثار سجالاً كبيراً في تونس يبدو أن تداعياته ستكون كارثية على البلاد في ظل عدم جهوزية مرافقها الصحية لاستيعاب الأعداد المتزايدة في أغلب المحافظات، وما بات يطلق من صيحات فزع هنا وهناك حول غياب الرعاية الصحية للمصابين بالفايروس وعدم توفير مرافق الحجر الصحي والتعويل على الحجر الذاتي، الذي أثبت منذ البداية أنه ليس ناجعاً أبداً في ظل غياب الوعي الشعبي. 

وأعلنت وزارة الصحة التونسية في 23 آب/ أغسطس تسجيل 75 حالة إصابة جديدة، 66 حالة محلية و9 حالات وافدة، و21 تحليلاً إيجابياً لحالات سابقة لا تزال تحمل الفايروس.

ومنذ فتح الحدود تم تسجيل 1692 حالة مؤكدة، 493 منها حالة وافدة و1198 حالة محلية (70.8 في المئة) و21 حالة وفاة (1.2 في المئة).

ويتم حالياً التكفل بـ41 مريضاً (2.9 في المئة) في المستشفيات، من بينهم 11 (0.8 في المئة) مرضى بأقسام العناية المركزة. ويبلغ عدد الحالات النشيطة 1363 (80 في المئة) وعدد المرضى الحاملين للأعراض 160 (11.7 في المئة).

وتم إجراء 1461 تحليلاً مخبرياً، من بينها 47 تحليلاً في إطار متابعة المرضى السابقين ليبلغ بذلك العدد الإجملي للتحاليل 126596.

في مدينة الحامة أيضاً، روى عز الدين لـ”درج” المعاناة التي واجهتها العائلة بمجرد اكتشاف إصابة زوجة عمه بالفايروس.

يقول: “عندما تأكدنا من إصابة زوجة عمي اتصلنا بالإسعاف فتنصل من المهمة بدعوى أنها غير مهيأ لنقل المرضى فانتقلنا للحماية المدنية التي اعتذرت هي الأخرى تحت ذريعة أن مهمتها محصورة بالحرائق. حينها توجهت إلى المستشفى الميداني العسكري، فأخبرنا أن لا سيارة إسعاف لديهم، فاتصلت بالبلدية التي أرسلت سيارة مدنية نقلتها إلى القسم الاستعجالي في المستشفى المحلي حيث رفضوا العناية بها واكتفوا بوضعها في غرفة معزولة ليأتي في ما بعد ممرض ويطالب بطردها”.

أثار هذا الحادث استياء العائلة ووقوع خلاف مع الأطباء والممرضين، فاتصل عز الدين بأحد نواب عن الجهة، الذي تدخل في الأمر، فحصلت المرأة على سيارة الإسعاف. إلا أن ما راع أفراد عائلتها أن الممرضة أخبرتهم بأنهم من سيتولى إخراجها إلى سيارة الإسعاف، على رغم ارتدائها ملابس واقية. وأمام هذا الموقف اللاإنساني، تقدم ابن المريضة للقيام بالمهمة من دون أي حماية، إلا أنهم منحوه أخيراً رداءً واقياً، ليخرج أمه، على مرأى طاقم طبي يتفرّج من دون أن يحرك ساكناً.

وانتقد عز الدين غياب التقصي بشأن الإصابة وأسبابها وإمكان انتشارها، مؤكداً أن هناك لا مبالاة كبيرة من سلطات الإشراف إزاء الوضع الوبائي في المدينة مؤكداً أنه بعد إصابة زوجة عمه لم تتصل أي جهة لفهم مصدر الفايروس، وأنه ظل يقوم باتصالات شخصية لثلاثة أيام حتى أجروا تحاليل لأفراد العائلة.

رئيس بلدية الحامة ناصف ناجح أكد أن الوضع الصحي في المدينة “كارثي جداً” في ظل الانتشار السريع لفايروس كورونا، منتقداً تقصير السلطات المعنية.

غياب التوعية العامة عامل مهم أيضاً في تفشي المرض، لا سيما بالنسبة إلى العائدين من الخارج والذين ثبت أن بعضهم قدم تحاليل مزورة عن حالتهم الصحية، فيما لم يلتزم آخرون بفترة الحجر الصحي، بحجة الرغبة في الاستمتاع في الإجازة، بدل البقاء في البيت.

