فقدت جميلة، وهي طالبة جامعية في العاصمة اليمنية صنعاء، والدها ووالدتها، على رغم إجراءات وقائية اتخذتها العائلة للحماية من فايروس “كورونا”.
الفايروس يتفشى في اليمن وسط غموض يلف حقيقة الانتشار ورقعته، مع أنباء عن وصول الإصابات إلى قيادات وزارة الصحة الخاضعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، والتي تواجه انتقادات بالتكتم على تفشي الوباء، فيما لا تبدو المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف والحكومة المعترف بها دولياً، بأفضل حال في ظل نظام صحي شبه منهار.
تكشف جميلة (اسم مستعار)، لـ”درج” أن والدها توفي مطلع أيار/ مايو 2020، بعد أيام قليلة من إسعافه إلى أحد المستشفيات نتيجة إصابته بـ”حمى”، قبل أن تلحقه زوجته، التي لم تكن تظهر عليها أعراض فايروس “كورونا”، وعلى رغم عدم تأكيد وفاتهما بالفايروس، إلا أن الأسرة دخلت في “حجر منزلي”.
وتكررت في الفترة الأخيرة، أنباء اقتحام بعض المنازل والأسواق من قبل فرق طبية وأمنية ترتدي الكمامات، في أكثر من منطقة في صنعاء، فضلاً عن تسجيل الكثير من الوفيات، تذهب غالبية المعلومات بشأنها إلى أنها نتيجة الفايروس، من دون أن يصدر أن أي تأكيد رسمي من الجهات الصحية ذات الصلة.

وضمن أحدث المعلومات التي أثيرت يمنياً، قال الصحافي والكاتب السياسي سامي غالب، رئيس تحرير أسبوعية “النداء”، المتوقفة عن الصدور، إن 20 قيادياً في وزارة الصحة في صنعاء، مصابون بالفايروس.
من جانبها، قالت منظمة “سام” الحقوقية اليمنية، إنه وبحسب الشهادات التي جمعتها فإن “العدد الحقيقي للإصابات بفايروس كورونا يتجاوز المئات وربما الآلاف من الإصابات المؤكدة، فيما الوفيات قد تصل إلى المئات”. وأضافت أن “مستشفيات (الكويت) و(الرازي) في صنعاء ومستشفى (جبلة) في محافظة إب” تحولت إلى “مراكز لأمراض الفايروس ومحاطة بإجراءات أمنية كبيرة وغير مسبوقة، إضافة إلى مستشفيات أخرى في العاصمة صنعاء”.
وفيما تناقل يمنيون صوراً من مراسم دفن مفترضة يعتقد أنها لمتوفين بوباء كورونا، ذكرت منظمة “سام” أن “وزير الصحة في حكومة الحوثي أفصح في اجتماع سري أن الإصابات بمرض كورونا في صنعاء بالآلاف، وأن الوزارة تدفن يومياً ضحايا للفايروس بحضور اثنين من أهاليهم”.
“اليمن يعيش مأساة إنسانية واجتماعية واقتصادية وحروباً داخلية وخارجية منذ ما يقارب 10 سنوات ويأتي فايروس كورونا هذه السنة ليزيد الطين بلة ويزيد معاناة اليمنيين ويصبغ عيدهم هذا بلون أكثر قتامة عما سبق”.
وتواصل “درج”، مع المتحدث باسم وزارة الصحة في صنعاء الدكتور يوسف الحاضري للتعليق بشأن المعلومات المتداولة، لكنه أفاد بأن “ما نكتشفه وما يظهر نحن نعلنه أولاً بأول”، وقال إنه “ما دون ذلك فالأمر لا يعنينا مهما تكلم الناس ومهما تكلم الآخرون، هم سيتكلمون ونتوقع أيضاً أن يتكلموا”، وأضاف “لدينا إجراءات دائماً نعرضها عليكم، تعميماتنا، رسائلنا تحركاتنا في الميدان هي التي توضح لنا من نحن”.
المنظمات تتنصل عن الدعم
قال الحاضري: “بالنسبة إلى كورونا في اليمن كما يعرف الجميع الوضع الصحي في اليمن في ظل العدوان منذ خمسة أعوام، ضعيف جداً والبنية التحتية منهكة”. وأضاف: “حتى في ظل كورونا وفي ظل انتشاره عالمياً حتى قبل دخوله إلى اليمن، لم تتفاعل المنظمات الدولية معنا كما هو مطلوب، وبعد ظهور حالات في اليمن ما زالت متنصلة من مسؤوليتها”.
وتوقع الحاضري أن “ينتشر فايروس كورونا في جميع محافظات اليمن وفي أماكن كثيرة وفقاً للوضع الذي نتكلم عليه ووفقاً للدخل اليمني”، وظروف ما وصفه بـ”الحصار والعدوان”، وحتى نتيجة “العادات والتقاليد المجتمعية في اليمن التي يعرفها الجميع، حيث التقارب الكبير”.
وكان وزير الصحة في صنعاء أعلن في مؤتمر صحافي عقده في 16 أيار/ مايو الجاري، عن حالتي شفاء، وتحدث عن “ضرورة التركيز على نسبة الشفاء وعدم خلق حالة من الهلع لدى المواطنين بالإصابات فقط”، وفي الوقت نفسه قال: “لا نريد أن يصل الناس إلى حالة اطمئنان بالمطلق يجب أن نخفف من حالة الرعب وفي المقابل رفع وتيرة الاحترازات، لأن البعض يظن أن فايروس كورونا معناه الوفاة، لكن الحقيقة أن نسبة الشفاء كبيرة في العالم”.

