fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

“كورونا” لبنان: حسم رواتب وطرد موظفين والطبقة الوسطى تتداعى 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يجد المواطن نفسه اليوم أمام استحقاقات تستهدف وجوده فيما يختبئ من “كورونا” في بيته، هل سيدفع فواتيره؟ سنداته؟ إيجار بيته؟ قسط الأثاث؟ السيارة؟ هل ستتراكم فوق رأسه إن تخلّف عن الدفع؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أقل من ربع راتبي، هذا ما حصلت عليه نهاية شهر آذار/ مارس 2020، وقد أخبرني ربّ العمل أنه ابتداءً من الآن لن يستطيع أن يدفع لي راتبي، وطلب أن أعتبر فترة الحجر هذه إجازةً مفتوحة. وحين حاولت المطالبة وإن بمبلغ صغير حتى أدفع إيجار الغرفة التي أعيش فيها، لم يسمعني وطلب مني المغادرة”. هكذا تروي ليلى (عاملة في محل للألبسة) لـ”درج” ما حصل معها. وتضيف: “في النهاية ما بيدي حيلة، خرجت باكيةً، وحاولت أن أرجو صاحبة الغرفة حيث أسكن بأن تصبر قليلاً حتى أجد حلاً”.

نرمين اضطرت إلى إقفال محلّها لبيع أحذية الأطفال، وزوجها عامل مياوم في التوريق، قابع في المنزل منذ نهاية الصيف مع توقف المشاريع العقارية والتدهور الاقتصادي الحاصل وغلاء الدولار. تقول نرمين لـ”درج”: “عندي 4 أطفال، اثنان في الجامعة والآخران في المدرسة، ويُطلَب منّا الآن الجلوس في البيت من دون تأمين أي مساعدة أو دعم لنستطيع الاستمرار وإطعام عائلاتنا ودفع الفواتير والأقساط”.

قصتا ليلى ونرمين ليستا الأكثر تعاسةً في بلاد يقبع فيها نحو ثلث الشعب تحت وطأة الفقر المدقع. فمشاهد طرابلس وحلبا وهما تنتفضان حتى في زمن المرض، تفسّر أننا في أصعب الظروف، إنما أيضاً في أسوأ دول العالم. وأتى الحجر المنزلي الآن ليزيد الطين بلّةً، فمن كان قادراً على تأمين حاجاته الأساسية، سينتهي به الأمر في العوز والجوع، في ظل عدم اتخاذ إجراءات تؤمن للناس حياة لائقة في ظل الحجر الذي قد يمتدّ شهوراً.

البنك الدولي كان فنّد قبل “كورونا” الافتراضات الرئيسية لمحاكاة تأثير الأزمة المرتقبة خلال عام 2020، وتوقّع أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد نحو 17.7 في المئة. من المرجّح أن يبلغ معدل التضخم نحو 22.4 في المئة، هذا يعني أن الأُسر ستفقد أكثر من 4.7 في المئة من استهلاكها. لذلك أصبح شبه مؤكد أن تأثير الأزمة في معدّلات الفقر والفقر المُدقع سيكون كارثياً، فخطّ الفقر سيشمل 41 في المئة من اللبنانيين خلال عام 2020، اذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، كما ستصل نسبة الذين يرزحون تحت آفات الفقر المُدقع إلى 20 في المئة بعدما ارتفعت هذه النسبة من 10 في المئة عام 2012 الى 13.7 في المئة خلال عام 2019. 

صرف وصرف مقنّع؟

ليس غريباً على أحد أن شركات كثيرة أعلمت موظّفيها بأن رواتبهم ستتوقف أو في أحسن الأحوال سيحسم جزء منها، إلى أن تتحسّن الظروف وتعود المياه إلى مجاريها. 

في اتصال مع وزارة العمل، أكدت لـ”درج” أنها “تعمل بما تملكه من إمكانات  لحماية العمّال والمستخدمين وتأمين حقوقهم، وهي تحاول الاجتماع بالقيّمين على القطاعات الخاصة لمحاولة ضبط عمليات التعسف بحق الموظفين”. لكنّ الواقع أن وزارة العمل تملك 36 مفتشاً، مقابل آلاف المؤسسات بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وبالتالي يستحيل أن يضبطوا ما يحدث وما يتعرّض له العمّال والمستخدمون من ابتزاز وتهديد بلقمة العيش.

