fbpx

“كورونا” يتسلل إلى الشعبوية من الولايات المتحدة إلى البرازيل والهند وروسيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنهم يهتمون بأنفسهم أولاً وقبل كل شيء، ومع ذلك يقنعون جمهورهم بأن العناصر المعادين، والمشتبه بهم دائماً، من صحافيين ووسائل إعلام وأوساط أكاديمية وقانونيين، هم المسؤولون بشكل أساسي عن فشلهم المستمر في كفاح “كورونا”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتصدّر “كورونا” جدول أعمال العالم، كما تتصدر الولايات المتحدة الأميركية أعلى نسبة إصابات في العالم،  بحوالى 7 ملايين إصابة، والولايات المتحدة يقودها رئيس قومي سلطوي وشعبوي يدعى دونالد ترامب. تأتي الهند في المرتبة الثانية بقيادة رئيس وزراء قومي سلطوي وشعبوي يدعى ناريندرا مودي. وفي المرتبة الثالثة البرازيل، رئيسها شخص قومي سلطوي وشعبوي يدعى جاير بولسونيرو، ثم روسيا في المرتبة الرابعة يقودها الطاغية فلاديمير بوتين، الذي حقق بالفعل القوة المطلقة التي يحلم بها، معجبوه أمثال ترامب ومودي وبولسونيرو.

يعود سبب ارتفاع معدل الإصابات والوفيات بـ”كورونا” في الدول الأربع إلى سوء إدارة الأزمة، إضافة إلى عدد سكانها الكبير، وعند قياس معدل الإصابة للفرد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ومن بين الدول الديموقراطية حيث أعلى وأسرع معدل للإصابة، وبهامش كبير، إسرائيل، التي يقودها أيضاً شخص قومي سلطوي وشعبوي آخر يدعى بنيامين نتانياهو.

البيانات واضحة ولم تأتِ مصادفة، بحيث لا يمكن دحضها، الدول التي تقود معارك سيئة في مواجهة “كورونا”، يقودها زعماء يمينيون وشعبويون واستبداديون وقوميون، وبعضهم عنصري. جميعهم، ترامب ومودي وبولسونيرو وبوتين ونتانياهو، يعتمدون على عبادة الشخصية، ويحكمون بلدانهم وهم يكرهون النقد، ويحتقرون الليبراليين، ويعملون على تفكيك دولهم بالاعتداء على الأسس الدستورية والمدنية والقواعد الديموقراطية.


ترامب هو أول قطعة دومينو، إذا خسر، فسوف يتبعه عاجلاً أم آجلاً القادة القوميون والشعبويون والحزبيون الذين يستمدون سلطتهم منه، من بولسنيرو في البرازيل إلى نتانياهو في اسرائيل.

الولايات المتحدة مثال حي على العلاقة المباشرة بين “كورونا” والسياسة. يهيمن الديموقراطيون على معظم الولايات التي تتصدر أعلى نسبة  للوفيات والإصابات، من نيويورك إلى كاليفورنيا، وغالبية السكان فيها استطاعوا اكتساب خبرة صعبة بعد الإصابات الكبيرة في الأشهر الأولى من المرض. وبعدما أدركت الولايات المتحدة حجم الخطر، وتوقف الحكام عن الخداع وهم الذين تلقوا رسائل مطمئنة من ترامب، اتخذ معظمهم إجراءات طارئة بفرض الاغلاق، والالتزام بالتعليمات وارتداء الكمامات، وتمكنوا من تقليل معدل انتشار كورونا بسرعة.

في البداية هاجم فيروس كورونا الولايات المكتظة بالسكان، والموجودة في شمال شرق الولايات المتحدة وعلى طول المنطقة الغربية، التي يسيطر عليها الديموقراطيون في الغالب، غير أن الفايروس أخذ بالزحف تدريجياً جنوباً إلى بقية الولايات المتحدة، حيث يحكم الجمهوريون، وهوّن الرئيس ترامب من خطورة كوروناس، ووعد بأنه سوف يختفي قريباً، وهو الذي استهان أيضاً بالتدابير والتعليمات الأساسية، مثل ارتداء الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي.