وأوضح أن “الأعداد كبيرة في زيادة مستمرة ونحن نعاني من عدم قبول المستشفيات مرضى مدينة الحامة. ويتم الاتصال بمراكز الإسعاف فتتجاهل النداء فيلجأ المرضى للحماية المدنية فتخبرهم أنها غير معنية بهذه الأمور. إلى متى ستبقى المستشفيات مغلقة في وجوه الناس الذين بدأوا يتساقطون في الشارع من دون إيجاد وسيلة إسعاف؟ إلى متى سيستمر التنسيق ما بين المستشفى المحلي في الجهة والمستشفى العسكري الميداني معطلاً بهذه الطريقة، بسبب غياب إدارة فاعلة في هذا الظرف الدقيق؟ الوضع كارثي هنا ولا يحتمل المزيد من التعطيل، لا بد من التدخل السريع لإيجاد مكان لعزل المصابين وإيقاف النزيف”.

ليس ضعف الخدمات الصحية في تونس هو السبب الوحيد لانتشار الفايروس في البلاد، فغياب التوعية العامة عامل مهم أيضاً في تفشي المرض، لا سيما بالنسبة إلى العائدين من الخارج والذين ثبت أن بعضهم قدم تحاليل مزورة عن حالتهم الصحية، فيما لم يلتزم آخرون بفترة الحجر الصحي، بحجة الرغبة في الاستمتاع في الإجازة، بدل البقاء في البيت.

تروي زينب (اسم مستعار) لـ”درج” قصة عائلة أقاربها العائدة من هولاندا والتي تسببت في نشر الفايروس في أكثر من محافظة من أجل ألا يلقى زفاف ابنتيها، يؤكد ذلك.

تقول زينب، “عادت قريبتنا من هولندا برفقة زوجها قبل عيد الأضحى بأيام قليلة لتحضير حفلي زفاف ابنتيها اللتين تقررت عودتهما لاحقاً، أي بعد استكمال تحضيرات الزفاف التي أوكلت للوالدين اللذين باشرا بإعدادها، بدل الالتزام بالحجر الصحي، بكل ما تتطلبه المسألة من لقاءات واختلاط مع آخرين. ووصلت الفتاتان من دون إجراء أي تحاليل، وأكّدتا أنهما بخير”.

انطلق حفل زفاف الأولى وسط حضور عائلي واسع على مدار أيام وفي أكثر من مكان، المنزل، الحمام، قاعتي أفراح. حينها بدا القلق والتشنج على ملامح الأب، لكن أفراد العائلة أكّدوا أن الأمر مجرد حالة نفسية متعبة، وحتى مع تعكر حالته الصحية وعجزه عن الوقوف، أصرت الزوجة والعائلة على القول إنه قد أصيب بنزلة برد وواصلوا إخفاء مرضهم وأكملوا زفاف ابنتهم الثانية”.

على رغم الحالة الصحية الحرجة للوالد وإصابة الأم والفتاتين، وبعض الأقارب، تمسكوا بالكتمان والقول إن مرد ذلك التعب والإجهاد في سبيل ألا يتوقف زفاف الموت الذي أقيم في إحدى قاعات الأفراح في العاصمة، علماً أن الزفاف الأول أقيم في محافظة الكاف أي أن أقارب زينب نشروا عمداً الفايروس من محافظة إلى أخرى. حتى أنّ العرسان ذهبوا لتمضية شهر العسل، متنقلين من فندق إلى آخر، بين محافظات عدة، المهدية (وسط شرقي) ونابل والحمامات (شمال شرقي) وجربة (جنوب شرقي) من دون أدنى شعور بالذنب.

وتضيف زينب، “رفضت العائلة القيام بالتحاليل خوفاً من أن يكشف أمرها، فقامت سيدتان من الأقارب بالتحليل واكتشفت أنهما مصابتان. فما كان من أفراد العائلة إلا أن اتهموا السيدتين بنقل العدوى إليهم، ثم راحوا يلقون اللوم في إصابتهم على أي شخص كان معهم في الزفافين واكتشف أنه مصاب. في حين تم الإمساك بالعروستين اللتين واصلتا الإنكار إثر ملاحقة أمنية بعد هروبهما”.   

وتجدر الإشارة أنه قد ثبتت إصابة 122 شخصا بالعدوى من بين المخالطين للعائلة فيما تم أخضاع 450 آخرين للحجر الصحي في حين مازالت عملية التقصي متواصلة. وأكدت مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية في تصريحات صحفية، أن حلقات العدوى بفيروس كورونا المسجلة مؤخرا في محافظة الكاف متشابهة ومرتبطة بحفل الزفاف السالف ذكره.