وتشدد الوزارة على التعميم الذي أصدره مصرف لبنان والذي يؤمن لأصحاب المؤسسات قروضاً مريحة من دون فائدة، وذلك لدفع مستحقات الموظفين. إلا أن معظم هذه المؤسسات لن يُدخل نفسه في نفق جديد من القروض، قد لا يستطيع سدادها وإن كانت فائدتها 0 في المئة. ومن استطاع من المؤسسات الكبيرة الحصول على القروض هذه، فلا نعلم حقاً إن كان سيتم استخدامها لتأمين رواتب العمّال.

آخر أيام الطبقة الوسطى

في مقابل ذلك، تظهر مشكلة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب بعض المهن الحرة، بمعنى آخر جزء كبير من الطبقة المتوسّطة التي لم تعد قادرة على تدبّر أمورها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة (أقل من 50 عاملاً) باتت مهددة بالإفلاس والإقفال، في ظل كل ما تعانيه في الفترة الأخيرة. 

وحين تنهار هذه المؤسسات، وهي على طريق الانهيار، يكون الحديث عن انهيار البلاد وشيكاً، فيما تستعيض الدولة عن نفسها بأحزاب توزّع على الناس حصصاً غذائية، بحيث يقدّم كل حزب لمناصريه علباً مذلّة فيها أرز و”بيكون”، فيما إضافة إلى الأكل والشرب، يجد المواطن نفسه اليوم أمام استحقاقات تستهدف وجوده فيما يختبئ من “كورونا” في بيته، هل سيدفع فواتيره؟ سنداته؟ إيجار بيته؟ قسط الأثاث؟ السيارة؟ هل ستتراكم فوق رأسه إن تخلّف عن الدفع؟

الحق يقال، مزاج المصارف على ما يبدو لم يعد يتحمّل أن يتظاهر الناس أمام أبوابها، لذلك يقوم مصرف لبنان بمنح الناس جرعات منوّمة لعلّهم ينامون قليلاً ريثما تحدث أعجوبة ما، أو ريثما تنتهي عملية السطو على ما تبقى من أرواح وودائع.

يبلغ عدد الشركات في لبنان نحو 100 ألف شركة، 95 في المئة منها هي شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، والأخيرة تشغّل نصف اليد العاملة اللبنانية، التي هي في الأحوال العادية حوالى 750 ألف عامل، وبالتالي بين 400 ألف إلى 500 ألف شخص يعملون في مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم. في هذا الإطار، يوضح الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ”درج” أن “مصير هذه المؤسسات صعب جداً فمعظمها لا يملك القدرات المالية لامتصاص الصدمات المتتالية بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية وأيضاً بسبب أزمة “كورونا. معظم هذه الشركات ستلجأ إلى صرف عمّالها في الظروف الراهنة، وهؤلاء العمّال سيكونون الضحية الأكبر، فيما النظام كله في أزمة الآن مع إعلان الحكومة اللبنانية تخلّفها عن دفع سندات اليووبوند، وبالتالي لم يعد يدخل دولار إلى البلد”.

ويضيف: “الوضع الاقتصادي والمالي صعب جداً، فالدولة فقدت إيراداتها، النشاط الاقتصادي متوقف بسبب كورونا، إضافة إلى التخلف عن دفع سندات يوروبوند بقيمة 90 مليار دولار. وهناك تخبط سياسي في البلد، وإذا طالت أزمة كورونا، فإننا متجهون إلى أزمة اجتماعية، بسبب قلة المداخيل. المشهد قاتم نحن نمر في مرحلة خطيرة، ولا يمكن الخلاص من هذا النفق للأسف إلا بطلب مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي”.

في مقابل المشهد القاتم والرعب من الجوع والمرض، تطالعنا وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد الاجتماع الوزاري، لتوبّخ المواطنين لاستخفافهم بـ”كورونا” وعدم التزامهم الحجر المنزلي، مهدّدة الفقراء والمساكين بإجراءات أكثر صرامة، فيما لم تعطِ هؤلاء أي آلية أو وسيلة ليبقوا على قيد الحياة بانتظار أن تنتهي أزمة “كورونا” وما يرافقها من أزمات معيشية واقتصادية لا تقلّ خطورةً عن الفايروس. 