الولايتان اللتان سجلت فيهما أعلى نسبة من الإصابات والوفيات في الموجة الثانية من كورونا هما تكساس وفلوريدا، ويحكمها محافظين جمهوريين، كذلك أيضاً في 7 من الولايات العشر حيث يرتفع معدل الإصابات بسرعة، ميسوري ويوتا وأركنساس وأوكلاهوما وأيوا وشمال داكوتا وجنوبها، فقط ولاية أركنساس تتخذ إجراءات وتدابير وقائية حقيقية ضد “كورونا”. أما الولايات الثلاث المتبقية، وهي مونتانا وويسكونسن وكانساس، فيقوم الحكام الديموقراطيون بتطبيق معايير وإجراءات ومبادئ توجيهية أكثر صرامة.

يحافظون على قوتهم

هذه هي الولايات المتحدة التي قالت ذات مرة إنها تقود العالم وانها تعتبر القدوة والاكثر ذكاء في نظر العالم المتنور، غير أن حوالى 60 في المئة من الجمهور الأميركي يدرك حقيقة العلاقة بين إنكار ترامب الصارخ وتفشي “كورونا” الكبير، وبين التدابير الوقائية المطلوبة لمواجهته، وحقيقة أن الولايات المتحدة قد فقدت بالفعل أكثر من 200 ألف صوت يحق لهم الانتخاب، رجال ونساء بسبب المرض. وتبين استطلاعات الرأي أن 82 في المئة من الجمهوريين راضون عن أداء ترامب، ولا يرونه مسؤولاً عن المأساة الأميركية الناشئة بسبب “كورونا”، ولا يعتقدون أنها يجب أن تؤثر في تصويتهم في الانتخابات المقبلة.

وبالتالي، يحتفظ ترامب بفارق معقول في استطلاعات الرأي بعد جو بايدن، ويسمح له هذا الفارق المعقول بالعودة النظرية قبل موعد الانتخابات، وكذلك الحال بالنسبة إلى “حزب الليكود” الذي يقوده نتانياهو، والذي تراجعت قوته من  6 إلى 7 مقاعد في استطلاعات الرأي مقارنة بنتائج الانتخابات السابقة، لكنه لا يزال يحافظ على قوته النسبية، بـ29 مقعداً في استطلاع الرأي الأخير قبل أسبوع الذي أعدته القناة التلفزيونية الإسرائيلية 12. وغالبية استطلاعات الرأي التي أجريت تأتي من الـ27 في المئة من الجمهور الذي لا يزال يضع ثقته في أداء نتانياهو وفقاً لاستطلاع الرأي، الذي أعده ونشره، المعهد الإسرائيلي للديموقراطية.

في البرازيل، ارتفعت نسبة أعداد الوفيات جراء الإصابة بـ”كورونا” إذ توفي حتى الآن 140 ألف شخص، وفعل بولسونيرو الشهير، مثل ما فعل ترامب الذي استهان بـ”كورونا”، وقلل من خطورة الاصابات وعارض اتخاذ إجراءات وقائية صارمة. بولسونيرو حمل على عاتقه توزيع مساعدات ومنح مالية سخية وزعها على البرازيليين، في حين حذر الخبراء إنها ستجعل من الصعب تعافي  الاقتصاد البرازيلي في المستقبل. 

في عهد ترامب تحولت الولايات المتحدة، ببطء إلى مكان تُقبَل فيه الحقائق العلمية والأحكام الصحية بشكل متزايد على أنها دعاية كاذبة من قبل الليبراليين المتغطرسين، الذين يتمثل هدفهم الأساسي في إلحاق الأذى بقائدهم المحترم، وأصبح تجاهل الاحتياطات والتدابير الوقائية لمواجهة “كورونا” بالنسبة إليهم رمزاً للهوية ومصدراً للفخر.

بولسنيرو، مثل ترامب ونتنياهو ومودي، يحافظ على قوته بفضل دعم قاعدة من المعجبين المحافظين الذين يعتبرون الحروب الثقافية التي شنها ضد الليبراليين واليسار حرباً مقدسة تلقي بظلالها على أي اعتبار آخر. 

هو أيضاً يتمتع بأنا متضخمة تقترب من جنون العظمة، ما يجعله وزملاءه الشعبويين يناقضون الخبراء ويتصرفون وفقاً لميولهم. جميعهم بما فيهم بوتين، يحددون مصير ومستقبل دولهم بميولهم الشخصية، وبقاؤهم الشخصي يأتي أولاً وقبل كل شيء.