26.08.2020
زمن القراءة: 6 minutes

في ظل تسارع وتيرة الإصابات بفايروس “كورونا” المستجد تزداد مخاوف التونسيين من الأسوأ …

“بمجرد أن علم الإطار الطبي في قسم الاستعجالي في مستشفى قابس أن الطفل الذي بين يدي زوجتي “حامي” (من مدينة الحامة) أصابهم الذعر وقالوا لوالدته القلقة على فلذة كبدها:” “أڤعدي غااادي” (اجلسي هناك) بعيدة أنتم من الحامة كلكم عندكم الكورونا ولا نستطيع إسعاف الطفل إلا بتحليل مسبق”.

 في الأثناء تُركت الأم وطفلها أكثر من ساعة ونصف دون أي عناية ساءت خلالها حالة أيوب الصغير الذي لم يعد بوسعه التنفس: “رموا إليها جهاز التنفس من مسافة بعيدة وطلبوا إليها أن تتولى إسعافه بنفسها. أخبرتهم أنه ليس بمقدورها القيام بذلك بمفردها فكانت الإجابة هذا كل ما لدينا تدبري أمرك وحدك أو انتظري صدور نتيجة التحليل لكن أيوب لم يكن بوسعه الانتظار أكثر ليموت في قسم الانعاش حيث تم نقله متأخراً، لتضيع حياته نتيجة تقصير وإهمال مبالغ فيه من إطار طبي بداعي الخوف من الكورونا”.    

بهذه الكلمات تحدث محمد عن وفاة طفله (16 شهراً) أمام أنظار أطباء وممرضين، فقط لأنه من مدينة الحامة التي تصنف بؤرة لوباء “كورونا” اليوم. حادثة بشعة أثارت غضباً واسعاً في تونس هذه الأيام وسلطت الضوء مجدداً على واقع المستشفيات العمومية، وكيفية تعاطي الجهاز الطبي مع المرضى، لا سيما في ظل هذا الظرف الدقيق الذي يشهد عودة انتشار قوية لفايروس “كورونا” في البلاد.

ويذكر أن مدينة الحامة التابعة لمحافظة قابس (جنوب شرقي) والتي يقطنها حوالى 100 ألف شخص باتت تصنف كبؤرة للفايروس بعدما تجاوز عدد المصابين فيها 441 شخصاً، غالبيتهم من الشباب، ولم تظهر عليهم أي عوارض تذكر. وبذلك فرض حظر تجول في المدينة بين الخامسة بعد الظهر والخامسة صباحاً لأسبوع وتم تعليق جميع رحلات القطار إليها.

وبالعودة إلى حادثة وفاة أيوب، فالتحليل الذي أجري له أثبت أنه غير مصاب بالفايروس. فشدد والده على أنه سيلاحق المتسببين في موته داخل المستشفى، مؤكداً أن ابنه ما كان ليموت لو وجد من يسعفه ويضع له الأوكسجين الذي كان بحاجة إليه، “أيوب كان ينجم (ممكن) يعيش لو الإطار اللي في السبيطار (المستشفى) حسوا بيه وكأنه ولدهم”.

وفي ظل تسارع وتيرة الإصابات بفايروس “كورونا” المستجد تزداد مخاوف التونسيين من سيناريو اللجوء مجدداً إلى الإغلاق الكلي في البلاد في موجته الثانية بعد فتح الحدود أواخر حزيران/ يونيو الماضي.

وكانت تونس فتحت حدودها أمام حركة المسافرين بعد إغلاق دام أكثر من ثلاثة أشهر ضمن تدابير مكافحة “كورونا”. وقررت الحكومة فتح الحدود البرية والجوية والبحرية منذ 27 حزيران الماضي، عقب إعلانها السيطرة على انتشار “كورونا”.

لكن هذا القرار الذي أثار سجالاً كبيراً في تونس يبدو أن تداعياته ستكون كارثية على البلاد في ظل عدم جهوزية مرافقها الصحية لاستيعاب الأعداد المتزايدة في أغلب المحافظات، وما بات يطلق من صيحات فزع هنا وهناك حول غياب الرعاية الصحية للمصابين بالفايروس وعدم توفير مرافق الحجر الصحي والتعويل على الحجر الذاتي، الذي أثبت منذ البداية أنه ليس ناجعاً أبداً في ظل غياب الوعي الشعبي. 

وأعلنت وزارة الصحة التونسية في 23 آب/ أغسطس تسجيل 75 حالة إصابة جديدة، 66 حالة محلية و9 حالات وافدة، و21 تحليلاً إيجابياً لحالات سابقة لا تزال تحمل الفايروس.