المدير الإقليمي للبنك الدولي ساروج كومار كان نبّه قبل مدّة قصيرة إلى “احتمال ارتفاع نسبة الفقر في لبنان إلى 50 في المئة إذا تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً”، وهو تفاقم طبعاً، ما ينذر بمزيد من الانحسار للطبقة الوسطى، بحيث يزيد الفقراء فقراً.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حذّر رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس من أن “50 في المئة من المؤسسات والشركات لا يمكن أن تستمرّ وتصمد 6 أشهر”، مشدداً على أنه مع تراجع أعمال الشركات بنسبة 80 في المئة “لم يعد أمامها سوى المفاضلة بين دفع الضرائب للدولة أو للموردين أو سداد الفوائد المصرفية أو دفع رواتب الموظفين”. 

كلام شماس جاء قبل أن يجتاحنا “كورونا”، وحين كان الدولار ما زال يلوح على حدود الـ2000 ليرة لبنانية. اليوم الدولار يناطح الـ3000 ليرة، وهذه كارثة تتمدد فيما يحاول مصرف لبنان أن يهدّئ من روعنا بتعاميم تبدو لطيفة، لكنها لا تحل الأزمة. وهي تدخل ضمن حفلة الغموض حول مصير ودائع الناس المنهوبة، إنما بتكتيك أكثر رقياً، ويبشّرنا بإنشاء منصة أو سوق قطع أخرى بين مصرف لبنان والصرافين من الفئة “أ”، كمن يدور حول الحقيقة ويراوغ كثيراً قبل أن “يبق البحصة”. لكنّ الحق يقال، مزاج المصارف على ما يبدو لم يعد يتحمّل أن يتظاهر الناس أمام أبوابها، لذلك يقوم مصرف لبنان بمنح الناس جرعات منوّمة لعلّهم ينامون قليلاً ريثما تحدث أعجوبة ما، أو ريثما تنتهي عملية السطو على ما تبقى من أرواح وودائع.

عمّار المأمون - كاتب سوري | 11.01.2025

في هجاء الأخطاء (والمبادرات) الفرديّة… ومديح الارتياب من “كلّ شيء” في سوريا!

أسئلة كثيرة لا إجابات عنها حالياً في سوريا، لكن يبقى الارتياب والشك في كلّ شيء، وكل ما نراه ونسمعه من حقنا، فلا دستور للبلاد ولا قوانين واضحة للمحاسبة والعدالة، إلا عدالة الشارع، عدالة كرنفالية كأن يجرّ رجال الهيئة أحدهم وهو يصرخ "أنا لطشت بنت" أو إذلال مجموعة تصرخ من أعلى شاحنة "نحن حراميّة".

يجد المواطن نفسه اليوم أمام استحقاقات تستهدف وجوده فيما يختبئ من “كورونا” في بيته، هل سيدفع فواتيره؟ سنداته؟ إيجار بيته؟ قسط الأثاث؟ السيارة؟ هل ستتراكم فوق رأسه إن تخلّف عن الدفع؟

“أقل من ربع راتبي، هذا ما حصلت عليه نهاية شهر آذار/ مارس 2020، وقد أخبرني ربّ العمل أنه ابتداءً من الآن لن يستطيع أن يدفع لي راتبي، وطلب أن أعتبر فترة الحجر هذه إجازةً مفتوحة. وحين حاولت المطالبة وإن بمبلغ صغير حتى أدفع إيجار الغرفة التي أعيش فيها، لم يسمعني وطلب مني المغادرة”. هكذا تروي ليلى (عاملة في محل للألبسة) لـ”درج” ما حصل معها. وتضيف: “في النهاية ما بيدي حيلة، خرجت باكيةً، وحاولت أن أرجو صاحبة الغرفة حيث أسكن بأن تصبر قليلاً حتى أجد حلاً”.

نرمين اضطرت إلى إقفال محلّها لبيع أحذية الأطفال، وزوجها عامل مياوم في التوريق، قابع في المنزل منذ نهاية الصيف مع توقف المشاريع العقارية والتدهور الاقتصادي الحاصل وغلاء الدولار. تقول نرمين لـ”درج”: “عندي 4 أطفال، اثنان في الجامعة والآخران في المدرسة، ويُطلَب منّا الآن الجلوس في البيت من دون تأمين أي مساعدة أو دعم لنستطيع الاستمرار وإطعام عائلاتنا ودفع الفواتير والأقساط”.