يعتمدون على القاعدة التي من خلالها سيطروا على أحزابهم، وحكوماتهم أيضاً، يقومون بابعاد السياسين المستقلين عن مناصب السلطة، ويعتبرونهم منافسون محتملون، على رغم أن بإمكانهم المساعدة في محاربة “كورونا” وتوسيع الدعم الشعبي لسياساتهم، إنهم يقودون نظام الخوف من المساءلة والنقد البناء ويعززون من وجود الشخصيات المتعصبة التي تكرر مثل الببغاء أقوال القائد، إنهم يتخلصون من الموظفين العموميين الموهوبين الذين يتمسكون بمهنيتهم، ويستبدلونهم بموظفين أقل كفاءة وويجيدون فن التملق.

القادة الاستبداديون لا يدركون مفهوم النقد البناء وبالنسبة إليهم، فإن أي نقد هو أمر تخريبي. وترامب هو الذي قال لا توجد حاجة للكمامات، وأن الأمر يستحق تناول هيدروكلوروكين ضد الفايروس، مع أن اللقاح البديل لم يتم تصنيعه بعد. وبدلاً من دعم المسؤولين عن وزارة الصحة لمواجهة الفايروس، يقوم بحملة للتحريض ضدهم لنزع الشرعية عنهم وإبعادهم من مركز صنع القرار.

لم يقتصر الأمر على تنصل ترامب من أنتوني باوتشي، (خبير في علم المناعة، ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وعضو في فريق عمل البيت الأبيض لفايروس كورونا) وهو الشخصية الأبرز والأكثر صدقية في فريق العمل التي شكلتها الإدارة لمكافحة “كورونا”، بل إنه يمارس ضغوطاً سياسية متزايدة على إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقايةCDC. وخلال بضعة أشهر، تمكن من تخريب المكانة والثقة والسمعة التي تمكنت الهيئتان من بنائها على مدار سنوات. وقد عين مالتان الذي يعتبر حتى الآن قديساً، مع أنّ كثيرين في الولايات المتحدة يتعاملون على أنه مشبوه ومطلوب للتحقيق، في الولايات المتحدة وبعض دول العالم.

الحرب ضد النخب

القادة الشعبويون، بحكم التعريف، يخوضون صراعاً أبدياً ضد “النخب” أينما كانوا ويحرضون الجماهير ضدهم. والنتيجة الحتمية هي إبعاد تلك النخب عن الحكومة والشأن العام، والإصرار على التشكيك بمهنيتهم في عملهم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، هم غير مؤمنين بالفصل بين السلطات وهم ضد الرقابة المالية والادارية، ويحاربون الرقابة البرلمانية والقضائية، وبالتالي هم ينتهكون مبدأ الرقابة والتوازن الضروري لاتخاذ قرارات صحيحة. إنهم أبطال العالم في التحريض والتقسيم وطريقة الفصل في الحكم، ويقضون على أي إمكان لتوحيد مؤسسات الدولة وتعزيز قدرة النظام العام.

هم من أنصار الرأسمالية الحرة، ويعملون لمصلحة الرأسماليين ولمصالحهم، ويعارضون الانخراط في الحياة المدنية وإدارة ميزانيات الدولية الوطنية، حتى يتمكنوا من خفض الضرائب على أقرانهم من رجال الأعمال الذين وجدوا أنفسهم أيضاً تحت السيطرة. 

إنهم يخفضون ميزانيات الوزارات عموماً، والإنفاق على الصحة العامة بوجه خاص، في غياب المعايير والموارد غير الكافية التي تهدد عادة بانهيار المستشفيات والمؤسسات الصحية، وتحت ضغط الأعباء والاعتماد على الطواقم الطبية التي يتم استهلاك قوتهم في مكافحة الفايروس يتم تعريض حياتهم للخطر. 

وعلى عكس الدول الأوروبية الديموقراطية الاجتماعية، هم  أضعفوا على مر السنين أنظمة الصحة المجتمعية إلى جانب آليات الرعاية والمساعدة الاجتماعية، ويتأثر مواطنوهم أكثر بالأزمة الاقتصادية ويعتمدون بشكل أكبر على استعداد زعيمهم لدفع معونات لمرة واحدة تكون ذات فائدة هامشية. 