ومنذ فتح الحدود تم تسجيل 1692 حالة مؤكدة، 493 منها حالة وافدة و1198 حالة محلية (70.8 في المئة) و21 حالة وفاة (1.2 في المئة).

ويتم حالياً التكفل بـ41 مريضاً (2.9 في المئة) في المستشفيات، من بينهم 11 (0.8 في المئة) مرضى بأقسام العناية المركزة. ويبلغ عدد الحالات النشيطة 1363 (80 في المئة) وعدد المرضى الحاملين للأعراض 160 (11.7 في المئة).

وتم إجراء 1461 تحليلاً مخبرياً، من بينها 47 تحليلاً في إطار متابعة المرضى السابقين ليبلغ بذلك العدد الإجملي للتحاليل 126596.

في مدينة الحامة أيضاً، روى عز الدين لـ”درج” المعاناة التي واجهتها العائلة بمجرد اكتشاف إصابة زوجة عمه بالفايروس.

يقول: “عندما تأكدنا من إصابة زوجة عمي اتصلنا بالإسعاف فتنصل من المهمة بدعوى أنها غير مهيأ لنقل المرضى فانتقلنا للحماية المدنية التي اعتذرت هي الأخرى تحت ذريعة أن مهمتها محصورة بالحرائق. حينها توجهت إلى المستشفى الميداني العسكري، فأخبرنا أن لا سيارة إسعاف لديهم، فاتصلت بالبلدية التي أرسلت سيارة مدنية نقلتها إلى القسم الاستعجالي في المستشفى المحلي حيث رفضوا العناية بها واكتفوا بوضعها في غرفة معزولة ليأتي في ما بعد ممرض ويطالب بطردها”.

أثار هذا الحادث استياء العائلة ووقوع خلاف مع الأطباء والممرضين، فاتصل عز الدين بأحد نواب عن الجهة، الذي تدخل في الأمر، فحصلت المرأة على سيارة الإسعاف. إلا أن ما راع أفراد عائلتها أن الممرضة أخبرتهم بأنهم من سيتولى إخراجها إلى سيارة الإسعاف، على رغم ارتدائها ملابس واقية. وأمام هذا الموقف اللاإنساني، تقدم ابن المريضة للقيام بالمهمة من دون أي حماية، إلا أنهم منحوه أخيراً رداءً واقياً، ليخرج أمه، على مرأى طاقم طبي يتفرّج من دون أن يحرك ساكناً.

وانتقد عز الدين غياب التقصي بشأن الإصابة وأسبابها وإمكان انتشارها، مؤكداً أن هناك لا مبالاة كبيرة من سلطات الإشراف إزاء الوضع الوبائي في المدينة مؤكداً أنه بعد إصابة زوجة عمه لم تتصل أي جهة لفهم مصدر الفايروس، وأنه ظل يقوم باتصالات شخصية لثلاثة أيام حتى أجروا تحاليل لأفراد العائلة.

رئيس بلدية الحامة ناصف ناجح أكد أن الوضع الصحي في المدينة “كارثي جداً” في ظل الانتشار السريع لفايروس كورونا، منتقداً تقصير السلطات المعنية.

غياب التوعية العامة عامل مهم أيضاً في تفشي المرض، لا سيما بالنسبة إلى العائدين من الخارج والذين ثبت أن بعضهم قدم تحاليل مزورة عن حالتهم الصحية، فيما لم يلتزم آخرون بفترة الحجر الصحي، بحجة الرغبة في الاستمتاع في الإجازة، بدل البقاء في البيت.

وأوضح أن “الأعداد كبيرة في زيادة مستمرة ونحن نعاني من عدم قبول المستشفيات مرضى مدينة الحامة. ويتم الاتصال بمراكز الإسعاف فتتجاهل النداء فيلجأ المرضى للحماية المدنية فتخبرهم أنها غير معنية بهذه الأمور. إلى متى ستبقى المستشفيات مغلقة في وجوه الناس الذين بدأوا يتساقطون في الشارع من دون إيجاد وسيلة إسعاف؟ إلى متى سيستمر التنسيق ما بين المستشفى المحلي في الجهة والمستشفى العسكري الميداني معطلاً بهذه الطريقة، بسبب غياب إدارة فاعلة في هذا الظرف الدقيق؟ الوضع كارثي هنا ولا يحتمل المزيد من التعطيل، لا بد من التدخل السريع لإيجاد مكان لعزل المصابين وإيقاف النزيف”.