قصتا ليلى ونرمين ليستا الأكثر تعاسةً في بلاد يقبع فيها نحو ثلث الشعب تحت وطأة الفقر المدقع. فمشاهد طرابلس وحلبا وهما تنتفضان حتى في زمن المرض، تفسّر أننا في أصعب الظروف، إنما أيضاً في أسوأ دول العالم. وأتى الحجر المنزلي الآن ليزيد الطين بلّةً، فمن كان قادراً على تأمين حاجاته الأساسية، سينتهي به الأمر في العوز والجوع، في ظل عدم اتخاذ إجراءات تؤمن للناس حياة لائقة في ظل الحجر الذي قد يمتدّ شهوراً.

البنك الدولي كان فنّد قبل “كورونا” الافتراضات الرئيسية لمحاكاة تأثير الأزمة المرتقبة خلال عام 2020، وتوقّع أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للفرد نحو 17.7 في المئة. من المرجّح أن يبلغ معدل التضخم نحو 22.4 في المئة، هذا يعني أن الأُسر ستفقد أكثر من 4.7 في المئة من استهلاكها. لذلك أصبح شبه مؤكد أن تأثير الأزمة في معدّلات الفقر والفقر المُدقع سيكون كارثياً، فخطّ الفقر سيشمل 41 في المئة من اللبنانيين خلال عام 2020، اذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال، كما ستصل نسبة الذين يرزحون تحت آفات الفقر المُدقع إلى 20 في المئة بعدما ارتفعت هذه النسبة من 10 في المئة عام 2012 الى 13.7 في المئة خلال عام 2019. 

صرف وصرف مقنّع؟

ليس غريباً على أحد أن شركات كثيرة أعلمت موظّفيها بأن رواتبهم ستتوقف أو في أحسن الأحوال سيحسم جزء منها، إلى أن تتحسّن الظروف وتعود المياه إلى مجاريها. 

في اتصال مع وزارة العمل، أكدت لـ”درج” أنها “تعمل بما تملكه من إمكانات  لحماية العمّال والمستخدمين وتأمين حقوقهم، وهي تحاول الاجتماع بالقيّمين على القطاعات الخاصة لمحاولة ضبط عمليات التعسف بحق الموظفين”. لكنّ الواقع أن وزارة العمل تملك 36 مفتشاً، مقابل آلاف المؤسسات بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وبالتالي يستحيل أن يضبطوا ما يحدث وما يتعرّض له العمّال والمستخدمون من ابتزاز وتهديد بلقمة العيش.

وتشدد الوزارة على التعميم الذي أصدره مصرف لبنان والذي يؤمن لأصحاب المؤسسات قروضاً مريحة من دون فائدة، وذلك لدفع مستحقات الموظفين. إلا أن معظم هذه المؤسسات لن يُدخل نفسه في نفق جديد من القروض، قد لا يستطيع سدادها وإن كانت فائدتها 0 في المئة. ومن استطاع من المؤسسات الكبيرة الحصول على القروض هذه، فلا نعلم حقاً إن كان سيتم استخدامها لتأمين رواتب العمّال.

آخر أيام الطبقة الوسطى

في مقابل ذلك، تظهر مشكلة أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب بعض المهن الحرة، بمعنى آخر جزء كبير من الطبقة المتوسّطة التي لم تعد قادرة على تدبّر أمورها. فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة (أقل من 50 عاملاً) باتت مهددة بالإفلاس والإقفال، في ظل كل ما تعانيه في الفترة الأخيرة. 

وحين تنهار هذه المؤسسات، وهي على طريق الانهيار، يكون الحديث عن انهيار البلاد وشيكاً، فيما تستعيض الدولة عن نفسها بأحزاب توزّع على الناس حصصاً غذائية، بحيث يقدّم كل حزب لمناصريه علباً مذلّة فيها أرز و”بيكون”، فيما إضافة إلى الأكل والشرب، يجد المواطن نفسه اليوم أمام استحقاقات تستهدف وجوده فيما يختبئ من “كورونا” في بيته، هل سيدفع فواتيره؟ سنداته؟ إيجار بيته؟ قسط الأثاث؟ السيارة؟ هل ستتراكم فوق رأسه إن تخلّف عن الدفع؟

الحق يقال، مزاج المصارف على ما يبدو لم يعد يتحمّل أن يتظاهر الناس أمام أبوابها، لذلك يقوم مصرف لبنان بمنح الناس جرعات منوّمة لعلّهم ينامون قليلاً ريثما تحدث أعجوبة ما، أو ريثما تنتهي عملية السطو على ما تبقى من أرواح وودائع.