في غياب أنظمة الدعم، تكون قدرة الخدمات العامة أدنى من قدرة تلك التي في الديموقراطيات التي لا يسيطر عليها قادة مثلهم على التعامل مع التداعيات النفسية للأزمة الاقتصادية والطبية، والأمراض كالاكتئاب الذي قد يؤدي إلى الانتحار.

ترامب وبولسونيرو، ربما على عكس نتانياهو ومودي، يستغلان جهل الكثير من مؤيديهما ومعجبيهما لتقويضهما الإيمان بالعلم خصوصاً، ويستغلون أولئك الذين يؤمنون بوجود الحقائق المطلقة عند معجبيهم. في عهد ترامب تحولت الولايات المتحدة، ببطء إلى مكان تُقبَل فيه الحقائق العلمية والأحكام الصحية بشكل متزايد على أنها دعاية كاذبة من قبل الليبراليين المتغطرسين، الذين يتمثل هدفهم الأساسي في إلحاق الأذى بقائدهم المحترم، وأصبح تجاهل الاحتياطات والتدابير الوقائية لمواجهة “كورونا” بالنسبة إليهم رمزاً للهوية ومصدراً للفخر.

لم يحصلوا دائماً على الأفضلية الكاملة  في كل نجاح، ويحملون الآخرين المسؤولية عن كل فشل. ويستغلون الوباء الرهيب لزرع الفتنة ومهاجمة منافسيهم. لقد وصف كل من ترامب ونتانياهو المتظاهرين ضدهم بأنهم ناشرون للأمراض وتظاهراتهم حاضنات “كورونا”، من دون أي دليل أو أساس علمي، وأنهم من شعب لا تنطبق عليهم القواعد، فهم يقدمون مثالاً سيئاً للجمهور ويشجعونه على تجاهل التعليمات وتدابير السلامة.

تخضع اعتباراتهم الوطنية دائماً لمصلحتهم الشخصية، رفض نتانياهو تسليم مسؤولية مواجهة “كورونا” إلى الجيش الإسرائيلي فقط/ لأنه يخشى من تعزيز قوة نفتالي بينيت أولاً (عندما كان وزيراً للأمن قبل الانتخابات التي أجريت قبل أشهر)، وبني غانتس ثانياً (وزير الأمن في الحكومة الحالية)، واستسلم أكثر من مرة لشركائه في الائتلاف الحكومي، مخاطراً بالصحة العامة وخوفاً من التخلي عنه. 

هو يحارب من أجل حريته وضد محاكمته وعدم سجنه بسبب التهم المنسوبة اليه بالفساد. إن اهتمام نتانياهو بالضغط من أجل فرض إغلاق صارم (بذريعة الحد من الزيادة الهائلة في عدد المصابين بكورونا، الذي تخطّى الـ5000 إصابة) هو قمع التظاهرات التي تنتهك سلامته، وقد تعرض وضعه للخطر أيضاً.

إنهم يهتمون بأنفسهم أولاً وقبل كل شيء، ومع ذلك يقنعون جمهورهم بأن العناصر المعادين، والمشتبه بهم دائماً، من صحافيين ووسائل إعلام وأوساط أكاديمية وقانونيين، هم المسؤولون بشكل أساسي عن فشلهم المستمر في كفاح “كورونا”. هذه هي الطريقة التي وصلوا بها إلى هذه النقطة، وهذه هي الطريقة التي سيستمرون بها في الحكم حتى عزلهم من المنصب.

المرشح الأول في الترتيب هو ترامب، على افتراض أنه سيخسر في الانتخابات التي ستجرى في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ولم ينفذ تهديداته بالاستيلاء على كرسيه بالقوة، وبالتالي خلق أزمة داخلية عميقة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الضرر الذي يلحقه الفايروس بمواطنيه. 

ترامب هو أول قطعة دومينو، إذا خسر، فسوف يتبعه عاجلاً أم آجلاً القادة القوميون والشعبويون والحزبيون الذين يستمدون سلطتهم منه، من بولسنيرو في البرازيل إلى نتانياهو في اسرائيل.