يمثل عدم إعلان السلطات الصحية الخاضعة للحوثيين، عن أعداد الضحايا، أبرز قضية محورية تُثار حولها الأسئلة المتصلة بتفشي “كورونا” في اليمن، في ظل تحفظ الجهات الدولية المعنية، كمنظمة الصحة العالمية، طوال الفترة الماضية، عن تقديم إجابات حاسمة بشأن إخفاء حقيقة انتشار الفايروس، باستثناء التصريحات التي أطلقتها منسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي أواخر نيسان/ أبريل الماضي، بالمطالبة بـ”إعلام الناس بدقة وسرعة حول ما يحدث”.
وأوضح المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة (أوتشا)، ينس لاركيه، منذ أيام، أن اليمن على حافة الهاوية الآن، والوضع مقلق للغاية، وأضاف “يتحدثون عن أن النظام الصحي انهار بالفعل”، مشيراً إلى تقارير عن رفض المستشفيات استقبال “الناس”، وذلك بسبب “عدم توفر الأوكسجين الكافي وعدم توفر معدات الوقاية الشخصية الكافية”.
نظام صحي لا يبعث على الاطمئنان
في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والأطراف المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، جنوباً وشرقاً، أعلنت اللجنة العليا للطوارئ الحكومية أنها حتى 27 أيار 2020، رصدت 249 حالة إصابة مؤكدة بينها 49 وفاة و10 حالات تعافي، في الكثير من المحافظات، وتشمل عدن وحضرموت، شبوة، تعز، أبين، لحج، الضالع، المهرة، وحتى مأرب.
وعلى رغم الإعلان عن الحالات، لا يبعث وضع القطاع الصحي على الاطمئنان للأعداد المعلنة من قبل الجهات الصحية، إذ إن الحالات المسجلة لأعداد قليلة ممن تسنى لهم الوصول إلى المستشفيات وخضعوا للفحص بالأجهزة الطبية المعنية، لكن تقديرات الأطباء تشير إلى أن أعداد المصابين قد تكون أكبر بكثير مما هو معلن.
وتعززت المخاوف بشأن الوباء، في بيان أصدرته “منظمة أطباء بلا حدود”، وهي الجهة التي تدير المركز الوحيد المختص باستقبال حالات “كورونا” في عدن ومحيطها، في 21 أيار، وقالت إن “عدد الوفيات في مركز علاج مرضى كوفيد-19 الذي تُديره يعكس وجود كارثة أوسع نطاقاً في المدينة بدأت تتكشف فصولها الآن”.
وأوضحت المنظمة أن المركز الذي تدبره في عدن استقبل بين 30 نيسان و17 أيار 173 مريضاً لقي على الأقل 68 منهم حتفهم، وأضافت “يصل الكثير من المرضى إلى المركز وهم يعانون من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، ما يجعل إنقاذ حياتهم مهمةً صعبةً، ويشير إلى أن في منازلهم مصابين آخرين”.
وفي ظل الغموض الذي يلف حقيقة انتشار الوباء، وعجز الجهات الصحية عن تقديم إجابات كافية، جاءت مناسبة عيد الفطر، لترتفع نسبة المخاوف إلى مستويات غير مسبوقة، بسبب الطقوس التي ترافق المناسبة من زيارات بين الأقارب وعودة مئات آلاف المقيمين في المدن إلى قراهم، في ظل تجاهل الكثير من اليمنيين الإجراءات الوقائية أو بعضها على الأقل، بما يبعث الخشية من أن يكون العيد قد نقل كارثة “كورونا” إلى مرحلة جديدة يصعب التكهن بحدودها.
الخبيرة الاجتماعية اليمنية الدكتورة نجاة الصائم توضح لـ”درج” أن “اليمن يعيش مأساة إنسانية واجتماعية واقتصادية وحروباً داخلية وخارجية منذ ما يقارب 10 سنوات ويأتي فايروس كورونا هذه السنة ليزيد الطين بلة ويزيد معاناة اليمنيين ويصبغ عيدهم هذا بلون أكثر قتامة عما سبق”.
وتتابع أنه إضافة إلى طقوس الأعياد المتعارف عليها في كل البلدان، إلا أن أهم ما يميز العيد في اليمن الحرص على زيارة الأرحام من النساء أو ما يسمى في اليمن “زيارة المكالف”، فالرجال يحرصون على زيارة قريباتهم مثل العمات والخالات وبناتهن وحفيداتهن في عيدي الفطر والأضحى، حتى ولو كن في أماكن بعيدة منهم قد تضطرهم إلى السفر إليهن وإعطائهن مبلغاً مالياً أو ما يسمى “العسب” أو “العُيادةَ”.
وعادة ما تنتظر كثيرات هذه الزيارة والعسب بشوق واهتمام كبيرين لما لهما من معنى نفسي واجتماعي واقتصادي في حياتهن، خصوصاً أن هذه الزيارة تكون في العيد فقط، كما أن هناك نساء يعتمدن على هذا العسب لشراء المقتنيات. وفي المقابل، تقول الصائم إن “انتشار الفايروس يحتم على الجميع البقاء في البيوت”.