يبلغ عدد الشركات في لبنان نحو 100 ألف شركة، 95 في المئة منها هي شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، والأخيرة تشغّل نصف اليد العاملة اللبنانية، التي هي في الأحوال العادية حوالى 750 ألف عامل، وبالتالي بين 400 ألف إلى 500 ألف شخص يعملون في مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم. في هذا الإطار، يوضح الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة لـ”درج” أن “مصير هذه المؤسسات صعب جداً فمعظمها لا يملك القدرات المالية لامتصاص الصدمات المتتالية بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية وأيضاً بسبب أزمة “كورونا. معظم هذه الشركات ستلجأ إلى صرف عمّالها في الظروف الراهنة، وهؤلاء العمّال سيكونون الضحية الأكبر، فيما النظام كله في أزمة الآن مع إعلان الحكومة اللبنانية تخلّفها عن دفع سندات اليووبوند، وبالتالي لم يعد يدخل دولار إلى البلد”.

ويضيف: “الوضع الاقتصادي والمالي صعب جداً، فالدولة فقدت إيراداتها، النشاط الاقتصادي متوقف بسبب كورونا، إضافة إلى التخلف عن دفع سندات يوروبوند بقيمة 90 مليار دولار. وهناك تخبط سياسي في البلد، وإذا طالت أزمة كورونا، فإننا متجهون إلى أزمة اجتماعية، بسبب قلة المداخيل. المشهد قاتم نحن نمر في مرحلة خطيرة، ولا يمكن الخلاص من هذا النفق للأسف إلا بطلب مساعدة مالية من صندوق النقد الدولي”.

في مقابل المشهد القاتم والرعب من الجوع والمرض، تطالعنا وزيرة الإعلام منال عبد الصمد بعد الاجتماع الوزاري، لتوبّخ المواطنين لاستخفافهم بـ”كورونا” وعدم التزامهم الحجر المنزلي، مهدّدة الفقراء والمساكين بإجراءات أكثر صرامة، فيما لم تعطِ هؤلاء أي آلية أو وسيلة ليبقوا على قيد الحياة بانتظار أن تنتهي أزمة “كورونا” وما يرافقها من أزمات معيشية واقتصادية لا تقلّ خطورةً عن الفايروس. 

المدير الإقليمي للبنك الدولي ساروج كومار كان نبّه قبل مدّة قصيرة إلى “احتمال ارتفاع نسبة الفقر في لبنان إلى 50 في المئة إذا تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً”، وهو تفاقم طبعاً، ما ينذر بمزيد من الانحسار للطبقة الوسطى، بحيث يزيد الفقراء فقراً.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حذّر رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس من أن “50 في المئة من المؤسسات والشركات لا يمكن أن تستمرّ وتصمد 6 أشهر”، مشدداً على أنه مع تراجع أعمال الشركات بنسبة 80 في المئة “لم يعد أمامها سوى المفاضلة بين دفع الضرائب للدولة أو للموردين أو سداد الفوائد المصرفية أو دفع رواتب الموظفين”. 

كلام شماس جاء قبل أن يجتاحنا “كورونا”، وحين كان الدولار ما زال يلوح على حدود الـ2000 ليرة لبنانية. اليوم الدولار يناطح الـ3000 ليرة، وهذه كارثة تتمدد فيما يحاول مصرف لبنان أن يهدّئ من روعنا بتعاميم تبدو لطيفة، لكنها لا تحل الأزمة. وهي تدخل ضمن حفلة الغموض حول مصير ودائع الناس المنهوبة، إنما بتكتيك أكثر رقياً، ويبشّرنا بإنشاء منصة أو سوق قطع أخرى بين مصرف لبنان والصرافين من الفئة “أ”، كمن يدور حول الحقيقة ويراوغ كثيراً قبل أن “يبق البحصة”. لكنّ الحق يقال، مزاج المصارف على ما يبدو لم يعد يتحمّل أن يتظاهر الناس أمام أبوابها، لذلك يقوم مصرف لبنان بمنح الناس جرعات منوّمة لعلّهم ينامون قليلاً ريثما تحدث أعجوبة ما، أو ريثما تنتهي عملية السطو على ما تبقى من أرواح وودائع.