  • ترجمة مصطفى ابراهيم
04.10.2020
زمن القراءة: 8 minutes

إنهم يهتمون بأنفسهم أولاً وقبل كل شيء، ومع ذلك يقنعون جمهورهم بأن العناصر المعادين، والمشتبه بهم دائماً، من صحافيين ووسائل إعلام وأوساط أكاديمية وقانونيين، هم المسؤولون بشكل أساسي عن فشلهم المستمر في كفاح “كورونا”.

يتصدّر “كورونا” جدول أعمال العالم، كما تتصدر الولايات المتحدة الأميركية أعلى نسبة إصابات في العالم،  بحوالى 7 ملايين إصابة، والولايات المتحدة يقودها رئيس قومي سلطوي وشعبوي يدعى دونالد ترامب. تأتي الهند في المرتبة الثانية بقيادة رئيس وزراء قومي سلطوي وشعبوي يدعى ناريندرا مودي. وفي المرتبة الثالثة البرازيل، رئيسها شخص قومي سلطوي وشعبوي يدعى جاير بولسونيرو، ثم روسيا في المرتبة الرابعة يقودها الطاغية فلاديمير بوتين، الذي حقق بالفعل القوة المطلقة التي يحلم بها، معجبوه أمثال ترامب ومودي وبولسونيرو.

يعود سبب ارتفاع معدل الإصابات والوفيات بـ”كورونا” في الدول الأربع إلى سوء إدارة الأزمة، إضافة إلى عدد سكانها الكبير، وعند قياس معدل الإصابة للفرد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، ومن بين الدول الديموقراطية حيث أعلى وأسرع معدل للإصابة، وبهامش كبير، إسرائيل، التي يقودها أيضاً شخص قومي سلطوي وشعبوي آخر يدعى بنيامين نتانياهو.

البيانات واضحة ولم تأتِ مصادفة، بحيث لا يمكن دحضها، الدول التي تقود معارك سيئة في مواجهة “كورونا”، يقودها زعماء يمينيون وشعبويون واستبداديون وقوميون، وبعضهم عنصري. جميعهم، ترامب ومودي وبولسونيرو وبوتين ونتانياهو، يعتمدون على عبادة الشخصية، ويحكمون بلدانهم وهم يكرهون النقد، ويحتقرون الليبراليين، ويعملون على تفكيك دولهم بالاعتداء على الأسس الدستورية والمدنية والقواعد الديموقراطية.


ترامب هو أول قطعة دومينو، إذا خسر، فسوف يتبعه عاجلاً أم آجلاً القادة القوميون والشعبويون والحزبيون الذين يستمدون سلطتهم منه، من بولسنيرو في البرازيل إلى نتانياهو في اسرائيل.

الولايات المتحدة مثال حي على العلاقة المباشرة بين “كورونا” والسياسة. يهيمن الديموقراطيون على معظم الولايات التي تتصدر أعلى نسبة  للوفيات والإصابات، من نيويورك إلى كاليفورنيا، وغالبية السكان فيها استطاعوا اكتساب خبرة صعبة بعد الإصابات الكبيرة في الأشهر الأولى من المرض. وبعدما أدركت الولايات المتحدة حجم الخطر، وتوقف الحكام عن الخداع وهم الذين تلقوا رسائل مطمئنة من ترامب، اتخذ معظمهم إجراءات طارئة بفرض الاغلاق، والالتزام بالتعليمات وارتداء الكمامات، وتمكنوا من تقليل معدل انتشار كورونا بسرعة.

في البداية هاجم فيروس كورونا الولايات المكتظة بالسكان، والموجودة في شمال شرق الولايات المتحدة وعلى طول المنطقة الغربية، التي يسيطر عليها الديموقراطيون في الغالب، غير أن الفايروس أخذ بالزحف تدريجياً جنوباً إلى بقية الولايات المتحدة، حيث يحكم الجمهوريون، وهوّن الرئيس ترامب من خطورة كوروناس، ووعد بأنه سوف يختفي قريباً، وهو الذي استهان أيضاً بالتدابير والتعليمات الأساسية، مثل ارتداء الكمامة والحفاظ على التباعد الاجتماعي.