ليس ضعف الخدمات الصحية في تونس هو السبب الوحيد لانتشار الفايروس في البلاد، فغياب التوعية العامة عامل مهم أيضاً في تفشي المرض، لا سيما بالنسبة إلى العائدين من الخارج والذين ثبت أن بعضهم قدم تحاليل مزورة عن حالتهم الصحية، فيما لم يلتزم آخرون بفترة الحجر الصحي، بحجة الرغبة في الاستمتاع في الإجازة، بدل البقاء في البيت.

تروي زينب (اسم مستعار) لـ”درج” قصة عائلة أقاربها العائدة من هولاندا والتي تسببت في نشر الفايروس في أكثر من محافظة من أجل ألا يلقى زفاف ابنتيها، يؤكد ذلك.

تقول زينب، “عادت قريبتنا من هولندا برفقة زوجها قبل عيد الأضحى بأيام قليلة لتحضير حفلي زفاف ابنتيها اللتين تقررت عودتهما لاحقاً، أي بعد استكمال تحضيرات الزفاف التي أوكلت للوالدين اللذين باشرا بإعدادها، بدل الالتزام بالحجر الصحي، بكل ما تتطلبه المسألة من لقاءات واختلاط مع آخرين. ووصلت الفتاتان من دون إجراء أي تحاليل، وأكّدتا أنهما بخير”.

انطلق حفل زفاف الأولى وسط حضور عائلي واسع على مدار أيام وفي أكثر من مكان، المنزل، الحمام، قاعتي أفراح. حينها بدا القلق والتشنج على ملامح الأب، لكن أفراد العائلة أكّدوا أن الأمر مجرد حالة نفسية متعبة، وحتى مع تعكر حالته الصحية وعجزه عن الوقوف، أصرت الزوجة والعائلة على القول إنه قد أصيب بنزلة برد وواصلوا إخفاء مرضهم وأكملوا زفاف ابنتهم الثانية”.

على رغم الحالة الصحية الحرجة للوالد وإصابة الأم والفتاتين، وبعض الأقارب، تمسكوا بالكتمان والقول إن مرد ذلك التعب والإجهاد في سبيل ألا يتوقف زفاف الموت الذي أقيم في إحدى قاعات الأفراح في العاصمة، علماً أن الزفاف الأول أقيم في محافظة الكاف أي أن أقارب زينب نشروا عمداً الفايروس من محافظة إلى أخرى. حتى أنّ العرسان ذهبوا لتمضية شهر العسل، متنقلين من فندق إلى آخر، بين محافظات عدة، المهدية (وسط شرقي) ونابل والحمامات (شمال شرقي) وجربة (جنوب شرقي) من دون أدنى شعور بالذنب.

وتضيف زينب، “رفضت العائلة القيام بالتحاليل خوفاً من أن يكشف أمرها، فقامت سيدتان من الأقارب بالتحليل واكتشفت أنهما مصابتان. فما كان من أفراد العائلة إلا أن اتهموا السيدتين بنقل العدوى إليهم، ثم راحوا يلقون اللوم في إصابتهم على أي شخص كان معهم في الزفافين واكتشف أنه مصاب. في حين تم الإمساك بالعروستين اللتين واصلتا الإنكار إثر ملاحقة أمنية بعد هروبهما”.   

وتجدر الإشارة أنه قد ثبتت إصابة 122 شخصا بالعدوى من بين المخالطين للعائلة فيما تم أخضاع 450 آخرين للحجر الصحي في حين مازالت عملية التقصي متواصلة. وأكدت مديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية في تصريحات صحفية، أن حلقات العدوى بفيروس كورونا المسجلة مؤخرا في محافظة الكاف متشابهة ومرتبطة بحفل الزفاف السالف ذكره.

26.08.2020
زمن القراءة: 6 minutes
|
آخر القصص
مشاريع الاستثمار المتلكّئة في العراق: تفاقم أزمة السكن بدلاً من حلّها!
شبكة "نيريج" للصحافة الاستقصائية في العراق | 26.04.2025
محاولة لإعادة تعريف البكاء 
دلير يوسف- كاتب ومخرج من سوريا | 26.04.2025
من يتعمّد إقصاء النساء من المشهد العام في سوريا؟
مناهل السهوي - كاتبة وصحفية سورية | 25.04.2025
بابا الفقراء وأبناء الله
وائل السواح- كاتب سوري | 25.04.2025

اشترك بنشرتنا البريدية