الولايتان اللتان سجلت فيهما أعلى نسبة من الإصابات والوفيات في الموجة الثانية من كورونا هما تكساس وفلوريدا، ويحكمها محافظين جمهوريين، كذلك أيضاً في 7 من الولايات العشر حيث يرتفع معدل الإصابات بسرعة، ميسوري ويوتا وأركنساس وأوكلاهوما وأيوا وشمال داكوتا وجنوبها، فقط ولاية أركنساس تتخذ إجراءات وتدابير وقائية حقيقية ضد “كورونا”. أما الولايات الثلاث المتبقية، وهي مونتانا وويسكونسن وكانساس، فيقوم الحكام الديموقراطيون بتطبيق معايير وإجراءات ومبادئ توجيهية أكثر صرامة.

يحافظون على قوتهم

هذه هي الولايات المتحدة التي قالت ذات مرة إنها تقود العالم وانها تعتبر القدوة والاكثر ذكاء في نظر العالم المتنور، غير أن حوالى 60 في المئة من الجمهور الأميركي يدرك حقيقة العلاقة بين إنكار ترامب الصارخ وتفشي “كورونا” الكبير، وبين التدابير الوقائية المطلوبة لمواجهته، وحقيقة أن الولايات المتحدة قد فقدت بالفعل أكثر من 200 ألف صوت يحق لهم الانتخاب، رجال ونساء بسبب المرض. وتبين استطلاعات الرأي أن 82 في المئة من الجمهوريين راضون عن أداء ترامب، ولا يرونه مسؤولاً عن المأساة الأميركية الناشئة بسبب “كورونا”، ولا يعتقدون أنها يجب أن تؤثر في تصويتهم في الانتخابات المقبلة.

وبالتالي، يحتفظ ترامب بفارق معقول في استطلاعات الرأي بعد جو بايدن، ويسمح له هذا الفارق المعقول بالعودة النظرية قبل موعد الانتخابات، وكذلك الحال بالنسبة إلى “حزب الليكود” الذي يقوده نتانياهو، والذي تراجعت قوته من  6 إلى 7 مقاعد في استطلاعات الرأي مقارنة بنتائج الانتخابات السابقة، لكنه لا يزال يحافظ على قوته النسبية، بـ29 مقعداً في استطلاع الرأي الأخير قبل أسبوع الذي أعدته القناة التلفزيونية الإسرائيلية 12. وغالبية استطلاعات الرأي التي أجريت تأتي من الـ27 في المئة من الجمهور الذي لا يزال يضع ثقته في أداء نتانياهو وفقاً لاستطلاع الرأي، الذي أعده ونشره، المعهد الإسرائيلي للديموقراطية.

في البرازيل، ارتفعت نسبة أعداد الوفيات جراء الإصابة بـ”كورونا” إذ توفي حتى الآن 140 ألف شخص، وفعل بولسونيرو الشهير، مثل ما فعل ترامب الذي استهان بـ”كورونا”، وقلل من خطورة الاصابات وعارض اتخاذ إجراءات وقائية صارمة. بولسونيرو حمل على عاتقه توزيع مساعدات ومنح مالية سخية وزعها على البرازيليين، في حين حذر الخبراء إنها ستجعل من الصعب تعافي  الاقتصاد البرازيلي في المستقبل. 

في عهد ترامب تحولت الولايات المتحدة، ببطء إلى مكان تُقبَل فيه الحقائق العلمية والأحكام الصحية بشكل متزايد على أنها دعاية كاذبة من قبل الليبراليين المتغطرسين، الذين يتمثل هدفهم الأساسي في إلحاق الأذى بقائدهم المحترم، وأصبح تجاهل الاحتياطات والتدابير الوقائية لمواجهة “كورونا” بالنسبة إليهم رمزاً للهوية ومصدراً للفخر.

بولسنيرو، مثل ترامب ونتنياهو ومودي، يحافظ على قوته بفضل دعم قاعدة من المعجبين المحافظين الذين يعتبرون الحروب الثقافية التي شنها ضد الليبراليين واليسار حرباً مقدسة تلقي بظلالها على أي اعتبار آخر. 

هو أيضاً يتمتع بأنا متضخمة تقترب من جنون العظمة، ما يجعله وزملاءه الشعبويين يناقضون الخبراء ويتصرفون وفقاً لميولهم. جميعهم بما فيهم بوتين، يحددون مصير ومستقبل دولهم بميولهم الشخصية، وبقاؤهم الشخصي يأتي أولاً وقبل كل شيء.

يعتمدون على القاعدة التي من خلالها سيطروا على أحزابهم، وحكوماتهم أيضاً، يقومون بابعاد السياسين المستقلين عن مناصب السلطة، ويعتبرونهم منافسون محتملون، على رغم أن بإمكانهم المساعدة في محاربة “كورونا” وتوسيع الدعم الشعبي لسياساتهم، إنهم يقودون نظام الخوف من المساءلة والنقد البناء ويعززون من وجود الشخصيات المتعصبة التي تكرر مثل الببغاء أقوال القائد، إنهم يتخلصون من الموظفين العموميين الموهوبين الذين يتمسكون بمهنيتهم، ويستبدلونهم بموظفين أقل كفاءة وويجيدون فن التملق.

القادة الاستبداديون لا يدركون مفهوم النقد البناء وبالنسبة إليهم، فإن أي نقد هو أمر تخريبي. وترامب هو الذي قال لا توجد حاجة للكمامات، وأن الأمر يستحق تناول هيدروكلوروكين ضد الفايروس، مع أن اللقاح البديل لم يتم تصنيعه بعد. وبدلاً من دعم المسؤولين عن وزارة الصحة لمواجهة الفايروس، يقوم بحملة للتحريض ضدهم لنزع الشرعية عنهم وإبعادهم من مركز صنع القرار.

لم يقتصر الأمر على تنصل ترامب من أنتوني باوتشي، (خبير في علم المناعة، ومدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، وعضو في فريق عمل البيت الأبيض لفايروس كورونا) وهو الشخصية الأبرز والأكثر صدقية في فريق العمل التي شكلتها الإدارة لمكافحة “كورونا”، بل إنه يمارس ضغوطاً سياسية متزايدة على إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، ومراكز السيطرة على الأمراض والوقايةCDC. وخلال بضعة أشهر، تمكن من تخريب المكانة والثقة والسمعة التي تمكنت الهيئتان من بنائها على مدار سنوات. وقد عين مالتان الذي يعتبر حتى الآن قديساً، مع أنّ كثيرين في الولايات المتحدة يتعاملون على أنه مشبوه ومطلوب للتحقيق، في الولايات المتحدة وبعض دول العالم.

الحرب ضد النخب

القادة الشعبويون، بحكم التعريف، يخوضون صراعاً أبدياً ضد “النخب” أينما كانوا ويحرضون الجماهير ضدهم. والنتيجة الحتمية هي إبعاد تلك النخب عن الحكومة والشأن العام، والإصرار على التشكيك بمهنيتهم في عملهم، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، هم غير مؤمنين بالفصل بين السلطات وهم ضد الرقابة المالية والادارية، ويحاربون الرقابة البرلمانية والقضائية، وبالتالي هم ينتهكون مبدأ الرقابة والتوازن الضروري لاتخاذ قرارات صحيحة. إنهم أبطال العالم في التحريض والتقسيم وطريقة الفصل في الحكم، ويقضون على أي إمكان لتوحيد مؤسسات الدولة وتعزيز قدرة النظام العام.

هم من أنصار الرأسمالية الحرة، ويعملون لمصلحة الرأسماليين ولمصالحهم، ويعارضون الانخراط في الحياة المدنية وإدارة ميزانيات الدولية الوطنية، حتى يتمكنوا من خفض الضرائب على أقرانهم من رجال الأعمال الذين وجدوا أنفسهم أيضاً تحت السيطرة. 

إنهم يخفضون ميزانيات الوزارات عموماً، والإنفاق على الصحة العامة بوجه خاص، في غياب المعايير والموارد غير الكافية التي تهدد عادة بانهيار المستشفيات والمؤسسات الصحية، وتحت ضغط الأعباء والاعتماد على الطواقم الطبية التي يتم استهلاك قوتهم في مكافحة الفايروس يتم تعريض حياتهم للخطر. 

وعلى عكس الدول الأوروبية الديموقراطية الاجتماعية، هم  أضعفوا على مر السنين أنظمة الصحة المجتمعية إلى جانب آليات الرعاية والمساعدة الاجتماعية، ويتأثر مواطنوهم أكثر بالأزمة الاقتصادية ويعتمدون بشكل أكبر على استعداد زعيمهم لدفع معونات لمرة واحدة تكون ذات فائدة هامشية. 

في غياب أنظمة الدعم، تكون قدرة الخدمات العامة أدنى من قدرة تلك التي في الديموقراطيات التي لا يسيطر عليها قادة مثلهم على التعامل مع التداعيات النفسية للأزمة الاقتصادية والطبية، والأمراض كالاكتئاب الذي قد يؤدي إلى الانتحار.

ترامب وبولسونيرو، ربما على عكس نتانياهو ومودي، يستغلان جهل الكثير من مؤيديهما ومعجبيهما لتقويضهما الإيمان بالعلم خصوصاً، ويستغلون أولئك الذين يؤمنون بوجود الحقائق المطلقة عند معجبيهم. في عهد ترامب تحولت الولايات المتحدة، ببطء إلى مكان تُقبَل فيه الحقائق العلمية والأحكام الصحية بشكل متزايد على أنها دعاية كاذبة من قبل الليبراليين المتغطرسين، الذين يتمثل هدفهم الأساسي في إلحاق الأذى بقائدهم المحترم، وأصبح تجاهل الاحتياطات والتدابير الوقائية لمواجهة “كورونا” بالنسبة إليهم رمزاً للهوية ومصدراً للفخر.

لم يحصلوا دائماً على الأفضلية الكاملة  في كل نجاح، ويحملون الآخرين المسؤولية عن كل فشل. ويستغلون الوباء الرهيب لزرع الفتنة ومهاجمة منافسيهم. لقد وصف كل من ترامب ونتانياهو المتظاهرين ضدهم بأنهم ناشرون للأمراض وتظاهراتهم حاضنات “كورونا”، من دون أي دليل أو أساس علمي، وأنهم من شعب لا تنطبق عليهم القواعد، فهم يقدمون مثالاً سيئاً للجمهور ويشجعونه على تجاهل التعليمات وتدابير السلامة.

تخضع اعتباراتهم الوطنية دائماً لمصلحتهم الشخصية، رفض نتانياهو تسليم مسؤولية مواجهة “كورونا” إلى الجيش الإسرائيلي فقط/ لأنه يخشى من تعزيز قوة نفتالي بينيت أولاً (عندما كان وزيراً للأمن قبل الانتخابات التي أجريت قبل أشهر)، وبني غانتس ثانياً (وزير الأمن في الحكومة الحالية)، واستسلم أكثر من مرة لشركائه في الائتلاف الحكومي، مخاطراً بالصحة العامة وخوفاً من التخلي عنه. 

هو يحارب من أجل حريته وضد محاكمته وعدم سجنه بسبب التهم المنسوبة اليه بالفساد. إن اهتمام نتانياهو بالضغط من أجل فرض إغلاق صارم (بذريعة الحد من الزيادة الهائلة في عدد المصابين بكورونا، الذي تخطّى الـ5000 إصابة) هو قمع التظاهرات التي تنتهك سلامته، وقد تعرض وضعه للخطر أيضاً.

إنهم يهتمون بأنفسهم أولاً وقبل كل شيء، ومع ذلك يقنعون جمهورهم بأن العناصر المعادين، والمشتبه بهم دائماً، من صحافيين ووسائل إعلام وأوساط أكاديمية وقانونيين، هم المسؤولون بشكل أساسي عن فشلهم المستمر في كفاح “كورونا”. هذه هي الطريقة التي وصلوا بها إلى هذه النقطة، وهذه هي الطريقة التي سيستمرون بها في الحكم حتى عزلهم من المنصب.

المرشح الأول في الترتيب هو ترامب، على افتراض أنه سيخسر في الانتخابات التي ستجرى في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، ولم ينفذ تهديداته بالاستيلاء على كرسيه بالقوة، وبالتالي خلق أزمة داخلية عميقة لن تؤدي إلا إلى تفاقم الضرر الذي يلحقه الفايروس بمواطنيه. 

ترامب هو أول قطعة دومينو، إذا خسر، فسوف يتبعه عاجلاً أم آجلاً القادة القوميون والشعبويون والحزبيون الذين يستمدون سلطتهم منه، من بولسنيرو في البرازيل إلى نتانياهو في اسرائيل.

  • ترجمة مصطفى ابراهيم